ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الأضداد في رواية «النمر الفيتنامي» لحسن بحراوي

ينهض النص السردي في رواية «القط الفيتنامي» لحسن بحراوي على تيمة «الموت» التي تعتبر خطأ ناظما يؤطر شبكة الحكي السردي الذي يتشعب بين باقي الشخصيات، محققا وظيفة حكائية تساهم في انطلاق ‘'الاستهلال الروائي'' الذي يؤهل السارد للولوج إلى حيوات الشخوص المحورية
ينهض النص السردي في رواية «القط الفيتنامي» لحسن بحراوي على تيمة «الموت» التي تعتبر خطأ ناظما يؤطر شبكة الحكي السردي الذي يتشعب بين باقي الشخصيات، محققا وظيفة حكائية تساهم في انطلاق ‘'الاستهلال الروائي'' الذي يؤهل السارد للولوج إلى حيوات الشخوص المحورية، ولذلك لا تقتصر رمزية الموت على حادثة الغياب كمعطى وجودي بل كآلية سردية لتنويع طرائق أخذ الكلمة بالنسبة لشخوص الرواية، لكي يعبروا عن مواقفهم تبعا لتعدد أشكال الموت واختلاف الشخصيات ومساراتهم بين العنف والعنف المضاد والعنف الإرهابي، في مدخل الاستهلال الروائي يتم تبئير النظر إلى عائلة الراوي التي قامت بتربية قط صغير يشبه النمر (ولهذا النمر قصة حقيقية طبعت طفولتنا أنا وإخوتي، فقد كان هذا النمر في الأصل قطا عاديا مثل جميع القطط عثر عليه الوالد في الميناء، وجاء به إلى البيت ليلعب به الأطفال، لكنه مع مرور الوقت، ومستفيدا من الأطعمة التي بدأت تقدم له بوفرة بعد أن صار يكبر ويتضخم تدريجيا، حتى تحول ذات صباح من تلقاء نفسه إلى نمر متوحش، ص 3)، لكن النمر الذي كان يتعايش في سلام وسكينة مع أطفال عائلة الصحراوي، بدأ يزعج الجيران ويعتدي عليهم كما حدث للجار عز الدين، المهاجر الذي يحمل الجنسية الهولندية، عندما باغته النمر ذات صباح وهو يقوم برياضة المشي (وما أن اختار الأزقة الأولى المجاورة لإقامته، حتى أوشك قلب عز الدين أن يتوقف عن الخفقان وهو يشاهد بأم عينيه نمرا حقيقيا ضخما يتقدم نحوه، ص، 6) فخاف عز الدين على نفسه وأخبر السلطات التي حضرت بمختلف أصنافها لمطاردة النمر إلى أن عثروا عليه (سدد أحد القتلة فوهة بندقيته جهة الحيوان المسكين الذي عاد إلى الظهور على حين غرة وضغط على الزناد، فسمع صوت طلقة مرعبة اهتزت لها أرتاج النوافذ المجاورة وتبعتها طلقة ثانية وصل صداها الرهيب إلى أبعد نقطة في الزقاق، ص، 8) لكن أطفال عائلة الصحراوي لم يتخلوا عن صديقهم النمر فطالبوا بإكرام الميت عن طريق دفنه (وكان أول شيء قمنا به بعد مقتل النمر هو المطالبة رسميا بجثمانه لتولي دفنه بالطريقة التي تليق به، ص8) ولقد تفتقت بصيرة الأطفال بتنسيق مع الصيدلي منير( أن نقوم بتحنيطه، ص9) وتوصلوا