إن اللعبة السياسية بالمغرب الآن ليس لها مثيل، لا تدرس في العلوم السياسية بكليات الحقوق، ولا نجد مرجعيتها في القوانين الداخلية للأحزاب ، فالسياسة التي يقدمها لنا الساسة اليوم بالمغرب لم نعش نظيرها في أي جيل من الأجيال السابقة، فصلت على مقاس أصحابها. لو كان بن بركة على قيد الحياة أو عمر بن جلون أو عبد الرحيم بوعبيد... وغيرهم من المناضلين الشرفاء لا انتحروا في زمن الرذيلة هذا، حيث أصبحنا نفتقد في ساستنا الكاريزمية والحكمة في التسيير والتدبير، إن رؤساء الأحزاب فقدوا بوصلة الصواب وعليهم بمراجعة فكرهم الظلامي، الذي يسبحون فيه بدون توقف، لأنه عليهم أن يعلموا بأن المغاربة ليسوا بلداء وهم يتفرجون اليوم ومكبلون نتيجة السياسات العمومية الرجعية، والقوانين التي سنت في السنوات الأخيرة، لا يمكن إلا أن ينتج عنها وضع سياسي غير منظم، والحال أننا في بلد حصل فيه حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى وخطط وفكر للحصول على أكبر عدد من الأصوات بالرغم من المعارضة الشديدة من طرف فئات مختلفة من المجتمع، لكنه لم يستحضر مسألة تشكيل الحكومة بعين الاعتبار وترك المغاربة في أطول عميلة انتظار، أنا لست ضد هذا الحزب، لكن عليه أن يتمتع بقدر من الحكمة والتبصر باعتباره المختار من طرف «الكتلة الناخبة»، وأن يكون في مستوى انتظارات الشعب المغربي، وأن يخلق المفاجأة وليس تحقيق خيبة أمل، إلى جانب مجموعة من خيبات الأمل متعددة جعلت المغاربة يتبوؤون لأعلى درجات الاكتئاب والتعاسة، حيث صنف تقرير «شبكة حلول التنمية المستدامة» التابعة للأمم المتحدة، المغرب في المرتبة العاشرة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والمرتبة التسعين من بين 157 بلدا في العالم، على مؤشر السعادة العالمي لسنة 2016. المشكل أن مؤشر التعاسة يصيب الأسر الفقيرة والمتوسطة أيضا ، بسبب تدهور حال المدرسة العمومية وارتفاع ثمن العقار، وأسعار المواد الغذائية، وتدني مستوى التعليم والصحة ومحاولة تفويتهما للقطاع الخاص، ويكفي أن تزور مستشفى لتعلم المعاناة اليومية للمرضى المتعددة يعانون من الآم المرض الذي ينهش جسدهم و المواعيد البعيدة المدى من جهة، ومن المعاملة اللاإنسانية لمهني القطاع من جهة أخرى، والذين بدورهم يعانون أمراض نفسية شتى بسبب ضغوطات العمل وعدم وجود سياسة إدارية محنكة من أجل التخفيف عن المهنيين أعباء العمل، وذلك بتنظيمه عن طريق الخرجات الترفيهية، وعرضهم مثلا مرة على ثلاث أشهر على أطباء نفسيين أو ممتهني «الكوتشينج» ... إضافة لذلك، فلو استطاع رئيس الحكومة المعين صقل وتلميع شخصيته أمام رفاقه وإخوانه وباقي الأحزاب التي من المفترض أن تشكل الأغلبية طيلة سنوات الرئاسة، لا استحسن باقي الأحزاب رأيه واستطاع تشكيل حكومته بدون هذا المخاض العسير، باعتباره رجل الدولة الثاني في البلاد وهي صفة ليس بالهينة ولا البسيطة، يجب أن يكون السياسي المبدع الذي يستطيع رعاية شؤون البلاد والعباد، مباشرة بأفعاله الحكيمة والمؤثرة وليس بالشخصية الفكاهية والتي يشعر المواطن أثناء استماعه لخطابها، وكأنه يستهزئ به، والخطابات جوفاء فارغة من المحتوى الفكري، تدخل البلاد في مشاكل دبلوماسية خطيرة.