تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبية في ليبيا ... قصة هروب امرأة خطفتها الدولة الإسلامية

في ليلة الثاني من يونيو 2015 أغلق مسلحون طريقا سريعا على الساحل الشمالي لليبيا وأوقفوا شاحنة بيضاء كانت متجهة إلى العاصمة طرابلس.
صوب الرجال بنادقهم إلى السائق وصعد ثلاثة إلى الشاحنة لتفتيشها.
كانت الإريترية روتا فيسهاي (24 عاما) راقدة في عربة المقطورة الأولى من الشاحنة. يرقد إلى جوارها 85 رجلا وامرأة من إريتريا بينهم امرأة حامل. اختبأ بضع عشرات من المصريين في عربة المقطورة الثانية. يجمعهم حلم واحد هو الوصول إلى أوروبا.
في ليلة الثاني من يونيو 2015 أغلق مسلحون طريقا سريعا على الساحل الشمالي لليبيا وأوقفوا شاحنة بيضاء كانت متجهة إلى العاصمة طرابلس.
صوب الرجال بنادقهم إلى السائق وصعد ثلاثة إلى الشاحنة لتفتيشها.
كانت الإريترية روتا فيسهاي (24 عاما) راقدة في عربة المقطورة الأولى من الشاحنة. يرقد إلى جوارها 85 رجلا وامرأة من إريتريا بينهم امرأة حامل. اختبأ بضع عشرات من المصريين في عربة المقطورة الثانية. يجمعهم حلم واحد هو الوصول إلى أوروبا.
أمر المسلحون المهاجرين بالنزول من الشاحنة. فصلوا المسلمين عن المسيحيين ثم الرجال عن النساء. طلبوا ممن قالوا إنهم مسلمون تلاوة الشهادة. تلا المصريون الشهادة في صوت واحد.
"أشهد أن لا إله إلا لله وأن محمدا رسول لله."
فرد المسلحون بالتكبير.
أدركت فيسهاي أنها أصبحت في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ارتدى خاطفوها جلبابا مموها وهي ملابس لم ترها على أي رجال غيرهم في ليبيا. اختبأ معظمهم وراء أقنعة. رفرف علم أسود من إحدى شاحناتهم الصغيرة.
تتذكر فيسهاي وهي مسيحية ترتدي قلادة من الخيط الأسود ترمز لعقيدتها الأرثوذكسية "كنا متأكدين أنهم سيأخذوننا إلى حتفنا... بكينا يائسين."لكن خاطفيها حضروا لغاية أخرى.
بينما يحارب تنظيم الدولة الإسلامية للتوسع في ليبيا فإنه يكافئ مقاتليه من خلال استغلال الأعداد الكبيرة من المهاجرين الأفارقة الذين يتدفقون على البلاد سعيا للوصول إلى أوروبا.
منذ ظهور التنظيم في ليبيا في أواخر عام 2014 عبر نحو 240 ألف مهاجر ولاجئ البلد الذي تمزقه الحرب. وقال 14 مهاجرا شهدوا عمليات الخطف وفروا منذ ذلك الحين إلى أوروبا إن في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة خطفت عناصر الدولة الإسلامية ما لا يقل عن 540 لاجئا في ستة كمائن منفصلة.
ثم سبى المقاتلون أو اغتصبوا أو باعوا أو بادلوا ما لا يقل عن 63 امرأة مخطوفة وصفت تسع منهن معاناتهن بالتفصيل لرويترز. تمثل حكاياتهن أول رواية موثقة عن استعباد تنظيم الدولة الإسلامية للاجئات جنسيا واستخدامه لهن كعملة بشرية لاستقطاب أو مكافأة المقاتلين في ليبيا. إنها نفس الانتهاكات التي مارستها مع النساء اليزيديات في سوريا والعراق.
ولقربها من جنوب أوروبا وحدودها المشتركة مع ست دول أفريقية أصبحت ليبيا أهم موقع للدولة الإسلامية خارج سوريا والعراق. إنها أرض يحارب التنظيم المتشدد باستماتة للدفاع عنها.
في غشت قصفت مقاتلات أمريكية سرت معقل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا في محاولة لانتزاع المدينة من قبضته. أعادت الضربات الجوية إحياء حملة عسكرية كانت توقفت بدأتها كتائب ليبية هذا الصيف.
