منذ فجر الاستقلال إلى العشرية الأولى من الألفية الثالثة وقطاع الشبيبة والرياضة يعرف التأرجح ما بين المد والجزر من خلال الحراك السياسي الذي طبع الحياة السياسة المغربية بكل تقلباتها التي لم تكن فقط ذات طابع سياسي محض بل رافق ذلك صراعات وتجاذب فكري وإيديولوجي متمثلا في كل أنواع التعبير المتاحة وقتئذ والتي تطورت مع مرور السنين، والتي كانت كل فضاءات التجمعات المنظمة أو العفوية العلنية أو السرية؛ وكانت فضاءات الشبيبة والرياضة ملتقى لخيرة الأطر الشابة التي كانت تنشط الساحة الثقافية والفنية والسياسية،إذ كانت رحاب مؤسسات الشبيبة والرياضة امتدادا طبيعيا للساحة الجامعية والمدرسية و متنفسا حيويا للساحة السياسية عموما. فقد عرفت التجربة المغربية في مجال الشبيبة والرياضة تنوعا ارتبط بشكل كبير بمسار السياسة العامة للبلاد، وهذا ما يفسر إجهاض تجارب رائدة في مجال التربية الشعبية والتربية الأساسية التي كانت تروم إلى تحرير الإنسان من براثن الجهل و التبعية، خصوصا وأن المغرب كان في حاجة ماسة إلى مثل هذه المناهج التي لو تمت لساعدت على تجاوز العديد من المشاكل والظواهر التي لازال مجتمعنا يعاني منها إلى يومنا هذا، مثل آفة الأمية التي انطلقت أولى الحملات الوطنية في سنة 1957 وكذلك الأوراش الكبرى التي كانت تسعى بناء المغرب الجديد والمتقدم ( تجربة ورش طريق الوحدة 1957) وحملات التشجير (غابات الشباب) وهي كلها حملات اعتمدت على الروح الوطنية التي كانت متقدة من خلال عمليات التطوع... هذا جزء من التاريخ الذي أصبح القائمين على قطاع الشبيبة والرياضة يتبرؤون منه بل أنهم لا يطيقون سماعه. يعتبرون ما يقومون به الآن هو الفتح المبين وما دونه عبارة عن سفسطة وبكاء على أطلال الماضي. فهم معذورون في ذلك لأنهم ينتمون إلى جيل يعيش بدون ذاكرة يسعون إلى تقليد الآخر رغبة في الوصول إلى ما وصل إليه دون الأخذ بأسباب التطور والنمو الذي لا يمكن أن يكون أساسيا ودائما إلى إذا كان نابعا من الواقع الذي يسعى إلى تغييره وتطويره. حقيقة أن كل من تقلد مهام تسيير قطاع الشبيبة والرياضة إلا وطبعها ببصمته الخاصة، من السيد محمد بنسودة كاتبا للدولة في الشبيبة والرياضة في أول حكومة سنة 1955 مرورا بفترة الانتماء إلى قطاع التعليم في الحكومات الخمس التالية إلى أن أصبحت مندوبية سامية للشبيبة والرياضة في الحكومة السابعة (الحكومة الثانية للملك الحسن الثاني 1961 1963)، لتعود ككتابة الدولة لكن هذه المرة للأنباء والشبيبة والرياضة، وستعرف عدة تقلبات في التسمية والانتماء إلى قطاعات مختلفة ذات الصلة أو بلا صلة بمجال عمل القطاع. فكل مرحلة أكانت طويلة أو قصيرة إلا و تركت أثارها على مسار هذا القطاع الحيوي والذي لم يأخذ مكانته اللائقة به لا من حيث الميزانيات المرصودة إليه ولا من حيث القيمة الاعتبارية داخل النسيج الحكومي إلا في فترات معدودة ارتبطت بمحطات ذات إشعاع دولي أو قاري أو عربي من خلال تنظيم بعض التظاهرات الرياضية ( ألعاب البحر الأبيض المتوسط أو الألعاب العربية السادسة أو كأس إفريقيا للأمم أو كاس فلسطين أو المؤتمر الدولي للشباب...) لتعود الحال إلى ما كانت عليه إلى أن جاءت الصدمة الكبرى على إثر الأحداث الدامية بالدار البيضاء ليعي الجميع خطورة عدم تأطير الفئات الشابة خصوصا تلك التي تعاني كل أشكال التهميش و الفاقة المادية والفكرية والروحية، مما ساعد الجهات التي تستغل عوز الناس ويأسهم للدفع بهم إلى كل أشكال التطرف ليكون العنف