المواد 1-1-503 و 2-1-503 و 1-2-503 وهي مواد، أتت لتوسع مفهوم التحرش الجنسي، الذي هو وجه من أوجه العنف الذي تتعرض له النساء القانون المغربي أحدث مقتضيات تراعي تحمل الدولة مسؤوليتها تُجاه الضحية بدون الإضرار بالأسرة ، ومع ذلك لم تستخدمها وزيرة التضامن و المرأة في مشروعها عرضت السيدة وزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية مشروع قانون 103.13 واختارت له عنوانا لافتا للنظر، هو مشروع قانون يتعلق ب «محاربة» العنف ضد النساء، كما قدمته له، بمذكرة تقديم مكونة من 5 صفحات وربع الصفحة. وبعد ملاحظة التأخير الذي عرفه إخراج هذا القانون للوجود، والذي كان لابد من المبادرة إلى سن قواعد قانونية لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، الذي لا يزداد قسوة على جسدهن فقط ، وإنما يأخذ أشكالا متعددة، منها العنف بالقانون، كما هو الحال بخصوص التردد في سن قانون، يمنع تزويج القاصرات أو العنف القضائي المتمثل في تسهيل السماح بالتعدد و القبول بسياسة الأمر الواقع، التي يمارسها البعض بإحضار المرأة الثانية، إما حاملا أو معها أبناؤها أمام القاضي، من أجل الضغط على القبول بالتعدد وغيرها من الحالات الأخرى . وتعتبر مدونة الأسرة تحكيما ملكيا أول ، بعد ما عرف بمظاهرة الدارالبيضاء، التي دبرت من قبل البعض، كرد على التظاهرة، التي نظمت أمام البرلمان، من أجل حث حكومة التناوب على الإسراع في تقديم القوانين، التي تحمي حقوق المرأة ، بعرض مدونة الأسرة -لأول مرة- على البرلمان، التي شكلت طفرة نوعية، فيما يخص تقعيد وفرض تطبيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. غير أن مشروع وزيرة التضامن أتى مفصولا، ولا علاقة له بالمخاض المجتمعي، ولا بإرادة الدولة والمجتمع، المتمثلة في التعاقد الذي ترجمته تلك الإرادة المتمثلة في دستور 2011 الذي رفع من وضع المرأة في المغرب، لتحتل الموقع الذي تستحقه. فمشروع قانون 103.13 يمكن أن تثار بشأنه الملاحظات الست التالية: الملاحظة الأولى - أن المطلع سواء على مذكرة التقديم أوعلى فصول المشروع، سيلاحظ غياب المرجعية الإسلامية ، وهي بالفعل ملاحظة، تثير الاستغراب، مادام أن الحكومة الحالية، التي تعتبر السيدة الوزيرة عضوا فيها، بنت حملتها الانتخابية، وطريقة تدبيرها للعمل الحكومي، على كونها حكومة إسلامية. فكان من الضروري أن يظهر طابع المرجعية الاسلامية في مذكرة التقديم من جهة، وفي مواد ذلك المشروع من جهة أخرى ، وهو ما لا يلاحظ ذلك المشروع ، ماعدا جملة من 6 كلمات ضمنت في الفقرة الأولى من الصفحة 4 من مذكرة التقديم التي ورد فيها جملة « باستثمار المبادئ لديننا الحنيف» . بينما كان على وزارة التضامن والحكومة من بعدها أن تواجه ، بمشروعها ، الخطاب المستغل للدين، لحاجات لا علاقة لها بالدين الحنيف، كحاجة السياسة أو البحث عن الوجاهة في المجتمع، أو غير ذلك من الاستعمالات، التي تسيء لديننا الحنيف ،والتي تروج في المجتمع أفكارا، تشجع على ضرب النساء، وعلى تعنيفهن جسديا و نفسيا و.. . و الخطاب المقصود، هو ذلك الذي يحمل بعض الآيات القرآنية التفسير الخاطئ، كما هو الحال بخصوص الآية 34 من سورة النساء. ومع ملاحظة الاختلاف بين من يتبنى و يدافع عن رأي بعض المفسرين لتلك الآية، لكونها تعطي الحق للزوج، بأن يضرب زوجته، و