توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    إسرائيل تقتل 5 صحافيين في غزة في قصف لسيارتهم التي تحمل رمز الصحافة    استشهاد 5 صحافيين بقصف نفذه العدوان الصهيوني في غزة    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    أخبار الساحة    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلب .. من أقدم حاضرة في التاريخ إلى أخطر مدينة في العالم


أرتك ندى الغيث آثارها.. وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة.. كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد يجمع ما تشتهي.. فزرها، فطوبى لمن زارها
هكذا وصف الشاعر العربي «كشاجم» حلب، في «معجم بلدان» ياقوت الحموي، الذي اعتبر أن «الله خصها بالبركة، وفضلها على جميع البلاد»، ل»المدينة العظيمة الواسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء وصحيحة الأديم والماء».
ولعل هذه الخصوصية كانت نعمة حلب ونقمتها، فمنذ حضورها كأقدم حاضرة في التاريخ؛ تنازعتها الإمبراطوريات، وتقاتل عليها الملوك، إما لأجلها بذاتها لأنها «ملكة الشرق»، كما وصفها قنصل فرنسا في حلب لورانسز، أو لوقوعها على نقطة تجارية إستراتيجية في منتصف الطريق بين البحر المتوسط وبلاد ما بين النهرين، وفي نهاية طريق الحرير، واصلة الشرق بالغرب.
تدمرت حلب عدة مرات في التاريخ القديم، وغزاها الصليبيون وعاثوا فيها فسادا، ثم تعرضت لزلزال مدمر أزالها عن بكرة أبيها، وغزاها المغول وخربوها ودمروها، وبنى تيمورلنك من جماجم أهلها جبالا في غزو ثانٍ للتتار، وقامت في كل هذه المرات.
تبدو اليوم أقدم حواضر العالم، مرة أخرى، ثم بدت اليوم أطلالا مرة أخرى في القصف العنيف للنظام السوري والطيران الروسي ومحاولات جيشه والمليشيات الداعمة له، والصمت والخذلان الدولي، السيطرة على الأحياء المحاصرة.. فهل تقوم من جديد؟
تسمية حلب
أول مرة ذكرت «حلب» بهذا الاسم، كانت في حوالى 1800 قبل الميلاد، بينما كانت تسمى «أرمان» (الألف الثالث قبل الميلاد)، وهليا، وسميت في الكتابات الأشورية «خلابا وخلوان»، إلا أنها حضرت في القرن السادس عشر قبل الميلاد باسم «خرب»، وباسم «خلبو»، و»حلبو».
عرفت المدينة باسم «بيروا» بعد انقسام مملكة الإسكندر المقدوني، وسميت بذلك على اسم مسقط رأس والده للإسكندر، وبقيت تعرف بذلك طيلة العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية، وقد بناها سلوقس الموصلي (سلوقس الأول نيكاتور)، وهو ما أكده ياقوت الحموي في «معجم البلدان».
سميت المدينة باسم حلب عندما كانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية في حوالى 1800 قبل الميلاد، ويقال إن هذا الاسم تعريب لكلمة حلب السريانية، التي تعني البيضاء، بينما قال البعض إنها آرامية.
قال ياقوت الحموي في كتابه، إن حلب سميت بذلك، لأن إبراهيم عليه السلام كان «يحلب فيها غنمه ويتصدق به فيقول الفقراء حلب حلب»، إلا أنه رأى أن بذلك نظر، لأن إبراهيم وأهل الشام لم يكونوا عربا، «فلعل لها أصلا في العبرانية أو السريانية، لأن كثيرا من كلامهم يشابه كلام العرب».
أقدم حاضرة
يقال إن حلب هي أقدم حاضرة مسكونة في التاريخ القديم، فقد نقل عن اليونسكو إن عمر المدينة يرجع إلى 12200 سنة، وهي أكبر من دمشق وأنطاكيا.
أرمان
لم تكن حلب مدينة خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت منطقة روابط وثيقة مع مملكة إبلا، وكان الآكاديون يدعونها أرمان، كما يقال إنهم دمروها وأيبلا في القرن 23 قبل الميلاد.
