يتابع الرأي العام الوطني بالخصوص النقاش المجتمعي الذي انطلق بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، بعد تعيين جلالة الملك للسيد عبد الإله بنكيران من أجل تشكيل الحكومة، وهو النقاش الذي انحصر في محاولة الجواب عن سؤال وحيد وهو :هل عجز رئيس الحكومة عن تشكليها يؤدي إلى حل البرلمان والدعوى إلى انتخابات جديدة، أم أن هناك إمكانات دستورية أخرى تمكن من تجاوز عجز الرئيس المعين في تشكيل الحكومة التي كلف بها. غير أن تطور الأحداث وتسارعها واستحضار المصلحة العليا للبلاد، أي المصلحة الوطنية التي هي مقدمة على كل مصالح الأحزاب كيف ما كانت والمتجلية في استعادة المغرب لموقعه الطبيعي في إفريقيا بفضل ما يمكن تسميته ب«غزوة» الخير والحب والتسامح والتشارك التي قادها ملك البلاد أخيرا وأثمرت من النتائج ما كان يعتبر صعب المنال إلى الفترات الأخيرة يتابع الرأي العام الوطني بالخصوص النقاش المجتمعي الذي انطلق بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، بعد تعيين جلالة الملك للسيد عبد الإله بنكيران من أجل تشكيل الحكومة، وهو النقاش الذي انحصر في محاولة الجواب عن سؤال وحيد وهو :هل عجز رئيس الحكومة عن تشكليها يؤدي إلى حل البرلمان والدعوى إلى انتخابات جديدة، أم أن هناك إمكانات دستورية أخرى تمكن من تجاوز عجز الرئيس المعين في تشكيل الحكومة التي كلف بها. غير أن تطور الأحداث وتسارعها واستحضار المصلحة العليا للبلاد أي المصلحة الوطنية التي هي مقدمة على كل مصالح الأحزاب كيف ما كانت والمتجلية في استعادة المغرب لموقعه الطبيعي في إفريقيا بفضل ما يمكن تسميته ب«غزوة» الخير والحب والتسامح والتشارك التي قادها ملك البلاد أخيرا وأثمرت من النتائج ما كان يعتبر صعب المنال إلى الفترات الأخيرة. وكان من الالتزامات والشكلية المستعجلة التي هي مصادقة المغرب على القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، علما بأن المغرب عندما غادر مؤسسة الوحدة الافريقية لم يكن الاتحاد الافريقي قد أسس بعد. وككل الاتفاقات الدولية، فإن الجهة المؤهلة للمصادقة على مثل هذه الاتفاقات هو البرلمان باعتباره هو المؤسسة الممثلة لإرادة الأمة. غير أن عجز الرئيس المعين عن تشكيل الحكومة بعد مرور ما يزيد عن 3 أشهر عرقل بصفة مباشرة تدشين البرلمان لعمله النهوض بمهامه . وأتت أخيرا دعوة المجلس الوزاري الأخير إلى الإسراع بالمصادقة على القانون الأساسي للاتحاد الافريقي، وهي الدعوى التي أثارت ملاحظات من قبل البعض باعتبارها نوعا من سحب البساط من تحت أقدام الرئيس المعين في تشكيل الحكومة، وذلك بربطها عن حق أو بدونه ، بتأخر التطورات التي عرفتها مهمة تشكيل الحكومة و كذا حرب البلاغات التي اطلع عليها الرأي العام في الأيام الأخيرة. وذهب البعض إلى أنه لا يمكن هيكلة مجلس النواب قبل هيكلة الحكومة، هو المذهب الذي يضع السؤال الدستوري التالي. هل الحكومة هي التي تنصب أغلبية مجلس النواب أم أن أغلبية مجلس النواب هي التي تنصب الحكومة؟ من الممكن تقديم أجوبة، وليس جوابا واحدا لهذا السؤال، بناء على تعدد المنطلقات، إذ قد ينطلق البعض من الدفاع على موقف حزبي أو سياسي معين أو قد ينطلق من رد فعل تجاه حزب أو طرف معين، أو قد ينطبق من تفكير مجازي لا ضوابط له، مما ينتج عن ذلك أن لكل رأي حجية بناء على المنطلق الذي اختاره لنفسه. لكن، عندما يتعلق الأمر بالحديث حول المؤسسات الدستورية المنظمة بمقتضى الدستور، فهل يعقل أن نعطي الحرية لبعضنا البعض في قول أي كلام ولا نلتفت لما أتى به الدستور الذي ينظم تلك المؤسسات الدستورية؟ إن الجواب الصحيح وكذلك الجواب الأخلاقي الذي يبعدنا عن الحسابات السياسوية أو المواقف المبنية على رد الفعل تجاه حزب أو شخص معين لا يمكن إلا أن تنطلق من منطلق واحد وحيد ألا وهو دستور الملكية لنبحث من خلاله من له الأسبقية في التكوين والوجود الدستوري وبالتالي السياسي، هل الحكومة أم هيكلة البرلمان؟ من غير المنازع فيه أن دستور 1996 وما قبله كان يعطي الأسبقية في التكوين والوجود الدستوري للحكومة قبل البرلمان، وذلك لسبب بسيط وواضح لدى رجال القانون الدستوري والفاعلين السياسيين، وهو السبب المتمثل في كون الحكومة تكتسب شرعية وجودها من مجرد تعيينها من قبل الملك، وذلك طبقا للفصل 24 من ذلك الدستور الذي كان يعطي الحق في تعيين رئيس الوزراء وتعيين باقي أعضاء الحكومة و ينص ذلك الفصل على ما يلي: «تعيين الملك الوزير الأول وتعيين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول «ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالته . وأن دستور 1996 من أجل التأكيد على أن تعيين الحكومة هو اختصاص محفوظ لسلطات الملك لم يعط للبرلمان أي سلطة أو حق لمراقبة ذلك التعيين وإنما قصر حق البرلمان في التصويت على البرنامج الذي تقدمه الحكومة بعد تعيينها من قبل الملك، إذ أن ذلك البرنامج هو الذي يكون موضوع مناقشة إذا نص الفصل 60 على ما يلي : «الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان يتقدم الوزير الأول أمام كل من مجلس البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، ويعرض البرنامج الخصوصي والرئيسي للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية بكون البرنامج المشار إليه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ويتلو مناقشة في مجلس النواب تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 75 ويترتب عنه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه. والملاحظ في صياغة هذا الفصل أنه لم يحدد كيفية التصويت على البرنامج الحكومي وإنما أحال في ذلك على الفصل 75 من نفس الدستور. وعندما نعود إلى الفصل 75 نجده ينظم كيفية سحب الثقة من الحكومة، أي أن الحكومة موجودة وقائمة ومشروعة ودستورية بمجرد تعيينها من قبل الملك و أن «إلغاء» تعيين الحكومة إن صح التعبير، لا يتم إلا بسحب الثقة منها. هذه الآلية أي التصويت الحكومة هي التي استعملها دستور 1996 في الفصل 60 عندما اعتبر أن البرلمان لا يملك إلا التصويت ضد برنامج الحكومة وليس ضد الحكومة، وأن ذلك التصويت لا ينتج أثره إلا بأغلبية أعضاء مجلس النواب. فدستور 1996 وما قبله لم يكن يعترف بوجود أغلبية برلمانية فاعلة ومنشئة لبرنامج الحكومة، وبالأحرى للحكومة بكامل أعضائها. لكن، التحول، بل التقدم الذي عرفه دستور 2011 هو أنه لأول مرة اعترف بوجود مؤسسة