عرف جاري القروض البنكية الموجهة لتمويل الاستثمارات الصناعية تراجعا بنسبة 23 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ نزل من 26.6 مليار درهم عند تولي الحكومة الحالية في نهاية 2011 إلى مستوى 20.5 مليار درهم في نهاية يونيو الماضي، حسب إحصائيات بنك المغرب. وباستثناء قطاع الصناعات الغذائية، تراجعت الاستثمارات في جميع الفروع الصناعية، خاصة المشغلة منها لليد العاملة، بشكل مثير للقلق. فقد تراجع جاري القروض الاستثمارية لقطاع صناعات النسيج والألبسة والجلد بنسبة 55 في المئة خلال هذه الفترة، إذ نزل حجمها من 2.3 مليار درهم نهاية 2011 إلى مليار واحد فقط في نهاية يونيو الماضي. كما نزل جاري القروض البنكية الموجهة للاستثمار في قطاع الصناعات الكيماوية والصيدلية بنسبة 34 في المئة خلال نفس الفترة، وسجلت القروض الموجهة للاستثمار في قطاعات الصناعات الحديدية والميكانيكية والكهربائية بدورها نزولا بنسبة 16 في المئة خلال فترة. ولم يقتصر هبوط القروض الموجهة لتمويل الاستثمار على القطاع الصناعي، بل تأثرت أيضا قطاعات ثانوية أخرى، منها قطاع البناء والأشغال العمومية، الذي يعتبر بدوره قطاعا أساسيا من حيث حجم التشغيل. ونزلت القروض البنكية الموجهة للاستثمار في قطاع البناء والأشغال العمومية بنسبة 24.8 في المئة، وهبط حجمها من 9.45 مليار درهم في نهاية 2011 إلى 7.10 مليار درهم نهاية يونيو 2016. وفي المجالات غير الصناعية، نزل حجم القروض الاستثمارية الموجهة لقطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 37.6 في المئة، علما بأن هذا القطاع يعتبر بدوره من بين أكثر القطاعات تشغيلا لليد العاملة. كما نزلت القروض البنكية الموجهة لتمويل الاستثمارات في قطاع النقل والمواصلات بنسبة 29 في المئة. وتعكس هذه الانخفاضات التراجع الكبير للاستثمار بشكل عام، والاستثمار الصناعي بشكل عام، خلال ولاية الحكومة الحالية، ناهيك عن اضطرار العديد من المنشآت الصناعية والسياحية و الخدماتية إلى وضع حد لنشاطها وتسريح العمال. غير أن الاقتصاد المغربي أبان رغم ذلك عن قدرة كبيرة على المقاومة والصمود خلال هذه الفترة، خاصة عبر مواصلة تنفيذ بعض المخططات التنموية الكبرى باستقلال عن الحكومة، مثل المخطط الوطني للطاقات المتجددة والمخطط الصناعي للمجمع الشريف للفوسفاط. وتكشف إحصائيات بنك المغرب بهذا الصدد أن قروض الاستثمار الموجهة لقطاع الصناعات الاستخراجية عرفت خلال هذه الفترة ارتفاعا بنسبة 260 في المئة، الشيء الذي يعكس المجهود الاستثماري الكبير للمجمع الشريف للفوسفاط خلال هذه المرحلة، خاصة عبر بناء المصانع الجديدة للأسمدة وإنشاء أنبوب نقل لباب الفوسفاط الذي يربط مناجم خريبكة بالمنطقة الصناعية والمينائية بالجرف الأصفر والمحطات الجديدة لغسيل ومعالجة الفوسفاط. كما أبرزت الإحصائيات المالية لبنك المغرب ارتفاع قروض الاستثمار الموجهة لقطاع الكهرباء والغاز والماء بنسبة 114.2 في المئة، بارتباط مع إنجاز المشاريع الكبرى لاستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وعلى رأسها محطة نور في ورزازات. وتميزت فترة ولاية حكومة بنكيران بتعرض الصناعة المغربية بكافة فروعها لهجمة ليبرالية شرسة ومعاناتها لسنوات من إغراق السوق الوطني ببضائع أجنبية أصابها الكساد تحت سماء أسواق أخرى، ما أدى إلى إغلاق العديد من الوحدات الإنتاجية ومعاناة باقي الوحدات من صعوبات مالية عويصة تحت أنظار الحكومة التي وقفت موقف المتفرج وحاولت التسويف وكسب الوقت عبر تمديد آجال الأبحاث التي باشرتها تحت ضغط الفاعلين الاقتصاديين من أجل البرهنة على وجود حالات إغراق قبل اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية المحدودة. وامتدت بعض هذه الأبحاث لأزيد من سنة، ولم تتخذ الإجراءات إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس بالنسبة للعديد من المنشآت الصناعية الوطنية. والحصيلة: تراجع التصنيع في المغرب وتوسع في البطالة وغرق النسيج الصناعي الوطني في الصعوبات والمشاكل.