يزخر التراث بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. على طريق التعلم كان هناك صبي يُدعى سودانا، وكان راغبًا في التنوير باحثًا عن الطريق إليه، وقد تعلم من صياد الأسماك معرفة البحر، ومن الطبيب حب المرضى، ومن الغنيٍّ تعلم أن التوفير أساس الثروة وراح يفكر في طريقة توظيف كل ذلك في طريق التنوير. ومن تأمل الراهب تعلم بأن الذهن الصافي والهادئ له قوة الإعجاز لتنقيته والتأثير على أذهان الآخرين، والتقي مرة امرأة ذات شخصية استثنائية وكان معجبًا بروحها، ومنها تعلم أن الإحسان هو فاكهة الحكمة، والتقى مرة بجوال عجوز أخبره أن الوصول إلى مكان محدد يتوجب المرور عبر وادي النار وجبال السيوف، لذا تعلم سودانا من تجاربه أن هناك معرفة حقيقية يجب الحصول عليها من كل شيء يراه أو يسمعه. لقد تعلم الصبر من امرأة فقيرة عرجاء، وتعلم معنى السعادة البسيطة من مراقبة الأطفال يلعبون في الشارع، وتعلم من الناس المتواضعين الذين لا يفكرون أبدا بطلب أي شيء يريده الآخرون، وتعلم سر العيش بسلام مع العالم. لقد تعلم درس الانسجام من مراقبة امتزاج الروائح، ودرس الشكر من تنسيق الأزهار، وفي أحد الأيام كان مارا بغابة وجلس ليستريح في ظل شجرة، لاحظ أن هناك نبتة تنمو عند قاعدة شجرة متهالكة، علمه ذلك درسا في لا حقيقة الحياة. الشمس في النهار والنجوم في الليل أنعشت روحه، وبذلك اكتسب سودانا ثروة وخبرة من رحلته. * عن "تعاليم بوذا"، لبوكيو ديندوكيوكا، ترجمة رعد عبد الجليل