الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْحَرَائِقُ وجْهَة .. لِمَنْفَاهَا الْجَمِيلِ الْكَائِنَاتُ الشِّعْرِيَّةُ
(تَقْدِيمُ الْأَعْمَالِ الشِّعْرِيَّةِ المُنْجَزَةِ لِلشَّاعِرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة الَّتِي سَتَصْدُرُ قَرِيبًا)
نشر في طنجة الأدبية يوم 25 - 11 - 2008

كَحَارِسٍ رَهِيفٍ وَرَحِيمٍ لَيْسَ يَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ الْإِفْرَاطُ بِالْحَنِينِ وَالْوَلَهِ المُمَاثِلِ لِدَهْشَتِهِ المُعَافَاةِ، يُمَثِّلُ الشَّاعِرُ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة حَالَةَ السَّعْيِ لِلتَّمَاهِي مَعَ الرُّؤَى وَالْحَنِينِ، لِيَزْدَادَ تَوَاصُلُنَا بِالانْدِهَاشِ الْحَنُونِ عَنْ طَرِيقِ خِطَابِهِ الرَّشِيقِ، وَدَفْعِنَا إِلَى التَّأَمُّلِ، وَهُنَا بِالذَّاتِ، يَكْمُنُ الْفِعْلُ المُرْهِقُ لِحُرُوفِهِ، بِمُتَنَاوَلِ النَّبْضِ المُتَوَرِّطِ بِفِعْلِ الْحَيَاةِ وَالرُّوحِ الْحَامِلَةِ لِقَنَادِيلِ خُرُوجِهَا مِنَ الْهَشَاشَةِ. يَخُطُّ رَغْبَةَ الْحِبْرِ كَهَاجِسٍ مُتَوَقِّدٍ وَمَسْكُونٍ بِعُمْرٍ مَدِيدِ اللَّهْفَةِ، أَوْ بَعْضِ أَغْرَاضِهَا النَّصِّيَّةِ، مَا يَجْعَلُ الْقِرَاءَةَ تَأْخُذُ مُسَمَّيَاتٍ عِدَّةً، حَتَّى بِأَشَدِّ حَالَاتِ اقْتِرَابِهَا مِنْ تَرْوِيضِ النَّصِّ بِتَوَرُّطٍ إِبْدَاعِيٍّ نَبِيلٍ وَشَدِيدِ الْوُضُوحِ وَالارْتِبَاطِ بِمُعَادَلَاتِ الْجَرَاءَةِ، لِزَمَنٍ كُلٍّ يَتَجَسَّدُ كَفِعْلِ وَعْيٍ تَشَارُكِيٍّ عَالِي الطَّمَأْنِينَةِ، حَيْثُ هُوَ كَهذَا الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحُلُمِ وَذَاتِهِ؛ إِنَّهُ الْحِبْرُ وَالزَّهْوُ المُرْتَسِمُ عَلَى مَتَارِيسِ الْكَفِّ فِي مَمْلَكَةِ الْحَرْفِ، يَطْوِي جَنَاحَيْ حُلُمِهِ عَلَى التَّوْقِ بِرِقَّةٍ وَإِصْرَارٍ وَرَحَابَةِ أُفُقٍ، لِيَبْدَأَ بِإِعْمَارِ مُفْرَدَاتِهِ بِلَهْفَتِهِ وَبِالْبَهْجَةِ وَلَوْنِ الْوَجَعِ أَيضًا. الْكِتَابَةُ لَدَى الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ لَيْسَتْ نَزْوَةً، بَلْ تَوَاتُرٌ حَيَوِيٌّ مُتَجَاوِبٌ وَمُبْتَكَرٌ عَلَى نِطَاقِ المُحْتَوَى الشِّعْرِيِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ احْتِوَاؤُهُ كَمَادَّةٍ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَالْخَيَالِ وَالتَّوْرِيَةِ وَالظُّهُورِ وَالْحُنُوِّ، أَحْيَانًا، لِلنَّفْحَةِ الصُّوفِيَّةِ كَمُرْتَكَزٍ لِلْبَقَاءِ بِكُلِّ مَدْلُولَاتِهِ وَتَعْرِيفَاتِهِ. إِنَّهُ وَقْتُ الانْفِجَارِ المُؤَجَّلِ، لِتَتَشَكَّلَ مَسَاكِبُ الذُّهُولِ كَائِنًا لَا يَعْرِفُ الْهُدُوءَ، وَلَا يَمْلَؤُهُ سِوَى الشِّعْرِ مُتَدَفِّقًا مِنْ ذُرْوَةِ أَعْصَابِهِ النَّاهِضَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ طُوفَانٍ، لَمْ يَكُنْ بِهِ الشُّرُوقُ الْعَادِيُّ لِإِبْدَاعٍ مُتَوَقَّعٍ فَقَطْ، بَلْ هِيَ الرُّوحُ يُرَتِّبُهَا كَعِنَادٍ لَا يَنْتَهِي عَبْرَ التَّأْكِيدِ عَلَيْهِ بِاسْتِمْرَارٍ؛ فَالمُتَكَوَّنُ فِي المُخَيَّلَةِ، وَالَّتِي يُفْصِحُ عَنْهَا، هِيَ أَكْبَرُ مِنْ مَسَاحَةِ الْحِبْرِ؛ تَجْعَلُكَ تَتَعَلَّقُ بِاللَّامَرْئِيِّ مِنَ الْفَرَاغِ اللَّانِهَائِيِّ، حَيْثُ الصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ تُشْبِهُ الْأُخْرَى وَلَا تُشْبِهُهَا؛ هَاجِسُهُ حَوْلَ ذلِكَ، الْعُبُورُ الْعَذْبُ الَّذِي يَفِيضُ بِالسِّعَةِ طَارِحًا أَسْئِلَةَ اللَّحْظَةِ الْإِبْدَاعِيَّةِ؛ هذَا التَّنَاغُمُ شَدِيدُ الْكَثَافَةِ فِي الذَّهَابِ إِلَى الْحُدُودِ الْقُصْوَى مِنَ الصَّفَاءِ وَالامْتِلَاءِ. هذَا التَّنَاغُمُ شَدِيدُ الْكَثَافَةِ فِي الذَّهَابِ إِلَى الْحُدُودِ الْقُصْوَى مِنَ الصَّفَاءِ وَالامْتِلَاءِ يُقْصَدُ بِهِ هُنَا مُشَارِكًا إِيجَابِيًّا، لَا يَكْتَفِي بِالتَّلَقِّي، وَهذِهِ قِيمَةٌ مُحْدَثَةٌ مِنَ الْإِيحَاءِ وَالتَّقْرِيبِ وَالتَّطَرُّفِ أَحْيَانًا, دَاخِلَ الْإِمْكَانَاتِ الشِّعْرِيَّةِ، لِأَنَّ المُفْرَدَةَ عَلَى المُسْتَوَى الصَّوْتِي أَبْلَغُ مِنْ مَعْنَاهَا فِي الانْفِعَالِ النَّحَوِي. ثَمَّةَ نَفْحَةٌ غَيْرُ عَادِيَّةٍ لَدَيْهِ هُوَ المَلِيءُ بِالذَّاكِرَةِ؛ ذَاكِرَةِ الْفِعْلِ وَذَاكِرَةِ الْحُلُمِ، وَذَكَاءِ الْأُسْلُوبِ المُنْدَغِمِ حَدَّ الْهَوَسِ بِمَشْرُوعِهِ، لِتَكُونَ الْقَصِيدَةُ عِنْدَهُ عَلَامَةَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ زَمَنٍ يَحِيكُهُ زَهْرًا، حَيْثُ الْكَائِنُ فِيهِ مُنْسَاقًا إِلَى الْأَعْلَى كَهَاجِسِ تَعْبِيرٍ وَبَحْثٍ بَهِيٍّ بِشَوَاغِلِهِ الْعَمِيقَةِ، وَهذَا، أَيْضًا، تَأْكِيدٌ لِلْهُوِيَّةِ الشِّعْرِيَّةِ، وَخُرُوجٌ مِنْ ذَاكِرَةِ المَكَانِ وَالتَّوَارِيخِ لِلسَّفَرِ عَلَى مَتْنِ الشِّعْرِ وَتَشَعُّبَاتِهِ وَتَفَرُّعَاتِهِ، كَاشِفًا التَّوَازُنَ بَيْنَ الْأُسْطُورِيِّ وَالرَّمْزِيِّ مُحَصِّلَةً لِمَجْمُوعَةِ الْبُنَى المُخْتَلِفَةِ الَّتِي عَبَّرَتْ عَنْ ذَاتِهَا بِالرَّمْزِ.. إِنَّهُ حُضُورٌ مُمَيَّزٌ لَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِهِ فِي المَتْنِ الشِّعْرِيِّ، وَهِيَ قُدْرَةُ الشَّاعِرِ الفَذِّ عَلَى النَّفَاذِ بِحَدْسِهِ الْهَادِفِ لِاسْتِبْطَانِ الرَّمْزِ فِي صُوَرٍ جَمِيلَةٍ، تُشِعُّ مِنْ مَفَاصِلِ الْقَصِيدَةِ دُونَ أَنْ تَأْتِيَ سَافِرَةً، مَا يُعْطِيهِ صِفَةً اسْتِثْنَائِيَّةً مِنْ خِلَالِ وَعْيِهِ بِالتُّرَاثِ وَفَهْمِهِ وَشَفَافِيَتِهِ الْعَمِيقَةِ.. هَلْ يُمْكِنُ لِلشَّاعِرِ أَنْ يَكُونَ سِوَى نَفْسِهِ فِي أَيِّ مَكَانٍ مَعَ الْقَصِيدَةِ، مَعَ الْأُنْثَى، مَعَ الْحَيَاةِ. هُوَ عُنْوَانٌ كَبِيرٌ لِهَوَاجِسَ شِعْرِيَّةٍ بَسِيطَةٍ وَبَلِيغَةٍ، حَيْثُ الْعَفَوِيَّةُ الَّتِي بَنَتْهَا الْإِشْرَاقَةُ المَفْتُوحَةُ عَلَى جِهَاتِ الْخَفْقَةِ، بِعَتَبَاتِ خَلْقِ كَوْنٍ خَاصٍّ وَحَمِيمٍ وَجَمِيلٍ هُوَ كَوْنُهُ الشِّعْرِيُّ الْخَاصُّ بِهِ.. أَيُّ كَائِنٍ سَوْفَ يَكُونُ كَأَقْصَى مَدًى هُوَ نَفْسُهُ؟ هَلْ ثَمَّةَ حَقَائِقُ ثَابِتَةٌ فِي الْكَوْنِ؟ وَهَلْ ثَمَّةَ فِي التَّجْرُبَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مَا هُوَ مُنْجَزٌ وَنِهَائِيٌّ؟ لَا ثَمَّةَ أَجْزَاءٌ مُرَكَّبَةٌ لِعَالَمٍ مُتَنَاقِضٍ تَكُونُهُ الْقَصِيدَةُ، إِنَّمَا ثَمَّةَ مَا هُوَ ضَائِعٌ فِيكَ، وَمَا الْقَصِيدَةُ سِوَى مُغَامَرَةِ الْبَحْثِ عَنْ هذَا الضَّائِعِ وَتَحْقِيقِهِ. مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة شَاعِرٌ يُفَكِّرُ بِالصُّورَةِ المَشْحُونَةِ، لِيُؤَكِّدَ أَنَّهُ ذُو انْتِبَاهَةٍ لَاقِطَةٍ دَقِيقَةِ المُلَاحَظَةِ، بِآلَفٍ كَوْنِيٍّ طَازَجٍ عَلَى امْتِدَادِ زَمَنِ الْكِتَابَةِ وَالْحَيَاةِ، بِهذَا الشَّكْلِ وَالْبَهَاءِ الصَّمِيمِيِّ يَتَنَاوَبُ الْإِيقَاعَ، لَا نَجِدُ عَلَى مَسَارِ المَجْمُوعَاتِ الشِّعْرِيَّةِ كُلِّهَا جُمَلًا ذِهْنِيَّةً مَحْضَةً، أَوْ لَا تَتَّصِلُ بِانْفِعَالِهِ وَعَاطِفَتِهِ بِتَنَوُّعِهَا، إِضَافَةً إِلَى الصُّورَةِ الْجَدِيدَةِ ذَاتِ التَّأْوِيلِ؛ كَهُوِيَّةٍ لِوَقْتٍ مُفْتَقَدٍ، يُنَاجِي الشَّغَبَ الْحَمِيمَ عَلَى حُلُمٍ، وَالْجَسَدَ المُخْتَلِجَ بِرَوَائِعِهِ المَنْسِيَّةِ، يَسْتَفِيقُ مِنَ النَّبْضِ حَتَّى النَّبْضِ؛ مُتَوَّجًا بِطَيْفِ الْقَصِيدَةِ، وَمَخْمُورًا بِالانْبِهَارِ، وَتِلْكَ هِيَ إِحْدَى غَايَاتِ مَجْمُوعَاتِهِ الشِّعْرِيَّةِ، وَكَأَنَّهُ يَتَوَغَّلُ دَاخِلَ أَغْوَارِ نَفْسِهِ مُسْتَفِزًّا حَوَاسَّهُ، دُونَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ التَّأَمُّلِ فِي المَنْهَجِ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ لِتَوْلِيدِ المَعْنَى، لِيَحْلُمَ كُلٌّ مِنَّا بِالمَعْنَى الَّذِي يَشَاءُ. يَحْدُثُ مَع الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ أَنْ تَكُونَ اللُّغَةُ أَجْمَلَ مِنَّا، لِأَنَّهَا تَعْمَدُ إِلَى تَعْرِيَةِ إِرْبَاكِنَا بِمُسْتَوَيَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَخِصْبَةٍ، وَهذَا فِي زَمَنِ الشِّعْرِ، لِيَفِيضَ بِالْإِشْبَاعِ عَلَى قَصَائِدِهِ دُونَ أَنْ يَخُونَ انْفِعَالَاتِهِ، وَاللَّافِتُ هُوَ تَنَوُّعُ نُصُوصِهِ، وَاحْتِوَاؤُهَا عَلَى عَدَدٍ مِنَ الْعَنَاوِينَ المُحَيِّرَةِ وَالصَّادِمَةِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ إِدْرَاجُهَا كَمَجْمُوعَةٍ مُتَنَاغِمَةٍ، أَوْ كَحَالَةٍ تَالِيَةٍ لِحِوَارِ الْبَوْحِ المُمِضِّ، يُحَرِّرُ أَوْصَافَ الرَّفْضِ وَالتَّمَرُّدِ بِلَا حِسَابٍ مِنْ وَاحَاتِ الضَّوْءِ، لِتَنْهَمِرَ، وَتُحْتَجَبَ، ثُمَّ تَنْدَفِقُ، أَوْ تَعْبُرُ حَوَاسَّنَا المُتَهَافِتَةَ وَاللَّاهِفَةَ، فَتَتَعَاظَمُ شَهْقَتُنَا، أَوْ تَعْبِسُ الرُّوحُ حَسَبَ أَنْفَاسِهِ الَّتِي تَرْفُدُ المَسَاحَةَ الشِّعْرِيَّةَ لَدَيْهِ بِفَاكِهَةِ الدِّفْءِ وَالْوَجَعِ وَابْتِكَارَاتِ الْحَنِينِ الْطَالَمَا اتَّكَأَتْ عَلَى نَصِّهِ.. تُفْصِحُ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّحَدِّي الَّذِي يَرَى فِيهِ امْتِدَادًا لِسَطْوَةِ الرَّغْبَةِ وَالْحُلُمِ وَالْإِيقَاعِ، وَالَّذِي يَقُودُ بِالضَّرُورَةِ إِلَى عَوَالِمَ مِنَ التَّسَاؤُلِ وَالدَّهْشَةِ الَّتِي هِيَ خَامَةُ الْقَلْبِ ذَاتِهِ. أَبَدًا وَدَائِمًا، وَحَتَّى فِي ذُرْوَاتِ هُمُومِهِ وَانْهِزَامِهِ وَثَوْرَتِهِ، يَحْمِلُ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ حَرَارَةَ الرُّوحِ وَتَشَظِّيَاتِهَا بِاطْمِئْنَانٍ كَبِيرٍ.. يُعِيدُ لَكَ الشَّغَفَ بِجَدْوَى الْكِتَابَةِ الشِّعْرِيَّةِ.. يَرْسُمُ لَنَا طَرِيقًا شَائِكَةً وَمُمْتِعَةً فِي آنٍ لِمَعْرِفَةِ خَفَايَا النَّصِّ الشِّعْرِيِّ لَدَيْهِ، ضِمْنَ حِوَارٍ مَعَ المُفْرَدَاتِ وَالصُّوَرِ.. يَجُوبُ عَوَاطِفَهُ الطَّافِحَةَ بِثِمَارِ مُخَيَّلَتِهِ.. لَا يَخُطُّ إِلَّا نَفْسَهُ، أَمَّا الْعَالَمُ فَهُوَ إِدْرَاكُهُ الْخَاصُّ، وَحُلُمُهُ كَأَغَانٍ وَأَسَاطِيرِ نِيرَانٍ مُضْرَمَةٍ فِي أَعَالِي مَعَابِدِ رُوحِهِ.. هَرَمٌ مُتَدَرِّجٌ إِلَى قَلْبِ غَيْمِهِ، وَكُلُّ حَرَكَةٍ ضِمْنَ المَنْظُورِ الشِّعْرِيِّ خَاضِعَةٌ لَهُ، وَهُوَ يُدِيرُهَا بِوَعْيٍ، أَوْ بِفِطْرَةٍ بِالْقُوَّةِ الْخَارِجَةِ مِنْ عُمْقِ انْفِعَالَاتِهِ الَّتِي تُقَدِّمُ الْحَيَاةَ، بِوَصْفِهَا تَعْبِيرًا مُتَغَيِّرًا يُثِيرُ الْحَنِينَ، وَمُطَابَقَةَ هذَا المُتَغَيِّرِ مَعَ المُنْتَجِ الْأَدَبِيِّ غَيْرِ النِّهَائِيِّ. مَا يَزِيدُ عَامِلُ المُفَاجَأَةِ لَدَى شِعْرِيَّةِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَةِ، كَنَوَاةٍ مُكَثِّفَةٍ لِلصَّدَى المُشْبَعِ بِعَاصِفَةٍ مُتَوَقَّعَةٍ مِنَ الصُّورَةِ، هِيَ حَرَكَةُ الْعَنَاصِرِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدْرَكُ، بَلْ تُحَسُّ فَقَطْ، كَحِرْفَةٍ اخْتَزَنَتْهَا ذَاكِرَتُهُ مُنْذُ عُهُودٍ سَحِيقَةٍ؛ عُهُودِ حَضَارَةٍ اخْتَفَتْ؛ حَضَارَةٍ مَا زَالَ يُؤَكِّدُهَا نَهْرَانِ خَالِدَا الْإِبْدَاعِ دَاخِلَ رُوحِهِ؛ الْحُبُّ وَالْوَجَعُ. لَيْسَتِ الدَّهْشَةُ، بَل هِيَ الْبَسَاطَةُ الَّتِي بِهَا يَتَحَسَّسُ طَبِيعَةَ الْأَشْيَاءِ وَأَشْكَالَهَا كَحَجَرِ الْمِغْنَاطِيسِ، وَيَدْفَعُ بِكَ إِلَى التَّأَمُّلِ الْهَادِئِ المُشْبَعِ بِالتَّوْقِ وَالانْتِظَارِ وَالشَّهْوَةِ لِلْحَيَاةِ، يَحْمِلُكَ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ إِلَى شَرْطِهِ الْإِبْدَاعِيِّ الَّذِي تَصِيرُ فِيهِ رُوحُكَ كَامِلَةً، وَتَتَخَلَّصُ مِنْ حُدُودِ وَعْيِكَ لِمَا هُوَ أَرْفَعُ مِنَ الْعَقْلِ وَالمَعْرِفَةِ وَمِنَ الْحِكْمَة لِيَقُولَكَ: إِنَّهُ الْحُبُّ، وَالْكَائِنُ الَّذِي يُحَاطُ بِالْحُبِّ لَا يَفْنَى. إِنَّهَا الْكَلِمَةُ المُتَرَقِّبَةُ المُرْتَقَبَةُ تُطِلُّ بِأَغْصَانِهَا عَلَى جِهَاتِ الشِّعْرِ المُتَمَاسِكِ، وَحَارِاتِ يَنَابِيعِ المَعَانِي المُتَغَطْرِسَةِ عَلَى قَامَاتِ الْجُمَلِ كَأَنَّهَا مَخَافِرُ غَيْمٍ، أَوْ مَسَاطِبُ رِيحٍ عَالِيَةِ المَطَرِ، مَشْغُولَةٌ بِتَرْوِيضِ شِتَاءٍ مُشَاكِسٍ يَعْصِفُ بِالدُّرُوبِ المُسَافِرِةِ صُعُودًا وَنُزُولًا، وَتَعْرِيفٍ إِلَى حَارَاتِ الْفِكْرَةِ الْقَرِيبَةِ الْحَانِيَةِ المُشَاغِبَةِ، تِلْكَ الَّتِي تَحْتَرِفُ الْقِمَّةَ وَالسَّفْحَ بِاتِّجَاهِ الْأَعَالِي لِمَخَابِئِ الرَّمْزِ؛ وَحْدُهُم المُتَمَرِّسُونَ فِي حُبِّ الْبَحْثِ الْإِبْدَاعِيِّ وَالْهَاجِسِ الشِّعْرِيِّ فَقَطْ، يَعْرِفُونَ مَاذَا فِي الْأَعْلَى، وَقَدْ تَدَرَّبَتْ حَنَاجِرُهُم وَأَوْرِدَتُهُم عَلَى عُبُورِ الْحِكَايَاتِ وَالْأَغَانِي الْعَتِيقَةِ، يُرَتِّلُونَهَا حَتَّى تَعْلُوَ هِمَّةُ الشِّرْيَانِ فِي بَحْثِهِ المُضْنِي، فَتَأْتِي مَوَاسِمُهُ عَلَى مَا يُرَامُ، كَمَا عِنْدَ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ. هُوَ
الْحَمَأُ الْقَدِيمُ لِدَيْمُومَةِ الرَّبِيعِ، وَحَنِينُ الْوِلَادَةِ حَنِينٌ مُوجِعٌ مَوجَعٌ جِدًّا، لَا تَنْطَفِئُ جَذْوَتُهُ لِكَائِنَاتٍ تَلِدُ وَتُرَبِّي مَخْلُوقَاتِهَا لِلْمَوْتِ الْجَمِيلِ وَلِلْحَيَاةِ وَالْحُبِّ بِتَنَوُّعِ وَظَائِفِ الْحَيَاةِ، حَنِينُ عَذَابِ الطَّبِيعَةِ لِلْخَلْقِ. ثَمَّةَ حُزَمٌ ضَوْئِيَّةٌ كَبِيرَةٌ وَسُحُبُ دُخَانٍ دَاخِلَ إِشْرَاقَاتِهِ، وَهِيَ تَمُوجُ بِصُوَرٍ مُجَنَّحَةٍ حِينًا، وَصَاخِبَةٍ بِالزَّقْزَقَةِ، لَهَا شَكْلُ الرِّيحِ وَسَطَ الْعَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ، تِلْكَ الَّتِي ارْتَفَعَ فَوْقَ أَبْرَاجِهَا ضَبَابٌ خَفِيفٌ يَأْخُذُكَ عَبْرَ مُفْرَدَاتِهِ، كَأَنَّهُ يَجُرُّكَ إِلَى أَرْضِ أَحْلَامِهِ، وَالتَّشْكِيلَاتُ الشِّعْرِيَّةُ تَلِجُ وَعْيَكَ دُونَ عَنَاءٍ فِي الْبَدْءِ؛ مُجَرَّدُ صُوَرٍ، ثُمَّ مُدْرَكَاتٌ تَكْتَسِبُ مَعَانِيهَا وَتُشِعُّ أَلَقَهَا فِي الْوَعْيِ بِقَلَقِهِ الرَّاشِحِ الَّذِي احْتَوَاهُ، وَالَّذِي يَشُقُّ فِيهِ جُرْحًا بِارْتِيَاحٍ مُدْهِشٍ، وَبِسُهُولَةٍ مُقْنِعَةٍ، حَيْثُ تَأْتِي تَشْكِيلَاتُهُ بِالصَّدَى مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى مِسَاحَةِ الارْتِبَاكِ. لَيْسَ مِنَ المُسْتَغْرَبِ أَنْ يَشْتَعِلَ الْأَمَلُ وَالْإِبْدَاعُ الصَّارِخُ حَيَاةً وَفَنًّا وَعَنَاوِينَ وَلُغَةً وَنَسِيجًا مُتْرَعًا بِالرُّوحِ، لِأَنَّ الْقَصِيدَةَ عِنْدَ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ وَحْدَهَا قَادِرَةٌ عَلَى الاحْتِفَاءِ بِالْوَجْدِ وَالْوَجَعِ مَعًا، كَشَمْسٍ مُبَاغِتَةٍ صَعَقَتْ رُوحَ الْبَرْدِ، لَا تَنْفَصِلُ عَنْهُ، بَل تَتَكَامَلُ وَتَتَوَاشَجُ حَتَّى تَصِيرَ الْقَصِيدَةُ صَبَاحًا مُزْهِرًا، تُعَانِدُ وَتُهَادِنُ وَتُشَاغِفُ مَا اسْتَطَاعَتْ، لِيُقَدِّمَ لَنَا النَّبْضُ أَعْرَاسَ مَوْهِبَةٍ لَا تَغْفُو مَوَاوِيلُهَا، وَلَا تَشْقَى إِيحَاءَاتُهَا. الشَّاعرُ الرِّيشَةُ حَامِلُ نُبُوءَةِ شِعْرٍ وَقَلَقٍ وَفِتْنَةِ مَجَامِرِ الْحُبِّ وَالتَّوْقِ وَمَوْجَتِهِ الْأَعْتَى، يُمَلِّحُ بِهَا السَّوَاحِلَ، وَيُقِيمُ المَنَارَاتِ لِأَسْفَارِهَا مَرَاكِبُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْقَصَائِدَ وَحْدَهَا الْقَادِرَةُ عَلَى الاحْتِفَاءِ بِهِ، وَاحْتِوَاءِ مَوَاكِبِ أَحْلَامِهِ وَآمَالِهِ، حَارِسَةٌ لِصَوْتِهِ وَكَلِمَاتِهِ المُمْتَلِئَةِ بِوَطَنٍ جَمِيلٍ يُشْبِهُ الرُّوحَ النَّازِفَةَ. يَزْرَعُ حُقُولَ اشْتِيَاقِنَا بِفَاتِحَةِ وَجَعٍ، وَبِأَمَلٍ عَصِيٍّ يُؤَنِّثُ الْحُرُوفَ، مُحَاوِلًا أَنْ لَا يُنْهِيَ عَلَاقَتَهُ الْوُدِّيَّةَ مَعَ الْبَرَاءَةِ الَّتِي تَتَلَعْثَمُ بِالْأَشْجَارِ وَالْيَنَابِيعِ، وَمُفْرَدَاتِ الْوَرْدَةِ الْتُلَمْلِمُ هَيْكَلًا مَزْرُوعًا بِقَصَائِدِ التَّوْقِ النَّقِيِّ لِإِشْرَاقَاتٍ مَا كَانَتْ، لَوْلَا الْهَاجِسُ بِنُبْلِهَا مَعَ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ. سَتَجِدُ أَنَّ كَثِيرِينَ أَحَادِيثُهُم تُشْبِهُ الْقَصَائِدَ، وَكَثِيرَاتٌ يُشْبِهْنَ الْأَنَاشِيدَ فِي كُلِّ رَفَّةِ شَوْقٍ يَقُلْنَ صَبَاحًا، أَو يَتَرَنَّمْنَ بِبَحْرٍ شَاطِئُهُ اللَّهْفَةُ وَمَوْجَتُهُ الْحَنِينُ، إِلَى الْأَفْضَلِ، وبِكُلِّ شِعْرِيَّةٍ يَخُطُّهَا شَاعِرُنَا، حَيْثُ المُنْجَزُ الشِّعْرِيُّ عِنْدَهُ، وَالْأَدَبُ عُمُومًا، سَفَرٌ إِلَى مُدُنِ الْكِتَابَةِ بِكُلِّ أَسْمَائِهَا وَعَنَاوِينِهَا الْإِبْدَاعِيَّةِ الَّتِي تُشَاغِبُ قَامَاتِها الْإِيحَائِيَّةَ وَالْجَمَالِيَّةَ، فِي لِقَاءٍ يُومِئُ بِمَطَرٍ وَمِيلَادِ دُرُوبٍ كَثِيرَةٍ لِلْكَلِمَةِ الْوَاحَةِ. الشَّغَفُ الَّذِي يَكُونُ حَاضِرًا بِقُوَّةٍ فِي تَمَاهِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ؛ بِجَعْلِهِ وَعْيًا مُحَقَّقًا، يُحَمِّلُ الشَّاعِرَ خُصُوصِيَّتَهُ التَّعْبِيرِيَّةَ بِلُغَةٍ خَاصَّةٍ تَشِي بِتِلْكَ الْعَلَاقَةِ الْحَمِيمَةِ، كَحَامِلٍ لِنَصٍّ تَعَالِيمُهُ مَا بَيْنَ النِّسْبِيِّ وَالمُطْلَقِ وَبِذَاتِ الْإِبْدَاعِ، كَمِيزَةٍ لِكَشْفِ زِيفِ الثُّنَائِيَّاتِ، حِينَمَا يُعَرِّفُنَا أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ وَاحِدٌ كَمُحَصِّلَةٍ لِتَرَاكُمَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ لَيْسَتْ مَصْفُوفَةً وَلَا مَرْئِيَّةً، وَلَيْسَتْ بِصَدَدِ الْبَحْثِ عَنْ أَيَّةِ نَمَاذِجَ، بَلْ مشْغُولَةٌ بِهَذَيَانَاتِهِ الْحِبْرِيَّةِ، يَتَقَمَّصُ الرُّوحَ وَالسِّرَّ الَّذِي قَوَامُهُ النَّارُ وَالنُّورُ. فِي الْأَعْمَالِ الشِّعْرِيَّةِ، غَيْرِ الْكَامِلَةِ، لِلشَّاعِرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَةِ، وَدُونَ أَنْ نَدْرِيَ أَو نَتَوَقَّعَ، يَزُجُّنَا بِأَحْلَامِهِ المَمْزُوجَةِ بِقَضَايَاهُ؛ ثَمَّةَ غِوَايَةٌ كُبْرَى تَتَلَامَحُ عَلَى حَافَّةِ الْكَلِمَاتِ، وَتَنْسَرِبُ كَسِرٍّ يَمْنَحُ نَفْسَهُ، وَيَمْتَنِعُ فِي مَدًى خَاضِعٍ لِلانْجِذَابِ وَالْحِوَارِ وَالتَّبَادُلِ المَنْقُوصِ وَالْإِجَابَةِ المُعَلَّقَةِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَايَنْتَظِرُ جَوَابًا، وَلَا يَأْمَلُ رَاحَةً يَسْتَهْلِكُ بِهَا المَوْضُوعَ كَلُغَةٍ تَنْطُقُ بِصَخَبِهَا الْخَاصِّ، مِنْ رُمُوزٍ وَعَلَاقَاتٍ تَسْعَى لِتَشْكِيلِ مَوْقِفٍ مَا يَرْفَعُ دَرَجَةَ التَّوَتُّرِ. بِالطَّبْعِ، لَنْ نَجِدَ مَا يُمْكِنُ الرُّكُونُ إِلَيْهِ، وَمَعْ ذلِكَ يُعَاوِدُ السُّؤَالَ تِلْوَ السُّؤَالِ، وَبِمُقْتَضَى ذلِكَ، هُنَاكَ طَوْرٌ آخَرُ ضِمْنَ الْفِكْرَةِ يُعَمِّقُ ذَاتَهُ تَجَاوُبًا وَإِلْهَابًا لِحِسِّ الْفَجِيعَةِ، ضَاحِكًا بِدُمُوعٍ طَعْمُهَا المَرَارُ وَلَوْنُهَا الْحَرِيقُ، كَعَلَامَةٍ دَافِئَةٍ مَعَ المَحْسُوسَاتِ، فِي مُحَاكَاةٍ جَمَالِيَّةٍ تَتَغَذَّى مِنْ رُوحِ الشَّاعِرِ بِالذَّاتِ وَدَمِهِ وَقَلْبِهِ، بِلُغَةٍ تَقْتَحِمُ أَسْوَارَ اللَّفْظِ، وَتَرْفَعُ عَتَبَةَ الْفَهْمِ وَمَسَالِكَ التَّذَوُّقِ بِلَا وَسِيطٍ وَلَا تَحَفُّظٍّ لِدُخُولِ الْقَارِئِ حُدُودَ التَّأَمُّلِ وَمَنَاطِقَ الْإِدْرَاكِ بِأَلَفَةٍ وَانْحِيَازٍ شِبْهِ كَامِلٍ لِمَعَايِيرِ التَّعْبِيرِ المُشْبَعِ بِالمَيْلِ لِلْمَزَاجِ الشَّخْصِيِّ، مَا يَجْعَلُ الْكِتَابَةَ قِيمَةً جَمَاعِيَّةً وَجَمَالِيَّةً عَصِيَّةً عَلَى التَّأْطِيرِ الْقَاعِدِيِّ، بَلْ وَمَفْتُوحَةً عَلَى تَرْجَمَاتِنَا الذَّاتِيَّةِ مُصَاغَةً مِنْ مُحْتَوًى شَكْلِيٍّ، وَمَضْمُونٍ نَوْعِيٍّ نَاتِجٍ عَنْ تَرَاتُبِيَّةٍ بِنَائِيَّةٍ تَصَاعُدِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ، وَمَحْكُومَةٍ بِإِرَادَةِ الشَّاعِرِ وَمَوْهِبَتِهِ وَخِبْرَاتِهِ الْوَاضِحَةِ فِي عَمَلِيَّةِ تَنْظِيمِ مُفْرَدَاتِ المَجْمُوعَاتِ، فِي هذَا التَّوَازُنِ وَالانْسِجَامِ وَالتَّوَافُقِ الشَّكْلِيِّ مَع مُحْتَوَى المَتْنِ الشِّعْرِيِّ، مَعَ الاحْتِفَاظِ بِحِيَازَتِهِ لِذَاكِرَتِهِ وَأَفْكَارِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَبِيعِيَّةٌ وَمِصْدَاقِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَإِشْكَالِيَّةٌ فِي آنٍ، يُقَدِّمُهَا لَنَا الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ. الْقَصِيدَةُ مَعَهُ أَبَدًا تَعْنِي وَلَا تَعْنِي.. تَقْصُدُ وَلَا تُشِيرُ.. صُوَرٌ تُشْبِهُنَا فِي حَقِيقَتِنَا وَتَسْخَرُ مِنْ ذَاتِهَا وَمَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ ذَوَاتٍ إِنْ كُنَّا نَحْنُ المَقْصُودِينَ، فَهُوَ لَمْ يَأُلْ جُهْدًا فِي هَتْكِ مَا نُحِسُّهُ خَافِيًا، فَإِذَا بِنَا عُرَاةً تَحْتَ سُطُوعِ جُمَلِهِ؛ إِنَّهَا جُمَلٌ هَادِفَةٌ عَامِرَةٌ بِعُمْقِ الْحَيَاةِ.. شَاهِدَةٌ عَلَى الْحُضُورِ.. مُبْدَعَةٌ قَوَامُهَا السِّحْرُ وَالدَّهْشَةُ، لِنُلَاحِظَ أَنَّ الشَّاعِرَ غَيْرَ مُهْتَمٍّ بِالْبَشَاعَاتِ الْخَالِدَةِ، وَلَا مُتَجَاوِزًا عَنْهَا، بَلْ يُضِيءُ بَيَانَهَا المُبْهِرَ وَالصُّوَرَ الدَّافِقَةَ لَدَيْهِ، بِرَوْعَتِهَا وَخُصُوبَةِ خَيَالِهِ وَأَحْلَامِهِ وَكَوَابِيسِهَا وَأَغَانِيهِ وَفَرَحِهِ وَحُزْنِهِ المُلْتَهِبِ. هُوَ المُتَنَسِّمِ بِعُمْقِ التَّعْبِيرِ وَإِثَارَةِ الشَّجَنِ وَالْفَرَحِ بِاللَّحْظَةِ ذَاتِهَا، نَحْوَ مَا يُرَمِّمُ الرُّوحَ وَيُوقِظُ الذَّاكِرَةَ مُعْتَمِدًا عَلَى طَلَاقَتِهِ، وَقَدِ امْتَلَكَ نَاصِيَةَ النَّبْضِ عَلَى مَسَارَاتِ مَجْمُوعَاتِهِ الشِّعْرِيَّةِ مُنْذُ الْفِكْرَةِ الْأُولَى وَحَتَّى تَوْرِيطِ مُخَيَّلَتِنَا، فِي تَنْصِيبِ ذَاتِهَا كَشَاهِدٍ وَنَاقِلٍ لِعَنَاصِرِ مَشْهَدِهِ بِصُورَةٍ تَتَفَاعَلُ مَعَ مُحِيطِهَا السِّحْرِيِّ، دُونَ أَنْ تُؤَكِّدَهُ أَوْ تُلْغِيهِ، مُحَقِّقَةً التَّوَحُّدَ وَالانْدِمَاجَ، لِتُقَامَ تِلْكَ الْعَلَاقَةُ الصَّافِيَةُ مِنَ الْإِبْدَاعِ، وَطَرْحِ الشَّاعِرِيَّةِ الَّتِي مَهَّدَتْ بَيَادِرَهَا لِسَنَابِلِهِ وَاحِدَةً تِلْوَ وَاحِدَةٍ، بِأُسْلُوبٍ اسْتِنْبَاطِيٍّ يُطَيِّرُ أَجْنِحَةَ الْحُرُوفِ لِتَحُطَّ عَلَى بَيَاضِ الْفَرَاغَاتِ؛ تَتَخَلَّقُ صُوَرًا فِي أَطْيَافِ ضَوْئِهَا، تُقَامُ هَذَيَانَاتُ الشَّوْقِ وَالتَّوْقِ الَّذِي يُقَاوِمُ الْإِلْغَاءَ كَمُسْتَحِيلَاتٍ عَلَى مَوْعِدٍ مَع صَدَاهَا، وَالشَّاعِرُ الرِّيشَةُ ضِمْنَ ذلِكَ، مُتَحَالِفًا مَع صَفَائِهِ الدَّاخِلِيِّ، يَمْضِي مَا أَمْكَنَهُ السَّفَرُ بِاتِّجَاهِ الصَّفَاءِ، وَالمَتْنُ الشِّعْرِيُّ رَهِينُ رُوحِهِ المُتَوَرِّطَةِ بِالنَّقَاءِ وَالْقَصَائِدِ اللَّوْنِيَّةِ، وَرَغْمَ كَثْرَةِ الصَّخَبِ لَا يُغَادِرُ طَمَأْنِينَةَ التَّأَمُّلِ وَفِتْنَةَ الْبَوْحِ، لِإِيجَادِ فُسْحَةِ الْفِتْنَةِ مِنْ حَيْثُ يُرِيدُ أَو لَا يُرِيدُ، مُشْبِعًا بَالَهُ بِرَوْنَقِ الدَّهْشَةِ الرَّاقِيَةِ، لِامْتِلاَكِهِ عَلَاقَةً دَافِئَةً تُمَارِسُ خُشُوعَهَا. عِنْدَ حُدُودِ اللَّهْفَةِ عَلَى عَتَبَةِ الْقَلْبِ وَوَجَعِ الْأُمْنِيَاتِ الطَّيِّبَةِ يَقِفُ بِسَلَامٍ شَائِقٍ، لِيَصِيرَ الْهَاجِسُ عَلَاقَةً بِالْبَهْجَةِ المُتَمَوِّجَةِ بِالْحَيَاةِ، وَتَصِيرَ دَلَالَاتُ الرُّوحِ بَنَفْسَجَهُ بِبَالِ الرِّضَا اسْتِنْهَاضًا لِنَبْضٍ يُولَدُ صُوَرًا مُخْتَلِفَةً، كَحَامِلَةٍ لِرُؤًى مُرْتَبِطَةٍ بِالْإِنْسَانِ وَمَلَكُوتِهِ، بَعِيدًا عَنِ الصِّرَاعَاتِ التَّسْلِيعِيَّةِ بِعَفَوِيَّةٍ مُرْتَجِفَةٍ، تَظْهَرُ فِيهَا الاشْتِقَاقَاتُ كَنَفَحَاتٍ صُوفِيَّةٍ، تَسْتَضِيفُ المَعْنَى بِاقْتِرَاحَاتِهِ المُمْكِنَةِ؛ يَفْتَحُهَا الشَّاعِرُ عَلَى الْأَسْئِلَةِ وَالْهَوَاجِسِ المُعَبِّرَةِ عَنْ إِحْسَاسِهِ، بِضَغْطِ الْقَهْرِ وَالْحِصَارِ وَالْحُبِّ وَالزَّمَنِ وَالظُّلْمِ، فَارِضًا/ رَافِدًا دَوْرَةَ الْحَرَاكِ الثَّقَافِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ، فَنُلَاحِظُ إِمْكَانِيَّةَ إِقَامَةِ عَلَاقَةٍ فَوْقَ نَمَطِيَّةٍ، مَعْ مُتُونِ النَّصِّ لَدَى الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ، أَو لِنَقُلْ عَلَاقَةً ذَاتَ مُوَاصَفَاتٍ قَادِرَةً عَلَى إِثَارَةِ الانْفِعَالِ، عَلَى رَغْمِ أَنَّهَا لَا تُعْنَى بِالْبَحْثِ عَنْ مَسَافَاتِ التَّوَتُّرِ كَعَنَاصِرَ رَاسِخَةٍ فِي بِنَاءِ الْقَصَائِدِ، وَالشَّاعِرُ مِنْ مَوْقِعِهِ فِي النَّصِّ يَشْبِكُ اللُّغَةَ مَعَ الْعَنَاصِرِ الدَّاخِلِيَّةِ ضِمْنَ خَطَّيْنِ هُمَا: الطَّاقَةُ الْحَدْسِيَّةُ الَّتِي تُقَدِّمُ الْحَيَاةَ بِوَصْفِهَا تَعْبِيرًا مُتَغَيِّرًا يُثِيرُ الْحَنِينِ، وَالثَّانِي مُطَابَقَةُ هذَا المُتَغَيِّرِ مَعَ المُنْتَجِ الْأَدَبِيِّ غَيْرِ النِّهَائِيِّ، مَا يَزِيدُ عَامِلَ المُفَاجَأَةِ لَدَى شِعْرِيَّةِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشِةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هذَا الانْتِهَاجِ الشِّعْرِيِّ يُحَقِّقُ تَحْلِيقًا صُوفِيًّا بَعِيدًا عَنْ مُكَابَدَةِ اللُّغَةِ، يَقُودُهُ إِلَى الْحَدَثِ، وَالَّذِي أَثَّرَ بِهِ لِيَتَّسِعَ لِكُلِّ قَطْرَةِ نَبْضٍ.. قَطْرَةً.. قَطْرَةً. عِنْدَ تُخُومِ الرُّوحِ يَسْفَحُ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ الْكَلِمَاتِ بَيْنَ شَهْقَتَيْنِ هُمَا الْحَيَاةُ وَالشَّذَا.. يُوَزِّعُ الْهَمْهَمَاتِ عَلَى الرِّيحِ فِي جَسَدِ الْأَمْكِنَةِ، وَأَنْتَ بِضِيَافَةِ مَتْنِهِ الشِّعْرِيِّ تُوشِكُ انْتَظَارَاتُكَ عَلَى التَّرَمُّدِ الَّذِي لَا