تمثل سرت أهمية استراتيجية للدولة الإسلامية فهي تقع على طريق سريع يربط مركزين لتهريب البشر في ليبيا هما أجدابيا في الشمال الشرقي حيث يتوقف المهاجرون لتسوية الأمور المالية مع المهربين وموانئ الصيد في الغرب حيث تبحر القوارب إلى أوروبا كل أسبوع.
من هذا المعقل وجد تنظيم الدولة الإسلامية عدة سبل لتحقيق مكاسب من أزمة اللاجئين على الرغم من إعلانه في عدد شتنبر من مجلة (دابق) التي يصدرها أن الهجرة "كبيرة من الكبائر".
وقال سكان ليبيون أجرت رويترز مقابلات معهم ومسؤول أمريكي كبير وتقرير لمجلس الأمن الدولي نشر في يوليوز إن التنظيم حصل ضرائب من المهاجرين مقابل المرور الآمن واستخدم طرقا غير مألوفة لإدخال مقاتلين جدد.
يقول العميد محمد جنيدي الضابط بالمخابرات الذي يعمل مع القوات المحلية التي تتكون من عناصر من مدينة مصراتة المجاورة إن الدولة الإسلامية جندت مهاجرين لينضموا إلى صفوفها وقدمت لهم المال ووفرت لهم الزواج من ليبيات.
ووفقا لروايات فيسهاي وناجين آخرين أجريت معهم مقابلات فإن التنظيم اتخذ عبيدا من الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يمرون عبر الأراضي الخاضعة لسيطرته. وجرت خمس من ست عمليات خطف جماعي تحققت منها رويترز على شريط من الأرض يبلغ طوله 160 كيلومترا قرب سرت في مارس ويونيو ويوليوز وغشت وشتنبر من العام الماضي. وقعت عملية الخطف السادسة قرب حدود ليبيا مع السودان في يناير هذا العام.
تستند هذه الرواية إلى مقابلات مع فيسهاي وثماني نساء أخريات استرقهن تنظيم الدولة الإسلامية بالإضافة إلى خمسة رجال اختطفوا أيضا. وتحدثت رويترز إلى لاجئين في ثلاث دول أوروبية على مدار أربعة أشهر. وافقت امرأتان على نشر اسميهما مجازفتين بأن تعانيا من الوصمة التي تلاحق الناجيات من العنف الجنسي. ولم يتسن لرويترز الوصول إلى مقاتلين من الدولة الإسلامية في ليبيا أو التحقق من جوانب معينة من روايات النساء من مصادر مستقلة. * الموت بالرصاص أفضل من حد السيف
قبل أن تغادر إريتريا شعرت فيسهاي بأنها سجينة عملها بائعة في مزرعة مملوكة للحكومة. على غرار معظم الشباب في إريتريا كانت مجندة في الخدمة الوطنية طويلة الأمد التي تفرضها الدولة التي تمتد لما بعد الأشهر الثمانية عشر التي ينص عليها القانون بكثير. تعيش بالكاد من راتبها الضئيل الذي يبلغ 36 دولارا شهريا. لكنها شعرت أيضا بأنها لا تستطيع الاستقالة والمجازفة بإغضاب الحكومة التي تتهم عادة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
قررت فيسهاي وهي امرأة ضئيلة البنية تملأ ابتسامتها وجهها خوض المجازفة. في يناير 2015 عبرت الحدود إلى السودان مع قريب وصديقين وقد تعلق قلبها بأوروبا.
في العاصمة السودانية الخرطوم قضت فيسهاي أربعة أشهر لجمع مبلغ 1400 دولار الذي تحتاجه لسداد الرسوم لمهرب من أجل القيام بالرحلة إلى ليبيا. حاولت العثور على عمل مربح دون جدوى. على غرار آلاف اللاجئين الذين سبقوها اتصلت بأقارب في الخارج لمساعدتها. تحدثت إلى بعض من هاجروا قبل وقت قريب وعثرت على مهرب إريتري أشاد به عملاؤه.
قبل أن تنطلق عبر الصحراء استمعت إلى قصص عن مجرمين مسلحين يغتصبون النساء في ليبيا. سددت مبلغا لطبيب ليحقنها بعقار لمنع الحمل يستمر مفعوله لثلاثة أشهر.
وقالت "حين تترك إريتريا يستحيل أن تعود. فعلت ما ستفعله أي امرأة."
بدأت المحطة الأولى من رحلتها بلا عقبات. في مايو عبرت قافلتها الصحراء الكبرى ووصلت إلى أجدابيا بشمال شرق ليبيا. اعتقدت فيسهاي أنها اجتازت المرحلة الصعبة من الرحلة. وعلى الرغم من أنه لا توجد جهة تحصي أعداد المهاجرين الذين يموتون من المرض أو الجوع والعنف في الصحراء فإن جماعات معنية بشؤون اللاجئين تقول إن أعداد من يفقدون حياتهم في الصحراء ربما تزيد على أعداد من يغرقون بالبحر المتوسط.
وقالت "لم يوقفنا أحد في الصحراء... والمهربون قالوا لنا إننا يجب ألا نقلق بشأن داعش (الدولة الإسلامية)... لم أتوقع أن أرى ولاية منظمة مثل ولايتهم في ليبيا."
لكنها كانت مخطئة.
في الليلة التي اختطفت فيها أمر مسلحو الدولة الإسلامية فيسهاي وغيرها من المسيحيين بالعودة إلى الشاحنة. صعد الرجال إلى عربة المقطورة الأمامية بينما صعدت النساء وعددهن الإجمالي 22 إلى العربة الخلفية.
تحركت الشاحنة باتجاه الشرق على نفس الطريق الذي سلكوه قبل ذلك بساعات. تبعتهم شاحنة صغيرة مزودة بمدفع رشاش.
بعد ذلك بنصف ساعة استدارت الشاحنة إلى طريق ترابي ولاحت أنوار البلدة في الأفق. شاهد بعض من الأسرى الرجال مقاطع فيديو لعمليات قطع الرأس بحد السيف التي ينفذها التنظيم المتشدد. حين أدركوا أن المسلحين ينتمون لهذه الجماعة قفز الرجال وفروا في الصحراء. اندلع إطلاق نار. البعض قتلوا بينما أسر البعض الآخر. لم ينجح في الهرب سوى عدد قليل.
قال هاجوس هاجدو وهو أحد الرجال الذين قفزوا من الشاحنة في مقابلة في هالستا بالسويد "فكرنا أن قتلنا بالرصاص أفضل من قطع رؤوسنا بحد السيف." لم يؤسر في تلك الليلة ونجح في الوصول إلى أوروبا بعد ذلك بشهرين. وقال "لم نرد أن نموت وأيدينا وأرجلنا مقيدة. حتى الحيوان يحتاج إلى أن يتلوى في ساعة الموت."
وضع المقاتلون المهاجرين في مستشفى مهجور بمنطقة وعرة قرب بلدة النوفلية الصحراوية. فتشوا النساء بحثا عن مصوغات فكانوا يرفعون أكمامهن باستخدام قضيب. نقلوهن إلى حجرة صغيرة كانت بها امرأة نيجيرية محتجزة.
في الصباح التالي قام أحد قادة المقاتلين وهو من غرب أفريقيا بزيارة النساء. أحضر صبيا صغيرا هو واحد من سبعة أطفال إريتريين على الأقل اختطفتهم الدولة الإسلامية في مارس ليترجم له.
سأل الرجل "هل تعلمن من نكون؟"
التزمت النساء الصمت.
قال الرجل "نحن الدولة الإسلامية".
ذكر النساء بأن الدولة الإسلامية هي الجماعة التي ذبحت 30 مسيحيا من إريتريا وإثيوبيا في أبريل وصورت المذبحة ونشرت الفيديو على الإنترنت. وطمأنهن إلى أن دولة الخلافة لن تعدمهن لأنهم نساء لكن في حالة واحدة فقط وهي إذا اعتنقن الإسلام.
وحذر "وإلا سنتركن لتتعفن هنا".
وجدت فيسهاي أن اعتناق ديانة أخرى إثم. انهالت هي والنساء الأخريات بالأسئلة على الرجل: هل نستطيع أن نتصل بعائلاتنا ونخبرهم أين نحن؟ هل يمكنهم دفع فدية لإطلاق سراحنا؟ هل تستطيع أن تخبرنا ماذا فعلتم بإخوتنا؟ بأزواجنا؟
لم يقدم الرجل سوى بضع إجابات لم يجدن فيها عزاء.
