تعتبر التربية والتكوين سيرورة إنتاج وتحويل، بحيث يشكل الإنسان مادتها الأولية ومنتوجها النهائي، فأي مجتمع يعرف إقلاعا تنمويا لابد وأن يكون قد مر عبر قناة الاستثمار في التربية والتكوين. ذلك أن التعليم يؤثر في مستوى التنمية البشرية والتنمية المستدامة، كما يساهم في ارتفاع الوعي الصحي والاهتمام بالبيئة والشعور بالمواطنة الحقة، حتى أضحت المعرفة جزءا لا يتجزأ من الحياة الفردية والجماعية. وينطلق علماء الاقتصاد من المماثلة بين الرأسمال المادي والرأسمال التربوي، ليخلصوا إلى وجود تشابه بين الاستثماريين؛ فالاستثمار التربوي يساهم في مضاعفة دخل العائلة في المستقبل وفي ارتفاع مستوى المعيشة والدخل الفردي، ليتم بذلك الانتقال من مقاربة التربية والتكوين كقطاع غير منتج إلى التعليم كمقاولة، وهذه المقاربة الاقتصادية هي الطاغية في صياغة البرنامج الاستعجالي. المغرب بدوره وأسوة بباقي دول العالم، ينفق ميزانية مهمة على نظامه التربوي، لكن النتائج المحققة تبقى دون مستوى الانتظارات، فمن المفروض أن يؤدي الاستثمار في المجال التربوي إلى جانب عوامل واستثمارات أخرى، إلى تقدم في هذا المجال، لكن جل المؤشرات تؤكد أن التقدم الذي حصل ليس في مستوى الاستثمارات. هذه الوضعية تستدعي طرح الإشكالية التالية: ما مدى تأثير التكلفة المادية على مردودية التربية والتكوين بالمغرب؟ إذا ما استعرضنا مصادر تمويل التربية والتكوين بالمغرب نجد صعوبة في تقدير تكاليف منظومة التربية والتكوين بالمغرب، نظرا لغياب نظام محاسباتي، فمن المفروض محاسبة النظام التربوي ضمن النظام المحاسباتي الوطني، إلا أنه ومع وجود صعوبة وضع الحصيلة، يتم اللجوء إلى مقارنة المنظومة التربوية الوطنية مع المنظومات الدولية. ومع ذلك يمكن تلخيص الوسائل المرصودة للمنظومة التربوية في ثلاثة عناصر أساسية: الموارد المالية والموارد البشرية وبنيات الاستقبال. هناك مصدران أساسيان للموارد المالية لقطاع التربية والتكوين؛ التمويل الخارجي الذي يعتمد على المنظمات الدولية بما فيها البنك الدولي، واليونسكو، والبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الإسلامي، والبنك الأوروبي، ومنظمات غير حكومية دولية، وبرامج التعاون الدولي... أما التمويل الداخلي فيتمثل في التمويل العمومي، وتمويل المنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى التمويل الخاص. واذا تساءلنا عن مدى تأثير كلفة التربية والتكوين على المردودية التربوية بشقيها الداخلي والخارجي، نجد ان المردودية الداخلية ترتبط بالعلاقة بين المدخلات التربوية وأهداف النظام التربوي المسطرة في صورة نتائج، وتعتبر هذه المردودية مؤشرا نسقيا يترجم انعكاسات التكرار والانقطاع على فعالية السيرورة التربوية في تكوين الخريجين. وتتم مقاربة المردودية الداخلية لنظام التربية والتكوين من خلال مؤشرات من قبيل التكرار والنجاح، ونسبة تعميم التمدرس، وسنوات الاحتفاظ بالمدرسة، والتمكن من التعلمات الأساسية... إلا أن تزايد نسبة تمدرس الأطفال في السنوات الأخيرة، لايفسر ارتفاع الكلفة المرتبطة بالتربية، فهذا الارتفاع راجع بدرجة كبيرة إلى الهدر المدرسي، ذلك أن ارتفاع نسبة التكرار والانقطاع يعتبر مؤشرا لضعف اشتغال النظام التربوي، ويشكل عاملا لايستهان به لارتفاع التكلفة. تؤكد مجموعة من المؤشرات على ضعف المردودية الداخلية للنظام التربوي المغربي، فنسب التكرار والانقطاع المرتفعة، وانتشار ظاهرة الساعات الإضافية، والملاحظات الواردة في تقرير البنك الدولي، والرتبة المتدنية للمغرب من خلال رائز TIMSS أو روائز الرياضيات، كلها تبين أن جودة التحصيل في المدرسة المغربية لازالت دون المستوى المطلوب وتستدعي التدخل لإصلاحها. وتبقى بذلك المردودية الداخلية للمنظومة التربوية ذات نتائج ضعيفة بتكلفة مرتفعة، ويبقى المغرب يشكل استثناء بين الدول حيث الكلفة مرتفعة بدون الجودة المطلوبة. وتتمثل المردودية الخارجية في مدى فعالية منظومة التربية والتكوين لاستجابة الخريجين لسوق الشغل، فهي ترتبط إذن بعلاقة المخرجات بتلبية متطلبات سوق الشغل. إلا أن المردودية الخارجية للمنظومة التربوية تعرف ضعفا في هذا المجال، فرغم المجهودات المبذولة يبقى مستوى التأهيل لتلبية عرض الشغل غير كاف. فنسبة البطالة بين حاملي الشهادات تعد الأكثر ارتفاعا بين الفئات الأخرى من حاملي الشهادات، كما تسجل بطالة خريجي بعض المسالك الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح، مع ندرة الكفاءات في بعض القطاعات. رغم تحقيق بعض المؤشرات الكمية، فإن النظام التربوي لازال يشكو من اختلالات عرفها التدبير العمومي لسنوات من قبيل: تدني مستوى التعليم وخصوصا اللغات الأجنبية والعلوم، وارتفاع نسب التكرار والتسرب الدراسي، بالإضافة إلى بطالة الخريجين من النظام التربوي وخاصة حاملي الشهادات العليا، ناهيك عن قصور في أسلوب الحكامة وضعف مردوديتها. ولتجاوز هذا الوضع نرى ضرورة العمل على عدة مستويات منها: تدبير الميزانية المرتكزة على النتائج، وتدقيق النجاعة مع مراقبة النفقات، بالإضافة إلى جعل الإنفاق التربوي استثمارا أساسيا وحاسما في المستقبل؛ على مستوى المجتمع، العمل على إصلاح الإدارة، وتقليص مظاهر الفساد، ومحاربة الفقر والتهميش ومظاهر الإقصاء... أما على الصعيد التربوي، فمن اللازم اعتماد حكامة جيدة لتدبير النظام التربوي، والبحث عن مصادر للتمويل، والاعتناء بالعنصر البشري تحفيزا وتكوينا، وتوفير البنيات التحتية بشكل متوازن بين الجهات والمناطق... * إطار تربوي