أطلق ما يعرف ب»حراك العودة إلى الشرعية الدستورية» في ليبيا؛ مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة، تقوم على خمس نقاط، بينها العودة للملكية. فقد نصت المبادرة على: وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة بالبلاد، وتفعيل دستور 63، ودعوة محمد الحسن السنوسي إلى تسلّم زمام الأمور والقسم على تولي العرش، بحسب ما أعلنه منسق الحراك في مصراتة، مجدي المنقوش، الأربعاء الماضي. وليست هذه المرة الأولى التي يطالب فها الحراك بالعودة إلى الملكية، فقد تكررت الدعوات من قبل، وشهدت مدينتا طرابلس ومصراتة في 21 نوفمبر الجاري؛ ندوتين حول دستور دولة الاستقلال وإمكانية العودة إليه، وذلك بمناسبة الّذكرى 67 لقرار الأمم المتَّحدة الصّادر، بتاريخ 21 نوفمبر 1951، والقاضي باستقلال ليبيا. وأثارت هذه المبادرة الجديدة، بشأن عودة الملكية، تساؤلات حول مدى قبول الليبيين هذا الطرح، ومن يدعم هذا الحراك داخليا وخارجيا، والمواقف المنتظرة تجاهها، إلى جانب تساؤلات عن مصير الدستور الحالي. حراك وطني وقال الكاتب والمؤرخ الليبي، شكري السنكي، إن «حراك العودة إِلى الشرعية الدّستوريّة هو حراك شعبي يتنامى في ربوع ليبيا كافة، وهو مشروع وطني يحظى باهتمام كبير، وقد يكون صاحب النصيب الأوفر في تحقيق الإجماع حوله»، وفق قوله. وأضاف: «هذه ليست دعوة للرجوع إِلى الوراء، بل هي مطلب شرعي، كون ما حدث فِي الأول مِن سبتمبر 1969 كان انقلابا واستيلاء على السلطة بقوة السلاح من قبل معمر القذافي والضباط الوحدويين». ورأى السنكي، وهو عضو في الحراك، أن «العودة إِلى الشرعيّة الدستوريّة ستمنع حدوث أي انقلابات في المستقبل، بالإضافة إِلى أنها لا تلغي التعديل، أو حتى تغيير شكل نظام الحكم شرط العودة أولا إِلى يوم 31 غشت 1969 ثم إجراء استفتاء عام بعْد فترة انتقالية يفعّل فيها الدستور، ويباشر فيها الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي الوريث سلطاته، بعدها يختار الشعب الملكية أو النظام الجمهوري»، كما قال. من جهته، قال عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، موسى فرج، إنه «لوحظ تزايد قبول حراك العودة للشرعية الدستورية، لكنه لم يرق الاهتمام إلى تبني المشروع من قبل القوى السياسية». وأوضح « أن «العودة للشرعية الدستورية؛ هي أحد الخيارات الجدية للخروج من حالة التشرذم التي تعيشها البلاد، ومن شأنه وضع حد لتدخلات بعض الدول الإقليمية في الشأن الليبي وتأجيجها للصراع»، وفق تعبيره. خلط أوراق ورأى أستاذ الاجتماع السياسي الليبي، رمضان بن طاهر، أن «الطرح يستدعي الموروث كحل للأزمة، لكن عند قراءة هذه المبادرة في ضوء الواقع القائم، لا يمكن استرجاع الماضي بحذافيره، لكن يمكن فحص التجربة وأخذ المفيد منها»، وفق تقديره. وأضاف أن «الطرح من حيث الشكل، أي باسترجاع ولي العهد، من الصعب تحقيقها، كونها كانت لحظة تاريخية عاشها الشعب الليبي وتجاوزها». أما الإعلامي الليبي، عاطف الأطرش، فقد رأى أن المبادرة «مجرد محاولة لخلط الأوراق»، وأن «الداعين للملكية يشبهون جماعة