إلى تحقيق هدفهم بعدما تواطأ معهم أبا عمر الذي يعمل بحديقة الحيوان حيث أقاموا للقط حفلا بهيجا، قام بتنشيط فقراته الغنائية،صديق عائلة الصحراوي المغني الشعبي حجيب (وهي الزيارة التي قام بها لبيتنا الفنان الشعبي حجيب وكان قد سمع بجهودنا في سبيل إنصاف ذلك الحيوان فأبى إلا أن يحضر شخصيا لكي يشد على أيدينا ويأخذ له صورة تذكارية مع النمر المحنط ص، 21)
بعد موت النمر الفيتنامي سينتقل الموت إلى الجار عز الدين، وسيتهم باعمر الحارس الذي يعمل بحديقة الحيوان وسبق له أن حارب في الهند الصينية وعند عودته إلى المغرب التحق بالمعارضة المغربية التي كانت توجد في الجزائر، كما سيتعرض باعمر بدوره للموت، وكان السبب الذي أدى إلى وفاته عمليات التعذيب التي تعرض لها وذلك للانتقام من ماضيه النضالي ولشبهة علاقته الرفاقية بالزعيم هوشي منه، وزميله في الحرب الجنرال جياب، وربما أن قساوة ذلك التعذيب الذي تعرض له ناتج (عن عداوته مع أوفقير والدليمي اللذين ساماه أسوأ العذاب في دار المقري ولم ينالا من صموده ووفائه لصديق عمره شيخ العرب..... أو عن رحلاته إلى فرنسا للقاء الفقيه البصري أو إلى دمشق لتدريب فصائل المقاومة الفلسطينية ص 47) ستحوم الشكوك كذلك حول شخص غريب عن المدينة يعمل «حلايقي» قالوا إن له يدا في اغتيال عز الدين لعلاقته بمتطرفين ينتمون إلى حي سيدي مومن، لكن عند التحقيق معه كان الحلايقي يرتبك في أقواله واعترافه بأسماء الإرهابيين الذين ذكر منهم قائمة أسماء هي لمجموعة من الأولياء والصلحاء الذين توفوا منذ قرون خلت، كالقطب الصوفي مولاي عبد السلام بن مشيش وعبد القادر الجيلالي وبوشعيب الرداد وسيدي سليمان الجزولي مع ذكر عناوين مزاراتهم، لكن تأكد للشرطة والمحققين أن هذه الاعترافات مجرد هلوسات وأضغاث أحلام اليقظة، لهذا سيخلون سبيله، بعد أن عثروا على الجاني الحقيقي، الذي له علاقة بالمتطرفين الذين يقيمون بحي سيدي مومن.
في هذا الفصل الأول الذي يمثل «الاستهلال الروائي» نلاحظ غلبة السرد الخطي الذي ينحو أفقيا من البداية إلى النهاية أو من ولوج القط النمر إلى بيت عائلة الصحراوي واستعراض مصائر الشخوص المجاورة للسرد الحكائي وكأننا في هذا الاستهلال الروائي أمام تكثيف مركز لوقائع الرواية عن طريق لعبة الترجيع المرآوي mise en abyme الذي يشبه صورة مقعرة عن مجموع الرواية تجمع أهم المفاصل المكونة للسرد الروائي من خلال التشديد على ما هو أساسي ، لهذا سينتقل السارد في الفصل الثاني من الرواية إلى تبني المقاربة العمودية التي تقدم إضاءات توضيحية وتشريحية لعوالم الشخصيات التي يتم تفصيل القول فيها.