يَجِيءُ إِلَى غَيَابِهِ الْهَذَيَانُ، فَتَرْتَعِشُ مِثْلَ سُنْبُلَةٍ فِي قَبْضَةِ الرِّيحِ. أَمَامَكَ مَفَازَاتٌ، وَالدِّفْءُ وَالْأُغْنِيَةُ وَالشِّعْرُ الَّذِي يِلِيقُ بِضَحْكَتِهِ انْبِهَارُ الصُّبْحِ، وَالشَّمْسُ الَّتِي رَقَصَتْ أَلْوَانُهَا زَهْرًا انْبَسَطَ دَرْبًا، حَيْثُ عَصَافِيرُ رُوحِ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ عَلَى مِسَاحَةِ كُلِّ مَجْمُوعَاتِهِ الشِّعْرِيَّةِ الَّتِي تَخْفُقُ بِالْبَوْحِ. يَجْمَعُ الرُّؤَى وَمُعَتَّقَ الْحُرُوفِ لِهذَا الشُّرُوقِ الْإِبْدَاعِيِّ الْوَارِفِ كَمَسَافَةِ شَوْقٍ، فَلِلْوُدِّ مِنْ عَبَقِ الْحِكَايَةِ الْأُولَى قُرُنْفُلٌ، وَبَعْضُ نَدَى غُيُومٍ تَنْتَشِرُ بِدَهْرٍ مِنْ مَطَرٍ، فَتَقْرَأُ أَحْلَامًا شَاهِقَةً لِبَحَّارَةٍ عَلَى حُدُودِ الرَّمْلِ وَالْأَحْلاَمِ الشَّفَّافَةِ، مُثْقَلَةٍ عُيُونُهُم بِالْغِيَابِ وَالشَّوْقِ المُتَشَقِّقِ تَحْتَ ضَجِيجِ الذِّكْرَيَاتِ الْهَادِرَةِ، كَمَطَرٍ عَلَى خَصْرِ الْغَيْمِ يَنْحَنِي لِلسُّهُولِ.. يَمُدُّ جِسْرَ حَنِينِهِ.. يَغْتَرِفُ الشَّوْقَ حَفْنَةَ حَنِينٍ، وَحَفْنَةَ حِكَايَاتٍ تَمُدُّ يَدَهَا لِتُصَافِحَ وَجْهَكَ بِقَوْسٍ مِنْ حِنَّاءَ وَتَوَابِلِ قُبْلَةٍ، وَشَمْسٍ تُشْعِلُ دِفْئَهَا لِلْأُنْثَى الْحَبِيبَةِ وَالْأُمِّ وَالأَرْضِ وَالْخَلْقِ.. إِنَّهَا الْأُنْثَى؛ الْأُنْثَى مِحْوَرًا حَاضِرًا فِي نَصِّهِ مَع كُلِّ مَا يَحْفَلُ بِهِ وُجُودُهَا كَشَرْطٍ إِنْسَانِيٍّ، وَكَرَفِيقَةٍ شِعْرِيَّةٍ مِنْ نَدًى وَنِدَاءَاتٍ مَعًا؛ يُنَاوِرَانِ التَّغْيِيبَ وَيَصْرُخَانِ كَمَطْعُونَيْنِ بِالْحِصَارِ وَالْغُرْبَةِ وَالْهَجْرِ، ثُمَّ يَهْجَعَانِ مُغْتَسِلَيْنِ بِالرَّغْبَةِ الْبَرِّيَّةِ المُحْتَدِمَةِ بِلَوْنِ الْوَرْدِ، كَهَمَسَاتِ اشْتِعَالٍ حَادَّةٍ فِي فَوَاصِلِ وَتَكْوِينَاتِ الْجَمْرِ الَّذِي قَوَامُهُ الْحُلُمُ السِّحْرِيُّ، وَالسِّرُّ، وَعَبَقُ الشَّمْسِ، وَالنِّسَاءُ الْجَمِيلَاتُ، مُنْدَمِجًا بِشَفَافِيَّةِ مَزَاجِهِ الشَّخْصِيِّ، كَنَمَطٍ جَمَالِيٍّ بَعِيدِ الدَّلَالَةِ وَالامْتِدَادِ، بَحْثًا عَنْ مَا بَعْدَ المُخَيَّلَةِ بِعَرَائِشِ المَسَافَاتِ الَّتِي تَفْصِلُ حَدَائِقَ الرُّوحِ المُمْسِكَةِ كَزُرْقَةِ السَّمَاءِ بِنُسْغِ الْكَلِمَاتِ، وَاحْتِفَالَاتِ النَّبْضِ لَحْظَةَ الانْدِمَاجِ مَعَ الْحُبِّ، أَيْضًا وَأَيْضًا، وَفَنِّ الْأَمَلِ الَّذِي يَتَعَامَلُ مَعَ اللَّحْظَةِ الْقَادِمَةِ بِتَوَازُنِ الْوَاقِعِ وَاجْتِيَازِِ الْهُوِيَّةِ، لِتُقَارِبَ تَطَوُّرَاتِ شَاعِرِيَّةِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَةِ، فَتَنْتَهِزُكَ وُفُودُ الْخُضْرَةِ بَيْنَ اللَّهْفَةِ وَالرَّغْبَةِ بِعَالَمٍ يَتَوَافَرُ مِنْ حِبْرِ وَأَحْلَامِ الشَّاعِرِ، وَضَوْضَاءِ آلِهَةٍ تَهِيمُ بِزُرْقَةِ الضَّوْءِ وَالْحَيْرَةِ بِكَثِيرٍ مِنَ الشِّعْرِ الصَّافِي كَنَبْعٍ قَبْلَ فَوَاتِ النُّعَاسِ. يَرْفَعُنَا الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ نَحْوَ عَالَمٍ طَافِحٍ بِاللُّغَةِ الْحَارِقَةِ هُنَاكَ، لِيَصْنَعَ أُرْجُوحَةَ الْكَلِمَاتِ عَلَى أَوْزَانِهَا الشَّمْسُ بِمَاءِ الْهَزِيعِ الْأَخِيرِ مِنْ جُرْنِ الصَّدَى، كَصَبَاحِ الْعَصَافِيرِ الْعَالِيَةِ بِصَهْوَةِ الْعُشْبِ يَخُطُّ طَيْرُ اللَّحْنِ نَافِذَةً لِلْبَرَارِي، بِذَاكِرَةِ نَبْعٍ يَضْفُرُ شَوْقَهُ المُعَتَّقَ المُمْتَدَّ كَسَائِرِ الْأَنْهَارِ، بَيْنَ الشِّعْرِ وَالْأَرْضِ المَنْفِيَّةِ عَنْ أَرْضِهَا قَيْدَ بَنَفْسَجِهِ مِنْ حِنْطَتِهِ، فَتُوَالِي انْتِبَاهَكِ بِكَفِّ الْعِنَبِ الْعَتِيقِ مَا بَيْنَ الْحَنِينِ.. بَلَى، لَكَ أَنْ تُصَدِّقَ الْآنَ أَنَّ لِلْحُرُوفِ هُوِيَّةَ مَاءٍ أَخْضَرَ مَعَ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ، وَصِدْقًا عَلَى قَيْدِ الزَّنَابِقِ دُونَ التَّلَاشِي، يَجُوزُ التَّحْلِيقُ بِرَفَّةِ الْجَفْنِ وَرَفَّةِ اللَّوْنِ، وَهُوَ وَارِفُ المُخَيَّلَةِ، خَفِيفًا يَعْبُرُ بِاللَّفْظِ الشَّفِيفِ، يُسْدِلُ أُمْنِيَةَ الرِّيحِ لِتَسْقِيكَ مَوَاقِيتَهَا حُرُوفًا أُولَى تُمَجِّدُ الزَّهْوَ، وَتَشْرَبُ عَنَاقِيدَ الزَّيْتِ دِفْئًا، حُرُوفًا مُلَوَّنَةً يَرْبِطُ خَيْطُ النَّزَقِ لِلْوَرْدَةِ الْفَرْفَطَتْ طِيبَهَا عَلَى نُعَاسِ أَيْلِ الْفَوَاتِحِ، وَمَا تَرَى، لَنْ تَرَى غَيْرَ عَرْشٍ تُسْنِدُهُ الْأَشْعَارُ، وَمَا تَثَنَّى مِنْ شُرُوقِهِ، مِثْلَمَا المَاءُ حيًّا بِرُوحِ انْتِظَارِ الْعُذُوبَةِ. هُوَ فَضَاءٌ يُسَامِرُ خُصْلَتَهُ.. بَلَى، أَوْسَعُ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ مِنَ الشَّذَا، بَشَّرَ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ بِنَبِيذِ إِبْدَاعَاتِهِ الشِّعْرِيَّةِ، لِيَخْبِزَ قَلْبَهُ نَرْجِسَةً لِرَاحَةِ النَّشِيدِ وَالنَّدَى، بِشَفَافِيَّةِ رُوحِ الشَّاعِرِ الَّتِي تَلْتَقِطُ المُؤَثِّرَ بِنَوْعٍ مِنَ الْوَجْدِ الصَّافِي مَعَ الذَّاتِ، لِيُعِيدَ صِيَاغَةَ الاخْتِزَانِ وَالتَّفَاعُلِ وَالْكُمُونِ وَالاخْتِزَالِ، بِتَعْبِيرِيَّةٍ مُدْهِشَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنَ التَّغَلْغُلِ بِنَسِيجِ الْفِكْرَةِ، مِنْ أَجْلِ الْتِقَاطِ صِيَغِهَا التَّجْرِيدِيَّةِ وَجُنُوحِهَا إِلَى الْبَوْحِ، مُشَكِّلًا بِذلِكَ عُذُوبَةَ التَّفَاؤُلِ وَتَجَلِّيَاتِ إِخْلَاصِهِ لِحَسَاسِيَّةِ رُؤْيَتِهِ. يَقُولُ لَكَ عَلَى امْتِدَادِ مَا يَخُطُّ: تَرَيَّثْ.. لَا تَكْسِرِ اللَّيْلَ.. هُوَ أَوَّلُهُ، فَلَا تَكْسِرْهُ بِفَاغِمِ النَّدَى.. خَمْرُكَ لَيْسَ زَيْزَفُونًا، وَلَا المَدَى. هِيَ صَيْحَتُهُ سَقْفُ الشِّعْرِ يَسْتَلِفُهَا مِنْ زَيْتِ مِلْحِكَ، فَتُصْبِحُ شَرِيكًا مَعَهُ، كَيْ يَرُجَّ خَفَايَاهُ مُفْرَدَةً مُفْرَدَةً لِلْقَوْلِ بِالْحَرَاكِ وَبِالْإِبْدَاعِ وَبِالْفِطْرَةِ، حَتَّى تَصَاغَرَ بَيْنَ هذَا المُتَأَهِّبِ إِلَّا قَليلًا، بِحَرِيرِ الذَّاكِرَةِ يَسْتَرِيحُ إِلَى ظِلِّهَا الْقَصِيدَةِ، يَرْفَعُ الرُّوحَ مِنَ الْبَوْحِ حَتَّى زِنْدِكَ بَاقَاتِ شَمْعٍ، إِذْ يُرَتِّبُ مَخَالِبَهُ الْوَقْتُ بِنَاتِئِ جُرْحِهَا الْكَلِمَةِ، لِنَلْمَسَ نَحْنُ مِنْ مَرَايَاهُ غَيْمًا يَهَبُ فِتْنَتَهُ لِلْيَقَظَةِ، وَمَا أَفْسَدَتْهُ الْبَرِّيَّةُ مِنْ وَحْيِهَا، إِذِ انْفَرَدَ النَّدَى بِقَطْرِ صَرْخَتِهَا الزُّرْقَةِ، زَفَّةِ غِبْطَتِهِ. يُؤَجِّجُ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ زَنْبَقَ نَخْلِ الرُّوحِ، وَيَشُدُّ ثَمَرًا خَاشِعًا كَمِثْلِ قَلْبٍ إِلَى شَهْدِ الصَّوْتِ الَّذِي أَحْصَى سَمَاوَاتِهِ وَالْحَرْفَ، وَاسْتَوَى شِعْرًا عَلَى حَافَّةِ السُّؤَالِ صَامِتًا. هكَذَا بِسُمْرَتِهَا الصُّوَرُ الشَّاعِرِيَّةُ، أَوْ بِالسَّوْسَنِ الْجَبَلِيِّ يَنْسُجُ لِلْهَاوِيَةِ آخِرَ الصَّبْرِ.. يَنْقُشُ المَوْجَ وَيَرُدُّ الرَّبِيعَ لِمَسَاءِ النَّشِيدِ.. يَقْرَأُ فَاتِحَةَ المَوْجَةِ لِتَرْنِيمَةِ المَاءِ وَيَقُولُ لَكَ: دَعْنَا نُعَرِّشُ إِذًا فَوْقَ ارْتِعَاشَتِهَا أُنْشُودَةِ التَّنَادِي.. دَهْرٌ هِيَ.. صَحْوَةٌ لَيْسَ إِلَّا، نَلُفُّ بِهَا نَايَ الضَّوْءِ، وَأَنَّةَ النَّشِيدِ الدَّاخِلِيِّ مِنَ الصَّدَى حَتَّى غِيَابِ اللَّاوَعْيِ، وَمَجْدًا يَرْفَعُ الزَّهْرَ حَتَّى قَامَةِ الْحُلُمِ، فَنَكُفُّ عَنِ الشَّكِّ.. عَنِ الْيَقِينِ.. عَنِ الْعَبْقَرِيَّةِ وَالْجُنُونِ، وَنَتْرُكُ لِلْقَصِيدَةِ أَسْرَارَهَا، هكَذَا هُوَ المَشْهَدُ. عِنْدَمَا تَقْرَأُ الشَّاعِرَ الرِّيشَةَ، سَتَجِدُ أَنَّكَ تَتَعَرَّى مِنْ لَحْظَتِكَ بِلَا حَاجَةٍ لِشَيْءٍ، سَوْفَ تَرَى أَنَّكَ تَحْمِلُ الْبَرَاءَةَ تَحْتَ تَجَاعِيدِكَ، وَتُرَتِّبُكَ بِبَسَاطَةٍ، لِأَنَّكَ سَابِقًا كُنْتَ تَرْتَكِبُ الْخِيَانَةَ بِالمَعْنَى الصَّحِيحِ وَضِدَّ ذَاتِكَ فَقَط، حِينَ تَكْتَشِفُ أَنَّكَ كُنْتَ تَخْنُقُ الْفُسْحَةَ التَّالِيَةَ الَّتِي تَتَنَفَّسُ فَجْرًا، وَتَسْبَحُ فِي وِحْشَتِهَا، كَمَنْ وَقَعَ صَوْتُهُ مِنْهُ لِيَجِدَهُ فِي عِبَارِةٍ جَاءَتْ، كَمَا يَشْتَهِي الْوَقْتُ الْوَحِيدُ الَّذِي فَتَحَ حَدَقَتَهُ عَلَى طُفُولَتِكَ كَ(كِتَابُ المُنَادَى)(*)، شَاعِرًا يَرْتَجِلُ نَدْمَاهُ، فَتَسْأَلُ: مَاذَا سَتَفْعَلُ بِهذِهِ الْأَطْيَافِ المُعَلَّقَةِ (كَلَامُ مَرَايَا عَلَى شُرْفَتَيْنِ)؟ أَحْيَانًا، تُخْلِي نَفْسَكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَنْهَضُ عَلَى رَغْبَتِكَ بِمُبَادَلَةِ جَسَدِكَ بِالْغَيْمِ، لِتَتَنَفَّسَ امْرَأَةً غَائِمَةً بِقَصِيدَةٍ هِيَ (حَالَاتٌ فِي اتِّسَاعِ الرُّوحِ).. تَفْتَحُ قَامَتَكَ لِلْعَصَافِيرِ الذَّابِلَةِ، وَتَنْفُضُ مِنْ أَصَابِعِكَ حَدِيقَةً لِمَا (خَلْفَ قَمِيصٍ نَافِرٍ) بِضَحْكَتِكَ، حَيْثُ يُمَسِّدُ جَسَدَهَا المَطَرُ الْعَالِقُ بِصَبْرِكَ، لِتَقُولَ لَهُ: يَا أَنْتَ.. هَاتِ النَّدَى مِنْ أَقْصَى النِّسَاءِ المُفْرَدَاتِ، وَمَلَاءَاتِ النَّخْلَةِ المُحْتَفِيَةِ بِمَاءِ الشُّرُودِ بِسُهُولَةٍ مُقْنِعَةٍ. سَتَجِدُ مَع قَصَائِدِ الشَّاعِرِ الرَّيشَةِ أَنَّكَ تَرْتَكِبُ سَهْوَتَكَ دُونَ ارْتِبَاكٍ، كَعَلَاقَةٍ وُدِّيَّةٍ تُفَسِّرُ قِرَاءَتَكَ الْعَاشِقَةَ لِسُورَةِ الرُّوحِ مَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ، بِ(الْوَمِيضُ الْأَخِيرُ بَعْدَ الْتِقَاطِ الصُّورَةِ)، فَتُدْرِكُ كَمْ بِكَ حَاجَةٌ لِأَنْ تَتَنَفَّسَ الْأُنْثَى الْوَحِيدَةَ الَّتِي تَشْتَاقُ، وَكَمْ بِكَ حَاجَةٌ لِأَنْ تَعْرِفَ كَمْ هِيَ رُوحُكَ شَدِيدَةُ التَّعَلُّقِ بِالْفُسْحَةِ التَّالِيَةِ، يَنْتَقِلُ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الذَّاكِرَةِ ثُمَّ الْخَيَالِ كَتَجْرِبَةٍ أَوَّلًا، وَمَهْرَجَانِ قَصِيدَةٍ ثَانِيًا، مِنْ أَجْلِ عَيْشِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، كَحَالَةٍ لَا يُمْكِنُ مُقَارَنَتُهَا بِغَيْرِهَا. يَتَكَوَّنُ الشِّعْرُ شَاهِقًا مَعَ الشَّاعِرِ الرِّيشَةِ.. مُشْتَاقٌ أَنْتَ لِأَنْ تَعْرِفَ شَوْقَكَ المُتَكَبِّرَ، وَحَاجَتَكَ الْفَادِحَةَ لِلنَّبْضِ، وَبِكَ رَغْبَةٌ لِأَنْ تَعْصُرَ قَلْبَكَ كَيْ تَمْتَحِنَ قُدْرَتَهُ عَلَى الْحُبِّ الْحُرِّ وَالسُّقُوطِ الْحُرِّ فِي قَعْرِ كَفِّ الْحَبِيبَةِ (لِظِلَالِهَا الْأَشْجَارُ تَرْفَعُ شَمْسَهَا).. مُشْتَاقٌ أَنْتَ يَا كَمْ بِلَا مَعْرِفَةٍ دَقِيقَةٍ لِلْأَوْقَاتِ الَّتِي تُرِيدُهَا وَالَّتِي لَا تُرِيدُهَا، بِلَبَاقَةٍ لَا حُدُودَ لَهَا، يَجْعَلُكَ الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ وَجْبَةً مِنْ حُلُمٍ سَاخِنٍ، يَشْطَأُ عَلَى سَرِيرِ شَاعِرِيَّتِهِ، كَيْ تَقُولَ لَكَ الْقَصِيدَةُ بِبَسَاطَةٍ وَوُضُوحٍ، إِنَّهَا لَمْ تَصُدَّ خِيَانَتَكَ لِلدَّمْعِ، هِيَ فَقَطْ تَعْرِفُ حَقًّا، تَعْرِفُ لِمَ أَنْتَ بَرِيءٌ، وَتَعْرِفُ فَقَطْ، أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْسِمَ قَلْبَكَ إِلَى نِصْفَيْنِ؛ الْأَوَّلُ تُقَدِّمُهُ لَهَا، وَاْلآخَرُ لِبَحْرٍ يَمُوجُ بِبَعْضِ الْحُبِّ الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ. الشَّاعِرُ الرِّيشَةُ؛ يُؤَلِّفُكَ بِبَحْرِهِ كَقَصِيدَتِهِ، لِتَعْصِمَ شَمْسَكَ الْعَالِيَةَ مِنَ الزَّوَغَانِ فِي أَرْخَبِيلِ النُّعَاسِ، وَتَمْشِي وَحْدَكَ مَفْصُولًا عَنْكَ، مُرَدِّدًا بِفَرَحٍ.. (أَنْتِ وَأَنَا وَالْأَبْيَضُ سَيِّءُ الذِّكْرِ).. مُشْتَاقٌ أَبَدًا لِلْعَصَافِيرِ تَخْضَرُّ بِيَدَيْكَ عَلَى مَتْنِ الشِّعْرِ، فَيَتَوَالَدُ بَرْقًا بِلَا أَسْمَاءَ مُحَدَّدَةٍ.. الاسْمُ يَجْرَحُ نَفْسَهُ.. مُفْرَدٌ هُوَ.. مَجْمُوعُ شِعْرِهِ يَتَنَاوَبُ بَيْنَ السَّرْدِ.. الصَّمْتِ.. الْوُقُوفِ.. التَّمَدُّدِ.. الْحَدَسِ، وَغَزَارَةِ المُتَنَاقِضَاتِ بِكَثَافَةِ الْحَيَاةِ عَلَى ظِلِّهِ المُتَأَبِّطِ هَيْكَلًا مِنْ غَيْمٍ يَرْكُضُ خَلْفَ صَدَاكَ، حَيْثُ يُبَاعِدُ بَيْنَ نَبْضَتِكَ وَنَبْضَتِكَ، وَيَقُولُ لَهَا: كُونِي شَاهِدَةً عَلَى طُفُولَةِ الاسْمِ.. وَبِكُلِّ الْحُلُمِ تَهَشَّمَتْ سَمَاءٌ الْتَقَطَتْ صِنَّارَاتِهَا بِقَصَائِدِ الْخَجَلِ، وَأَغْصَانِ يَدَيْهِ. لَملَمَ نَزَقَهُ مِنْ حِوَارِ الشِّعْرِ بِأَحْرُفِ (ثُلَاثِيَّةُ الْقَلَقِ)،
لِيُحَرِّضَ فِيكَ رَغْبَةً حَارِقَةً لِأَنْ تَمْتَدَّ بَعِيدًا بَعِيدًا كَ(هَاوِيَاتٌ مُخَصَّبَةٌ) عَلَى عُشْبٍ مُفْرَدٍ، تُجِيزُ مَا يُمْلَى عَلَى الشُّرُوحِ مِن (الْخَيْلُ وَالْأُنْثَى).. فَلْيَكُنْ قُدُّوسًا قَصَبُ الْوَقْتِ فِي ضِفَّتَيْهِ نَهْرُ الشِّعْرِ، حَيْثُ تَفْتَحُ المُخَيَّلَةُ عَلَى صُورَتِهَا الشِّعْرِيَّةِ بِ(مُعْجَمٌ بِكِ)، وَتَخْرُجُ الْكَلِمَةُ الصُّورَةُ المُبْدِعَةُ حُرَّةً.. حُرَّةً.. إِلَى تَرَاتِيلِ المَكَانِ، حَيْثُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى هَيْئَتِهِ الشِّعْرُ، كَمَا شَاءَ خَفْقُ الْقَلْبِ خَارِجَ الْوَقْتِ يَتَفَقَّدُ صَوَامِعَهُ، وَيُشِيرُ رَيْحَانُ غَارِ اللُّغَاتِ إِلَيْهِ.. يَسْأَلُ الشَّمْسَ أَنْ تُضِيءَ أَغْصَانَ قَامَاتِنَا لِيَتَّكِئَ الْعِشْقُ عَلَيْهَا مُفْتَرَقَ هذَا الْوَرَقَ، حَيْثُ لَمْ يُرْتَكَبْ مِنْ قَبْلُ عَلَى جَسَدِ لَحْظَةٍ تَغُصُّ يَدَيْكَ بِالْهَدِيرِ، وَتَرِفُّ بَيْنَ مُخَيَّلَتِهِ غَيْرُ الْقَصَائِدِ بِطَابُورِ مُفَاجَآتٍ تَكْبُرُ كُلَّ صَبَاحٍ بِيَدَيْكَ عَنَاوِينُ الْأَعْمَالِ الشِّعْرِيَّةِ، غَيْرِ الْكَامِلَةِ، لِلشَّاعِرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَةِ، كَيْ تَتَسَاءَلَ فِي دَاخِلِكَ وَضِمْنَ مُخَيَّلَتِكَ: مَا نَكْهَتُهَا تِلْكَ الصُّوَرِ المَا زَالَتْ تَسْتَيْقِظُ بَاكِرًا دَاخِلَ رُوحِكَ؟ تَحْرَدُ مُطَالِبَةً اكْتِشَافَ الْعَالَمِ بِالْخُرُوجِ! إِنَّهَا قَصَائِدُ الشَّاعِرِ مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَةِ بِطُفُولَاتٍ نَقِيَّةٍ، تُعِيدُ قِرَاءَةَ التَّفَاصِيلِ بِحَرَكَاتٍ طَازَجَةٍ وَطَالِعَةٍ كَأُغْنِيَةٍ مِنْ رَيْحَان قَلْبِ الْحَرْفِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.