بين رفض مفسرين آخرين لهذا التفسير، بالاعتماد على أن كلمة «ضرب» في صحيح لغة العرب، تعني: المفارقة والمباعدة والانفصال. أما العنف الجسدي فيسمى ب «اللطم» إذا أصاب الوجه. وإذا أصاب القَفا، يسمى ب «الصفع»، و يسمى الضرب بقبضة اليد ب «الوكز». لكن، عندما يختلف المفسرون في قضايا تتعلق بما أتى به القرآن الكريم، فإن من الواجب، الرجوعُ إلى من لا خلاف في تفسيره لكلام لله سبحان وتعالى، أي أحاديث النبي صلى لله عليه وسلم، إذ روي عنه ما يلي: «حدثنا أحمد بن أبي خلف وأحمد بن عمر بن السرح، قائلا حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد لله بن عبيد لله بن عبد لله عن إياس بن عبد لله بن أبي ذباب، قال،قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء لله. كما روي كذلك ما يلي: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئر النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى لله عليه وسلم: لقدأطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم. وهكذا أعطى النبي صلى لله عليه وسلم، التفسير السليم للآية القرآنية 34 نساء. وليس بعد تفسيره صلى لله عليه وسلم تفسير، لأنه ينهى عن ضرب النساء، ويعتبرأن من يقوم بذلك، ليس من خيار المسلمين. فكان على مشروع وزارة التضامن، أن يترجم، ويطبق هذا الحديث الشريف، بأن ينقل –حرفيا- في مذكرة التقديم، وأن تنص عليه مواده، من أجل رفع أي لبس حول كون: ديننا الحنيف، لا يشجع على ضرب النساء. لكن، أليس عدم الإشارة إلى حديث النبي صلى لله عليه وسلم، في مذكرة تقديم القانون، هو إعلان ضمني عن مسايرة رأي من يشجع على ضرب النساء ؟ إذا كانت إرادة الوزارة لا تسير في هذا الاتجاه، فإن الفرصة مازالت سانحة، من أجل النص –حرفيا- على كلام النبي صلى لله عليه وسلم، ليوضع حد للخطاب، المستغل للدين، المشجع على تعنيف النساء. الملاحظة الثانية هي تهرب المشرع من تقديم تعريف واضح للعنف ضد النساء، كما وقفت عليه كل الاتفاقيات الدولية، المهتمة بحقوق المرأة في العالم، والتي جمعت خلاصتها في مذكرة تقديم اتفاقية المجلس الأوروبي الوقاية ومناهضة العنف ضد النساء والعنف المنزلي Convention du conseil de l'Europe sur la prévention et la lutte contre la violence à l'égard des femmes et la violence domestique. وبالرجوع إلى هذه الاتفاقية، نجدها وقفت على ما أقره واعترف به المجتمع الدولي ، من دول ومجتمعات ، بخصوص أحقية الرجل في تعنيف المرأة من جهة، وأثر ذلك التعنيف على وضعها في المجتمع من جهة أخرى ، بالرغم من تفوقها العلمي والمالي أو الثقافي، إذ ورد في تلك الاتفاقية ما يلي: Reconnaissance que la violence l'égard des femmes est une manifestation des rapport de force historiquement inégaux entre les femmes et les hommes privant ainsi les femmes de leur pleine فتبين من تلك الخلاصة، أن تفوق الرجل على المرأة، ليس ناتجا عن الطبيعة، وأن الأمر مقرر مسبقا ، وإنما موازين القُوى غير المتساوية وغير العادلة، التي وضعت فيها المرأة،هي التي أدت إلى هيمنة الرجل على المرأة. كما تنص الاتفاقية على خلاصة ثانية جديرة بالاهتمام تقول: Reconnaissance que la nature structurelle de la violence à l'égard des femmes est fondée sur le genre، et que la violence à l'égard des femmes est un des mécanismes sociaux cruciaux par lesquels sont maintenues dans une position de subordination par rapport aux hommes وبما أن مذكرة المشروع، تشير إلى المواثيق الدولية، فلماذا لم تترجم تلك المواثيق الدولية، كحقوق للمرأة في ذلك القانون؟ وهذا الموقف، هو الذي يعزز ما نقول به من أن الحكومة تشيع خطاب الحقوق، لكن في التطبيق وفي القوانين التي تقدمها للبرلمان، هي تؤسس للعكس. الملاحظة الثالثة - أن مشروع القانون، يتكون من 56 مادة، بينما الفصول التي تتكلم عن المرأة ،لا تتعدى 5 .وباقي المواد، تتعلق بالقاصرين، والأصول، و الفروع. ووسط كل هذا، حشرٌ للزوجة ، و ليس المرأة كامرأة ، مما يؤكد أن مشروع القانون، ليس لمناهضة العنف ضد النساء، وإنما عبارة عن تعديلات للقانون الجنائي، التي تهم كل المواطنات، أي أن المشروع لا يعدو كونه إعادة كتابة لبعض فصول القانون الجنائي. و هذا التصرف إذا ما أبقت عليه الحكومة، ولم تبادر إلى تخصيص كل القانون لحماية النساء من العنف، يكون غير أخلاقي، وسيظهر أن الغرض من القانون، ليس سوى دعاية لخطاب الإصلاح، بينما فعل الإصلاح، هو أمر مغيب بإرادة واعية من الحكومة . الملاحظة الرابعة وفي ما يتعلق بما أتت به المادة 404 التي تنص على معاقبة العنف والإيذاء ضد «امرأة حامل، كان حملها بينا أو معلوما»،يمكن ملاحظة ما يلي: -الإبقاء على هذه المادة على صياغتها الحالية، يعني أن العنف ضد امرأة غير حامل، هو عمل مباح، وأن الجريمة لا تتحقق، إلا إذا كانت المرأة حاملا من جهة، و كان حملها بينا أو معلوما لدى الفاعل. فصياغة هذه المادة، تسمح بضرب المرأة غير الحامل . وأظن، بكل حسن نية، أن الأمر يتعلق بخطأ في الصياغة، إلا إذا كانت إرادة وزيرة التضامن، هي تبني التفسير، الذي يشجع على ضرب النساء، خلافا لما نهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم في حديثه المشار إليه أعلاه، وهو ما تناولته في الملاحظة الأولى. الملاحظة الخامسة - ان مشروع القانون، بدل أن يكون أداة قانونية لحماية المرأة، انسجاما مع الخطاب المضمن في مذكرة التقديم، حمل قواعد، هي ضد المرأة بكل وضوح. ويتأكد ذلك من المواد 1-1-503 و 2-1-503 و 1-2-503 وهي مواد، أتت لتوسع مفهوم التحرش الجنسي، الذي هو وجه من أوجه العنف الذي تتعرض له النساء. لكن، ومن جهة أولى، فإنه من اللافت للنظر أن هذه القاعدة، وضعت في الباب المخصص لمحاربة الدعارة ، مادام أن الفصل 503 الذي اعتبر هو الأصل وتفرعت عنه المواد المشار إليها أعلاه ، يعاقب على فعل الدعارة. وأنه من المعلوم، أن الدعارة تصرفٌ مدان، وحاط بكرامة المرأة، فكيف يؤخذ كأصل وقاعدة، لمعاقبة التحرش، الذي هو عنف ضدها. لقد كان على المشرع، تنظيم معاقبة التحرش، خارج باب الدعارة، احتراما للمرأة المغربية ولكرامتها. ومن جهة ثانية، فإن المشرع أبقى على زواج القاصرات، ولم يعتبره عنفا، وسمح به عندما منع ، فقط ، الإكراه على الزواج باستعمال العنف والتهديد . في حين يعلم الجميع أن القاصرات يجبرن على الزواج، ليس بالعنف أو التهديد الجسمي، وإنما باستغلال حالة الفقر، والضغط النفسي، والعائلي، والذي لا يحدث أي أثر لا للإكراه و لا للتهديد. و من جهة ثالثة، فإن المادة 503-2-1 لا تعاقب من تزوج بالقاصر بالإكراه، وإنما