ليبيا الغد، وهي تستجدي سيدها سيف الإسلام أن يعود لتنفيذ برنامج، بعدما أفسده القذافي الأب»، كما قال. وأضاف: «لو بحثنا فيمن ينادي بذلك ستجده من العائلات التي انتفعت وتنعمت في الحقبة الملكية»، وفق قوله. لكن الناشط الفيدرالي الليبي، أبو بكر القطراني، أكد ل»عربي21» أنه «لو طُبّق خيار العودة للشرعة الدستورية، كان سيختصر كل المشاكل الجهوية المقنّعة بالدين واللحمة الوطنية»، وتوقع «دعم فئة كبيرة من الشعب الليبي هذا التوجه»، وفق تقديره. عراقيل ولخص المحلل السياسي الليبي، محمد فؤاد، أهم عراقيل هذا الطرح، في «عدم وجود داعم قوي للفكرة، ونقص التمويل وعدم وجود وسائل إعلامية تدعم هذا التوجه، وتردد ولي العهد نفسه وعدم تقدمه بأي خطوات عملية، وكذلك رفض مدينة مصراتة لهذا الحراك». وأضاف: «من الطبيعى أن عودة ولي العهد لن يكون مرحبا بها من الحركات السياسية أو العسكرية شرقا وغربا، وخاصة خليفة حفتر، فربما تسحب منه السنوسية شعبيته في الشرق». واتفق المحامي الليبي، طاهر النغنوغي، مع هذا الرأي، وقال إن «هذا الطرح، في هذه الظروف، لا يناسب عقليتنا التي أصبحت تقاتل بالسلاح على أتفه الأسباب، بل ربما يتسبب هذا الأمر في جر البلاد إلى الانقسام بعد الخلاف على الحصحصة مباشرة». رمز الوحدة ومعلوم أنه في العام 1969 أطاح القذافي بحكم الملك إدريس، وألغى النظام الملكي والعلم الملكي، ونفى وسجن أقارب الملك إدريس الذي توفي في القاهرة عام 1983، وتحول القصر الملكي ذو القبة الذهبية إلى متحف عام 2009. وفي ظل الاضطرابات العنيفة التي تعيشها البلاد منذ سنوات عقب إسقاط القذافي، يدعو العديد في ليبيا إلى الحديث عن ضرورة عودة الملكية بصفتها حلاً لمشاكل البلاد. فتحي عبد الله، سياسي ليبي، يقول: إن النظام الملكي هو أنجع وسيلة لخروج البلاد من حالة الفوضى التي تعيشها حالياً، والعودة إلى حركة الشرعية الدستورية، فالملك هو رمز وحدة الشعب. وقال عميد بلدية طبرق المكلف فرج ياسين المبري إن الواقع الحالي للبلاد يفرض علينا العودة إلى الملكية الدستورية كنظام سياسي يضمن أستقرار ووحدة ليبيا. وأضاف أن ذكرى عيد الأستقلال تعيدنا إلى تجربة الملكية الدستورية في ليبيا متمثلة في العائلة السنوسية التي ضمنت وحدة البلاد واستقرارها وكانت الدولة تسير بخطى ثابتة نحو التقدم والازدهار، مشيراً إلى أن العائلة السنوسية تميزت بأنها ليس لديها إنتماءات سياسية أوأجندة خارجية وكانت راعية لكل الليبين. وأضاف المبري إن الليبين إلى جانب المعارك الحربية خاضوا معارك سياسية في المحافل الإقليمية والدولية كافة والتي تُوِّجت بإعلان الإستقلال في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1951م . وأكد المبري أن ليبيا تمر حاليا بمرحلة حاسمة ومهمة وتحتاج إلى تظافر الجهود والصبر والتأني من فئات المجتمع كافة وتجنب الفتن والإشاعات والإبتعاد عن الجهوية والقبلية والوقوف في وجه التدخلات الخارجية . استحالة العودة إلا أن هذه الفكرة يعتبرها البعض من الليبيين ضرباً من الخيال ومدفوعة بالحنين لعصر آخر امتد منذ الاستقلال عام 1951 