لم تتسع قاعة الاجتماعات بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمراكش للحشد الهائل من المناضلين الاتحاديين والمقاومين والوطنيين يوم السبت الماضي، الذين جاؤوا لحضور الذكرى الأربعينية لوفاة الوطني والمقاوم والمناضل الاتحادي الفذ الحاج حامد بن رحال زريكم، والتي نظمتها المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير وأسرة الفقيد.. وتميز اللقاء بحضور رسمي، حيث رافق المندوب السامي والي جهة مراكش ووالي الأمن وقيادات الدرك الملكي والجيش والقوات المساعدة والوقاية المدنية وعدة شخصيات رفيعة المستوى، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ونقابية وجمعوية من مختلف الطيف المراكشي وحتى من خارج الإقليم، إضافة إلى حضور أسرة الراحل وأصدقائه وقيادات الاتحاد الاشتراكي بمراكش. حفل تأبيني يليق بمكانة الفقيد، وتبين ذلك من خلال حضور وجوه نضالية غابت منذ سنين لكنها أبت إلا أن تحضر في تأبين هذا الرجل الذي لم يكن مناضلا عاديا بل كان واحدا من الرجال الشوامخ ممن قدموا الكثير من الخدمات الجليلة لوطنهم قبل الاستقلال وبعده.. المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير أشار إلى الكثير من الخصال التي ميزت الرجل ودوره في الكفاح الوطني من أجل استقلال البلاد.. وتوالت الكلمات التي أجمعت على أن الرجل كان من طينة المناضلين الذين أخلصوا في المبدأ، ولم يتزعزع يوما عن قيمه النبيلة، وهو الذي خبر المعتقل في عهد الاستعمار الغاشم وخبر المحن في سنوات الرصاص وظل شامخا ثابتا ولم يتبدل تبديلا. كل الشهادات أكدت أنه من المعدن الصافي الأصيل للمناضلين الذين جعلوا المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار.. إجماع يؤكد أن رحيله خسارة فادحة، خصوصا أننا مازلنا في حاجة إليه لأنه ليس مجرد مناضل صامد، ولكنه كان سياسيا له القدرة على الإبداع والتفكير والحسم في نفس الآن، كما أنه واحد ممن كانوا يمارسون عملهم بتنظيم محكم يعتمد على الرزانة والحكمة والتحليل الملموس، وفوق هذا وذاك يعتمد على المعلومة الدقيقة والصحيحة والموثوقة.. وكان مؤمنا بالعمل المنظم من خلال وضع ملفات لكل عمل وتوثيقها بدقة متناهية معززة بأرقام وإحصائيات دقيقة وبشكل مؤسساتي عميق.. شهادات من رجال خبروا الرجل ورافقوه في النضال من أمثال محمد الخصاصي وإدريس أبو الفضل، مقاومون مناضلون رفقاء جمعته معهم المهنة أو قضايا مشتركة في الفلاحة أو التجارة.. الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الحق العندليب تحدث عن الراحل بإسهاب، وخصوصا مواقفه الثابتة ونضالاته الكبيرة في صفوف حزب القوات الشعبية، ودوره الكبير في العمل الجماهيري والجمعيات المدنية والحقوقية، حيث قال على الخصوص: "كان الفقيد من أهم نشطاء المجتمع المدني، مدافعا باستماتة عن حقوق المستضعفين وعن قضاياهم العادلة، حيث انخرط في التأسيس في الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وفي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، بالإضافة إلى الانخراط في العديد من الجمعيات والمنظمات المهتمة بالعديد من المجالات والقضايا، كالنقابة الوطنية للفلاحة والنقابة الوطنية للتجار والمهنيين"، وقال عندليب بأنه من خلال كل هذه الواجهات التمثيلية والمدنية كان الحاج حامد زريكم المدافع الأمين عن مطالب المواطنات والمواطنين وطموحاتهم.. ولعل اللحظة القوية والمؤثرة في هذا الحفل التأبيني كانت تلك التي تناول فيها الكلمة خالد زريكم ،ابن الفقيد، نيابة عن الأسرة، حيث تقدم بالشكر والامتنان لكل الذين تكبدوا العناء من أجل الانضمام إلى الأسرة لحضور جنازة الفقيد وتشييعه إلى مثواه الأخير، وخاصة منهم الذين وقفوا إلى جانب الأسرة في تلك اللحظة ولم يقصروا من ناحية تقديم وتوجيه النصائح والدعم وما انفكوا يقومون بذلك الى هذا الحين، تم شكر من قدم التعازي مباشرة عن طريق « الكينونة معنا ومقاسمتنا الحزن او عن طريق المراسلات، لهؤلاء وغيرهم ممن رافقونا لزيارة قبر الفقيد والترحم عليه في ذكراه الاربعينية نتوجه بالشكر وخالص الامتنان، ثم لا أنسى أن أفرد وأخص بالشكر المندوب السامي للمقاومة الدكتور مصطفى الكثيري والنائب الاقليمي للمندوبية الاستاذ جولان على التحضير والتهييئ لهذه الذكرى الأربعينية.»ووجه خالد زريكم الشكر لكل من ساهم من بعيد أو قريب ولكل الحاضرات والحاضرين..تم انتقل ليتحدث عن الراحل حيث قال: «إن أهم تركة تركها المرحوم هي إرث لا مادي والمتمثل في شريحة من أصدقائه المتفاوتة الأعمار والمتنوعة المشارب والتي تتفق وتتلاقى أساسا في رقي الأخلاق من صدق ووفاء وجدية، هؤلاء النساء والرجال هم أصدقاء لنا أيضا يوثق بهم ويعتمد عليهم في كل آن ومكان». وقال ابن الراحل بأنه لن يضيف أكثر مما قيل عنه «لكنه ،بالنسبة لنا، كان الأب الحنون والعطوف الذي لا يتوانى في استعمال الشدة والصرامة في وقت الحاجة، والذي يتحلى بروح المسؤولية ويبثها في نفس كل فرد من أبنائه وبناته، صرامة ومسؤولية نابعة من جوهر العطف الذي غمر به أسرته، وإلى جانب الأبوة تبنى دور الأخوة، وبامتياز، حيث سرعان ما يتحول من أب بتلكم الصفات إلى أخ مؤازر مواس متعاطف يشد العضد في أوقات المحن، فلا يدع أبناءه وبناته لريب الزمن وخطب المحن، ثم بعدها كان نعم الصديق الأريب العفيف اللبق الحكيم ذي العقلية الانفتاحية الذي يناقش ويبدي رأيه بكل شفافية ووضوح في جميع المواضيع». هذا وقد قدم المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري، الذي كان مرفوقا بوالي مراكش وعدد من الشخصيات الرسمية والمدنية، وسام الاستحقاق من درجة ضابط الذي أنعم به جلالة الملك على الفقيد الراحل حميد زريكم وتسلمه ابنه خالد.. كما تم توشيح مقاومين آخرين، وكانت أيضا مناسبة لتقديم مساعدات لأرامل بعض المقاومين ممن غادروا الحياة مؤخرا..