في ديوانه الموسوم ب «ترانيم بوذا الصغير»، يلتقط الشاعر علي أزحاف الكثير من «الصور العابرة» و«التفاصيل الصغيرة» - وهما هنا عنوانان لنصين شعريين داخل الديوان - وهي صور وتفاصيل يقبض عليها الشاعر من خلال المعايشة والمعاينة أو عبر التذكر والتخيل والتأمل، بعضها عبارة عن مشاهدات تفرض على صاحبها صياغتها عبر الوصف، وأخرى انطباعات حسية وجدانية تتخذ شكل مناجاة للحبيبة تقتات على لغة الوجد والعشق، وبعضها تأملات تنشد الحكمة وتطلب الفكرة والومضة الوضاءة، لكن التيمة الغالبة على مجموع قصائد الديوان - والتي يشاء صاحبها أن يسميها على غلاف منشوره ب «نصوص شعرية» - هي تيمة الحب والعشق، لذلك، فإن الشاعر الناطق في هذا الديوان هو واحد من «آخر الرومانسيين» الذين يقول عنهم في قصيدة تحمل نفس العنوان إنهم: «يذبلون فوق كراسي المقاهي يتقاسمون السجائر وقصص الحب الحزينة ويحلمون بغيفارا والثورات والأشعار الجميلة... في آخر الليل يركنون إلى الحانات ويرشفون الكأس بطيئا يتأملون رؤوسهم الشائبة في انعكاس المرايا يحكون بلغة متعبة للعاهرات، إنجازاتهم القديمة« (127) إن المزاوجة بين الوصف والسرد كما هو واضح في النص السالف تمنح للكتابة الشعرية ولغتها عند الشاعر علي أزحاف سهولتها وسيولتها السلسة، اللتين لا تستقيمان في العادة إلا لكاتب محترف ومتمرس يتقن تشطيب الزوائد وتشذيب اللغو عن اللغة، وتهذيب المعنى والدلالة وترتيب المفردات والألفاظ في قلادات لا تخلو من جمالية وإتقان. وإذا كان العنوان: «ترانيم بوذا الصغير» يمكن أن ينظر إليه كأناشيد تنشد الحكمة. فإن الكتابة الحكمية أو بلغة أخرى: الشذرة لم ترق بين دفتي وضفتي هذا الديوان لا الى مستوى بوذا الكبير، ولا الى مستوى بوذا صغير، لأن كل ما انطوى عليه الديوان من حكم لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة. ويمكن أن نجمل أهمها في هاتين الشذرتين، مع التذكير بأن معانيهما مألوفة ومعروفة ومكرورة ومجترة نقرأ في الصفحة السادسة: «وتذكر أن في رحم الألم تولد اللذة» وفي مقطع آخر نقرأ: «النهر يدرك المبتغى النهر يمتلك ذاكرة المجرى والبحر هو المنتهى» (ص 10) وكلما اتجه الشاعر نحو البحث عن شذرة حكمة يرصع بها نصه الشعري، كلما غفل لغته الشعرية الجميلة فخفت لمعانها ليضيع بذلك الشعر والفكر معا. لكن لنتذكر أن الشاعر علي أزحاف في باكورته الشعرية «ترانيم بوذا الصغير» هو في الأصل كاتب قصة قصيرة ومن كوكبة مبدعيها المجتهدين، لذلك فإنه إذ حاول كتابة الشعر، وهو على نضج قريب منها لا يزعم أو يدعي أنه كتب قصائد وإنما «نصوصا شعرية» مع العلم أن في قصائده، ولا أسميها نصوصا، من الشاعرية والشعرية والجمالية ما لا يتوفر للكثيرين غيره من المدعين وغير المدعين، آمين.