حلبا
سميت حلب باسمها لأول مرة أثناء الحضارة البابلية وازدهارها، فقد كانت عاصمة الحموريين في مملكة يحماض، وكانت أقوى ممالك المنطقة، قبل أن يدمرها الحثيون تحت قيادة مرسيلس الأول في القرن ال16 قبل الميلاد، لكنها استعادت دورها بعد أن ضعف وجود الحثيين بسبب الخلافات الداخلية.
في القرن ال15 قبل الميلاد، وجدت حلب نفسها على خط المواجهة بين مملكة مصر ومملكة الميتانيين، قبل أن يستعيد الملك الحثي المدينة من أيدي الميتانيين في القرن 14 قبل الميلاد، لأنها ذات أهمية مقدسة لهم لأنها كانت مركز عبادة إله العاصفة المقدس.
بعد ذلك، انتقلت حلب للملكة الآرامية، وأصبحت عاصمتها، ثم صارت قسما من الإمبراطورية الآشورية الثانية، ثم المملكة البابلية الثانية، والإمبراطورية الإخمينية الفارسية.
بيريا
تأسست المدينة مجددا على يد سلوقس نيكاتور، وسماها كذلك على اسم مسقط رأس والد الإسكندر المقدوني، واستمرت تحت حكم السلوقيين حتى عام 64 قبل الميلاد، ثم صارت جزءا من سوريا الرومانية.
بقيت حلب تحت حكم الرومان لثلاثة قرون أخرى، بحكم شبه مستقل، وكانت هي المدينة الثانية بعد أنطاكية، كما ذكرت مرتين في العهد القديم، في «السفر 3:13».
في العصر البيزنطي، استعادت المدينة اسمها، وفي عام 540 م، استطاع الملك الفارسي كسرى فتحها فخربها وتركها قاعا صفصفا، ثم أعيد بناؤها في عهد جستنيان البيزنطي، وحصنها بسور مبني من حجر.
حلب الإسلامية
دخلت جيوش المسلمين إلى حلب عام 637 م، من باب أنطاكيا، بقيادة خالد بن الوليد، واستطاع المسلمون نشر العربية والإسلام سريعا، لكون السريانية غير بعيدة عن العربية الفصحى، واستمرت حاضرة في العهد الأموي ثم العباسي.
في العصر العباسي، ومع بلوغ الحضارة الإسلامية أوجها، شهدت حلب طفرة كبيرة على كافة المستويات الفكرية والحضارية والثقافية، وتميزت بالألبسة والعمارات والمساجد.
حلب قصدنا
عاشت المدينة عصرها الذهبي أيام المملكة الحمدانية، التي كانت عاصمة المملكة، في عام 944 م، وخصوصا أيام الأمير سيف الدولة، والتي كانت ثغرا مهما للدفاع عن العالم الإسلامي في وجه المد البيزنطي، وقد كانت حاضرة في شعر أكبر شعراء الحمدانيين وحلب والأدب العربي والإسلامي ككل: المتنبي، خصوصا في بيته الشهير: كلما رحبت بنا الروض قلنا، حلب قصدنا وأنت السبيل.
وتعرضت المدينة لحصار خانق من الرومان عام 974 م، أثناء الصراع البيزنطي السلجوقي، انتهى باحتلالها وحرقها وتدميرها وإفقارها من أهلها ما بين قتيل وأسير، وعندما عاد سيف الدولة إلى مدينته، حيث إنه كان غائبا عنها أثناء فترة الحصار، بعد عامين ووجدها خاوية على عروشها قام بإعادة بنائها واستقدم بعض من أهالي قنسرين ليساعدوه في إعادة حلب إلى مجدها،.
توفي سيف الدولة بعدها ليترك حلب قرنين من الضياع والفوضى، توالى خلاله على حكمها الفاطميون والمرداسيون وفترة تزايد خلالها النفوذ التركي فيها والسلاجقة وشهدت المدينة خلال هذه الفترة خضوعا حزينا للروم ثم اتت الحملات الصليبية التي اجتاحتها مرتين، لكنها لم تستطع احتلالها لمناعة تحصينها.