إلى 1969. يقول عبد الرحمن السويحلي، سياسي ليبي من مصراتة، إنه لا يمكن العودة 60 عاماً إلى الوراء، الناس الذين يتحدثون عن هذه الأفكار يعيشون في جزر الواق واق. لا اتفاق على شيء في ليبيا سوى أن الأمور تزداد سوءاً بمرور الأيام، سياسياً فإن البلاد ممزقة بين برلمانَين؛ واحد في طرابلس في الغرب والآخر في طبرق بالشرق، وعسكرياً فإن المليشيات المختلفة التي تدين بولاءات متعددة وإيديولوجيات مختلفة تتنافس للسيطرة على البلاد والاستحواذ على موارد النفط. بالإضافة إلى ذلك فإن تنظيم الدولة الإسلامية بات يستحوذ وخلال عام واحد فقط على نحو 150 ميلاً على الساحل الليبي، حيث يتمركز ما يقارب 6500 مقاتل من عناصره وفقاً لتقديرات أمريكية، وقد شكل هذا التوسع الكبير للتنظيم هاجس خوف كبير لدى الدول الغربية التي باتت تدرس خيارات توجيه ضربات جوية على التنظيم. أولئك الذين يدعون لعودة الملكية في ليبيا يتحدثون عن إمكانية الاستعانة بعائلة السنوسي المعروفة، التي ما زالت موجودة في المشهد الليبي بقوة، حيث سبق أن تم استيزار محمد السنوسي كوزير للزراعة في حكم القذافي قبل فراره أواخر عام 1980، وكان له حضور فاعل عقب ترنح حكم القذافي أوائل عام 2011، كما أنه عرض حينها خدماته لإعادة بناء البلاد، غير أنه في الآونة الأخيرة صار أكثر ابتعاداً. العديد من أمراء العائلة الليبية المالكة رفضوا إجراء أي مقابلات حول عودة الملكية إلى ليبيا، إلا أن علاء السنوسي، أحد أمراء العائلة المالكة السابقة في ليبيا قال إنه على استعداد للعودة إلى ليبيا إذا طلب الشعب الليبي منه ذلك. الترحيب بالعودة فكرة عودة الملكية وجدت ترحيباً ولو رمزياً من قبل عدد كبير من الليبيين، ورغم أنها من غير المرجح أن تكون قابلة للتطبيق إلا أنها عكست مزاجاً شعبياً يظهر مدى اليأس الذي انتاب الليبيين من حالة بلادهم. ويرى عبد الرؤوف كارا، قائد إحدى الجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا، إنه في حالة لم تجد أوضاع البلاد حلاً قريباً، فإن العودة للنظام الملكي قد تشكل حلاً قابل للتطبيق، فبعد خمس سنوات من الاقتتال والتناحر والفساد والهدر صار الناس ينظرون للساسة على أنهم كاذبون. ومن جهته تعهد وزير الخارجية الليبي محمد عبدالعزيز أن «يأخذ على عاتقه» الدعوة إلى عودة النظام الملكي في بلاده، معتبراً ذلك «من حقه كمواطن قبل أن يكون وزيراً.». وأبدى عبدالعزيز استعداده للخضوع لمساءلة المؤتمر حول تجاوز محتمل لصلاحياته في هذا الشأن، وقال: «تهمني ليبيا كوطن، وحقي لا ينزعه مني المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ولا الحكومة». وحذر وزير الخارجية الليبي البرلمان مما أسماه «محاولات تهميش» بعض الثوار وقادتهم المدنيين، وشدد على ضرورة قيام تحالف بينهم وبين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية، لتنفيذ القانون إلى حين قيام جيش وشرطة في ليبيا. وأوضح عبدالعزيز في حديثه أنه يدعو إلى عودة «الملكية الدستورية» ك «رمز تلتف حوله الأمة»، و «مظلة سياسية» لنظام يوجد فيه برلمان من مجلسين (نواب وشيوخ) وحكومة