خرج مهنيون ب «ترامواي» الدارالبيضاء للعلن من جديد، من أجل تسليط الضوء على معاناتهم اليومية المتعددة الأبعاد على المستوى المهني، كاشفين عما وصفوه بالحقائق الداحضة للمغالطات ولمحاولات اختلاق «عيوب» ونسبها إليهم، حتى يتحولوا من ضحايا إلى مخطئين في حقّ أنفسهم، والحال أنهم يعانون الأمرين، وفقا لتصريحات عدد منهم، التي تجعل من يومياتهم بالشركة هي لحظات لمراكمة المرض الجسدي - النفسي؟ «القيادة» المرضية شدّد السائقون المتضررون ب «ترامواي» الدارالبيضاء، على كون مقصورات القيادة تفتقد للمواصفات والمعايير الدولية المعمول بها، والتي من شأنها تمكينهم من أداء مهمتهم على أكمل وجه، وتوفير عنصر الراحة لهم وانعكاس ذلك على أدائهم، مستنكرين محاولة الشركة، إرجاع الأمراض التي طالتهم في ظرف زمني وجيز، إلى وضعية جلوسهم، مبرزين أن الشركة برمجت بالفعل، حملة تحسيسية عنوانها «أوضاع الجلوس السليمة أثناء القيادة»، التي لم توكل مهمتها إلى طبيب الشغل السابق بالشركة، الذي تم «التخلي عنه»، علما بأنه هو الذي يتوفر على كل المؤهلات و الكفاءة و الخبرة العلمية، ويدخل ضمن اختصاصاته إعداد مثل هذه الدراسات وتأطير دوراتها التدريبية، بل أسندت إلى مستخدم آخر، مستنكرين في نفس الوقت، جلب طبيبة شغل جديدة لا تتوفر لحد الآن على رخصة المزاولة من طرف الهيئة الوطنية للأطباء وذلك في غفلة من مفتشية الشغل! احتقان المثانة على بعد أيام قليلة من تخليد المغرب ومعه العالم لفعاليات اليوم العالمي للمرافق الصحية، الذي يصادف التاسع عشر من نونبر من كل سنة، تأكيدا على أهميتها على المستوى الخاص، صحيا ونفسيا، وعلى المستوى العام بيئيا، أكد السائقون الرافضون لمنهجية تدبير الشركة لأمور مستخدميها، أن محطة «عين الذئاب» لم تعد تتوفر على مرحاض منذ أزيد من سنتين، شأنها في ذلك شأن محطة النهاية «سيدي مومن»، هاته الأخيرة التي لا تتوفر على مرحاض منذ انطلاقة المشروع إلى حد الآن، وهو ما أدى إلى تبوّل سائقتين اثنتين على أنفسهما داخل قمرة القيادة أثناء السياقة، هذا الوضع الذي كان أيضا سببا مباشرا في نقل أحد السائقين إلى المستشفى على وجه السرعة بعد تشنج مثانته البولية و ذلك لعدم توفر المرافق الصحية على طول خط الطرامواي، مستغربين، كيف يعقل أن يتم توفير 13 دقيقة كحد أدنى للاستراحة بين4 رحلات ذهابا وإيابا، أي ما يعادل ثلاث ساعات إلا ربع لكل رحلة كاملة «ذهابا و إيابا»، مع العلم أن الشركة لا تعترف بكونها استراحة و إنما تبقى تحت إمرة الإدارة، وهو ما يوضح ، وفقا لتصريحات المعنيين، حجم الاستغلال ، ومصادرة الحق في الراحة ؟ تباين وفوارق تتعدد عناوين الغضب والاستياء التي تسود أوساط السائقين المحتجين، ومن بين ما تشمله، ساعات العمل التي يؤكد المتضررون أنها لا تحترم ما ينص عليه قانون الشغل، إذ عوض الاشتغال 44 ساعة أسبوعيا، يجد اغلب السائقين أنفسهم مطالبين بالعمل أكثر من 48 ساعة أسبوعيا، دون تقاضى أي مقابل عن الساعات الإضافية، شأنها في ذلك شأن العمل الليلي، مبرزين أن أول سائق يبتدئ عمله في الساعة 03:45 صباحا، وآخر سائق ينهي عمله في الساعة 01:45 من صباح اليوم الموالي، مشددين على أن هذا الإجحاف يطال كذلك عطلة نهاية الأسبوع (السبت والأحد)، والأعياد، التي يشتغلون خلالها ويتقاضون عنها أجرا مثل الأيام العادية. شقّ آخر، يصر السائقون المحتجون على تسليط الضوء عليه، وهو المتعلّق بالفوارق الكبيرة، على حدّ وصفهم، بين ظروف العمل في خط الدارالبيضاء والخطوط الأخرى في العالم، مستدلّين على ذلك بالجزائر العاصمة حيث يشتغل سائقو «الترامواي» بنظام 4 أيام عمل ويومين راحة في خط لا يتجاوز طوله 23 كيلومترا، وهران 18 كلم، قسنطينة 8 كلم، و ذلك للحفاظ على سلامة الركاب والمحيط الخارجي من كل المخاطر التي قد تترتب عن الإرهاق الشديد في صفوف السائقين، بينما في فرنسا لديهم نظام عمل مغاير حيث يمكن أن يشتغلوا ثلاثة أيام فقط مع عطلة يومين راحة، على ألا تتعدى خمسة أيام عمل مقابل ثلاثة أيام راحة في الأسبوع كحد أقصى، وهذا النظام معمول به أيضا في خط الرباط الذي لا يتجاوز طوله 19 كم، مقابل 31 كم طول بالنسبة لخط الدارالبيضاء الأطول في العالم، الذي يتم الاشتغال فيه بنظام 6 أيام عمل مقابل يومين راحة. ساعات للعمل، تختلف مددها وتتباين، لتخلق نوعا من التفييء بين المستخدمين، إذ يشتغل حراس المحطات أربعة أيام في الأسبوع مع يومين للراحة، وكذلك الأمر بالنسبة للمراقبين، ولرؤساء المناطق، بينما يشتغل السائقون ستة أيام في الأسبوع مع يومين للراحة، وهو ما يرى المنتقدون، أنه يعرّض سلامة الركاب ومستعملي الطريق للخطر، مع ما يترتب عن ذلك من آثار جانبية على صحتهم، وذلك بظهور أمراض مهنية وارتفاع معدل العجز النهائي، و كثرة الحوادث المهنية في صفوفهم. «شطط وتجاوزات» يرمي السائقون المحتجون بلائمة عدد من التجاوزات على أحد المسؤولين، مستحضرين ما وصفوه ب «فضيحة الدبلومات المزورة» التي عرفتها الشركة في وقت سابق، منتقدين ممارسات الضغط التي يقوم بها، وفقا لتعبيرهم، والمتمثلة بعض من ملامحها في إيفادهم مع شركة أمن خاصة ليلا من الساعة العاشرة إلى السابعة صباحا، وإجبار بعضهم على الوقوف بمحطات النهاية من 06:30 صباحا إلى 16:30 مساء ، أي 10 ساعات يوميا وستة أيام في الأسبوع، في ضرب صريح بعرض الحائط بتوصيات طبيب الشغل الذي أكد أن الوضع الصحي لهؤلاء السائقين متدهور! انتقاد السائقين لممارسات هذا المسؤول، ستتطور تفاصيلها، على إثر وقوع حادثة مميتة يعود تاريخها إلى 21 يوليوز 2016، حين كان أحد السائقين يقود «الترامواي» وبجانبه زميل له، حيث سيجد السائق نفسه تحت رحمة الطرد في 2 غشت، بحجة عدم احترامه لقانون سياقة الترامواي، وأقفل الملف، الذي سرعان ما تم فتحه، بعد أن تقدّم زميله الذي كان بجانبه بالتصريح الرسمي بكونه يعاني من مرض مهني، في 9 شتنبر 2016، فاستدعي في 11 أكتوبر، وتمت مواجهته بتصريح وهمي، يفيد بأن زميله المطرود صرّح بأنه كان سببا في عدم تركيزه مما أدى إلى وقوع الحادثة، في حين تبيّن أن