حينما كنا بصدد البحث عن خصائص الكتابة المسرحية للأطفال ، واجهتنا صعوبات منهجية وابستيمولوجية ، تطلب منا الأمر الوقوف عليها بهدف التحديد و اتخاذ موقف خصوصا من الناحية النظرية . هذه الصعوبات حاولنا ترجمتها إلى تساؤلات كبرى تعكس في مجملها قضايا سيكولوجية وأدبية ، مازالت محط نقاش و جدال ، سواء من طرف الباحثين السيكولوجيين ، الذين يهتمون بمراحل نمو الطفل، وخصوصية كل مرحلة على حدة ، أو من طرف مؤلفي أدب الأطفال في جميع أجناسه الفنية و الأدبية {مسرح ، قصة، حكاية ، مقالة ، شعر ، أغنية ...}. تكمن أهمية طرح هذه التساؤلات في كوننا لا نملك إجابات محددة و دقيقة بصددها ( اللهم بعض المقاربات التي مازالت محط جدال خصوصا من الناحية الميدانية) ، و لا نعرف إلى أي حد يتوافق المنتوج الأدبي الطفلي المستهلك في جميع تجلياته ، مع حقيقة الطفولة المغربية وحاجياتها ؛ ذلك لأن الطفل عموما، لم تستطع الأبحاث و الدراسات المعاصرة ، توحيد رؤيتها و تصوراتها حوله ، و مازال اللاتجانس على مستوى نتائج البحث النفسي العلمي بارزا بشكل كبير عند اغلب المهتمين به ، مما يكشف صعوبة التعامل معه ، إن على مستوى الكتابة المسرحية و الأدبية أو على مستوى الاختيارات البيداغوجية المعتمدة داخل مدارسنا. و بناء على هذا المدخل كانت التساؤلات التالية : 1. هل نملك تصورا سيكولوجيا عن خصائص الطفل المغربي من الناحية النفسية و الاجتماعية و العقلية ؟. 2. و هل ثمة مراعاة لهذه الخصائص أثناء الكتابة المسرحية للأطفال؟. 3. من الذي يكتب للطفل ؟. 4. هل هو المثقف و الأديب المختص في الأجناس الأدبية ، أم العامل و الحرفي والفلاح ....الخ ؟ . 5. ما هي شروط الكتابة المسرحية للأطفال ؟. 6. ما هي الأقنية و الأدوات التي نعتمدها في الكتابة للأطفال ؟ هل هي الخوارق ، الأسطورة ، الخرافة ، الآنسة ، الكتابات الشعبية أم الواقع اليومي المعيشي بكل مواضيعه و أحداثه ؟.ما هي المنطلقات السيكولوجية التي نعتمدها أثناء الكتابة المسرحية للأطفال ؟ 7. و ما مدى استحضارها و الإقرار بمشروعيتها العلمية بالنسبة للطفل العربي والمغربي بشكل خاص؟ و في ضوء هذا التساؤلات الإشكالية يمكننا الاهتداء إلى المعالجات التالية التي لا نقر بحتميتها في الإجابة عن هو مطروح في مقدمة هذه الورقة: الإشكال الأول: نعتقد أن إشكالية مراحل النمو ومتطلبات كل مرحلة بالنسبة للطفل عموما و الطفل المغربي خصوصا ، تعتبر من الإشكالات الكبرى في مجال الدراسات السيكولوجية التي مازالت مطروحة حتى يومنا هذا، و لعل الندوة التي انعقدت بجنيف من طرف رابطة السيكولوجية العقلية سنة 1952 من القرن الماضي، كانت نقطة انطلاق لمناقشة قضية مراحل النمو . و لقد أثارها بشكل خاص «واستريت» عندما كلف من طرف منظمي الندوة ، لكي يقوم بجرد لعدد التصنيفات المقدمة حول مراحل النمو لدى الطفل، بحيث توصل إلى تكوين لائحة من واحد و ستين مرحلة زمنية ، ابتداء من الميلاد إلى سن الرابعة و العشرين . هذا التعدد الكمي على مستوى المراحل يبرز بشكل واضح تعددا منهجيا و مقارباتيا، و اختلافا كبيرا بين الباحثين السيكولوجيين الذين يهتمون بالأطفال و يبحثون عن خصائصهم البيولوجية والنفسية و العقلية و الاجتماعية و الجنسية، حسب