بعد ذلك بثلاثة أسابيع في الأسبوع الأول من شهر رمضان في يونيو قصفت مقاتلات مجمع المستشفى المهجور وانهارت بعض المباني. من الصعب تحديد من يقف وراء الهجوم. أعلن كل من الجيش الأمريكي وجماعات غرب ليبيا تنفيذ غارات على بلدات قريبة في نفس التوقيت تقريبا.
خلال الفوضى التي أعقبت ذلك ركضت فيسهاي والنساء الأخريات بين الأنقاض حافيات الأقدام في الصحراء. أحرقت سخونة الأرض أقدامهن. ركض الرجال الأسرى الذين كانوا محتجزين في نفس المجمع طيلة هذه الفترة أمامهن. سريعا رأى الأسرى أمامهم ظل شاحنة صغيرة ورجالا يحملون بنادق. لوح المسلحون للمهاجرين ليتوقفوا ثم فتحوا النار. توقفت النساء. فر معظم المهاجرين من الرجال لكن تم القبض على 11 منهم وجلدهم. مكانهم غير معروف.
استمرت الضربات الجوية خلال الأسبوع. في نهاية المطاف نقل مقاتلو الدولة الإسلامية النساء إلى المقر المهجور لشركة مقاولات تركية في النوفلية على بعد ساعتين.
ضم السجن المؤقت آلات لتمهيد الأرض وجرافات استخدمت في مشاريع لمد الطرق في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة يغطيها الصدأ تحت حرارة الشمس الشديدة. حفر العمال المؤقتون أسماءهم وأسماء دولهم على جدران المجمع. مكثت فيسهاي والنساء الأخريات في حجرة صغيرة حيث كانت الحوائط الجاهزة المقامة منها الحجرة تتفصد عند ارتفاع درجات الحرارة. سجنت أسرة كورية مكونة من طبيب أطفال وزوجته وأخيها في حجرة أخرى.
استغرقت فيسهاي والنساء الأخريات أسبوعا فقط لتقمن بمحاولة أخرى للهروب. فرت تسع ليست بينهن فيسهاي. بل إنها أعيدت إلى السجن المؤقت وجلدت لأيام. اعتنى الطبيب الكوري بجراحها.
بعد ذلك ببضعة أسابيع في أوائل غشت انضمت 21 إريترية أخرى إلى مجموعة فيسهاي. اختطفن أيضا على طريق سريع في وسط ليبيا. جاءت امرأة بصحبة أطفالها الثلاثة وأعمارهم خمسة وسبعة أعوام و11 عاما.
اعتناق الإسلام
خلال فصل الصيف عززت الدولة الإسلامية سيطرتها في وسط ليبيا. في سرت سحق مقاتلو الدولة الإسلامية انتفاضة للسلفيين فأعدموا معارضيهم وعلقوا جثثهم على أعمدة النور. في النوفلية قاموا بعرض للرؤوس المقطوعة لإسكات المعارضة.
ثم في شتنبر أعلن أبو المغيرة القحطاني الشهير باسم أبو نبيل عن حاجة الجماعة الماسة لكل مسلم يستطيع الحضور. استدعى المقاتلين والأطباء والخبراء القانونيين والإداريين الذين يمكنهم مساعدته في بناء دولة. فرض ضرائب باهظة على الأعمال التجارية وصادر ممتلكات الأعداء على غرار ما فعله التنظيم في سوريا والعراق.
تضخمت أعداد أعضاء الدولة الإسلامية ووفقا لتقديرات الجيش الأمريكي فربما تكون الأعداد قد وصلت في ذروتها إلى ستة آلاف مقاتل في ليبيا وإن كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قد خفضت هذه التقديرات بشدة في الشهر الحالي إلى ألف مقاتل في سرت.
يحتاج الرجال العزاب الذين فر معظمهم من أجزاء أخرى من إفريقيا إلى من يؤنس وحدتهم وقد استعانت الدولة الإسلامية بالنساء المتقدمات في العمر في سرت للمساعدة. يقول العميد جنيدي من قوات مصراتة إن النساء اللاتي أطلق عليهن "الغربان" لاتشاحهن بالسواد قمن بزيارة منازل أهل البلدة وسجلن أسماء الفتيات غير المتزوجات فوق 15 عاما بوصفهن زوجات مستقبليات محتملات.
ومع تزايد طموحات الجماعة في ذلك الصيف زادت الحاجة للنساء أيضا. يسمح تفسير تنظيم الدولة الإسلامية للشريعة للرجال باتخاذ إماء. أصبحت النساء المخطوفات اللاتي لا يتمتعن بحماية البعيدات عن ديارهن أهدافا سهلة. في منتصف غشت بعد خطف فيسهاي بأكثر من شهرين نقل مقاتلو الدولة الإسلامية النساء الست وثلاثين المحتجزات إلى هراوة الخاضعة لسيطرتهم وهي بلدة صغيرة على بعد 75 كيلومترا من سرت.
تصف فيسهاي والنساء السبع الأخريات اللاتي أجرت رويترز مقابلات معهن الحياة في هراوة في البداية بأنها كانت شبه طبيعية.
لم تكن هناك ضربات جوية أو ضرب أو تهديد بالعنف الجنسي. شملت السبايا الإريتريات اللاتي اختطفن في يونيو ح وغشت بمن فيهن فيسهاي ونيجيريتان والزوجان الكوريان وقريبهما وكانوا يقيمون في مجمع كبير قرب السد بالبلدة. في الأسابيع القليلة التالية انضمت لهن عشر عاملات بالمجال الطبي من الفلبين اختطفن من مستشفى في سرت ومحاضرة من بنجلادش اختطفت من جامعة سرت وامرأة حامل من غانا اختطفت في سرت وإريترية اختطفت هي وطفلها الذي لا يتجاوز عمره أربعة أعوام من على الطريق السريع إلى طرابلس.
في تلك المرحلة نشأت صداقة بين فيسهاي وسمرت كيدان (29 عاما) التي تركت أبناءها الثلاثة مع والديها في إريتريا بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. كانت ضمن مجموعة النساء اللاتي اختطفن في غشت.
صادقت كيدان حارسا يدعى حفيظو وهو ميكانيكي تونسي تحول إلى التشدد في أوائل الثلاثينيات من عمره. ساعد حفيظو النساء على ممارسة حياتهن الجديدة في الأسر. كان يحضر لهن البقالة وينقل طلباتهن لرؤسائه في سرت. كان يواسيهن حين يبكين. وينصحهن بأن ينسين حياتهن السابقة ويعتنقن الإسلام. وعدهن بأن بهذه الطريقة يمكن إطلاق سراحهن ليعثرن على زوج من المقاتلين. بل ربما يسمح لهن بالاتصال بذويهن في الديار.
طلبت النساء تلقي دروس دينية وأحضر لهن نسخة من القرآن مترجمة للغتهن الأولى التيجرينية. كما أحضر جهاز كمبيوتر محمول وذاكرة خارجية حمل عليها نصوصا دينية ودروسا عن حياة المتشددين الذين لاقوا حتفهم.
كانت فيسهاي أول من رضخت. في شتنبر بعد أن قضت ثلاثة أشهر في الأسر اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى ريما. حذت كيدان والأخريات حذوها بعد ذلك بشهر.
قالت فيسهاي "لم أستطع أن أرى مخرجا آخر. الإسلام كان خطوة أخرى نحو حريتي. أخبرونا بأننا ستكون لنا بعض الحقوق باعتبارنا مسلمات.
بعد اعتناقهن الإسلام أحضر لهن حفيظو العباءات والنقاب الأسود. كان يتعامل معهن عن بعد ويغض البصر. كان يشرف على ممارستهن للشعائر الدينية من على بعد.
علمهن حارس آخر هو مقاتل سوداني أكبر سنا الصلاة. كان يتلو آيات من القرآن ويطلب من النساء كتابة كلماته وترديدها. حين انتقل الحارس إلى وظيفة جديدة في سرت أحضر حفيظو شاشة تلفزيون وكان يعرض عليها بعض مقاطع الفيديو للدروس الدينية والمهام الانتحارية. وكما وعد سمح حفيظو للنساء بالاتصال بأسرهن.
في دجنبر اخترق إطلاق النار المتكرر الهدوء النسبي للحياة في هراوة. أصبح الطعام شحيحا. كثيرا ما كان حفيظو يستدعى لجبهة القتال ويختفي لأيام. ذات يوم انفرد بكيدان وأبلغها بأن تستعد لما هو آت. لقد تغيرت القيادة إذ مات أمير الدولة الإسلامية في ليبيا في ضربة جوية أمريكية قبل ذلك بشهر ومعه مصير النساء.