ولم ينته عصر الفوضى والضياع إلا على يد الأمير عماد الدين وابنه نور الدين الزنكي، حيث أصبحت حلب مركز المقاومة الإسلامية ضد الفرنجة، وبدأت أحوال حلب بالتحسن، إلا أن زلزال حلب المدمر عام 1138 م الذي يعد رابع أقوى زلزال في التاريخ من حيث الخسائر وراح ضحيته أكثر من 230 ألف إنسان، ناهيك عن الدمار الشبه كامل الذي حل بالمدينة,
قام نور الدين على إثر هذا الزلزال بأعمال عمرانية كبيرة داخل المدينة وفي الأسوار فأعاد بناء القلعة حتى أخذت شكلها النهائي الذي نراها عليه اليوم، ثم دخلت المدينة في حكم صلاح الدين في الدولة الأيوبية منذ عام 1183م.
الغزو المغولي
في عام 1260 م، تم احتلال المدينة من قبل المغول تحت قيادة هولاكو بالتعاون مع حاكم أنطاكية بوهيموند السادس، ودافعت عن المدينة حامية متواضعة من قبل الملك الأيوبي غياث الدين طوران شاه، لكنها سقطت بعد ستة أيام من القصف المستمر بالمنجنيقات، وسقطت القلعة بعد أربع أسابيع، وذبح السكان بوحشية.
بعد موقعة عين جالوت 1260/ بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز، استطاع المماليك استعادة دمشق ثم حلب.
استقلت حلب عن الدولة المملوكية المركزية في القاهرة عندما قام الملك الظاهر بيبرس المملوكي بإعلان الانفصال، وأرسل قواته في خريف عام 1261 لاستعادة المدينة.
في تشرين الأول لعام 1271 م هاجم المغول مرةً أخرى حلب بجيشٍ يضم عشرة آلاف فارس قادمين من الأناضول بعد هزيمتهم للتركمان الذين حاولوا المساعدة في حماية المدينة، ونجحوا في احتلالها وتقدموا نحو حماة، لكن الظاهر بيبرس أعد جيشاً قويا تمكن من إجبار المغول على الجلاء عن حلب مرة أخرى.
استولى المغول مجدداً على المدينة في 20 تشرين الأول 1280 وعاثوا فيها فساداً وتدميراً في الجوامع والأسواق، وهرب السكان نحو دمشق، ليقوم القائد المملوكي سيف الدين قلاوون بتجهيز قواته للرد، وما إن رأى المغول الجحافل تتقدم حتى تراجعو هرباً إلى ما بعد نهر الفرات.
عادت حلب للحكم الذاتي عام 1317، وفي عام 1400 قام القائد المنغولي تيمورلنك بأسر المدينة وذبح الكثير من السكان ويقال بأنه أمر ببناء تلة من جماجم السكان استخدم فيها 20000 ألف جمجمة.
بعد تراجع المغوليين، عاد السكان المسلمون خاصةً ليحتموا في المدينة، أما المسيحيون فقد قام بعضهم ممن لم يستطيعوا الدخول مرة أخرى بإنشاء حي جديد عام 1420 خارج حدود السور الشمالي تم تسميته بالحي الجديد أو الجديدة. ولعبوا دور همزة الوصل في التجارة بين تجار حلب والمحيط الخارجي لتمتعهم بحماية نسبية من قبل الممالك الصليبية في القدس وأنطاكية.
الفترة العثمانية
في 24 غشت 1516 نشبت معركة مرج دابق بين الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول والجيش المملوكي بقيادة قانصوه الغوري، وخلال المعركة انسحب عدد من الأمراء المحليين والولاة المماليك والتحقوا بالعثمانيين.
بدأت عملية الانسحاب عندما مالت الكفة لصالح العثمانيين. وبعد المعركة سار هؤلاء الأمراء مع السلطان العثماني إلى حلب التي كانت أول مدينة في طريقهم، فخرج الأهالي لاستقباله عام 1516 م وتجمعوا في الميدان الأزرق حيث قام محافظو القلعة بتسليم مفاتيحها إليه. وأدى السلطان صلاة الجمعة في الجامع الكبير حيث ذكره خطيب الجامع بلقب خادم الحرمين الشريفين.
أضحت حلب جزءاً من الدولة العثمانية، وكان تعداد السكان حوالي 50000 نسمة، وكانت مركز ولاية حلب وعاصمة سوريا، ولعبت دورا محوريا لموقعها الاستراتيجي القريب من الأناضول.
