يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. من مأثور الكلام قال عبد الملك بن مروان يوما لبعض جلسائه: ما أحكم أربعة أبيات قالتها العرب في الجاهلية؟ فأنشده: مَنَعَ البقاءَ تقلُّبُ الشمس وطلوعها من حيث لا تُمسي وطلوعُها بيضاء صافيةً وغُيوبها صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما يجري حِمام الموت في النفس اليوم تعلمُ ما يجيء به ومضى بفصل قضائه أمس قال عبد الملك: أحسنت. فأخبرني بأمدح بيت قالته العرب في الشجاعة؟ قال: قول كعب بن مالك الأنصاري: نَصِلُ السيوفَ إذا قصُرنَ بخطونا - قُدُمًا ونلحقها إذا لم تَلْحق. قال عبد الملك: فأخبرني بأفضل بيت في الجود، فانشده لحاتم طيء: أماويَّ ما يُغني الثراء عن الغنى إذا حشرجتْ يومًا وضاق بها الصدر أماوي إن المال غادِ وراَئحُ ويبقى من المال الأحاديث والذكر غنينا زمانًا بالتصعلك والغنى فَكُلاًّ سقاناه بكأسهما الدهر فما زادنا بَغْيًا على ذي قرابةِ غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر. * عن «مُلح الحديث» لأحمد الطيب.