بكل أصنافه العملة السائدة في كل مكان من المجتمع، حينها أصبحت برامج قطاع الشبيبة والرياضة تعرف انتعاشا خصوصا في الجانب الإعلامي، وأصبح وعي المواطنين بأهمية حسن استثمار الوقت الحر للشباب فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع العميم وهو وقاية وتنمية للقدرات الفردية والجماعية. ففي الوقت الذي أصبح الفاعلون يتحدثون عن كيفية تحصين هذه المكتسبات وتطويرها لتستجيب لأكبر عدد ممكن من الأطفال و الشباب، جاءت مرحلة الختم والقضاء على كل هذا الإرث الذي ناضلت من أجله أجيال وأجيال من الشباب والفاعلين منهم من يتقلد مسئوليات حكومية وفي مواقع مهمة في تسيير الشأن المحلي والوطني،وذلك تحت غطاء التحديث والتطوير بناء على فكر غربي/أمريكي ميركانتيلي مؤسس على البيع والشراء شعارهم في ذلك المثل المغربي ( الشيء الذي لا يباع و لا يشترى حرام). السيد الوزير بلخياط الآتي من عالم البيع والشراء حسب حسبته ففتح قيساريته لبيع كل ما يمكن بيعه وتحويل ما يمكن تحويله ليكون صالحا لجلب الأموال... إذا كان منطق القيسارية مبني على مبدأ العرض والطلب ومنطق ( الله يجعل الغفلة مابين البائع والشاري ) فإن القطاع التربوي التنشيئي مبني على الاستثمار في الإنسان الذي هو عماد وأساس كل تنمية. وبما أن السيد الوزير لا لم يسبق له و لا لجل فريقه أن استفاد من خدمات مؤسسات الشبيبة والرياضة فإنه لا يفرق ما بين النادي الخاص وبين مؤسسة عمومية موجودة لخدمة عموم الأطفال والشباب الذين هم في حاجة ماسة إلى خدماتها المتنوعة، الذي أراد لها أن تكون كل خدماتها بالمقابل وبتسعيرة محددة سلفا وهذا يتعارض أصلا وفصلا مع مبدأ ضمان الحد الأدنى للخدمة العمومية. إن منطق البيع في القيسارية مبني على تلميع السلعة للشاري حتى يقبل عليها وإن كانت لا تساوي الثمن المعروض، فقيسارية بلخياط للشبيبة والرياضة فقد سلكت أسلوبا مزدوجا مابين عالم التجارة وعالم السلطة والإذعان التي تتنافى مع فلسفة العرض والطلب. إن إلزام الشركاء الطبيعيين على توقيع عقد الشراكة المملاة من طرف واحد يتنافى حتى مع قانون العقود والالتزامات فصاحب السلطة الذي يفرض قوانينه كما يحلو له وهي مزاجية أكثر ما هي مؤسسة على منطق تجاري محض .والدليل على ذلك أن صاحب القيسارية لم يفي بكل تعهداته الموثقة في العقد الممضاة مابين الأطراف. أهم ميزة التي برزت في قيسارية بلخياط للشبيبة والرياضة هي الحركية التجارية التي أصبحت تميز كل أنشطتها من خلال التعاقد مع عشرات مكاتب الدراسات والمتعهدين، لأن منطق البيع والشراء هو الرواج. وإن كان هذا الرواج يشوبه العديد من نقط الاستفهام التي نتمنى أن تميط عنها عمليات الإفتحاص للمجلس الأعلى للحسابات، ونتمنى أن يحل قريبا بقيسارية بلخياط للشبيبة والرياضة قبل أن تحمل اسما آخر. إن الشبيبة والرياضة ذاكرة قبل أن تكون قطاعا حكوميا يتناوب على تسييره شخصيات مختلفة الانتساب الحزبي و متنوعة المشارب الفكرية؛ إنها أقوى من أن تضمحل تحت معاول من لا هم لهم إلا جني المنافع، فقوة القطاع ليست في انتسابه الحكومي بل في ارتباطه بمكونات المجتمع المدني بكل تلاوينه وبكل اختلافاته وحتى بكل تناقضاته، وهذا سر قوته لأنه ملك جماعي لا يتأثر جوهره فيما يريده المتحكمون العرضيون العابرون عبور التشكيلات الحكومية في مددها الزمنية القصيرة أو المتوسطة أو الطويلة. فإلى كل من تخول له نفسه الأمارة بالبيع والشراء أن المجتمع المغربي لن يفرط في ذاكرته، ومن يشك في ذلك فالأيام بيننا.