الأعمار التي يمرون منها، و خاصية كل مرحلة على حدة، سواء من الناحية النفسية الاجتماعية أو الناحية العقلية و الخلقية و النفسية؛ وهذا الاختلاف في عموميته يطرح إشكالا كبيرا، لا بالنسبة للمربي الذي يتعامل مع الأطفال، وإنما أيضا بالنسبة لكاتب أدب الطفل ، الذي ينطلق هو الآخر افتراضا، من نتائج البحث السيكولوجي في مجال الطفولة أثناء مخاطبة جمهور الأطفال، سواء عبر القصة أو المقالة اوالمسرح و الشعر كذلك، لأن هناك علاقة جدلية بين المعطى السيكولوجي العام كإطار نظري و منهجي وبين أدب الأطفال. و إذا كان هذا الإشكال مطروحا بالنسبة للطفل الأوروبي و السيكولوجيين الغربيين الذين يعرفون مستوى جد متقدم في حقل سيكولوجيا الطفل والمراهق، فما نصيب هوية الطفل المغربي من هذا الإشكال المركب ، في ظل تخلف اجتماعي وتربوي وسيكولوجي، وهيمنة بعض الأحكام القدحية الملصقة بالطفل عموما من طرف الراشدين و الممارسين التربويين؛ و أيضا في ظل تخلف علمي امبيريقي في مختلف الحقول التي تنتمي لمجال العلوم الإنسانية، اللهم إذا استثنينا بعض المقاربات السيكولوجية ذات المستوى الأكاديمي، و التي تحاول – إلى حد ما – أن تحيط بالطفل المغربي و لكن من الناحية السوسيولوجية والأنثروبولوجية الثقافية فقط، وليس من الناحية السيكومعرفية والسوسيومعرفية. إن الطفولة المغربية على المستوى الدراسي و البحث العلمي مازالت متخلفة ومحاطة بغموض ولبس كبيرين، و هذا راجع بطبيعة الحال إلى قلة الأبحاث المنصبة على معالجة مثل هذه المرحلة الأساسية من مراحل الإنسان. الشيء الذي يجعلنا في مواقف متعدد نسقط في المقاربات العشوائية و الاختزالية، و في النمذجة السيكولوجية التي تنقلها لنا المراجع الأجنبية المهتمة بعلم النفس الطفل و المراهق، و تحمسنا و تأثرنا بها – إما كمدرسين و مربين أوككتاب حرفيين – يفضي بنا في وضعيات مختلفة و عديدة إلى أخذ موقع المستهلك لمعطياتها النظرية والميدانية ، مكتفين فقط بتعميمها على الطفل المغربي خاصة و العربي عامة بدون احتراس منهجي و تدبير عقلاني يراعي بشكل خاص مكوناته السوسيوثقافية و مقوماته النفسية و العقلية، الى جانب طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تطبع عليها خلال مساره الزمني البعيد المدى أو المتوسط المدى. مما يجعلنا عاجزين عن فهم هذا الطفل في عملنا التربوي المدرسي و في تعامللاتنا و علاقتنا الاجتماعية و البيداغوجية التي نؤسسها معه ، و في خطابنا الأدبي الطفلي من خلال إسهاماتنا المحتشمة في مجال الكتابة للطفل، لدرجة نفرض عليه نصوصا راشدية[ نسبة للراشد] موجهة في الأصل للكبار وليس الصغار، و هو ما يمكننا ملامسته في النصوص القرائية المقترحة في مكون القراءة والكتابة داخل البرامج الدراسية الخاصة بالسلك الابتدائي و الثانوي الإعدادي. يبقى التساؤل التالي مشروعا: · هل كاتب أدب الأطفال على وعي تام بهذا الأشكال ؟ · و هل استطاع أن يكون تصورا متكاملا عن حقيقة الطفل المغربي من الناحية السيكولوجية والسيكوسوسيولوجية و السوسيومعرفية؟ نعتقد انه في غياب تصور نظري واضح عن حقيقة الطفل بالنسبة لكاتب أدب الأطفال و عدم مراعاته للشروط النمائية التي تعرفها كل مرحلة معينة أثناء الكتابة، و ما تتطلبه هذه الشروط من عوامل اكتساب المهارات و العادات السلوكية بأنواعها المختلفة و المناسبة لكل مرحلة، لا يمكن لكاتب أدب الأطفال أن يرتقي إلي عالم الطفل الروحي و خياله السوسيولوجي على مستوى الخطاب، و على مستوى استحضار الكفاية اللغوية التي تناسب ادراكاته و تمثلاته، وأيضا تفهماته للمتن المروجة في هذا الجنس الأدبي. الإشكال الثاني: و يتعلق الأمر بكاتب أدب الأطفال: ما هي مواصفاته؟، ما هو مجال اختصاصه؟ و هل كل مثقف كيفما كانت طبيعة اختصاصاته مؤهل من الناحية الفنية للكتابة المسرحية للأطفال: [نقصد بذلك: الأديب و الشاعر و القصاص المختص في الأجناس الأدبية ككل والمربي و الفنان التشكيلي................؟. نرى من منظورنا الخاص أن الذي يجب أن يكتب للطفل ليس كل مثقف عاد متمرن على الإنتاج الكتابي بشكل عام، و إنما ذلك المبدع الذي: 1. يحمل تراكما معرفيا و مهاريا، 2. المؤمن بقضية الطفل كقضية وطنية واجتماعية بالدرجة الأولى، 3. المدرك لحقيقته النفسية والعقلية والاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية ؛ 4. الواعي باحتياجاته المعرفية والنفسية الاجتماعية و بمهارته اللغوية والثقافية وبخياله السوسيولوجي، 5. المحترم لواجباته و حقوقه، 6. المقتبس أيضا لما هو ايجابي في الثقافة الشعبية المستهلكة في الواقع المعيش والثقافة الشعبية العالمية ، 7. الوسيط بين ثقافي بين الطفل وعالم الخارجي الوطني و المحلي و العالمي؛ هذه بعض من المواصفات التي يجب أن يتحلى بها كاتب مسرحية الأطفال حتى يكون في مستوى البراكسيس و الممهنن لقيم الكتابة للاطفال. الإشكال الثالث: يخص، خصائص الكتابة المسرحية للأطفال من خلال تحليل: شروطها، قنواتها، عناصر بناء مسرحية الأطفال: بداية يعتبر المسرح المدرسي من المكونات البيداغوجية الراقية في تحقيق التعلمات لدى الفئات المستهدفة في منظومة التربية و التكوين، و في إكسابها مهارات حسية حركية راقية تفضي بهم إلى تشخيص مجموعة من الأدوار الأساسية القائمة سواء في صلب الواقع الاجتماعي او في إبداعاته السوسيولوجية. و لقد أثبتت مجموعة من الدراسات السيكولوجية بأن اللعب بالأدوار والتمثيلات الاجتماعية [السوسيودراما و السيكودراما] يعد من الأساليب الفعالة في معالجة بعض المشكلات النفسية الاجتماعية لدى الأطفال[ مثل الانطواء والتلعثم، والخجل و غيرها من الحالات النفسية والاجتماعية]، وإمكانية بيداغوجية لبناء تفاعلات وتواصلات نفسية اجتماعية بين أعضاء جماعة الفصل، تتيح له تجاوز ثقافة الصمت التي يحكمها العنف الرمزي المفروض عليه، و التحرر من عملية مدرسة فكره وتنميطه بقوالب جاهزة لا تستجيب في الغالب لاحتياجاته و تطلعاته المستقبلية، و رهاناته في بلورة مشروعه الذاتي إن على المدى البعيد او المتوسط. و بذلك وجب على كاتب أدب الأطفال في جنسه المسرحي كنموذج، ان ينتقي مواضيع الاشتغال المناسبة لتفتيق مواهب الطفل باقتراح مشاريع عمل مناسبة و هادفة تصطلي بحسه الإبداعي في التمثيل و التشخيص لمواقف نفسية اجتماعية تحرره من نمطية التلقي السلبي للسلوكات المنمذجة و التنميطية الى تصرفات لها علاقة بكفايات الحياة المعيشية. * أستاذ علوم التربية بالمركز التربوي الجهوي محمد الخامس بأسفي