كانت حلب المدينة الثانية بعد القسطنطينية، والمدينة الرئيسية للتجارة بين بلاد الشرق والغرب وإذا كانت السفارات الغربية واقعة في إستانبول فإنّ المهام القنصلية الرئيسية كانت تتم في حلب،.
وابتداءً من القرن الثامن عشر بشكل خاص بدأ القناصل والتجار الأوروبيون يتمنون السكن في حلب مع عائلاتهم مؤسسين بذلك سلالات راسخة، لكن الاقتصاد في المدينة تأثر بشدة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، لتنتعش دمشق اقتصادياً ولتعود لها أهميتها الحيوية كمركز العاصمة السورية مرة أخرى بعد أفول نجمها كما في أيام الأمويين والأيوبيين.
استمرت المدينة تحت الحكم العثماني حتى انهيار الإمبراطورية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حددت معاهدة سيفر مقاطعة حلب كجزء من سوريا، لكن مصطفى كمال أتاتورك رفض هذه المعاهدة واستمر بضم حلب إلى تركيا وخاض حروبا دعم السكان العرب والأكراد في المدينة النضال التركي بدايةً ضد الفرنسيين باعتقادهم أنه سيجلب لهم الاستقلال ومن أشهرهم إبراهيم هنانو الذي قام بالتنسيق في فترة من الفترات مع كمال أتاتورك، لكن النهاية لم تكن كذلك.
فمع عقد معاهدة لوزان، عام 1923، تم انتزاع معظم مقاطعة حلب باستثناء حلب نفسها ولواء إسكندرون، وهكذا تم سلخ حلب عن الأناضول ومدنه التي كانت تضمها علاقات تجارية مكثفة، الأسوأ من ذلك، كانت معاهدة سايكس- بيكو التي قسمت بلاد الشام وفصلتها عن العراق، وزادت عزلة حلب أكثر بعد أن تم أيضاً سلخ لواء إسكندرون عام 1939 فتم حرمان حلب من مينائها الرئيسي ليجعلها معزولة تماماً.
الاحتلال الفرنسي
قامت ولاية حلب بعد إعلان الجنرال الفرنسي هنري غورو في أيلول عام 1920 الانتداب الفرنسي على سوريا والذي قسم البلد لولايات بغرض تسهيل التحكم بها، ولتأديب السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة ميسلون
في عام 1923، قامت فرنسا باقتراح قيام فيدرالية ولايات سوريا بما فيها ولايات لبنان، ليتم في النهاية ضم ولاياتٍ ثلاث، ولاية حلب ودمشق واللاذقية، تم تحديد حلب كعاصمةٍ بداية، ثم ما لبثت أن أعيدت إلى دمشق، وكان رئيس الفيدرالية هو السيد صبحي بركات من مواليد مدينة حلب.
تم إيقاف العمل بالفيدرالية عام 1924 عندما قامت فرنسا ولنفس أسباب التفرقة بفصل حلب ودمشق في ولاية وجعل ولاية اللاذقية ولاية منفصلةً للعلويين بعد أن استشعر الفرنسيون خطر نزعة استقلالية بعد فترةٍ من اتحاد الولايات الثلاث. وبعد هذا بقليل في عام 1925 قامت في السويداء جبل الدروز الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وأعلن البرلمان الحلبي الانفصال عن دمشق.
ثار الوطنيون في حلب بقيادة إبراهيم هنانو، وأحبطوا المشروع الفرنسي بعد أن أقاموا الاحتجاجات والتظاهرات وقاموا بقطع الطرق المؤدية إلى البرلمان يوم التصويت لمنع أعضائه من الوصول والتصويت على قرارهم المتوقع، وفي عام 1930 كانت حلب جزءاً من الجمهورية السورية.
وفي عام 1936 تم توقيع معاهدة الاستقلال مع فرنسا وقيام حكومة الملك فيصل، ونالت حلب استقلالها كجزء من سوريا مجدداً في عام 1946 بعد أن قامت حكومة فيشي الفرنسية بنقض المعاهدة السابقة واعادة احتلال سوريا عام 1941.
