يبدو عبد الله العروي المفكر المغربي المعاصر، من أهم المثقفين الدارسين لمفهوم الدولة، فقد تناول هذه المسألة بكل تفرّعاتها، في سياق مشروعه لرفع العرب إلى مستوى الحداثة، وخصص لها حلقة من سلسلة كتبه عن (المفاهيم)، في إطار بحثه عن اندماج العرب في الحداثة أو العصر. فقبل كتابه (مفهوم الدولة) كان قد تعرض لها في (مفهوم الحرية). ولم يكن موضوع الدولة بعيداً جداً عن أبحاثه كلها، التي كانت مسكونة بالهموم السياسية رغم ما تحمله من تأمّلات عميقة، ومن دقّة المفاهيم، وكثافة الأفكار وشمولها، فمنذ أن أصدر كتابه الهام (الأيديولوجية العربية المعاصرة 1967)و(أزمة المثقفين العرب 1970)، وبالعربية (العرب والفكر التاريخي1973)، غدا جلياً لقرائه أنهم بصدد خطاب جديد كل الجِدّة، بما يحمل من رهانات فكرية وتماسك ورصانة، وأثارت تلك المؤلفات الافتتاحية في تكاملها وتناسقها خطاباً حداثياً متماسكاً وغنيّا بالدلالات، وسجّل العروي بها حضوراً ملموساً في ميدان الثقافة العربية، إلى أن صار معلماً من معالمها. فالطوبى الإسلامية – انتظار عودة الخلافة بإلهام رباني –أظهرت فصم الدولة عن المجتمع بمظر طبيعي لا مفر منه، وبذلك أقعد الفقهاء عن البحث عن وسائل عملية لتوحيدها، كذلك الطوبى الليبرالية، وبعدها الماركسية، أضفتا على نفس الفصم حلة العِلمية فبقي الناس على تشاؤمهم التقليدي، لا ينتظرون من الدولة سوى القمع والاستغلال، حتى تتحقق الدولة الليبرالية المنتجة العلمية حيث تتكفل فقط بالأمن، أو تتحقق الدولة الشيوعية المنحلة في إدارة الأشياء (31). ويلاحظ العروي أنه بالإضافة إلى طوبى (الدولة الإسلامية) وإلى جوارها، هيمنت نسبياً على الأذهان في النصف الثاني من القرن العشرين طوبى العروبة، طوبى (الدولة العربية الكبرى).لقد حل في الذهن ووجدان الأفراد، مفهوم العروبة محل مفهوم الأمة التقليدي. بالعروبة يتعلق الولاء، وبوجود هذه الطوبى، تُنزع الشرعية عن الدولة الإقليمية. لأن ولاء الأفراد غير مرتبط بها ولأن الإجماع ليس حولها. في هذه الحال، تنفصل السلطة عن الشرع، والقوة عن النفوذ الأدبي. إن أوامر الدولة تُنفّذ، وبالتالي فإن كل إنجازات الدولة الإقليمية (القطرية) لا تُكسبها ولاء ولا تُنشئ إجماعاً حولها. فيفتقر الكيان الإقليمي إلى إيديولوجية عضوية يبرّر بها وجوده لأنه مرتبط بطوبى تنفي الشرعية مبدئياً عن جميع الكيانات الإقليمية. فيخلص العروي إلى القول : «إن المفكرين العرب لايهتمون بالدولة القائمة...فالمثقف العربي المعاصر يدور حول طوباويات مُستحدثة : المجتمع العصري الليبرالي، المجتمع اللا طبقي الماركسي، المجتمع الإشتراكي الموحد»غير «إن نظرة الفرد العربي إلى السلطة، وهي نظرة ورثها عن الماضي، لم تنجح في تركيز الكيان القائم وتحويله إلى مجتمع سياسي بالمعنى الدقيق، وفي نفس الوقت، لم تفتح الطريق لإنشاء الدولة العربية الواحدة (32). الهوامش: 1- عبد الله العروي .العرب والفكر التاريخي.دار الحقيقة ,بيروت ,1973ص60-61- 2- كمال عبد اللطيف ,درس العروي في الدفاع عن الفكر التاريخي،الفارابي بيروت ,2000،ص54- 3- العروي ,العرب والفكر التاريخي ،ص184-185- 4- عبد الله العروي.(عبد الله العروي .حوار وتقديم سالم حمش:عبدالله العروي المؤرخ والمفكر ).مجلة الوحدة ,سنة ثانية,عدد22-23. 1986ص149- 5- عبدالله العروي ،مفهوم الدولة،ط2 ,الدارالبيضاء ,المركز الثقافي العربي,1983،ص60-78 - 6- المصدر نفسه ،ص85- 7- المصدر نفسه،ص85-86- 8- المصدر نفسه ،ص78- 9 - المصدر نفسه.ص90 10- المصدر نفسه ،ص90-91- 11- المصدر نفسه ،ص91-92- 12- ,المصدر نفسه،ص95- 13- المصدر نفسه ،ص96-97- 14- المصدر نفسه،ص101- 15- المصدر نفسه ،ص102- 16-المصدر نفسه ,ص 102-104- 17- المصدر نفسه ,ص104- 18- المصدر نفسه،ص105 - 19- المصدر نفسه.ص115-116 20- المصدر نفسه،ص123- 21- المصدر نفسه.ص116- 22- المصدر نفسه.ص120- 23- المصدر نفسه.ص129- 24- المصدر نفسه.ص106-108- 25- المصدر نفسه.ص-147-149 26- المصدر نفسه.ص121-122 27- المصدر نفسه.ص133- 28- المصدر نفسه ،ص137- 29- المصدر نفسه.ص151و169 30- المصدر نفسه،ص170 انتهى