مقال السارد: وضع المهدي مخطوط كتابه الاختيار الثوري لدى الناشر فرانسوا ماسبيرو ثم طار إلى جنيف تحت اسم الخلطي-المحامي بالقاهرة. لقد صار أكثر حذرا منذ لقائه الأخير مع هنري كورييل. والتقى مع برنييه في بهو فندق بريزيدان بحضور جورج فيكون وصديقة سويسرية. وسلمه برنييه رسالة من المخرج جورج فرانجي سطر فيها أهم عناصر سينوبسيس فيلم باسطا كما يتصوره.وقال المهدي بأنه سيقرأ ما هو مقترح و يخبر فرانجي مباشرة برأيه.ولم يعلق برنييه.وراح فيكون يتكلم –كعادته- باندفاع عن صديقته الكاتبة مرغريت دوراس.وقال -مركزا نظره على المهدي- بأنه هو فقط وقلة من أصدقاء الكاتبة الحميمين جدا يعرفون بأنها تتهيأ لإنجاز فيلم سيكون من تأليفها وإخراجها بعنوان موزيكا.وضحك في صخب وقال ونظره يزداد تركيزا على المهدي: موزيكا ، باسطا، أليست هذه مصادفة عجيبة؟ قال المهدي في هدوء: بالنسبة إلي فمارغريت دوراس هي أولا وأخيرا الكاتبة صاحبة التحفة العظيمة :سد ضد الباسيفيك. واعترض فيكون في اهتياج: وفيلم هيروشيما حبيبي الذي كتبت له مارغريت دوراس السيناريو والحوار ؟ قال المهدي في ذات الهدوء: هذا فيلم ممتاز.ولهذا أنا أثق في مارغريت دوراس ككاتبة للتعليق في فيلم باسطا.على أية حال، سأقرأ ما كتبه جورج فرانجي و أرسل إليه ملاحظاتي قريبا.وربما سأتصل بالسيدة مرغريت دوراس أيضا. وقرأ المهدي ما كتبه المخرج الفرنسي صاحب الفيلمين المشهورين: عيون بلا وجه و تيريز ديسكيرو ، وسجل أنه متفق من حيث المبدأ ، ولكن ثمة أفكار بعينها يلزم أخذها بعين الاعتبار في كتابة السيناريو.وشرع في سرعة محمومة يخط عناصر السيناريو كما يتصوره وجاءت الحصيلة في ثلاثين صفحة مختومة بقسم أخير عنوانه: و يبقى الكثير مما يلزم فعله. واقترح على الثلاثة (برنييه، فيكون، فرانجي) يوم 4أكتوبر في جنيف موعدا للقاء من أجل التعمق في دراسة المشروع. وخلال ذلك طار إلى هابانا ليعلن منها في ندوة صحفية،و باعتباره رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر تضامن القارات الثلاث ، انعقاد هذا المؤتمر في هابانا في الفترة ما بين 3 و10 يناير 1966. كان هذا في يوم 3 أكتوبر. وفي نفس اليوم قرأ فيديل كاسترو في راديو كوبا نص الرسالة التي تركها له الكوماندنتي إرنستو تشي غيفارا قبل اختفائه: » فيدل، كثيرا من الأشياء أتذكرها في هذه اللحظة: أتذكر اليوم الذي تعرفت فيه عليك عند مارية أنطونيا حيث اقترحت علي الانضمام للحملة؛كما أتذكر الحمى المرافقة لتحضيرات الحملة. لقد سئلنا ذات يومئذ عمن يتم إخباره في حالة الموت فصعقنا في العمق لإمكانية أننا قد نموت حقيقة. وفيما بعد،عرفنا أن هذا أمر حقيقي ،وأنه في حالة الثورة يلزم إما النصر أو الموت (هذا إذا كانت الثورة حقيقية).فرفاق كثر سقطوا على درب النصر. اليوم، صارت للأمر كله نبرة أقل دراماتيكية لأننا نضجنا أكثر؛ولكن الوقائع تتكرر.لدي انطباع بأنني أنهيت إنجاز الجزء المتعلق بالواجب الذي يربطني بالثورة الكوبية ،و بالتالي،أنا ألتمس منك ومن الرفاق ومن شعبك الذي هو الآن شعبي حق الاستقالة. إنني أستقيل نهائيا من وظائفي في إدارة الحزب،وأستقيل من منصبي كوزير،وأتخلى عن رتبتي ككوماندنتي وعن جنسيتي الكوبية.لا شيء قانوني يبقى يربطني بعد مع كوبا غير الروابط التي هي من نوع آخر والتي لا يمكن إلغاؤها كما تلغى الألقاب والدرجات.