تكنوقراط يقودها رئيس وزراء فاعل، ورأى أنه «عندها تصبح لدينا معارضة حقيقية». وزاد: «أنا لا أتكلم عن ملك يحكم، بل عن رمز كما هي الحال في بلجيكا وبريطانيا وإسبانيا. وعندما نتحدث عن شرعية ملكية نتحدث عن قيم الوسطية وعن الحركة السنوسية والتاريخ والوفاء للملك» الراحل إدريس السنوسي. وأبدى وزير الخارجية الليبي تأييده العودة إلى الملكية الدستورية عبر استعادة دستور الاستقلال بنسخته الأصلية لعام 1951 عندما كان النظام اتحادياً بين أقاليم ثلاثة هي طرابلس (غرب) وبرقة (شرق) وفزان (جنوب)، وليس بالصيغة المعدلة للدستور التي اعتمدها الملك إدريس عام 1963، وألغى بموجبها النظام الاتحادي. الوحدة عبر الانقسام ورأى أن هذه الصيغة تلبي تطلعات المواطن الليبي إلى الاستقرار والأمن وتصون الوحدة الوطنية في مواجهة الدعوات إلى الفيديرالية والنزاعات القبلية، وقال: «إن انقسام ليبيا مملكة دستورية هي الوسيلة لتوحيد البلاد». وقال عبدالعزيز إنه تواصل في هذا الشأن مع محمد السنوسي نجل ولي العهد الليبي الراحل الحسن الرضى السنوسي. وتعهد المضي في هذا التواصل، وفي اللقاءات مع الجاليات الليبية لهذا الهدف. وأضاف: «هذه العملية أنا سأتولاها، سواء كنت في الحكومة أو خارجها». التدخل الخارجي والثوار وأكد عبدالعزيز أن الدولة الأوروبية ودول الجوار تشارك تطلعات الليبيين إلى دولة مستقرة، نظراً إلى وجود مصالح مشتركة. ونفى أن تكون هناك نية لدى الغرب للتدخل عسكرياً في ليبيا. وقال: «التدخل الذي يتحدثون عنه (في الغرب) ليس عسكرياً، بل يقصدون تدخلاً في إطار دعم دولي، ووجود دولي للمساعدة في نزع السلاح وهذه قضية سياسية قبل أن تكون قدرة فنية». وتطرق إلى مسألة الميليشيات المسلحة، وقال: «لدينا قادة ميدانيون وثوار حموا البلاد في غياب الجيش والشرطة، ولا بد من أن يكون لهم رأي في الشأن الليبي وصنع القرار وحمايته إلى ينشأ جيش وشرطة». ورداً على سؤال حول الإشكالية الناشئة عن حمل الثوار السلاح، قال: «هؤلاء مواطنون ليبيون لا يخونون وطنهم، وإلا ما الذي دفعهم إلى حمل السلاح والمساعدة في إنهاء نظام قمعي، لو لم يكونوا مؤمنين بليبيا الجديدة ودولة الحق والقانون؟». وخاطب البرلمان الليبي قائلاً: «بأي حق أنت كمؤتمر وطني عام تقصي هؤلاء القادة الميدانيين؟ إن من حقهم أن يساهموا في بناء الدولة ومؤسسات القانون والجيش والشرطة». وزاد: «لا بد من أن يكون هناك تحالف حقيقي بين الجهازين الاشتراعي والتنفيذي والقادة الميدانيين إلى حين نشوء جيش وشرطة، وبعدها من يريد الدخول إلى الجيش فليتفضل، لكن تهميش القادة الميدانيين في هذه المرحلة قرار خاطئ وغير عادل». وعما إذا كان دفع أموال طائلة من خزينة الدولة إلى الثوار جعلهم لا يريدون قيام جيش أو شرطة، قال: «إن استيعاب القادة الميدانيين وإشراكهم في الشأن السياسي الليبي، قضية سياسة دولة»، موضحاً أن «كل قائد ميداني وراءه آلاف من الثوار الحقيقيين وعندنا تطلب منهم حماية منافذ بحرية وجوية وبرية ويأخذون مكافأة لقاء عمل أمني يتعهدون القيام به، فهذا يضمن وجودهم عند الحاجة». وكالات