" الحروفية و الحروفيون" كتاب اضيف إلى خزانتنا الوطنية قبل عدة سنوات. كتاب جديد في النقد التشكيلي يحتفل به الفنانون و الحقل الفني، لاسيما و أن هذا الحقل مفتقر إلى كتب متخصصة من هذا النوع، كتب يكون من بين أهدافها تحليل تيار معين أو إعطاء ارتسامات حول حركة ما في التشكيل المغربي . نهنئ كذلك الفنان الناشر محمد البوكيلي الذي أعطى لهذا الكتاب حلته الفنية. محمد أديب السلاوي رائد في النقد التشكيلي بالمغرب، غني عن التعريف، فقد أسس عدة صحف من بينها الطريق سنة 1963 و الصحافة سنة 1971 و صدى الصحافة سنة 1989 و الشعبية سنة 1993 و نشر عدة كتب في الشعر والنقد المسرحي و الروائي، و كذلك كتب حول القضايا السياسية و الاجتماعية التي يتخبط فيها المغرب الحديث، أما في التشكيل، فقد كتب " التشكيل المغربي بين التراث و المعاصرة " و " أعلام التشكيل المغربي" و " التشكيل المغربي في رحلة البحث عن الذات " و»التشكيل المغربي بصيغة المؤنث»، و»المشهد التشكيلي بالمغرب» . كتاب محمد أديب السلاوي «الحروفية والحروفيون» وهو الرابع في سلسلة كتبه في التشكيل، حاول إبراز حركة معينة في التشكيل لا يعيرها النقاد اهتماما و لو أنها تعد امتدادا للفن الإسلامي الذي ننهل منه استلهامنا. شخصيا، و كناقد فني أولج الحروفية ضمن تيار " مدرسة العلامة" الذي يعد فرعا من فروع التجريد الغنائي أو الهندسي، و هذا التيار بدوره يجمع بين الحروفية و الرمز والعلامة والشكل الهندسي والعضوي المستلهم من التراث العالمي. ولا يمكن لأي فنان أن يتخصص في نوع ما من هذه الفروع إلا القليل، فالشرقاوي مثلا، و اعتبره الرائد الأول لمدرسة العلامة، حاول في بحثه و بكل وعي فني أن يجمع بين الحروفية و العلامة البربرية و الشكل العضوي. أما المليحي، و الذي استلهم بحث من " الهارد ايدج" الأمريكية فلم يعر للحرف اهتماما إلا في فترة و جيزة، وكذلك الملاخ ولطيفة التيجاني. الحروفيون قليلون في المغرب، مقارنة مع إخوانهم في إيران أو العراق أو سوريا، و لم يأتوا بالجديد من حيث إبداع الحرف، فإبداعهم يتجه صوب تركيب الفضاء التشكيلي وحركية الحرف وبنية الاشكال، ولهذه الأسباب يحسن إدماجهم ضمن تيار مدرسة العلامة. ينقسم كتاب الأستاذ محمد أديب السلاوي " الحروفية و الحروفيون " إلى ثلاثة أبواب: الباب الأول " حروف الإبداع المقدس " هو تعريف بالخط العربي من حيث تنظيماته و جماليته و زخارفه و عناصره. و هذا الباب له أهميته القصوى، فهو يعطينا لمحة عن بنية الحرف العربي و قدسيته و جماليته كجزء من الفن الإسلامي، و كذلك الإحساس الروحاني الذي يتملكنا اتجاهه. الباب الثاني: " الحروفية المغربية " هو قراءة لعودة الوعي بالحرف العربي، و علاقة الحرف العربي بالتراث، و كذلك تقييم لعمل بعض الحروفيين المغاربة و هم الشرقاوي و حنين و الحريري و السنوسي و الملاخ و المليحي و الصديقي و التيجاني. و لأهمية عودة الوعي بالحرف العربي في الوطن الإسلامي المعاصر، كان من اللازم تخصيص باب لهذا الموضوع. فنحن ندري كيف استلهم الفنانون أمثال " كوندينسكي " و " بول كلي " أبحاثهم من الفن الإسلامي، و كيف استلهم الفنانون الغربيون بعد الأربعينات أمثال " هارتونك " و " سولاج " و " ماتيو " و " توبي " و " فرانس كلين " أبحاثهم من الحرف الصيني، و كيف بدأ البحث في الحرف الصيني و اللاتيني و العربي، وكيف تأسست حركة الحروفية في الغرب و في العالم الإسلامي وفي العراق على الخصوص . الحروفية حركة عالمية بدأت في القرن العشرين، وتطورت مفاهيمها وجماليتها في الوطن الإسلامي ولاسيما عند الزندرودي من إيران وجميل حمودي وضياء العزاوي وشاكر حسن من العراق، وسامي برهان ومحمود حماد وتركي محمود بك من سورية، ونجا مهداوي من تونس، ومحمد شبرين من السودان وغيتيل عدنان من لبنان. فلا يمكن تحليل أو تقييم الحروفية في المغرب دون البحث في نشأتها وتطورها وتنوعها في الغرب وفي الوطن الإسلامي، لكونها امتدادا لهذه الحركة العالمية والإسلامية. وبما أن الكتاب مخصص للحروفيين المغاربة، كان من اللازم كذلك وعلى الأقل الإدلاء بأسماء هؤلاء الحروفيين و بنبذة عن حياتهم الفنية. فالمؤلف نسي أو تناسى أفوس ومقداد القطبي وغيرهم، وأدخل في هذه الحركة فنانين لم يبحثوا في الخط العربي إلا في ظرف وجيز من حياتهم الفنية، أمثال الشرقاوي والمليجي والميلودي و الملاخ. وانفرد الباب الثالث و الأخيرمن هذا الكتاب، بتحليل لعمل الفنان محمد البوكيلي، و هذا كذلك مهم من وجهة نظر معينة ، فالفنان محمد البوكيلي لا يعرض أعماله للجمهور المغربي على الأقل، إلا قليلا، فهذه فرصة لجمهور القراء والفنانين والنقاد على الخصوص لاكتشاف و تفهم هذا العمل الفني.