يعتبر إصلاح منظومة التربية والتكوين من الإشكاليات المعقدة التي تحيل على مختلف عناصر التنمية المجتمعية. لذلك تجدر مقاربتها بمسؤولية وشمولية وعدم التعاطي معها بحسابات سياسوية أو إيديولوجية. فما هو المشروع التربوي للمجتمع المغربي؟ وماذا عن مسارات إصلاح التربية والتكوين في المغرب؟ وإذا كانت قضية المناهج التربوية قضية وطنية كبرى تستدعي نقاشا عموميا، لأنها تترجم فلسفة المجتمع وهي مرتبطة جدليا بتطور المجتمع وسياساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فما بالنا في المغرب نتعامل معها كما لو كانت نقاشا بيداغوجيا خاصا لا يخوض فيه غير المختصين في علوم التربية والمفتشين والمُدرّسين فيما بينهم؟ لماذا مثلا حينما قررنا مع الإصلاح التربوي لسنة 2000 والميثاق الوطني للتربية والتكوين الانتقال من التدريس بالأهداف إلى مقاربة الكفايات بقي نقاشنا بيداغوجيا، ولم يطرح العمق المعرفي والمضمون الحضاري لتحولنا حينها من مقاربة الأهداف إلى مقاربة الكفايات؟ لقد مر التشغيل في بلادنا من مرحلة كنا نُكوِّن فيها الطلبة ليتخرّجو مدرسين أو أطباء أو مهندسين، وكانت مقاربة الأهداف ناجعة لتأهيل هؤلاء لمهنٍ معلومة تنتظرهم، إلى واقع صار التعليم فيه مطالبا بتنمية كفايات الطلبة بما يسمح لهم بالتكيّف مع مختلف الوظائف والانتقال من مهنة إلى أخرى بسلاسة، بل وخلق فرص شغل من عَدَم اعتمادا على كفاياتهم الذاتية. وهكذا، إذا كان الوضع السوسيو اقتصادي هو الذي يحدد لنا المناهج التي نحتاجها، فلماذا يريد البعض اختزال القضية في بعدها التربوي؟ أيضًا، إذا كان المغرب قد اعتمد بيداغوجيا الإدماج التي اعتُبِرت الإطار المنهجي والعملي لتطبيق مقاربة الكفايات سنة 2008، أولا يُعدُّ التخلي عنها بشكل مباغت ودون إعداد أي بديل سنة 2011 قرارًا متسرّعًا؟ ثم ماذا عن القيم؟ إذا كان الإطار القيمي في بلادنا محددًا بشكل واضح (الإسلام المعتدل / الهوية الوطنية المتعددة / المواطنة / مبادئ حقوق الإنسان)، فلماذا فشلنا في خلق توازن قيمي يصهر هذه المرجعيات من خلال مناهجنا ومقرراتنا التربوية؟ وإلا، فما حدود مسؤولية التعليم عن التخبط ألقيمي الذي نعيشه في هذا البلد؟ وكيف يمكن لمراجعة عميقة للبرامج التربوية انطلاقا من المقررات الدراسية كما حصل مؤخرا مع المقررات الخاصة بالمادة الدينية أن تساهم في تجاوز هذه الاختلالات القيمية والتربوية؟ هذه الأسئلة يقترحها ياسين عدنان في حلقة جديدة من "مشارف" على أستاذ سوسيولوجيا التربية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس الدكتور الخمار العلمي وذلك بمناسبة صدور كتابه الجديد (مستقبل التربية والثقافة في المغرب: مدرسة الكفايات وكفايات المدرسة)، وذلك مساء يومه الأربعاء 12 أكتوبر على الساعة العاشرة و45 دقيقة ليلا على شاشة "الأولى".