تتوجه فقط ، لمن أكرهها على الزواج، مما يتعين تصحيح هذا الوضع الخطير، الذي سيفرضه قانون وزيرة التضامن و المرأة. فكان على مشروع القانون، أن يعاقب على الزواج من القاصرات و تزويجهم معا، و أن يكون واضحا في اعتبار تزويج أو الزواج من قاصر،هو عنف معاقب عليه، ودون اشتراط أي طرف آخر كيف ما كان. الملاحظة السادسة - أن مشروع القانون، اشترط في نفس المادة، لمعاقبة من يكره الغير على الزواج، باستعمال العنف والإكراه، أن يقوم المتضرر بتقديم شكاية به، أي أن تقوم القاصر أو البالغة بتقديم شكاية على أنها أُكرهت على الزواج ، بمعنى عندما يتم تزويج القاصر والدخول بها ، لأن الزواج لا يتم إلا بدخول الرجل بامرأته كما نعلم ، بعد ذلك على القاصر أن تتقدم بشكاية إلى النيابة العامة. و هذا قانون، لا يمكن أن يصدر عن عاقل و لا يحتاج إلى تعليق. بل إن مشروع القانون، ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن سحب الشكاية، يضع حدا للمتابعة . بينما كان على مشروع القانون، بالنظر لخطورة الفعل واهتمام المجتمع به، أن يعتبر العنف ضد النساء ، من النظام العام، و أن يلزم النيابة العامة على تحريك المتابعة، سواء قدمت لها شكاية أو لا. حقا، قد يقال بأنه إذا لم تشترط شكاية الزوجة، فإن ذلك سيؤدي إلى معاقبة الزوج، وتفتيت الأسرة، وغير ذلك من آثار المتابعة . لكن القانون المغربي أحدث مقتضيات تراعي تحمل الدولة مسؤوليتها تُجاه الضحية بدون الإضرار بالأسرة ، ومع ذلك لم تستخدمها وزيرة التضامن و المرأة في مشروعها. وبالفعل، فإن القانون الجنائي في فصول 143 و 144 و 145 ينظم ما يعرف بالأعذار القانونية، وهي آليات تجمع بين إدانة الفاعل، من أجل ما ارتكبه من أفعال ضارة بالمجتمع، ومنها العنف ضد المرأة، من دون أن يطبق عليه العقوبة . وهذه الآلية رادعة تمنع الزوج من العودة لتعنيف زوجته. أما اشتراط ، كما نص على ذلك مشروع القانون، أن معاقبة الزوج لابد فيها من شكاية الزوجة، وأن سحبها شكايتها، يوقف المتابعة، فإنه بالنظر للوضع الاجتماعي و العائلي للزوجة، خصوصا إذا كانت قاصرة ، فإنها ستضطر إلى إما الامتناع عن تقديم شكاية، أو سحبها بعد وضعها. وهو ما سيشجع على استمرار تعنيف النساء، و سيفرغ القانون من الهدف المشار إليه في عنوانه. غير أن هذه الملاحظة، لا تمنعنا من الإشارة إلى أن نص المشروع، يتضمن قواعد جديدة، هي في مصلحة المرأة، هي المواد 1-88 و 2-88 التي تنص على إجراء إبعاد المحكوم عليه، من أجل العنف، من الاتصال، سواء بعد الحكم عليه، أو حتى قبل الحكم، وهي قواعدُ جديدةٌ ومهمة. وكذا المادة 302 المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية، التي ربطت مبدأ سرية الجلسة بإرادة المرأة، التي لها أن تطلب أن تجري محاكمتها علنيا، ويطلع عليها الرأي العام، أو تطلب أن تجرى في سرية بدون علم أي كان. وكذلك المادة 7 التي منعت انتصاب جمعية كطرف مدني إلا بموافقة المرأة الضحية، لما فيه من حماية لها، لأن الأمر يتعلق بقضيتها هي، فلا يتصور أن تتدخل جمعية في دعوى، للدفاع عن ضحية امرأة، ضدا على رغبة هذه الأخيرة. هذه بعض الملاحظات، التي تبين أن مشروع القانون لم يرق إلى انتظارات المجتمع، لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، ما لم تتدارك الحكومة النقائص التي تضمنها.