قال حفيظو لكيدان "أنتن الآن سبايا." شرح لها أنها تواجه هي والنساء الأخريات أربع احتمالات. قد يتخذهن ملاكهن سبايا أو يقدموهن هدايا أو يبيعهن لفصائل أخرى أو يطلقون سراحهن.
ذكرت كيدان أن حفيظو قال لها "لا تقلقي بشأن ما سيحدث لك على أيدي الرجال... اجعلي كل همك علاقتك بالله."
لم تذكر كيدان هذه التفصيلة لفيسهاي والنساء الأخريات حتى لا يصيبهن اليأس.
في ما بعد جاء أحد رؤساء حفيظو إلى المجمع لإحصاء أعداد المحتجزين. كتب أسماء وأعمار النساء في دفتر. طلب منهن إزالة النقاب وفحص وجوههن. عاد بعد أسبوع وأخذ اثنتين تبلغان من العمر 15 و18 عاما معه. في 17 دجنبر طلب كيدان. في ذلك اليوم أعطاها لعضو ليبي بكتيبة للدولة الإسلامية في سرت. وعلى الرغم من توسلاتها المتكررة رفض مالكها الجديد أن يجمعها بصديقتها فيسهاي.
فرت كيدان والفتاتان المراهقتان ويطلبن الآن اللجوء في ألمانيا. * سبايا
في نهاية يناير أصيبت فيسهاي بقرحة في المعدة ألزمتها الفراش. وزاد التوتر الأمور سوءا. فأثناء عودتها من زيارة للمستشفى بعد ظهر أحد الأيام شاهدت طفلا لا يتجاوز عمره تسع سنوات وهو يطلق الرصاص على رجل في ساحة المدينة.
وبعد ذلك بفترة وجيرة نقلت مع بقية النساء المحتجزات إلى مستودع في سرت يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية في تخزين المعدات والوقود والسبايا. وفي نفس الأسبوع لحقت بهن مجموعة تضم 15 امرأة إريترية خطفن في يوليوز وثلاث إثيوبيات خطفن في يناير ،
وأصبح المستودع بالنسبة للنساء آخر جبهة لإظهار التحدي. فبوصفهن مسلمات جدد طالبن بتوفير رعاية صحية أفصل وبتحريرهن من الرق. وكان الرد هو الضرب.
ولم تثبت المقاومة جدواها. واشترى مقاتل إريتري يدعى محمد فيسهاي في فبراير وكان دائما ما يزور المكان ليلقي نظرة على النساء.
ولم يذكر أبدا كم دفع ليشتريها وكان يبدو لطيفا في البداية ويسأل عن صحتها الواهنة وحياتها السابقة في إريتريا.
وقالت فيسهاي "كنت حائرة. اعتقدت أنه سيساعدني. ربما تسلل إلى داعش. وربما هو واحد منهم حقا. بدأت أتشبث بالأمل."
لكن على العكس مما اعتقدت فقد اغتصبها مرارا على مدى أسابيع.
وقالت فيسهاي "لم يطلعنا أحد مطلقا على آية في القرآن تقول إن بمقدورهم استعبادنا... كانوا يريدون تدميرنا... الكثير جدا من الشر في قلوبهم."
وفكرت فيسهاي في الهرب لكنها لم تجد سبيلا إلى ذلك.
وأعارها مالكها لرجل آخر وهو مقاتل سنغالي يكنى باسم أبو حمزة. وجلب أبو حمزة زوجته وأطفاله الثلاثة إلى الجبهة في ليبيا وكانت فيسهاي تعمل بلا مقابل في مطبخ منزله.
وكان العمل كثيرا لكن يمكن أن يطاق حتى جاءت ليلة في منتصف فبراير عندما أحضر أبو حمزة امرأة إريترية أخرى من المستودع واغتصبها طوال الليل.
وتذكرت فيسهاي ما حدث في تلك الليلة وقالت "كانت تصرخ وتصرخ. انفطر قلبي... وكانت زوجته تقف بجوار الباب وتبكي."
في الصباح التالي أقنعت فيسهاي الضحية الجديدة بالهرب سويا. وغادرتا المدينة وهربتا إلى الصحراء.