الأغلبية البرلمانية كما اعترف بوجود مؤسسة المعارضة البرلمانية، وأن ذلك الاعتراف لم يبق محصورا في الخطاب أو في النوايا المتمثلة في الجمل التي كتب بها الدستور، وإنما أعطى لأغلبية أعضاء مجلس النواب اختصاصا كبيرا وهو المشاركة في إعطاء الشرعية للحكومة. ذلك أن ميلاد الحكومة في ظل الدستور الحالي يمر عبر مرحلتين: -المرحلة الأولى هي مرحلة التعيين من قبل الملك طبقا للفقرة الثانية من الفصل 47 من دستور 2011 -المرحلة الثانية، هي مرحلة التنصيب من قبل أغلبية أعضاء مجلس النواب وذلك تطبيقا للفصل 88 من الدستور2011 في فقرته الاخيرة. فدستور 2011 لم يبق في اختصاص الملك كل سلطة إنشاء الحكومة وإعطائها شرعية الوجود، وإنما شارك مجلس النواب في اختصاص تعيين الحكومة، عندما أعطى له أحقية تنصيبها، إذ تنص المادة 88 من دستور 2011 في الفقرة الأخيرة منه على ما يلي: «تعتبر الحكومة منصبة بعض حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه الذين منهم لصالح البرنامج الحكومي. وأنه يتبين بكل وضوح أن الحكومة لكي تنصب بعد تعيينها، لابد لها بصفة قبلية من وجود لمجلس النواب قائم ومهيكل لكي يصوت عليها بأغلبية أعضائه. وأنه واضح أن المنطق الدستوري الذي كرسه دستور 2011 هو أن أغلبية أعضاء مجلس النواب هي التي تنصب الحكومة وليس الحكومة هي التي تنصب الأغلبية. وأنه إذا كان الدستور دبر المؤسسات الدستورية بهذه الطريقة أي أن الأغلبية هي التي تنصب الحكومة وليس الحكومة هي من تنصب الأغلبية، فإن المنطق الدستوري ينتصر لضرورة هيكلة مجلس النواب باستقلال تام عن تكوين الحكومة التي تعتبر دينامية تشكيلها مستقلة دستوريا ، هي كذلك عن مجلس النواب . لهذا، فإن الدعوى إلى هيكلة مجلس النواب تعتبر تفعيلا حقيقيا لنص وروح الدستور وتعتبر تكريسا للمفهوم السليم للديمقراطية كما هي ممارسة في دولة أخرى. ولكل غاية مفيدة، يمكن التذكير بما وقع في المملكة الاسبانية أخيرا، هل شكلت الحكومة الحالية قبل أن تشكل الأغلبية أم شكلت الأغلبية قبل أن تشكل الحكومة؟ الكل يعلم أن راخو رئيس الحزب الشعبي اضطر، عندما عينه الملك مرة ثانية، إلى الدخول في تفاوض مع الحزب الاشتراكي لكي يمتنع ، هذا الأخير ، عن التصويت حتى يشكل السيد راخو أغلبية تمكنه من إخراج الحكومة إلى الوجود بصفة أولية، وعندما تأكد من ذلك، آنذاك قدم للملك الحكومة التي تقدمت أمام البرلمان الاسباني الذي نصبها بفضل امتناع الحزب الاشتراكي عن التصويت. إن الدستور المغربي، الاجتهاد الديمقراطي في دول عريقة في الديمقراطية كلها تنتصر للرأي الذي يذهب في اتجاه هيكلة مجلس النواب بصفة مستقلة عن هيكلة الحكومة، وأن الحكومة لا تملك تنصيب الأغلبية في مجلس النواب بل هي رهينة بقبولها من تلك الأغلبية عندما تحضر أمامها للمطالبة بتنصيبها. يظهر من كل ذلك أن التحليل المرتبط بقواعد الدستور له ضوابطه التي لا يمكن الخروج عنها. ولا يقبل لا الانطلاق من الدفاع عن مصالح حزبية أو من رد فعل على ظروف معينة أو شخص معين تكون قد همت هذا الطرف على ذاك. الدعوة إلى هيكلة مجلس النواب دون انتظار تشكيل الحكومة دعوى مشروعة ودستورية و مسايرة لما يمارس في الدولة الديمقراطية. فعلى بركة الله.