يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. القضية فيها "إن" حكى ابن شيب في »معالم الكتابة: أن بعض الملوك أمر كاتبه أن يكتب عنه كتابا إلى بعض أتباعه يطمئنه فيه ليقبض عليه عند انتهاز الفرصة له في ذلك، وكان بين الكاتب والمكتوب اليه صداقة، فكتب الكتاب على ما أمر به من غير خروج عن شيء، من رسمه، الا أنه حين كتب في آخره »"إن شاء الله تعالى«" جعل على النون شدة، فلما قرأه المكتوب إليه، عرف ان ذلك لم يكن سدى من الكاتب، فأخذ في التأويل والحدس، فوقع في ذهنه انه يشير بذلك إلى قوله تعالى: »"إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك"« فأخذ حذره واحترز على نفسه، وبلغ الملك احترازه على نفسه، فاتهم الكاتب في أنه الحق في الكتاب شيئا نبهه به على قصد الملك، فأحضره وسأله عن ذلك، وأمره بأن يكتب الكتاب على صورة ما كتب به من غير خروج عن شيء منه، فكتبه ولم يغير شيئا من رسمه حتى إنه أثبت صورة الشدة على النون، فلما قرأه الملك ونظر إلى صورة الشدة أنكرها عليه، وقال: مال الذي أردت بذلك؟ قال: أردت قوله تعالى: »إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك« فأعجب بذلك، وعفا عنه لصدقه إياه.