"أليوتيس" 2025... انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الموريتانية في مجال الصيد البحري    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    الأمير مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الدورة ال 49 لجائزة الحسن الثاني للغولف والدورة ال 28 لكأس صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم    تصفيات المونديال..الفيفا يلغي مباراة الأسود ضد الكونغو برازافيل    أتلتيكو مدريد يوجه رسالة للحكام قبل الديربي    كيوسك السبت | المغرب يرتقي إلى المركز الثاني إفريقيا في مؤشر الابتكار    تأهيل البنية التحتية والتنمية المستدامة وتجويد الخدمات محور دورة فبراير 2025 لمجلس جماعة مرتيل    شركة GNV تعيد تشغيل خطها البحري الموسمي بين ألميريا والناظور    دونالد ترامب يعين نفسه رئيسا لمجلس أمناء مركز كينيدي الثقافي    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    ترقب لخامس عملية تبادل بين إسرائيل وحماس السبت    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    حفل اختتام الدورة التكوينية لدعم أطفال التوحد بطنجة    العثور على جثة شاب في مياه سبتة: ارتفاع عدد الضحايا في البحر إلى سبعة منذ بداية العام    قنابل أمريكية لإسرائيل ب7 مليارات دولار    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    أحدهم مبحوث عنه وطنياً.. عناصر "لابيجي" تعتقل مروجين للكوكايين ضواحي الدريوش    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة جائزة الحسن الثاني للغولف وكأس الأميرة للا مريم    مجلس النواب يختتم الدورة الثلاثاء    الجنائية الدولية تندد بعقوبات ترامب    قتيل في حادث إطلاق نار ببروكسيل    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    تعادل ثمين لتواركة أمام "الماط"    المغرب يلقّح قرابة 5 ملايين طفل لمحاصرة انتشار وباء "بوحمرون"    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    إعلان الرباط.. رؤساء برلمانات بلدان إفريقية يثمنون المبادرة الأطلسية للملك محمد السادس    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    إعادة انتخاب المغرب في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد    انتفاضة الثقافة    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    الركراكي يعلن عن اللائحة الرسمية للمنتخب المغربي لمواجهة نيجريا وتنزانيا في هذا التاريخ    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    إيمان غانمي ل "رسالة 24" : تمرير قانون الإضراب يعكس توجها استبداديا    التامني تسائل وزير التعليم العالي عن مصير طلبة الطب دفعة 2023    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص مترجمة لأندريه بروتون (1/2
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 09 - 2016


1-المقطع الأوّل من مجموعة:
سمكةٌ قابلة للذّوبان (1)
كان البستان، في تلك السّاعة، يَمدُّ يديه الشّقراوين فوق السّاقية السّحريّة. حِصْنٌ من دون دلالة كان يمضي على عجلات فوق سطح الأرض. قربَ الإله كان دفترُ هذا الحصن مفتوحاً على رسمٍ لظلالٍ، لرِيشٍ، لأزهار سَوْسن. بقُبلةِ الأرملة الشّابّة، كانَ اسْمُ النُّزُل المُلامَس مِن قِبل سُرْعةِ السّيارة ومن قِبَلِ الأعشاب الأفقيّة المعلّقة. كذلك لم تهتزّ قطّ الفروع حامِلةُ تواريخ السّنة الماضِية لدى دُنُوّ السّتائر، حين كان الضّوء يقذف بالنّساء إلى الشُّرُفات. كانت الإيرلنديّة الشّابّة التي سَبّبتْ لها البلبلةَ تشكّياتُ الرّيح الشّرقيّة تستمع لطيور البحر وهي تضحك في حضنها.
« يا بناتِ اللحد الأزرق، يا أيّام أعياد، يا أشكالاً لصلاةِ تبشيرٍ قُرعتْ أجراسُها وتُؤَدّيها عيناي ورأسي حين أستيقظ، يا أعرافَ الأقاليم ذاتِ البقع المتموّجة، إنّكنّ تجلبْن لي شمسَ المَنْجرات البيضاء، المَنْجراتِ الآليّة، وشمسَ الخمر. إنّها ملاكي الشّاحب، يداي المطمْأَنَتان جَيّداً. نورسَا الفردوسِ المفقود!»
يدخلُ الشّبح على رؤوس أصابعه. بسرعةٍ يتفحّصُ البرج وينزل السُّلمَ المُثلّثَ الشّكل. جورباه الطّويلان الحريريان الأحمران يبثّان وَميضاً دَوّاراً على المنحدرات التي من أسل. عُمْر الشّبح مئتا عامٍ تقريباً ولا يزال يتكلّم الفرنسيّةَ قليلاً. ولكنْ في لحمه الشّفّاف يتواءمُ طَلُّ الصّباح وعَرقُ الكواكب. إنّه ضائعٌ بالنّسبة لنفسِه في هذا الصَّقع المتحنِّن. شجرةُ الدّردار الميّتة والكَتَلْبة2 ذات الأوراق الشّديدة الخُضْرة هما وحدهما اللتان تتأوّهان وسط سَيْل حليب النّجوم المتوحّشَة. نواةٌ تنفجِر بداخل ثمرة. ثم تَمرّ السّمكة-الزّورق، ويداها على عينيها، طالبةً لآلئَ أو فساتين.
