بعد رفع وتيرة نمو الاقتصاد المغربي من 2.3 في المئة في التسعينات إلى 7.4 في المئة في الفترة 2000-2010 بفضل استراتيجيات منسجمة اعتمدت توسيع الطلب الداخلي والاستثمار العمومي كقاطرة للنمو، دخل الاقتصاد الوطني مرحلة فتور نتيجة استنفاد قدرات وإمكانيات هذه السياسات. فأصبح من اللازم إعادة النظر في نموذج النمو الاقتصادي المعتمد والقيام بإصلاحات جديدة وشاملة لإعادة قاطرة النماء والنمو إلى سكتها وإعطاء نفس جديد للمسيرة التنموية. غير أن الولاية الحكومية المنتهية شكلت وقتا ميتا لم يؤدّ فحسب إلى توقيف عقارب الساعة، بل أدى إلى تفاقم الوضعية عبر الارتجال واعتماد إجراءات ليبرالية متوحشة وغير شعبية، أجهزت على القدرة الشرائية لأوسع الشرائح الاجتماعية، وأخلفت موعد الاقتصاد الوطني مع معاودة النمو على أسس صلبة. وفي هذا السياق غير السليم، نزل معدل النمو الاقتصادي خلال الفترة 2011-2016 إلى مستوى 3.6 في المئة. انطلاقا من تشخيص دقيق وموضوعي للأوضاع التي آل إليها الاقتصاد الوطني يقترح حزب الإتحاد الاشتراكي في إطار برنامجه للانتخابات التشريعية نموذجا تنمويا بديلا، مستمدا من الاشتراكية الديمقراطية، ومستجيبا للمعطيات الاقتصادية والمجتمعية الراهنة، والذي يتأسس على الإصلاح الاقتصادي الشامل الكفيل بتحقيق وتيرة نمو مناسبة ومنتظمة ومستدامة، ويستند إلى إبداع آليات جديدة للرفع من الاستثمارات وتقوية التنافسية وتشجيع الابتكار. لقد تركت الحكومة المنتهية ولايتها إرثا ثقيلا وأوضاعا صعبة تتطلب عملا مستعجلا للتصحيح وإعادة التأهيل. فالمديونية العمومية أصبحت تلامس الخط الأحمر مع بلوغها مستوى 71 في المئة من الناتج الخام الداخلي. وعلى مدى ولاية الحكومة المنتهية ارتفعت المديونية الخزينة بنسبة 45 في المئة، وارتفعت مدونية المؤسسات العمومية المضمونة من طرف الدولة بنسبة 77 في المئة. وبلغ العجز التوأم للميزانية والحسابات الخارجية مستويات قياسية، إذ بلغت على التوالي 5.5 في المئةو7.8 في المئةخلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2016. وفي هذا السياق المقلق، تميز عمل الحكومة بالارتجال والضبابية، واكتفت في العديد من القضايات والاشكالات بالانتظارية وعدم فعل شيء، ما زاد الطين بلة. والخاسر الأكبر هو المواطن المغربي، الذي تدهور مستوى عيشه بشكل حاد في الوقت الذي عرفت فيه أسعار الطاقة والمواد الأولية انخفاضا كبيرا. وتميز أداء الحكومة بالعجز التام على الوفاء بالتزاماتها ووعودها، فبدل رفع معدل النمو إلى 5.5 في المئة نزلت به إلى 3.2 في المئة، وبدل خلق 130 ألف فرصة عمل جديدة التي وعدت بها خسر الاقتصاد الوطني خلال ولايتها 140 ألف فرصة عمل. وتضرر الشباب بشكل أكبر من هذه لأوضاع إذ فاق معدل البطالة أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة في الوسط الحضري 40 في المئة. كما عجزت الحكومة عن إرساء الثقة بين السلطات العمومية والقطاع الخاص وفشلت في تحسين مناخ الأعمال والرفع من جاذبية الاقتصاد الوطني للاستثمار وجزت به في جز من الفتور والركود والانتظارية. للخروج من هذا الوضع المؤلم، يقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رد الاعتبار للسياسة الاقتصادية العمومية الإرادية ودورها في تحقيق التنمية الاقتصادية، وذلك عبر اعتماد إصلاحات أفقية لتحقيق التنسيق والالتقائية والانسجام بين الاستراتيجيات القطاعية، وخلق بنك عمومي للاستثمار موجه لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأهيل وعقلنة السياسة المالية للدولة مع إعادة توجيه سياسة الاستثمار العمومي، وإطلاق حوار وطني من أجل إصلاح حقيق لنظام المقاصة ومجموع ترسانة المساعدات العمومية، ووضع نظام للحماية الاجتماعية، وخلق تعويض أدنى لضمان الكرامة، والرفع التدريجي من الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 في المئة، وإقرار سياسة قائمة على مبدأ العدالة المجالية. وعلى مستوى المالية العمومية، يقترح الحزب بلورة سياسة جبائية عادلة ومتضامنة، عبر إرساء إطار ضريبي مستقر من خلال إقرار ميثاق للاستقرار الضريبي على مدى خمس سنوات. ويتعهد الحزب بمباشرة إصلاح ضريبي عادل ومنصف، قادر على ضمان إعادة التوزيع من خلال القضاء على الملاذات الضريبية وإصلاح الضريبة على الشركات والأجور وإعادة هيكلة الضريبة على القيمة المضافة. وفي مجال الإصلاح الضريبي، تضمن البرنامج الاقتصادي للحزب تدابير ملموسة، وضع نظام التخفيض الضريبي من أجل التنافسية والتشغيل، إصلاح الضريبة على الدخل عبر تضريب أكبر للدخل الأعلى، وتخفيض الضريبة على دخل الطبقات المتوسطة من خلال توسيع الفرق بين الأشطر، وربطها بالتضخم. حذف بعض الأعباء من وعاء الضريبة على الدخل كمصاريف التمدرس والقفة والأشخاص تحت الكفالة، وتوسيع التخفيض عن الأشخاص المتكفل بهم ليشمل الأبناء والأخوات والإخوة. بالإضافة إلى الرفع التدريجي لسقف الإعفاء من الضريبة على الدخل من 2500 درهم إلى 4000 درهم، إضافة إلى إجراءات أخرى تهم مكافحة المضاربة وتقوية آليات محاربة التهرب الضريبي وإصلاح منظومة الإعفاءات الضريبية، وغيرها. ومن بين الإصلاحات الكبرى الواردة في برنامج الحزب، إصلاح سياسة سعر الصرف والارتقاء بدورها في تنافسية الاقتصاد الوطني، وتطوير السياسة النقدية مع إضفاء طابع أكثر إرادوية عليها، وتعزيز مناعة النظام المالي والبنكي. وخص البرنامج قطاعات الفلاحة والصناعة والصيد البحري والطاقة والتجارة والنقل والاقتصاد الرقمي والاقتصاد الاجتماعي والسياحة والبنوك باهتمام خاص مع اقتراح استراتيجيات وخطط تنموية مندمجة ومنسجمة في إطار شمولي متناسق. وتمحور البرنامج الاقتصادي للحزب حول جيل جديد من الإصلاحات، تمحورت عموما حول التنافسية الاقتصادية والقدرة الشرائية والبعد الجهوي والمجالي للتنمية، والتي ستمكن مجتمعة من بلوغ وتيرة نمو اقتصادي في أفق 2021 بنسبة 5.5 في المئة، وتقليص البطالة إلى 8 في المئةكحد أقصى، وإحداث 150 ألف منصب شغل سنويا، والرفع من معدل الدخل الفردي بنسبة 20 في المئة.