تجمع مناسك الحج سنويا مئات آلاف المؤمنين من خلفيات متناقضة: فقراء، أغنياء، قادمون من دول غارقة في الحروب، أو أخرى تنعم بسلام وازدهار. لا يجمعهم سوى إيمان يدفعهم لأداء هذه الفريضة. في ما يأتي، قصص بعض من هؤلاء. خلال أيام، سيعود اليمني أبو فاضل الشاووش إلى منزله في محافظة ريمة، ومعه سيستعيد «الحرب» و»الطرق التي يسلكها من دون أن يعرف» ما إذا كان سيصل في نهايتها إلى مقصده بسلام. واستخدم الشاووش (43 عاما) هذه الطرق ليصل إلى معبر الوديعة، المنفذ الحدودي الوحيد المتاح مع السعودية التي تقود منذ مارس 2015، تحالفا عربيا داعما للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ضد الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح. وقطع الشاووش قرابة ألف كلم بالباص للوصول إلى مقصده. إلا أن المسافة وشقاءها لم يشكلا عائقا أمام قدومه لأداء الفريضة، إذ يؤكد انه كان مستعدا «لقطع المسافة مشيا» في حال عدم توافر وسيلة نقل. ويضيف الموظف الحكومي إن «اليمني يقوم بكل ما يلزم لإتمام الحج». وبلغ عدد الحجاج اليمنيين هذه السنة 20 ألفا. قبل أربعين عاما، أتم طالب الحق فريضة الحج للمرة الأولى. في السادسة والعشرين من عمره، كان واحدا من آلاف العمال الباكستانيين المقيمين في السعودية. أمضى طالب الحق خمسة أعوام في المملكة عاد بعدها إلى بلاده حيث تزوج وكون عائلة مؤلفة من ست بنات. هذه السنة، يعود الرجل البالغ من العمر 66 عاما إلى مكةالمكرمة برفقة زوجته وثلاث من بناته، ليجد أن «كل شيء تغير بالكامل». ويضيف لوكالة فرانس برس «جئت المرة الأولى بالسيارة، وكان في إمكاني تقريبا ركنها عند مدخل المشاعر المقدسة»، وهو ما أصبح مستحيلا حاليا.بدلا من السيارة، قدم طالب الحق في رحلة بالطائرة من مدينة كراتشي الباكستانية كلفته أكثر من 7500 دولار أمريكي. إلا أن هذه الكلفة لا تذهب سدى، فبالنسبة إليه «أن ترى بأم العين المشاعر المقدسة التي نتجه إليها أثناء الصلاة منذ طفولتنا» أمر لا يقدر بثمن. لدى سكينة با جدول يومي حافل في مسقطها السنغال، يتوزع غالبا بين عملها كمستشارة قانونية ونشاطاتها في جمعية للمحاميات. إلا أن هذه الانشغالات لا تحول دون عودتها دوريا إلى مكة لأداء الحج. أدت السيدة الأنيقة التي غطت رأسها بحجاب شفاف يظهر حلقتي أذن ذهبيتي اللون، الفريضة خمس مرات خلال أعوامها الستين. وهذه السنة، عادت إلى مكةالمكرمة مع صديقات لها من الجمعية. وكما في كل مرة «نراجع أنفسنا، ونعيد التشكيك في العديد من الأمور المادية»، بحسب با التي ترى أن التحدي «هو العودة لبلادنا مع الحفاظ على التواضع الذي يسود بين الجميع في مكة حينما نكون في حضرة الله». يبلغ كريم رفاس الثالثة والثلاثين من العمر. نشأ في جنوبفرنسا، ويقيم حاليا في دبي حيث يعمل في المجال الصناعي. هذه السنة، انضم إلى والديه وشقيقه القادمين من فرنسا، لأداء مناسك الحج في مكة. ويقول «ليس من سن محدد للحج لأننا نأتي إلى هنا لنبحث عن ذاتنا». ويتقدم رفاس شابكا ذراعه بذراع والدته، وسط عدد هائل من الحجاج القادمين من مختلف البلدان والأعراق. وإذ يؤكد أن وضعه المالي جيد، يشير إلى أن الحج تطلب منه «استثمارا في الوقت»، لاسيما لجهة طلب إجازة من وظيفته. ويضيف أن كل المشقات التي يختبرها تهون في سبيل أداء الحج «لأنه إتمام» للدين. ليس عبدالله الغامدي حاجا بالمعنى الديني. في كل عام، يأخذ هذا السعودي الذي نال حديثا شهادة جامعية في الطب، إجازة خلال موسم الحج، ويأتي إلى مكة البعيدة 250 كلم عن مسقطه، منطقة الباحة. وليست زيارته بهدف أداء المناسك، بل يأتي الشاب ذو الشاربين الخفيفين منذ ثلاثة أعوام إلى مكة حيث يشرف على مجموعة من طلاب التمريض والطب المتطوعين ضمن الهلال الأحمر السعودي. ويقول الغامدي الذي ارتدى زيا كحلي اللون وسترة برتقالية «من المهم جدا بالنسبة إلي مساعدة الحجاج المرضى أو المسنين: هذه طريقتي لخدمة» المشاعر المقدسة.