امرأةٌ تغنّي في نافذة حِصْنِ القرن الرّابع عشر هذا. في أحلامها، هنالك أشجارُ جَوزٍ سُود. لا أعرفها بَعد لأنّ الشّبح يَستفيض في جعلِ الطّقس من حوله رائقاً. فجأةً حلّ الليل مثلما دائرة زخارف من أزهار مقلوبة فوق رؤوسنا.
سفينة كبيرة هي جرسُ فرارنا المتكرّر: الفرار في الخامسة صباحاً، حين يَرين الشّحوب على الجميلات المسافرات في القطار السّريع وهنّ في أسِرّتهن السّرخسيّة، الفرار في الواحدة زوالاً مُروراً بزيتونة القتل. سفينةٌ كبيرة هي جَرسُ فرارنا المتكرّر في كنيسةٍ شبيهةٍ بِظِلّ مدام دي پومپادور. لكنّي قرعتُ جرس الحاجز المُشَبّك في مدخل الحصن.
جاءت للقائي خادماتٌ عديدات لابساتٍ قُمصاناً داخليّةً لصيقة من ساتان في لون النهار. في الليل المجنون تبدو على وجوههنّ المُشْفِقة سِيمَا الخوف من أنْ يلحق بهنّ ما يَشين. « فيمَ ترغب؟
- قُلْن لسيّدتكنّ إنّ طرف سريرها هو نَهرُ أزهار. اُجلُبنَها من جديد إلى قبو المسرح هذا الذي كان يخفق فيه باقصى جهد قلبُ عاصمةٍ نسيتُها. قُلْن لها إنّ وقتها ثمينٌ عندي وإنّ كلّ أحلام يقظتها تشتعل في شمعدان رأسي. ولا تنسَيْنَ أنْ تُبَلّغنها رغباتي المُعتلجة تحت الأحجار التي هي أنتنّ. وأنتِ الأجملَ من بِزْرة شمسٍ في منقار الببّغاء الفاتن لهذا الباب، قولي لي فَوْراً كيفَ حالُها. إذا صحّ أنّ الجسر المتحرّك للَبلاب الكلام سينزِل هنا إثْرَ نداءٍ بسيط من رِكَاب.
- أنتَ على حقّ، قالتْ لي، فالظِّل الحاضر هاهنا قد خرجَ عند الظّهيرة راكباً فرساً. وكانتْ الأعنّة مُشكّلة من كلماتِ حُبّ، فيما أعتقد، لكن ما دامت مناخيرُ الضّباب وكُيَيْسات اللازورد قد جلبتْك إلى هذا الباب الصّفّاق إلى الأبد، اُدْخلْ وداعبْني بملامساتك عبر هذه الأدراج التي تنغل فوقها الأفكار. »
من أسفل إلى أعلى كانت تتطاير زنابير كثيرة لكلٍّ منها ضِلعان متساويان. كان فَجْرُ المساءِ الجميلُ يتقدّمني، عيناهُ في سماءِ عينيّ ومن دون أن يلتفت. هكذا تضطجع السُّفن في زوبعة الفِضّة.
عِدّة أصداء تتجاوب على الأرض: صدى الأمطار شبيهُ سِدادة فلّينٍ مشدودة إلى قصبة صيد، صدى الشّمس وكأنّها الصّودا الممتزجة بالرّمل. الصّدى الحاضرُ هو صدى الدّموع والجَمال الخاصّ بالمغامرات المستعصيةِ قراءتُها، وبالأحلام المبتورة. ها نحن نصل إلى مقصدنا. وكان الشّبح الذي ارتأى، خلال الطّريق، أن يلتحم بالقدّيس "دوني"، يزعم أنّه يرى في كلّ وردةٍ رأسَه المقطوع. تمتمةٌ ملتصقة بزجاج النّوافذ وبالدّرابزين، تمتمة باردة، كانت تنضمّ إلى قُبَلنا دون أيّ تحفّظ.
على طرف الغيوم تقبع امرأة، على طرف الجُزر امرأة تقبع مثلما على الحيطان العالية المزيّنة بكَرْمٍ لمّاع يَنضج العنب، بعناقيده الجميلة الّذهبيّة والسّوداء. هنالك أيْضاً شَتلةُ الكرمة الأمريكيّة، وهذه المرأة كانت شتلةَ كرمةٍ أمريكيّةً، من النّوع الذي هو آخِرُ ما تمّ توطينه في فرنسا والذي يُنتِج حبوبَ خُبَّازى قِمَعيّة لمْ تُخْتَبرْ بعد نكهتها الكاملة. كانتْ ذاهبة آيبة في شقّةٍ-ممرّ شبيهة بالمقطورات-الممرّات في القطارات الأوروبية شديدةِ السُّرعة، مع فارق أوحدَ هو أنّ إشعاع مصابيحها لم يكن يُمكّن من التّمييز الواضح لدَفق صُهارات الحُمم، للمآذن وللكسل العظيم لحيوانات الهواء والماء. سعلتُ مرّاتٍ عِدّة واندسّ القطار المذكور في أنفاق، ونوَّم جسوراً مُعلَّقة. إلاهةُ المكان ترنَّحتْ. تلقّفتُها بين ذِراعيّ، ووشوشات تنبثق منها، ووضعْتُ شفتيّ على عنقها دون أن أقول كلمة. ما جرى بعد ذاك يندّ بأكمله تقريباً عن ذهني. فأنا لا أُلاقينا من جديد إلّا بعد وقت، هي في زينةٍ صارخة بشكل رهيب تجعلها تشبه تروساً متشابكة في آلة جديدةٍ تماماً، وأنا مندسّ بقدر ما أستطيع في هذا اللباس الأسود الممتاز الذي لمْ أعُد أخلعه منذ ذلك الوقت.
