مظاهرة مساء السبت 4 فبراير في قلب تل أبيب، التي جرت تحت شعار «عرب ويهود معاً»، ضمت الآلاف، احتجاجاً على سياسات الهدم والعنصرية والتمييز التي تواجه المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق 48، كانت حدثاً سياسياً هاماً، اتى في الوقت المناسب، كي يُضاف إلى سلسلة من التوقيتات الملائمة، التي سجلها النضال العربي الفلسطيني المتصاعد، وراكمتها الجهود الدؤوبة المتأنية الراسخة، في مواجهة سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وحكوماته المتعاقبة، بما فيها اشد تلك الحكومات عنصرية وعدوانية، لا سيما حكومات نتنياهو الائتلافية المشكلة من أكثر الأحزاب تطرفاً وعنصرية وعداءً للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين وللمسيحيين معاً. وكان فلسطينيو الداخل، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، قد سجلوا سابقتهم الكبرى المؤرخة بيوم الأرض عام 1976، فغدا ذلك الحدث التاريخي أول انتفاضة جماهيرية ذات معنى عميق وحضور دائم، في مجال التماسك الذاتي والوحدة، على قاعدة برنامج عمل واضح الهدف، وهو ما شكل نقلة نوعية في مسار النضال والنهوض الوطني لفلسطينيي مناطق 48، خاصة بعد تولي نتنياهو إدارة حكومته الثانية، وشرّع بالمزيد من إجراءاته العنصرية، حيث فرض التحدي استجابة الضرورة على فلسطينيي ال 48 وعلى قراراتهم الوطنية، فكان يوم 22/1/2015، قراراً سياسياً عميقاً بامتياز، ونعني به إعلان ولادة الائتلاف السياسي بين التيارات السياسية الرئيسية الثلاثة : 1 - التيار اليساري، الجبهة الديمقراطية، 2 - التيار الإسلامي، الحركة الإسلامية، 3 - التيار القومي، التجمع الوطني الديمقراطي. هذه التيارات التي قررت خوض الانتخابات البرلمانية يوم 17/3/2015، بقائمة موحدة مشتركة، لتنال 13 مقعداً لأول مرة منذ عام 1948، ومن ضمنهم نائب يهودي إسرائيلي موقعه الثامن في القائمة، وبالتالي تعمق حضورهم، وازداد صلابة في مواجهة السياسات الرسمية لحكومة نتنياهو اليمينية العنصرية. والحق، ان التماسك الداخلي الفلسطيني في مواجهة السياسات العنصرية للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، لم يكن كافياً ولن يكون كذلك، بحكم ثلاثة عوامل هامة: أولاً : اختلال موازين القوى المحلية لصالح الأغلبية الإسرائيلية التوسعية ونهجها الاستيطاني ونزوعها العنصري وتراثها الاستعماري، كمهاجرين أجانب في أرض الفلسطينيين وعلى تراب وطنهم . ثانياً: رجحان حجم الدعم والتأييد الذي تحظى به التنظيمات الصهيونية، وشدة تأثيرها على مؤسسات صنع القرار في الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا، ما ظل يوفر للسياسات الإسرائيلية مظلات حماية وإسناد سياسي تمنعان فرص الإدانة، وتحولان دون التعرية لسياسات تل أبيب التمييزية والعنصرية والاستعمارية . ثالثاً: ضآلة ضعف التأييد والمناصرة العربية والإسلامية والمسيحية والدولية، لنضال الفلسطينيين في مناطق 48. قادة المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق 48 يدركون ضعف حركتهم ومحدودية حجم التضامن معهم، ولذلك عملوا على تحقيق شرطين حتى يواصلوا نضالهم الوطني على الأرض، وحتى يكون لنضالهم شرعية ومعنى وأثر ونتائج ايجابية، وذلك بهدف إنجاز تطلعاتهم المزدوجة؛ أولاً تطلعهم من أجل تعرية السياسات الرسمية الإسرائيلية، وثانياً سعيهم من أجل إلغاء مظاهر وأنظمة وقوانين السياسة العنصرية والتمييز السائدة ضدهم، وثالثاً عملهم الدؤوب من أجل تحقيق خطوات المساواة الكاملة لهم على أرض وفي طنهم ، الذي لا وطن لهم سواه. لقد كان خيار الجماهير العربية متمركزاً، بطبيعة الحال، في العمل على تحقيق الشرط الأول، الذي يوفر لهم توسيع قاعدة الدعم والإسناد، وذلك عبر اختراق المجتمع الإسرائيلي، وكسب تأييد قطاعات إسرائيلية تقدمية لعدالة نضالهم وشرعيته، والمشاركة معهم في هذا النضال، فكانت هذه التظاهرة المشتركة يوم السبت 4/2/2017 ثمرة من تلك الثمار المرجوة، تحمل عناوين «عرب ويهود معاً» وشعارات «آن الأوان لنتحد» و«معاً نجابه الفاشية» و«عندما تقف الحكومة ضد الشعب، يقف الشعب موحداً ضد الحكومة». ورداً على سياسات هدم بيوت الفلسطينيين في النقب البدوي رفع المتظاهرون الشعار «هم يهدمون ونحن نبني» وقاد التظاهرة نواب الكنيست من القائمة المشتركة، ومنظمة «يهود وعرب معاً»، ولجنة المتابعة العربية، والحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحركة ميرتس، وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات ديمقراطية وتقدمية، ولا شك أن نجاحها سيولد مظاهر كفاحية مشتركة يتم البناء عليها، لتترسخ وتتواصل وتتسع اكثر فأكثر. أما الشرط الثاني المطلوب فقد تحقق في مظهره المباشر، حيث تمثلت بداياته في اللقاء الهام الذي أجراه قادة الوسط العربي ممثلاً بلجنة المتابعة وقائدها محمد بركة، الذي انتخب يوم 24/10/2015، كقائد له خبراته ومكانته ، ففي ذلك اللقاء غير المسبوق الذي تم يوم 25/1/2017، مع سفراء المجموعة الأوروبية الثمانية والعشرين في تل أبيب ، وهو لقاء سيفتح بوابات مغلقة امام الوسط العربي الفلسطيني من أبناء مناطق 48، نحو أوروبا والدول الغربية ، ليعدل من مواقفها بشكل تدريجي، وبخطوات تراكمية، من موقع الانحياز المطلق للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، نحو مواقف وسياسات التفهم لمعاناة هذا القطاع من الفلسطينيين، وتوفير فرص الدعم والإسناد السياسي والمعنوي لهم، في مسيرة نضالهم التراكمي والتدريجي نحو انتزاع المساواة وحقوقهم وأرضهم في وطنهم المصادر.