يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. بذور المستقبل كان هناك فنان فقير، ترك بيته وزوجته بحثا عن الثراء، وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق، استطاع أن يجمع ثلاثمائة قطعة ذهبية، وقرر العودة إلى بيته، و في طريقه مر بأحد المعابد حيث كان يقام احتفال لجمع التبرعات، تأثر الفنان كثيرا بذلك الاحتفال وبقي يسائل نفسه: كيف غاب عني أن أفكر بالمستقبل؟ لقد شغلتني الدنيا عن التفكير في المستقبل. لذا تبرع بجميع ما لديه من مال قائلا: يتوجب علي أن أستفيد من المال لأبذر بذور المستقبل.عند وصوله المنزل، سألته زوجته عما إذا كان قد جلب معه بعض المال، أجابها بأنه استطاع أن يوفر بعض المال، ولكنه وضعه في مكان آمن،عندها ضغطت عليه ليطلعها على مكانه، فاعترف لها قائلا بأنه قد تبرع به للمعبد. غضبت الزوجة غضبا شديدا وراحت تعنف زوجها، ورفعت الأمر إلى القاضي، وفي المحكمة قال الفنان: لقد تبين لي بأنه المكان المناسب لوضع المال، وعندما ناولت الكاهن المال أحسست بأني قد تخلصت من الجشع والقذارة من ذهني وأدركت أن الثروة الحقيقية ليست المال ولكن الذهن. تأثر القاضي بكلام الفنان وباركه، وقام كل من سمع بقصة الفنان بمساعدته، وبذلك حصل الفنان وزوجته على ثروة جيدة دائمة. عن كتاب «تعاليم بوذا».