كان عليّ أن أمرّ، قبل هذا، بكَابَاريهٍ يُشْرف عليه أعضاءُ عُصبةٍ سياسية قُدامى جِدّاً سبّبتْ لهمْ حالتي المدنيّة بلبلةَ طيور. رافعةٌ أتذكّرها أيْضاً رفعتْ إلى السّماء عُلباً كانت شَعَراتٍ ولا شكّ، وبأيّ خِفّةٍ رهيبة يا إلاهي. ثمّ حلّ المستقبل، المستقبل نفسه. كانت الطّفلة-الشّعلة، الموجةُ الرّائعة التي ظهرتْ قبل لحظات، تقود خطاي كأنّها أشرطة من ورق الزّخرفة. تشقّقاتُ السّماء أيقظتني أخيراً: لمْ يَعد هنالك لا بستان، ولا نهار ولا ليل، ولا جنازات بيضاء تمضي على رأسها أَطواقٌ من زجاج. كانت المرأة التي اتّخذتْ مكاناً إلى جانبي تتملّى انعكاسَ قدميها في بِركةٍ من ماء الشّتاء.
لم أعد أُبصر جيّداً من بعيد، فكما لو أنّ شلّالاً وُجِد فيما بيني وبين مسرح حياتي الذي لم أكن الممثّل الأساسيّ فيه. طَنينٌ حبيب إلى القلب يُرافقني. على امتداده تَصفرّ الأعشاب وتنكسر حتّى. حين أقول لها: « أمسكي هذه الكأس المدخّنة التي هي يدي في يديك، فها هو الكسوف »، تبتسم وتغوص في البحار لتستخرج منها فرع مرجان الدّم. لسنا بعيدين عن مَرعى الموت ومع ذلك فنحن نُؤوي ريحاً وأمَلاً في هذا الصّالون الذّابل. أنْ أحبّها، فذلك خَطر ببالي مثلما يُحِبّ المرء. لكنّ نصف ليمونة خضراء، وشَعرَها الذي هو شَعر مجذاف، وسهوَ الفخاخ عن القبض على البهائم الحَيّة، هي ما لمْ أستطعْ التّخلّصَ منه كُلّيةً. وهي الآن تنام، قُبالة اللانهائيّ من غرامياتي، أمام هذه المرآة التي أكمدتْها الأنفاس الأرضيّة. فهي حين تنام تصبح حقّاً مِلكاً لي، وأدخل في حلمها مثلما لِصّ وأفقدها كما يُفقَد تاج. لقد سُلِبتُ جذور الذّهب، بالتّأكيد، لكنّي أمسكُ بخيوط العاصفة، وأحتفظ بالأختام الشّمعِيّة للجريمة.
لقدْ وصفتُ أقلّ حاشيةٍ للهواء أهمّيةً، تلك التي يَهرب إليها ويموت فيها تُدْرج القمر، التي يهيم فيها مُشط الزّنازين الباهر، التي فيها تُنقَع ياقوتِيّةُ الشّرّ، وصَفتُها في لحظاتِ صفاءٍ ذهْنِيّ يُصبح نادراً لديّ أكثر فأكثر، وأنا أرفع بِحنان مُفْرط هذه الضّبابة البعيدة. والآن، فالرّقة هي التي تعود، والجادّة شبيهة بملّاحة تحت اليافطات المُضاءَة. أعودُ بفواكهَ بَرّية، بثمار عِنبيّاتٍ مُشَمّسة أمنحها لها، فتكون بين يديها جواهرَ عظيمة. يبقى واجباً إيقاظُ الرّعشات في أجمات الغرفة، وربطُ جداول في نافذة النّهار. هذه المُهمّة هي خاتمة كلّ شيء، الخاتمة الرّائعة المُسَلّية التي تبقينا يَقظَيْن رغم كلّ تعبنا، رجلاً وامرأة، وذلك بحسب مسارات الضّوء وبمجرّد ما نتمكّن من تخفيف سرعته. والنّساء، خادِماتُ الضَّعف، خادماتُ السّعادة، يُغَرِّرْن بالضّوء مقهقهات.
1- العنوان الفرنسيّ : Poisson soluble ( صدر في طبعة أولة سنة 1924).
2- الكتلبة : نوع من الشّجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.