في الفصل الثاني المعنون ب (الشخصيات وعلاقتها حسب الظهور تقريبا) فإن الشخصية الأولى التي تدشن المدخل إلى عالم السرد الروائي هي شخصية الصحراوي، ويمكن التذكير في هذا السياق، أن السرد الحكائي في هذا الفصل يعتمد على الإبانة والتبيين لما خفي من تفاصيل حياتية للشخوص، ففي الفصل الأول يقدم السارد المتكلم معلومات بيو- ذاتية عن الشخصيات المحورية في الرواية عبر لعبة السرد النقدي métafiction الذي يجعل الخطاب الروائي يتأمل ذاته فتتحول الرواية من سرد الحكاية إلى حكي عن السرد ويتحول السرد إلى سرد واصف ونقدي لمساره، فعند حديث المتكلم عن مسار شخصية ‘'الصحراوي'' الذي يرمز ويتماهى مع عائلة (البحراوي) حسن، الذي جاء أبوه قادما من قصر السوق (الريصاني) للعمل في إحدى المدن الشاطئية كسائق بالميناء يقوم بنقل الموظفين، ثم سينتقل للعمل بإحدى المحطات لبيع البنزين ، في هذا الفصل من الرواية يكثر المؤلف عند الحديث عن الصحراوي من استعماله للإشارة المباشرة الدالة على واقعية هذه الشخصيات، لكي يزيل كل لبس تخييلي عنها ، مؤكدا للقارئ أن الأمر يتعلق بشخصيات حقيقية، يقول السارد المتكلم (هنا قال الصحراوي الذي لم يكن قد صار بعد والدي .... لأنه لم يكن قد تزوج بعد المرأة التي ستصبح والدتي، ص 67) كما يذكر السارد أن من اهتمامات الصحراوي وألد عاداته التي ورثها عن أسلافه أنه كان يحب التقاط ما تجود به الطبيعة، من فواكه وخضر وخلافها من خشاش الأرض. ومن العجائب المثيرة التي كان الصحراوي يحملها معه إلى البيت من حيوانات كالسلاحف والقنافذ والسحليات وحتى الكلاب والقطط الضالة (وفي هذا الصنف الأخير يدخل نمرنا الذي جاء أول ما جاء على هيئة هر كبير، تخلى عنه أربابه من أصحاب سفينة فيتنامية ص، 76) وفي سياق الإضاءة يقع التركيز على الثنائية الضدية واقعي أو تخييلي عند الحديث عن تحولات القط الفيتنامي إلى نمر، التي تثير دهشة القارىء فيعترف الكاتب بطابعها الغرائبي (ولعل مصدر الخطورة والحيرة في هذه الأحداث هو انطلاقها من واقعة جديرة بحكايات الأطفال الفانطستيكية، مدارها قط تائه يتحول إلى نمر مفترس يثير الفتنة في حومة بكاملها، ص 45)
ثم ينتقل المؤلف إلى الشخصية (عز الدين) الهولندي حسب دوره في الظهور على مسرح الأحداث في الرواية، مقدما هذا الشخص الذي هاجر إلى هولندا وتعرف هناك على شابة تسمى سوزانة، تنتمي إلى الحزب الشيوعي، ستتوطد علاقتهما لتفضي إلى الزواج، وبفضل سوزانة سينخرط عز الدين في العمل السياسي ومن أجل تطوير مستواه التعليمي سيلتحق بأحد المعاهد، التي تقدم دروسا ليلية في فنون التواصل وأساليب التخاطب، كما عمل على الرفع من مستواه الثقافي فصار يستغل تربية أبنائه ليراجع معهم (دروس اللغات عبر الانترنت حتى تمكن من مبادئ الحديث بالإنجليزية والاسبانية إلى جانب الفرنسية التي تلقاها في الابتدائي والهولندية التي لقنتها له سوزانة ص80) ويتابع دراسته العليا في الجامعة في تخصص السوسيولوجيا وسيكون موضوع رسالته الجامعية عن عبد الرحمن ابن خلدون الذي قرأ مقدمته باللغة العربية، لقد راهن في أطروحته الجامعية أن يقوم بتفنيد الآراء السطحية التي كانت تنكر أن صاحب المقدمة هو ابن خلدون ( وعند هذا الحد قرر عز الدين أن من واجبه أن يخوض معركة ضارية للدفاع عن ابن خلدون والخلدونية وتمنى لو كان عابد الجابري ما يزال على قيد الحياة ص 83).
