أثارت لوحتان تشكيليتان عن الأنثى للفنان التشكيلي والفوتوغرافي الطاهري محمد كرم، زوبعة من الانتقادات والتفاعلات الإيجابية حول الإيحاءات الخارجية للوحتين، وكذا ما يرمز لمعاناة المرأة في المجتمع العربي الإسلامي، وقد جاءت قراءات الأدباء و الشعراء حول اللوحتين متباينة الرؤى، حيث كتبت الشّاعرة المصرية ميادة أبو عيش: نَبْضٌ وَحَنِينٌ مُتَلاَزِمَيْنِ.. تَعْوِيذَاتٌ تَجُوبُ فِي أَوْرَاد..وَاحَات ..صَرَخَات أَلَم خَرْسَاء وأَحْلاَمٌ تُضَاجِعُ طُهْرَ النّبْضِ تُثْقِلُ بِسَيَلاَنِ رُضَابِ الأنِينِ وَالْفِرَاقِ. سُيُولٌ تُلَوّنُ عَيْنَيْهَا هُطُولُ مَدَامِعِ مَطَرٍ، وأَشْوَاقٌ حُبْلَى بِأَلَمِ الرّحِيل، وَسُبْحَةُ الرّوحِ فِي مَلَكُوتِ الله، لِتَلْتَهِمَ صَقِيعَ الصّبْرِ. بينما قرأت الكاتبة المصرية فاطمة صالح اللوحتين: أُنْثَى الشّقَاء حَزِينَةٌ مُلَبّدَةٌ بِالدّمُوعِ رَغْمَ ابْتِسَامَةِ وَجْهٍ بِالْحُزْنِ مُشْبَعَة ..قَطَرَاتٌ مِنَ الْهُمُومِ تَتَسَاقَط مِنْ جَسَدِهَا وَهِيَ ثَابِتَة لاَ تُبَالِي، وَلَكِنّ الْحَسَرَات تَتَوَالَى، وَالْأَلَمُ الْقَابِعُ يَنْزِفُ مِنْ أَرْجَائِهْا وَهِيَ الأُنْثَى الْعَنِيدَةُ الْمُكَابِرَة..تَتَوَارى خَلْفَ تِلْكَ الأحْلاَمِ الْمُحَاصرة مِنْ تِلْكَ وَذَاكَ، تُدَافِعُ عَنْ أَحَقّيتِهَا فِي الْبَقَاء، فِي عَالَمٍ أَصْبَحَ مُسَيّرًا عَلَى كَسْرِ كُلّ مَا بِهَا مِنْ أُنُوثَة وَدَلاَلٍ وَ جَمَال. عَالَمٌ يَظْلِمُ كُلّ مَا فِيهَا، يَجْعَلُهَا مَقْبَرَة وَيَدْفِنُ فِيهَا كُلّ جَمِيل، بل َيُرْغِمُهَا عَلَى الْعَيْشِ دُونَ جِدَالٍ، وَلكن بمحياها الابْتِسَامَة رَغْمَ الْأَلَم، وَالتّنَفّس رَغْمَ الضّيْق، وَمَازَالَتْ أُنْثَى الشّقَاء تُدَافِعُ عَنْ حَوّاء، وَتَبْحَثُ عَنْهَا وَتُعْطِيهَا أَمَلاً رَغْمَ الظّلْمِ وَالظّرُوفِ الْحَمْقَاء، وتصرخ من داخلها... أنا أنثى ..أنا أنثى..رغم الغباء والشقاء..... أما الدكتور جمال الجزيري فقد قرأ اللوحتين بأشكال إبداعية أخرى، وهي الومضة القصصية والهايكو، حيث كتب عدة ومضات وفقرات هايكو بعناوين رمزية دلالية تعبر عن مضمون اللوحتين والمعاني الدفينة التي اكتنزاها، وجاءت إبداعاته الراقية كالتالي: انكسرَ ظهري بألوانهم التي يضعونها على وجهي. كل بقعة حجر يًثْقِلُني ويحجبُ عني الأفقَ!...أبعدوني عن الغابة. ابتسروا ألوانها ولطّخوا بها وجهي، لا يدركون أنهم بتروا حياتهم بطغيانهم على غابتي. عمى هذه الألوان على وجهي العربي أحمالٌ وخدوشٌ وآثارٌ تَحْني رأسي؛ متى يُدرِكُ العربي أنِّي حياة؟! تدبُّرُ عاصفةٍ لا أعرف الانكسار؛ هذه النظرةُ التي صنعتْها أقنعتُكم على وجهي لحظةُ صمتٍ تتدبّرُ العاصفةَ. بقايا عاصفة لماذا يبدو وجهي كبقايا عاصفةٍ؟ كيف ينكسرُ كلُّ شيءٍ هكذا وأنا لم ألتقي عاصفتي بعد؟!! غباء أغبياء يا مَن تنظرون لي: هذه الحياةُ الغائرةُ بعينيّ ليستْ انكسارًا ولا استسلامًا لك.... فقرٌ ألوانُكم على وجهي فقرٌ: كيف أحسُّ بالثراء وألواني مهدورة؟ سأعصفُ بكم وألتقي نفسي. لقد استأثرت الأنثى باهتمام الفنانين والشعراء والأدباء سنونا عديدة، وكانت دائما محط جدال ونقاش في عمق المفهوم، وعن دورها المغيب في المجتمعات العربية، نتيجة الفهم التقليدي السطحي المشيئ لها ، ولذلك نفض بعض الفنانين المتميزين الغبار عن هذه السطحية والرجعية، وتناولوا مفهوم الأنثى من منظور مغاير، يظهر حزنها الأبدي كأمنا الأرض التي تلوثت بالنفايات والهواء الفاسد فأضحت مكلومة باستمرار، ومن بين هؤلاء نجد الفنان الشاب محمد الطاهري والذي برز من خلال عدة لوحات تعبيرية عن الأنثى والطبيعة، ولمع اسمه محليا ودوليا وشارك بعدة ملتقيات فنية وثقافية شعرية حاملا لواء التغيير في البنية الفنية المعاصرة وكذا المفاهيم المتحجرة.