يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. شيخ يمتحن ابنيه في النساء كان لرجل من مقاول حمير ابنان يقال لأحدهما: عمر وللآخر ربيعة، وحدث أن دعاهما يوما ليختبر عقولهما، ولما حضرا سأل أكبرهما وقال: أخبرني ياعمرو أي النساء أحب إليك؟ قال: الهركولة اللَّفّاء، الممكورة الجيداء، التي يُشفي السقيم كلامُها، ويُبرئ الوصب إلمامها، التي إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن استعتبتها أعتبت، القاصرة الطرف، الطَّفلة الكف، العميمة الردف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعتَ فأحسن، وغيرها أحب إليّ منها، قال ومن هي؟ قال: الفتانة العينين، الأسيلة الخدين، الكاعب الثديين، الرَّداخ الوركين، الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل، الرخيمة الكلام، الجماء العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللثام. قال: فأي النساء أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الفتانة الكذوب، الظاهرة العيوب، الطوافة الهبوب، العابسة القطوب، السمابة الوثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لان لها أهانته وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس المرأة من ذكر! وغيرها أبغض إلي منها. قال: وأيتهن، قال: السليطة اللسان، المؤذية الجيران، الناطقة بالبهتان، التي وجهها عابس، وزوجها من خيرها آيس، التي إن عاتبها زوجها وترته، وإن ناطقها انتهرته (وإني لأبغض فوق هذه) التي شقي صاحبها وخزي خاطبها وافتضح أقاربها، قال: ومن صاحبها؟ قال: صاحبها مثلها في خصالها كلها لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها! عن «المزهر في علوم اللغة وأنواعها» للسيوطي.