عند انتقاله للإقامة بالمغرب تعذر عليه الاتصال بالمختصين في ابن خلدون من الأحياء (فعلي أومليل كان صار سفيرا للمغرب في دولة مصر ولا أمل للقائه، وبنسالم حميش أدركته وزارة الثقافة وأخيرا سمع بباحث أكاديمي آخر، وضع فيه أمله هو عبد السلام الشرادي الذي علم بأنه أنجز ترجمة فرنسية للمقدمة نال عنها جائزة المغرب للكتاب، ص 83)
عند إقامة عز الدين بالمغرب من أجل تحضير أطروحته، زاره ذات يوم مجموعة من الأصوليين الملتحين وعندما خرج للقائهم وسؤالهم عما يرغبون ( أجابه كبيرهم بأنهم جاؤوا ليتسلموا منه المساهمة المالية في بناء المسجد الذي كان في طور التشييد، ص 88) لكن عز الدين رفض أن يستجيب لطلبهم ومنذ ذلك اليوم شاع في المنطقة بأن عز الدين ملحد وخارج عن الجماعة (وقد ذكره أحد خطباء الجمعة بالاسم في مسجد بحي سيدي مومن وندد بموقفه ص، 85)
يمكن رصد الأضداد في شخصية عز الدين الذي سيتعرض للاغتيال كمواجهة متعارضة بين ثقافتين مختلفتين، ثقافة العقلانية الخلدونية وثقافة الانتماء إلى المحافظة والتعصب، الذي سيؤدي إلى قتله من قبل جماعة متطرفة تنتمي إلى حي سيدي مومن، الذائع الصيت من خلال الحادثة الإرهابية الشهيرة.
أما شخصية باعمر أوباسو فقد كان أصله من مدينة أزيلال انخرط في الجيش المعروف في العهد الاستعماري بالكوم ضمن الأفارقة العاملين في المستعمرات الفرنسية، ثم انتقلوا للعمل في الهند الصينية بأسيا وعند وصولهم إلى نهر الميكونغ ذي المياه الحمراء، سيرسلونهم إلى المعسكرات التي أعدتها القوات الفرنسية لاستقبالهم من أجل أن يخوضوا حربا غير نظامية تعرف بحرب العصابات، ونتيجة لإحساس باعمر أن هؤلاء الذين يقاتلونهم لهم نفس القضية المشتركة والعدو الواحد، سينتقل باعمر إلى صفوف الفيتناميين الوطنيين، استجابة للحملات الدعائية التي كانت تشجعهم على العصيان ، ولقد اكتشف باعمر أن الذي يقود الحرب في الجانب الآخر ضد الفيتناميين الوطنيين هو (الملازم المغربي محمد أوفقير الذي عمل منذ أواخر الأربعينات في وحدات تمشيط الأدغال...... وفاقت شهرته الضباط المغاربة الآخرين المرتزقة العاملين ضمن القوات الفرنسية، ص 91) في هذه الفترة سيلتحق بصفوف المقاومة الفيتنامية مغربي آخر،هو عمر الحرش بطلب من الحزب الشيوعي الفيتنامي (وقد كتب الأستاذ الساعف سيرة هذا الجنرال المغربي في حرب الفيتنام ص 99) لكن باعمر أو باسو، بعد حروب ضد القوات الفرنسية وفي صفوف الفيتكونغ سيعود مطلع السبعينات إلى المغرب عن طريق ميناء الصويرة وسيستقر بمدينة مراكش مشرفا على أحد المعامل لبيع مقالع الأحجار، حيث سيورطه أحد الأشخاص ببيعه الديناميت بحجة استعماله في حفر بئر في البادية وهي أمور لن يدركها إلا بعد اعتقاله وتقديمه للمحاكمة السياسية الكبرى التي عرفت في تاريخ المغرب بالمؤامرة، وعند الإفراج عنه سيرسله المناضلون إلى الجزائر وهناك سينظم إلى المعارضة المسلحة، التي سيتركها فيما بعد وسيرحل للعمل بمدينة وهران كحارس في حديقة الحيوان، ثم سيعود إلى المغرب بعد أن تخلى عن العمل السياسي، لكنه سيتعرض للاعتقال ويتم تعذيبه بقسوة إلى الموت (أما عمر أوباسو نفسه، الذي عرفناه قيد حياته باسم أبا عمر، فقد شاء القدر أن يموت في ضيافة أولئك الذي قضى عمره كله يتجنب الصدام معهم، ص 137.
