المملكة الليبية هي الدولة التي وجدت في ليبيا بعد استقلالها في 24 ديسمبر 1951 وعاصمتها مدينة طرابلس وبنغازي منذ عام 1951 حتى 1963، ومن عام 1963 حتى 1969 أتخذت من مدينة البيضاء عاصمة لها، أقر في الدستور الليبي الصادر في 7 أكتوبر 1951 _ الذي أقرته «الجمعية الوطنية الليبية» بمدينة بنغازي وجاء في تصديره « _نحن ممثلي شعب ليبيا من برقة وطرابلس الغرب وفزّان المجتمعين بمدينة طرابلس فمدينة _بنغازي في جمعية وطنية _تأسيسية بإرادة الله. بعد الاتفاق وعقد العزم على تأليف اتحاد بيننا تحت تاج الملك محمد إدريس المهدي _السنوسي الذي بايعه الشعب الليبي _ونادت به هذه الجمعية الوطنية التأسيسية ملكاً _دستورياً على ليبيا. وعلى تكوين دولة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة تؤمن الوحدة القومية وتصون _الطمأنينة الداخلية وتهيئ وسائل الدفاع _المشتركة وتكفل إقامة العدالة وتضمن مبادئ _الحرية والمساواة والإخاء وترعى الرقي الاقتصادي والاجتماعي _والخير العام. _وبعد الاتكال على الله مالك الملك، وضعنا وقررنا هذا الدستور للمملكة الليبية _المتحدة.» ، وقد تأسست المملكة في البداية باسم المملكة الليبية المتحدة واستمر العمل بهذا التسمية حتى 26 أبريل 1963 حين عُّدل إلى «المملكة الليبية» وذلك بعد إلغاء النظام الاتحادي الذي كان يجمع بين الولايات الليبية الثلاث طرابلس، برقة وفزان، وكانت مدينة البيضاء كعاصمة لها ، وقد تداول على الحكم في فترة الملكية التي لم تستمر سوى 18 سنة إحدى عشر حكومة هي : _ حكومة محمود المنتصر عام 1951-1954 _ حكومة محمد الساقزلى عام 1954 _ حكومة مصطفى بن حليم 1954-1957 _ حكومة عبد المجيد كعبار 1957-1963 _ حكومة محمد عثمان الصيد 1960-1963 _ حكومة محى الدين فكينى 1963-1964 _ حكومة محمود المنتصر 1964-1965 _ حكومة حسين مازق 1965-1967 _ حكومة عبد القادر البدري 1967 _ حكومة عبد الحميد البكوش 1967-1968 _ حكومة ونيس القذافي 1968-1969 الأسرة السنوسية الملكية في ليبيا كانت أسرة مقاومة وهي امتداد للزاوية السنوسية التي كانت توحد الليبيين ومناطق أخرى في السودان ومصر ، وعرف على الملك إدريس السنوسي بمقاومته للأطماع الأجنبية، حيث دفعته قوات الاحتلال الايطالية إلى اللجوء لمصر فقام بتنصيب عمر المختار نائبا له مكلفا بالعمل العسكري المقاوم ، وأعلن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عن إستقلال برقة سنة 1949 وأعلنها إمارة بدستور يمنح حق الانتخاب وكل الضمانات الديمقراطية لدولة ناشئة، قبل أن تلتف حوله القبائل الليبية لتعلنه ملكا على مجموع ليبيا وإعلان دستور ينظم شؤون ملكية دستورية بداية من 1951 ، وقد عرف على الملك السنوسي زهده وإستقامته. يقول المعارض الليبي يوسف المكريسي عن الظروف التي قادة معمر القذافي إلى السلطة « كانت مجموعة سبتمبر [ يقصد مجموعة القذافي ] يعلم بتحركاتها القاصي والداني في ليبيا قبل اغتصابها للسلطة، ولم يتخذ مع ذلك أي إجراء بشأنها، فقد ساهم استخفاف النظام الملكي بالأمن الوطني في هذه الكارثة التي حلت بنا جميعاً. بل إنني أذهب إلى أبعد من هذا وأقول إنه ما كان للقذافي الجبان أن يفكر مجرد التفكير في الاستيلاء على السلطة لو حوكم الضباط الذين قاموا بالعصيان العسكري في أواخر نوفمبر 1961 بتهمة الخيانة العظمى (وهذا ما طالب به الملك إدريس حقاً في بداية الأمر)، ونالوا جزاءهم الحقيقي الذي يستحقون، ولكن أغلبهم نالوا أحكاماً هزيلة تتراوح بين سنة وسنتين. ولم تكد تمضي سنتان حتى أصدر الملك عفواً عن جميع الضباط الذين سجنوا في تلك الأحداث، بل لم يكد يمضي أسبوع على العصيان حتى صدر مرسوم بتعيين اللواء السنوسي لطيوش، قائد التمرد، سفيراً في الخارجية بعد إقالته من رئاسة الأركان، ثم عين وزيراً للمواصلات والأشغال العامة في التعديل الوزاري الأول لحكومة محمود المنتصر في ربيع 1964، أي بعد سنتين وخمسة أشهر فقط من محاولته الانقلابية. إذا كان هذا هو جزاء من يتمرد على الحكم، فكيف لا يغري هذا الأمر ضباطاً أقزاماً على تكرار المحاولة؟ « ، هكذا قاد الملازم [ وهي بالمناسبة أقل رتبة عسكرية يقود صاحبها انقلابا عسكريا في التاريخ ] معمر القذافي إنقلاب الفاتح من سبتمبر الذي أنهى الملكية ودستور 1951 وهو لم يتجاوز 27 سنة من العمر ، وأدخل ليبيا في نزعة تجريبية في الحكم إختلط فيها الجنون بالواقع ، وزاد النفط من تكريس سلطة لا مثيل لها في العالم إتسمت على المستوى الداخلي بتجهيل ممنهج للشعب وفق نظريات مفارقة لتطور التاريخ وكل التجارب التي راكمتها الإنسانية في تنظيم الحكم ، وعلى المستوى الخارجي تميزت بركوب موجة الناصرية وكل الشعارات الطوباوية العنترية التي لم تقرن أبدا القول بالفعل ، وبقيت خطب العقيد مجرد إنشاء ساعدته الثروة التي تنام عليها ليبيا أن يكون له توقير من عدد من بلدان العالم طمعا في جزء من الثروة وليذهب الشعب الليبي للجحيم ..القذافي رفع شعار « من تحزب خان « فقضى على كل تعابير دولة متحضرة ودفع النخبة الليبية إلى منافي العالم واللذين بقوا في ليبيا إما تم إعدامهم أو انخرطوا في نظامه طمعا أو تُقية ..، كما ساهم في تشتيت القبائل الليبية الوحدة الاجتماعية الرئيسية في ليبيا التي حافظت على وجودها ، بعد أن قضى على كل إمكانية لبروز وحدات الانتماء من أحزاب ونقابات وجمعيات ، وعزل الشعب الليبي في دولة كانت أقرب إلى غيتو وسجن كبير ..ما يجري اليوم في ليبيا هو بكل تأكيد جحيم لا يمكن لأي إنسان أن يقبله ، ويشكل ليس فقط خطرا على مستقبل ليبيا ، بل أيضا يمس جوهريا منطقة المغرب الكبير والمتوسط ، وذلك من خلال التداعيات المحتملة لما يجري اليوم في ليبيا ، والتي تتميز بخصوصية ليست كما جرى في تونس ومصر ، حيث ليس هناك في ليبيا اليوم من يمكن أن يقبض بزمام الأمور حيث ليس هناك جيش نظامي كما هو متعارف عليه دوليا ، بل مجموعات من الكتائب الموزعة بين أبناء العقيد القذافي ، وبالتالي فإن ليبيا ستدخل في حمام دم مستمر وحرب إبادة بلا حدود وبسادية ظهرت من خطاب إبن القذافي ، الذي خطب في شعب ليبيا دون صفة تخوله ذلك وكأنهم خرفان في ضيعة والده العقيد ، فلا يمكن التعويل على أبناء ونخب ليبيا لوحدهم لوقف حمام الدم وإعادة بناء وحدة الدولة ، هذا الأمر سوف تكون له انعكاسات في الشهور المقبلة خاصة مع توقف تصدير النفط الليبي في ظرفية دولية تتميز بتعثر عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي ، مما سوف يساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية التي سوف تكون لها انعكاسات سلبية على عدد من شعوب العالم وخاصة في المنطقة العربية غير النفطية .لقد اغتصب القذافي السلطة وأنهى ملكية وحدة الشعب الليبي الموزع على القبائل والعشائر ، وكانت تسير بخطى حثيثة على درب الديمقراطية ولم يسجل عليها أي إساءة أو خيانة للشعب الليبي ، ولم تمضي في الحكم سوى فترة قصيرة حيث كان الملك إدريس هو الملك الأول والأخير في ليبيا ، كما ألغى القذافي دستور المملكة الذي كان متقدما في زمانه وكان يمكن أن يوفر تربة خصبة لتطور ديمقراطي حقيقي ، بجانب ثروة نفطية هائلة وعدد محدود من السكان مع موقع جغرافي في قلب المتوسط ، ومئات المواقع السياحية التاريخية خاصة الأمازيغية والتي قام بإبادتها القذافي . ليبيا اليوم تدخل نحو المجهول ، لكنها تقدم لنا دروسا عن كيف يمكن أن يتم اقتياد الجماهير بشعارات كبيرة وخطب رنانة ...لتكون ضد مصالحها ومستقبلها ، وأن تقبل لسنوات حكما مجنونا وهي تعتقد أنها تتحرر ..اليوم ليبيا بنخب ضعيفة في الداخل ونخب معزولة لسنوات عن الواقع الليبي في الخارج ، كيف يمكن أن تبني ليبيا موحدة من جديد بعد نظام القذافي ؟ وكيف يمكن أن يتم تأهيل شعب بكامله تعرض لغسيل دماغ على مدى 42 سنة كاملة ، وتهييئه للديمقراطية والمنافسة الانتخابية ؟ كيف سيكون موقف القبائل عندما تحن ساعة وضع لبنات دولة المؤسسات والبنيات المدنية التي بدونها لا يمكن بناء دولة ديمقراطية ؟ وكيف يمكن للقوى الكبرى أن تنجح في القيام بمسؤوليتها الأخلاقية والسياسية مع تأمين تدفق النفط ، دون أن يكون تدفق النفط على حساب تدفق دماء شعب ليبيا ، أو أن تتحول ليبيا إلى صومال جديدة؟..بكل تأكيد من حق الشعب الليبي أن يثور بعد أن أدمن صمت القبور...