بعد الاستقلال
شاركت حلب بقوة في الحياة السياسية ما بعد الاستقلال، فكان أول رئيس حكومة وطنية من حلب وهو سعد الله الجابري وبعد فترة تبعه ناظم القدسي ومعروف الدواليبي وآخر رئيس حكومة من مدينة حلب كان محمد ناجي عطري. والحلبي الوحيد الذي وصل إلى منصب رئيس الجمهورية هو أمين الحافظ بدعم من حزب البعث في 27 يوليوز 1963.
ونشأ في حلب عدة حركات مثلاً حزب الشعب عام 1948 بقيادة رشدي كيخيا وناظم القدسي، والذي اتخذ من مدينة حلب مقراً رئيساً له. كما تأسست فيها حركة «الإخوان المسلمون» في سوريا في عام 1937.
حضرت حلب في «الأحداث» التي وقعت مطلع الثمانينات بين الإخوان المسلمين والنظام السوري، برئاسة حافظ الأسد الأب، ويعتقد أنها كانت ثاني مدينة سقط بها ضحايا بعد مدينة حماة، وكانت حادثة «المدفعية» التي قتل بها ضباط علويون في مدرسة المدفعية، في حي الراموسة، في حلب، على يد الملازم السوري إبراهيم اليوسف، المنتسب ل»الطليعة المقاتلة»، أحد الحوادث التي حفزت النزاع.
بعد أحداث الثمانينات، دخلت حلب في حكم الرئيس الأب حافظ الأسد، الذي يوصف ب»البوليسي» و»الأمني»، وكان سجنها سجن «حلب المركزي»، يضم سجناء الرأي السياسيين الذين عارضوا حكم الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات.
الثورة السورية
بعد الثورة السورية، خرجت أول مظاهرة في مدينة حلب بتاريخ 25 مارس 2011، ثم أصبحت المظاهرات حدثا شبه أسبوعي، وإن كانت بشكل قليل، ولم تشابه بقية مناطق سوريا.
وقعت أول مظاهرات كبيرة في 12 غشت 2011، تحت شعار «لن نركع إلا لله»، ثم خرجت مظاهرات شبيهة بعدها بأيام تحت اسم «أربعاء بدر حلب»، ووصل الثوار خلالها إلى ساحة سعد الله الجابري، أكبر ساحات حلب.
في 6 سبتمبر 2011، خرجت مظاهرة كبيرة من الجامع الأموي، تشييعا لمفتي حلب إبراهيم سلقيني، الذي تقول المعارضة إن أجهزة الأمن هي التي قتلته لموقفه المؤيد للثورة السورية.
ومنذ بداية عام 2012 أصبحت المظاهرات السلمية ضد النظام حاشدة ويومية في حلب وتركزت في عدة احياء مثل صلاح الدين والسكري وبستان القصر والجامعة وغيرها، وكان يسقط عشرات القتلى من جمعة إلى جمعة في هذه المظاهرات.
في 20 يوليوز 2012 اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة داخل المدينة بين الجيش السوري الحر وقوات النظام في ما عرف لاحقا بمعركة حلب،
بعد دخول الجيش السوري الحر إلى مدينة حلب، تركز وجوده في الأحياء الشرقية، ووجود النظام في الأحياء الغربية، وبدأ النظام السوري قصفه العنيف عليها، لتوصف بأنها أخطر مدينة في العالم في عام 2014.
الحصار
بقيت المدينة منقسمة ما بين الجيش السوري الحر، وجيش النظام السوري، لثلاث سنوات، إلا أن إعلان التدخل الروسي في نهاية سبتمبر 2015 مثل نقطة فارقة.
كثف الطيران الروسي وطيران النظام السوري قصفه على أحياء حلب الشرقية، وشهد عشرات الآلاف مصرعهم خلال عام ونصف من القصف.
في منتصف سبتمبر 2016، أعلنت روسيا نهاية هدنة معلنة بين النظام والفصائل، وقرر النظام استعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها الفصائل، فبدأت حملة عسكرية كثيفة، مترافقة مع حصار للمدنيين وإغلاق لكل المداخل والمخارج، استطاع خلاله استعادة السيطرة على نصف أحياء حلب الشرقية، التي كانت تسيطر عليها المعارضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.