برزت على الصفحات الأولى من الجرائد الورقية والالكترونية طيلة هذه الأيام الأخيرة عناوين واحدة وموحدة ، شغلت كل المغاربة دون استثناء، حتى يُتخيل للمتتبع الأجنبي أن المغاربة يعيشون ثورة حقيقية من خلال ما تدفق من معلومات ووثائق دفعة واحدة وكذا انجذابهم وتعاطفهم القوي مع كل ما تم تسريبه وما نشر بطريقة هوليودية . كيف تم التعاطي مع هذه الأحداث الساخنة من طرف الجمهور عامة والمحلل السياسي خاصة على السواء ؟ وماذا يمكن أن يترتب عن هذه الأحداث ؟ بالعودة للصفحات الأولى للجرائد نجد عناوين بارزة بقوة، سنختار منها على سبيل الحصر ثلاثة عناوين مثيرة : العنوان الأول يتعلق الأمر بموضوع استفادة خدام الدول من الأراضي، الثاني : غضبة الملك على بن كيران، و الثالث: فضيحة الشوباني المذوية. لا يختلف المغاربة عن أهل الكهف في شئ، فقد ظلوا عاكفين بكهفهم ، نائمين إلى أن جاء اليوم الموعود وهو الموعد الانتخابي ليتم تسريب وثيقة جديدة، قديمة ترجع إلى تاريخ 1995 عندما أقدمت الدولة على منح بإرادة وطواعية لفائدة مجموعة من رجالاتها أطلقوا على نفسهم "خدام الدولة"، أراضي بطريق زعير بثمن رمزي نظرا لما يقدمونه من "خدمات جليلة" إلى هذا الوطن العظيم. لا أعرف من هو هذا البليد الذي قام بتسريب هذه الوثيقة والتي كان يعتبرها سرا من أسرار الدولة ؟ وماهو الجديد الذي جاءت به هذه الوثيقة ؟ وهل كان ينتظر من هذا التسريب أن يخرج المغاربة إلى الشارع ويعلنون الثورة على النظام ؟ التسريبات تتم مند سنين لوثائق أكثر خطورة فتتم محاكمة من قام بتسريبها وتتم مكافئة الجاني، هذا هو قانون اللعبة مند زمان. وما لايدركه الكثير كذلك أن هذا التفويت للأراضي قد تم من طرف الدولة ولفائدة الدولة نفسها، ألا يوجد في قائمة المستفيدين كل فسيفساء وأطراف الدولة، القصر ومستشاري الملك والداخلية والجيش والمالية والأحزاب وأطراف أخرى... منسجمين مع المقولة المشهورة " خيرنا مايديه غيرنا " . والاستفادة من أراضي الدولة من طرف رجالها " الأبرار" هذا ليس جديدا على المغاربة، فهذا ريع متوارث أبا عن جد ليس في الأراضي وحدها وإنما من كل فواكه الدولة من مقالع الرمال والمناجم الثمينة وأعالي البحار ووظائف في السلك الدبلوماسي و الذي يعتبر مجالا محفوظا لعائلات محسوبة ومناصب في السلطة و لعل أهمها عمال الأقاليم والعمالات والتي لانعرف ماهي المعايير التي تعتمدها وزارة الداخلية في اختيار هذه الفئة المحظوظة بدون اجتياز مبارة أو تقديم شواهد عليا بل هناك من العمال من تجده مصاب بكل الأمراض وأصبح لايميز بين الألف والياء ويتم تمديد له سنوات أخرى للخدمة لأنه قريب أو موصى له من طرف الدوائر العليا بالاستمرار في منصبه، وغيرها من الامتيازات الكثيرة والمتنوعة. كتب في الموضوع الآلاف من التعليقات بمواقع التواصل والمئات من المقالات وتمت متابعته بالعديد من التحليلات وماذا كانت النتيجة : لم يفتح أي تحقيق ولم تتم متابعة أي جهة ولو بسؤال واحد، السبب بسيط جدا...لأننا لم نأسس بعد لدولة القانون حيث يخضع الجميع للمساءلة القانونية........... القراءات والتحليلات التي تتحدث عن التحول الديمقراطي بالمغرب بدون حياء عليها أن تعيد قراءة الواقع بدون نصب واحتيال. فتفويت أراضي لفائدة خدام الدولة، فقط الشجرة التي تخفي الغابة الموبوءة.هذه هي الحقيقة الغائبة. أما العنوان الثاني والذي خصصته الجرائد لغضبة الملك على بن كيران والذي تناوله العديد من السياسيين بعد الخطاب الملكي كل بطريقته الخاصة محاولين الاستفادة والاستثمار منه بطريقة أو أخرى وهذا ليس غريبا عن كذب وبؤس السياسي لكن مافاجأني فعلا هو بعض التحليلات لبعض المحللين وأغربهم ما ذكره أستاذ التاريخ السياسي المعطي منجيب في إحدى الحوارات بموقع " أخبار اليوم 24" عندما أشار أن هناك حملة منظمة لإعداد الشعب على تقبل خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة وأن بن كيران يضيف الاستاذ " خرج المخزن من جنب "... ولأنني متتبع لكل الحوارات التي أجراها السيد منجيب والذي اعتبره رجلا مخلصا بامتياز لوطنه ولأفكاره ولخطه الذي يحترمه بامتياز، لكن في هذا الحوار في نظري لم يكن الاستاذ المعطي موفقا وهو القائل في نفس الحوار أن المخزن يكره المفاجآت .وهنا أطرح السؤال على الأستاذ المحترم : هل المخزن لايعرف السيد بن كيران جيدا حتى يفاجئه ويخرج له من " الجنب " على حد قولك ؟ أعجبتني إحدى التدوينات للباحث السوسيولوجي المغربي محمد الناجي، عندما قال : إن الملك لايغضب فهو رئيس الدولة، ورئيس الدولة لايغضب ، فهو يتخذ القرارات ولغير القرارات. وهنا بيت القصيد. وبن كيران في رده على هذا اللغط السياسي، رد بالوضوح التام عندما قال في إحدى اللقاءات التواصلية بالحرف " خلويني مني الملك " وهذه إشارة ذات دلالة واضحة من بن كيران إلى من يهمهم الأمر أن المشكل ليس بينه وبين الملك ولكن المشكل بينه وبين الوسطاء أي بين مستشاري الملك، وهذا الأخير أي الملك فهو يعرف جيدا ويعرف أن بن كيران خام مطيع ولا يريد سوى رضاءه عليه وعلى حزبه وهذا ينفي بالمطلق ما جاء به أستاذ منجب. أما الجانب الآخر الذي تم تغييبه من طرف الأستاذ منجب عندما قال أن المخزن يهيئ الشعب للقبول بهزيمة حزب العدالة والتنمية، فهذا مجانب للصواب تماما، والسبب بسيط جدا في نظري، أساسه ماتم اتخاذه من قرارات قاتلة ومجحفة في حق الشعب المغربي في ماتبقى من عمر الحكومة. فما وقع من تعنت خطير مع الأساتذة المتدربين والألام الخطيرة التي أحدثها السيد بن كيران لهذه الفئة لازالت الجراح تنزف لحدود كتابة هذه السطور ، قانون التقاعد الذي تم تمريره على جثة جميع الموظفين المغاربة مع ماصاحب ذلك من مسرحة الحدث من طرف أحزاب ونقابات ممخزنة، قرار المقاصة المؤلم ، الزيادات المهولة في كل شيئ، وهم محاربة الفساد والمفسدين، والائحة طويلة..... أليست كل هذه القرارات السيد منجب كافية لتهيئ الشعب المغربي لمحاربته ومجابهته والتصدي له وقطع الطريق عنه بالعودة من جديد ؟ السيد منجب: بن كيران معروف جدا، رجل يستغل الدين من أجل السياسة في أبعادها الصغيرة جدا، لايملك أي مشروع ، ليس" بالحد الذي قد يتجاوز الدولة" كما جاء في حوارك، فهو مجرد بهلوان ...أنسيت أم تناسيت أن جهازا إسمه المخابرات بالمغرب، لذيه كل الملفات المعلومة وغير المعلومة .... وأن الدولة لها ترتيبات لكل مرحلة ...المخزن يتنفس ويستمر مع الوجوه الجديدة، مثل المرأة الحامل تكره الوجوه المتكررة.... أما العنوان الثالث، والذي أضحى ظاهرة في صحافة الفضائح وهو رئيس جهة درعة تافيلالت ، الحبيب الشوباني، الذي رد على الجمعيات التي طالبت باستقالته والتي نظمت مسيرة يوم الأحد 14 غشت الجاري، بمدينة الراشيدية بالقول أن حزب البام هو من قام بدعمها وبالتحايل على الموطنين البسطاء مقابل 100 درهم ووجبة غداء وهي " وقفة للفساد والتحكم " وهي مهزلة وفضيحة بكل المقاييس ". وماقام به السيد الشوباني لايعتبر مهزلة ولايدخل ضمن خانة الفساد، ولا يمكن وصفها بالفضيحة ...سبحان الله. بصراحة أنا أشفق كثرا على الحبيب الشوباني، وعلى كل المتعاطفين معه من حزبه، فالرجل ورع ، وأن ما حاول الاستفادة منه من أرض تبلغ 200 هكتار لمدة 99 سنة بثمن رمزي هو يدخل من باب هدية الله لعبده الثقي الوسيم النظيف اليد كما جاء في تصريح عجيب لزوجته المصونة. غريب أمر هؤلاء الإسلاميين، في كل مرة يغرق أحد من رجال الحزب في فضيحة يعتبرون الأمر مؤامرة محاكة ضدهم ، فيبحثون في شِمالهم عن الشيطان الذي دبر المكيدة وأحسن في إخراجها. والأغرب من ذلك، هو تواطؤ الجميع ونصرة مرتكب الكبيرة، واعتباره مجرد ضحية وليس فاعلا حقيقيا . وهو ماحدث مع السيد الشوباني، ففي كل مرة يرتكب الكبيرة يقوم الحزب بتزكيته وتأييده ونصرته وترقيته انطلاقا من المقولة المشهورة " أنصر أخاك ظالما أو ظالما أكثر " . ألا يوجد بينكم رجلا شريفا يستطيع أن يقول لهذا لرجل لقد ارتكبت اكثر من خطيئة وأنك أصبحت بطل النزوات على أغلفة الجرائد وحان الوقت أن تخجل من نفسك وتقدم بنفسك استقالتك وتريح وترتاح ، لكن "إذا كنت لاتستحييي فاصنع ما شئت ". عندما أصبحت الصحافة تلقب السيد الشوباني، بالشوهاني، والحزب لايُرفُ له جفن، فأين هي صورة الحزب ؟ وأين مصداقيته ؟ وهل هذا حزب يعول عليه في محاربة الفساد ؟ وهل مثل هذا الحزب الذي يدافع عن رجاله المتهمين باستغلال النفوذ علانية يستطيع أن يخيف الدولة ؟ هذه مجرد أسئلة على الهامش تنضاف إلى أسئلة المواطنين و التعليقات المليونية على العبث والاستهتار الذي أصبحنا نعيشه في أجمل بلد في العالم . كان نيتشه يقول دائما : " لم يترك الأغنياء للفقراء شيئا سوى الله " لكن يبدوا أن الإسلاميين يريدون السطو عليه في واضحة النهار. كاتب مغربي