السائق الذي تم نسب التصريح له، لم يدل به يوما في جميع التصريحات والمحاضر المتعلقة بالواقعة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسلوب المعتمد، المبني على الترهيب والتهديد، يقول المعنيون. اختلالات ونقائص يوضح السائقون المحتجون أنه خلال السنة الأخيرة عرفت الشركة عدة اختلالات في التسيير أثرت بشكل سلبي على السير العادي للترامواي ومنها : - ارتفاع معدل الغياب في صفوف السائقين (حوالي 1400 حالة غياب هذه السنة إلى حدود غشت المنصرم مقابل 700 حالة غياب السنة الماضية في عهد الإدارة السابقة)، نتيجة الإرهاق المفرط وعدم توفير ظروف العمل اللازمة للسائقين. - ارتفاع معدل إلغاء الرحلات خلال هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية. - ارتفاع عدد حوادث الشغل في صفوف السائقين، 20 حالة في 2016 إلى حد الآن، وهو ما يعني كثرة الأخطار المحيطة بالسائقين. - الترقية الداخلية التي شابتها عدة تجاوزات. - ارتفاع معدل الغرامة المالية التي تؤديها الشركة في حال تردي جودة الخدمات أو إلغاء الرحلات المقررة في دفتر التحملات، وفي هذا الصدد تم أداء غرامة مالية مهمة لمالك المشروع (كازا ترانسبور) إثر التأخير المتكرر خلال شهر واحد لمجموعة من الرحلات. الإدارة ترد.. أمام سيل الانتقادات الموجّهة للشركة المفوض إليها خدمة النقل العمومي الحضري ب «الترامواي» في الدار البيضاء، بادرت هذه الأخيرة إلى محاولة تلميع صورتها، مؤكدة أنها تحترم كل القوانين التنظيمية بالمغرب وكذا المعايير المعمول بها دوليا، بما في ذلك الأحكام التي تفرضها الشركة والمتعلقة بساعات العمل، مبرزة أنها تضع ظروف عمل موظفيها ضمن أهم أولوياتها وتوفر لهم معدات مضمونة تضاهي تلك التي تتوفر عليها كبريات المدن العالمية، مشددة على كون القاطرات المستعملة تعتبر من أفضل النماذج والتي يتواجد أكثر من 1800 نسخة منها عبر العالم، التي تلبي المعايير الأكثر صرامة من حيث السلامة والراحة للسائقين والمسافرين. الشركة أضافت أنها عملت على توفير تكوينات طيلة السنة لكافة الوظائف، إذ في سنة 2015 تم تخصيص 600 يوم من التكوين، كما أنها تقوم بتحسيس السائقين بأوضاع الجلوس السليمة أثناء القيادة، إذ حصل 90 %منهم على تكوين يهم وضعية الجلوس والحركة للتذكير بقواعد القيادة، مبرزة أنها وبعد أن تبين لها عدم قدرة بعض السائقين على القيادة، تم التطرق لكل حالة على حدة بحسب مستوى العجز، إذ فيما يتعلق بالحالات ذات العجز النهائي، وبحسب ما يمليه القانون، قامت بتحويل ملفاتهم لشركة التأمين التي لم تحدد لحد الساعة أي رابط يجمع بين العجز وسياقة الطرامواي. توضيحات يتضح أنها تنهل مما هو عام، دون تسليط الضوء على تفاصيل عملية، للإجابة عن الانتقادات الدقيقة للسائقين المحتجين، ودون تقديم أي دراسة علمية بشأن طبيعة الأمراض المهنية وأسبابها، إذ اقتصرت الشركة على التركيز على أوضاع الجلوس لتجعل منها مشجبا أضحى بالنسبة لها السبب الرئيسي للأعطاب التي يعاني منها شباب «الترامواي»!