حذر تقرير جديد للمجلس الأعلى للحسابات من ارتفاع مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية خلال السنوات الخمس الأخيرة، واعتبر أن ذلك يشكل تهديدا خطيرا للمالية العمومية، وأن مستوى الديون المفرطة الذي بلغته هذه المؤسسات يشكل مصدر هشاشة للقطاع العمومي بأكمله. واوضحت بيانات التقرير الذي صدر أول أمس أن مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية شهدت منذ 2012 (سنة تولي الحكومة الحالي) إلى 2015 ارتفاعا ب 40.7 في المائة، حيث اقترضت هذه المؤسسات خلال هذه الفترة الوجيزة ما يفوق 71.2 مليار درهم ، بعدما قفزت من 174.6 مليار درهم إلى 245.8 مليار درهم. ويأتي مبعث قلق المجلس الأعلى للحسابات من تفاقم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية من كون خزينة الدولة هي الجهة الضامنة لهذه القروض، وذلك لالتزام ميزانية الدولة بتحمل أقساط الديون المضمونة في حالة عدم قدرة بعض هذه المؤسسات على سداد ما بذمتها. علما بأن الديون المضمونة من طرف الدولة ناهزت 105 ملايير درهم . وكشف التقرير المعنون "قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة" أن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يتربع على رأس قائمة أكثر المؤسسات العمومية مديونية بديون تفوق 56.8 مليار درهم، متبوعا بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط الذي وصلت مديونيته إلى 54.7 مليار درهم ، بينما ناهزت ديون الشركة الوطنية للطرق السيارة سقف 40 مليار درهم . أما صندوق الإيداع والتدبير، الذراع الاستثماري للدولة ، فيرزح تحت ديون تقارب 25 مليار درهم، وهو تقريبا نفس المستوى الذي بلغته مديونية المكتب الوطني للسكك الحديدية 24 مليار درهم.. ورسم التقريرصورة قاتمة للوضعية المالية لغالبية المؤسسات والمقاولات العمومية ، فمن أصل 256 مؤسسة ومقاولة عمومية فإن عددا ضئيلا منها فقط يحول أرباحه لفائدة خزينة الدولة ، كما أن مجموع هذه المقاولات التي تشغل حوالي 130 ألف أجير وإطار تنفق 30 مليار درهم على أجور موظفيها. وباستثناء مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الايداع والتدبير وحصة الدولة في اتصالات المغرب التي تعود بربحها على الخزينة العامة، فإن معظم المؤسسات والمقاولات العمومية لا تجني منها الدولة أية أرباح مالية ، إذ تشكل كل من CDG وOCP و IAM وحدها 84.4 في المائة من عائدات الدولة من هذا القطاع. بينما لا يساهم باقي النسيج المكون للمؤسسات العمومية بأي مبلغ في الخزينة ، وعزا التقرير ذلك إما لضعف المخططات المعتمدة من قبل هذه المقاولات العمومية أو لتكبد بعضها الأخر لنتائج سلبية .. أما بالنسبة للمؤسسات والمقاولات العمومية الكبرى التي تأخذ ولا تعطي لخزينة الدولة، فذلك راجع إما لوجودها في مرحلة إعادة الهيكلة ، كما هو الشأن بالنسبة للمكتب الوطني للماء والكهرباء وشركة الخطوط الجوية الملكية، أو لتكليفها بإنجاز استثمارات ضخمة تفوق إمكانياتها كما هو الحال بالنسبة للمكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للمطارات و شركة الطرق السيارة بالمغرب ووكالة الموانئ.. وذكر التقرير أنه باستثناء شركة اتصالات المغرب التي تملك فيها الدولة حصة 30 في المائة وتعود عليها بالأرباح فإن معظم أسهم الدولة في جميع الشركات والمؤسسات الأخرى لا تجني منها أي درهم. وفي هذا السياق تساءل التقرير عن جدوى إحداث مؤسسات عمومية تفتقد إلى موارد ذاتية. ودعا إلى توفيرإطار يحدد شروط وطرق إحداث مؤسسات عمومية جديدة، وذلك من خلال إنجاز تقييم مسبق لمدى ملاءمة واستدامة النموذج الاقتصادي والمالي، يكون بمثابة مرجعية لخلق هذا الصنف من المؤسسات. من جهة أخرى نبه التقرير الى المخاطر التي تحدق ببعض المؤسسات العمومية بالنظر إلى طبيعة نشاطها أو ظروفها الذاتية. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص، بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للسكك الحديدية والشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب والخطوط الملكية المغربية ومجموعة العمران.