صراع الأضداد في سيرة أباعمر أو باسو، يتجلى في التعارض بين اختيارين، بين من اختار بمحض إرادته أن يكون بجانب الصف الوطني ضد المحتلين الفرنسيين للمغرب و كان في نضاله امتدادا للمقاومة المغربية في الداخل، وبين من عذبوه وقتلوه بعد مجيء الاستقلال وفي مقدمتهم الجنرال أوفقير أحد أذناب الاستعمار الذين انتهوا إلى الخيانة (أوفقير يموت سنة 1972 في أعقاب انقلاب فاشل منتحرا بخمسة رصاصات في ظهره اخترقت إحداها عينه اليمنى ص 136).
يتوالى تقديم الشخصيات حسب ترتيب ظهورها،بالتركيز على شخصية الحلايقي وهو شخصية مبهمة خرج من قريته في بلاد الشياظمة ليزور الولي الصالح سيدي عبد الجليل، الذي قام بكرامات معجزة يتداولها الناس في سائر البلاد،ذات يوم وقف عليه في منامه الولي سيدي عبد الجليل الذي طلب منه أن يهاجر إلى مدينة الصويرة بحثا عن كرامات سيدي مكدول ، الذي سيجاوره الحلايقي وسيقوم بخدمته ،لقد بلغ خبره إلى الباحث الفرنسي جورج لاباصاد الذي يهتم بالبحث في فرقة كناوة التي سبق له أن ألف كتابا حولها،سيتعرف الحلايقي على امرأة مراكشية أيام الموسم لكنها فجأة ستختفي في ظروف غامضة وعندما سيحكي الحلايقي قصته مع المرأة المختفية لصديقه الباحث لاباصاد سيسخر منه محذرا إياه (إذا واصلت الاعتقاد في هذه الخزعبلات فإنني لا أضمن لك أن تحافظ على سلامة عقلك،ص،113) هناك تضاد بين الحلايقي المندمج في عالم الكرامات والباحث لاباصاد الذي يتخذ من الموضوع المدروس مسافة موضوعية، بين الاعتقاد الراسخ للحلايقي بالرؤيا الصوفية التي تصل إلى حد الإيمان بالخوارق التي لا يصدقها العقل ، ورأي الباحث السوسيولوجي لاباصاد، بين المقاربة العلمية أو العقلانية كما يفهمها لاباصاد، والمقاربة الخرافية التي يؤمن بها الحلايقي، حيث يلتقيان في الغرابة الإيمانية عند الحلايقي والغرابة ذات النزعة المركزية التي تستجيب للصورة الإستشراقية للإنسان الغربي التي كونها عن الواقع الشرقي ،
تعمل رواية ‘'القط الفيتنامي'' على تفكيك الأضداد دون الانحياز لأحد الطرفين ، بين علاقة الخارج والداخل التي تؤطر عوالم كثير من الشخصيات، فسواء تعلق الأمر،بمنير أو باعمر أو عز الدين الهولندي فكلهم قادمون من المهجر حيث تشكلت هوياتهم (الفيتنام روسيا هولندا ) لقد كانت العودة إلى الوطن بمثابة نهاية فاجعة لباعمر المغترب في الفيتنام والجزائر وفشل الصيدلي في حبه لودميلا التي افترقت عنه بعد أن لاحظت أن هوى حبه القديم صار يجذبه إلى قاع العودة إلى الوطن، فاختارت أن تتركه لمصيره وهاجرت إلى شمال روسيا،كدلالة على فشل التواصل بين الثقافتين ،
كل هذه الشخصيات تبحث عن معنى لوجودها أو عن هوية صلبة، لكن جميع مكوناتها تصطدم بضدها التوأم الذي يقابلها ،مؤكدة على أن هذه الهويات لا تستقر على أصل أصيل أو عن حقيقة مطلقة، بل هي مجرد تأويلات لصيرورة متحركة،لكنها موصولة بقوانين التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.