لم يتوقف أحد لمساعدتهما وألقت الشرطة الدينية القبض عليهما خارج المدنية.
وعادتا مرة أخرى إلى الأسر. واستعاد أبو حمزة أمته وأخذ محمد فيسهاي إلى مبنى من ثلاثة طوابق في سرت كان يعيش فيه مع مقاتلين آخرين.
وهناك كانت تعيش فيسهاي مع امرأة إريترية أخرى تبلغ من العمر 22 عاما وطفلها ذي السنوات الأربع وهما ملك قائد تونسي يدعى صالح. وكانت تعيش امرأة إريترية أخرى عمرها 23 عاما في الطابق السفلي مع طفلها البالغ عامين وطفلتها التي أنجبتها وهي في الأسر. ويمتلك مقاتل نيجيري يطلق على نفسه اسم البغدادي المرأة وطفليها.
وأبلغت المرأتين فيسهاي إنهما تعرضتا للاغتصاب في مناسبات عدة. وتحدثتا عن قصتيهما شريطة عدم نشر اسميهما.
وقالت الإريترية والدة الطفلين في وقت لاحق "لم يكن هناك أحد ليساعدني. لذا التزمت الهدوء واستسلمت للانتهاكات... توقفت عن المقاومة. كان يفعل ما يشاء معي".
الهرب
في أبريل هذا العام اتخذت حكومة الوفاق الليبية الجديدة قاعدة بحرية في طرابلس مقرا لها. وعلى نحو منفصل خططت فصائل متنافسة وهي حرس المنشآت النفطية في الشرق وكتائب أمنية في مدن الغرب لمهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية من اتجاهين مختلفين.
وفي هذه الأثناء في سرت علمت فيسهاي وصديقتاها إن أحداهن وهي المرأة أم الطفلين ستباع لرجل آخر.
دفعهم هذا الأمر للتخطيط للهرب. تظاهرن بالحديث إلى عائلاتهن لكن في الحقيقة كن يتحدثن إلى مهربين إريتريين في طرابلس.
قمن بدراسة مواعيد الخاطفين واستطلعن الأماكن المحيطة بهن عندما كان يمزح معهن التونسي صالح بقسوة بترك مفاتيح المنزل مع أمته بعد أن يصطحب طفلها معه.
وفي النهاية وفي الصباح الباكر يوم 14 أبريل استولت النساء على 60 دينارا ليبيا (نحو 40 دولارا) من حقيبة صالح وهربن من المنزل عبر باب خلفي لكن بدت سرت وكأنها مدينة مهجورة وخشين من إلقاء القبض عليهن وعدن مرة أخرى إلى المنزل.
وغامرن بالخروج مرة أخرى بعد ساعات عندما عادت الحياة إلى المدينة. وسرن على أقدامهن لساعات حتى توقفت سيارة أجرة لهن.
تفاوضت فيسهاي مع السائق بلغة عربية ركيكة. أبلغته أنهن خادمات تعرضن للخداع من رب العمل. وأعطته رقم مهرب إريتري في طرابلس.
وتفاوض السائق مع المهرب عبر الهاتف. واتفق على توصيلهن مقابل 750 دينارا (540 دولارا) سيمنحها المهرب له بعد وصول النساء إلى بني وليد على بعد خمس ساعات بالسيارة.
لكن الرحلة إلى بني وليد استغرقت 12 ساعة.
ودفع المهرب الإريتري بحسب الاتفاق المبلغ للسائق ونقلهن إلى مكان للاختباء فيه.
وهناك خلعن النقاب وبكين من الفرحة. وصلين من أجل العشرات اللاتي لا زلن في الأسر.
واستعارت فيسهاي هاتف المهرب واتصلت بوالدها في إريتريا. وبعد قليل انتشر خبر هروبها بين الأصدقاء والأقارب وسددوا دينها ودفعوا ألفي دولار أخرى للمهرب ليضعها في قارب متجه إلى أوروبا.
وفي مايو عندما غرق 1133 مهاجرا في البحر عبرت فيسهاي البحر المتوسط. لقد انتهى أسرها الذي استمر لعشرة أشهر.
اجتازت طريقا سلكه الكثير من اللاجئين عبر إيطاليا والنمسا ووصلت إلى ألمانيا بعد شهر من هروبها.
وتسعى حاليا للحصول على حق اللجوء في ألمانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.