سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أول كتاب من داخل التجربة .. 8

الكتابُ الذي ننشر ترجمته الكاملة إلى العربية هو- كما أراد له صاحباه (حبيب المالكي ونرجس الرغاي)- ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم.
ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ!
كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع التمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي.
o الأستاذ حبيب المالكي، كرّرْتَ القول بأنّ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يستفدْ من مشاركته في الحكومة. وقلتَ بأنّ الحزب قد استثمر في الحكومة، لكنه لم يستثمر في المجتمع. ماذا يعني عمليّا هذا الكلام؟ هل معنى ذلك أنّ الاتحاد الاشتراكي فوْر دخوله إلى الحكومة انفصل عن قواعده وهياكله؟
n حين شاركنا في حكومة التناوب، كنّا قد اتخذنا قرارا تاريخيا وشُجاعا انطلاقا من الحسّ الوطني. غيْر أنّ ذلك لمْ يكن ينْدرج ضمن استراتيجية شمولية تجعل من الحزب وتنظيماته الموازية فاعلا رئيسيّا وجوهريا يضْمن استمرارية التجْربة ونجاحها.
كان ثمّة، في الواقع، نوع من الطّلاق الفعلي ما بين الحزب والحكومة. وحتى نحن، بصفتنا مُمثّلين للحزْب داخل الحكومة، لم يكنْ هناك تنسيق فيما بيننا حول الملفّات الهامة. كان الأمر يقتصر على رؤية بعضنا البعض من أجْل تبادل بعض المعلومات، بدون مناقشة، داخل الحزب، وبدون أنْ نجعل من الاتحاد الاشتراكي جزءا لا يتجزّأ من هذه السْيرورة الصعبة والمعقّدة لكيْ يغدوَ عنصرا لا محيد عنه.
o وإذن، فكما لو كان الأمر يتعلق بوجود الحزب في ناحية، ووجود الوزراء الاتحادييّن في ناحية ثانية؟
n والتجربة من ناحية أخرى! كان ينبغي في الحقيقة خلقُ ومدّ الجسور، والتوجّه نحو نوع من سلوك منهجية انصهارية لكي يغتني الحزب من التجربة. ولكيْ يدشّن مرحلة جديدة عبر الانتقال من حزب للمعارضة إلى حزب حقيقيّ للحكومة.
o تحدّثنا كثيرا عن الرأي العامّ، وعن الصحافة، وعن الدّعم. هناك شيء ما يثير في هذه التجربة، تجربة التناوب التوافقي: ألا وهو صمت المثقّفين، وعدم انخراطهم في هذا المسلسل. ذلك أنّ المغرب وانتقاله الديمقراطي لم يحظيا أيضا بحركة «لاموفيدا»1، تلك الحركة الثقافية التي ساندت الانتقال الديمقراطي في إسبانيا. كيف تنظرون إلى هذا الصمت المُريب؟
n ينبغي التدقيق في هذا القوْل، لأنّ المثقفين المنْضوين في «اتحاد كتاب المغرب»، والذي كان على رأسه آنذاك الاتحادي حسن نجمي، دافعوا بكل ما أوتوا عن التناوب. ومن ثمّ، فقد لعب اتحاد كتاب المغرب دورا هاما في هذا الاستصلاح للحقل الثقافي. ولا زلتُ أذكُرُ بأنّ مؤتمر اتحاد الكتاب، الذي انعقد في نونبر 1998، كان قد أصدر بيانا يعبّر فيه عن دعْم أعضائه لتجربة التناوب.
o صحيح أن هناك أصواتا خلُدت للصمت، أو عبّرتْ عن رأيها بصورة نقدية، بلْ وعنيفة في بعض الأحيان. هل تفكّر في حَدَث بعيْنه؟
n لا، ليس بالضبط. إنها أسماء نكنّ لها كل الاحترام، ولا داعي لذكر اسمائها. من جهتي، كنتُ أتمنى لو تعبّأ المثقفون بأعداد كبيرة، وبصيغ أقوى وداعمة، لأن الأمرَ كان بتعلق بظرفيّة تاريخية واعدة بالأمل.
إنّ جميع تجارب التناوب التي لا تحظى بدعم ومساندة المثقفين تكون فاقدة للروح.
o ماذا جرى إذن؟ هل كان يخامر هؤلاء الفاعلين الثقافيين، هؤلاء المثقفين، شعورٌ بأنهم غير معنييّن؟
n لقد تغيّرت النخبة، وتغيّرت موجّهاتها. ينتابني شعور بأنها باتتْ أسيرة لقراءة قدَرية للتاريخ، تعتبر أنْ لا شيء يمكن أن يتغيّر. ليس هذا هو التغيير. والمشكل نفسه يُطرح اليوم بالنسبة لمشروع بناء مغرب جديد، بناء مجتمع حديث وديمقراطي ومتضامن. هناك نوع من التباعد ما بين هذا المشروع وبين المثقفين المغاربة.
هلْ تكتسي هذه الظاهرة صبغة عالمية؟ غداة الاستقلالات السياسية، وخلال الخمسينيات والستينيات، بقدر ما كان التزام المثقفين عضويّا ومنخرطا في كل ما من شأنه تحريك المجتمع، بقدر ما نلاحظ اليوم بحثّ الناس عن مواقع جديدة ليست دائما في مصلحة التغيير.
o لكنْ، أَلَمْ تقلْ كذلك بأن الأحزاب، وفي مقدّمتها الاتحاد الاشتراكي على وجه الخصوص، لم تعرف كيف تخاطب، ولا كيْف تكسب مثقفي هذه البلاد؟
n معظمُ مثقفينا عاشوا تجربة الحزب. وربما لمْ نعرف كيف نطوّر ولا كيف نلائم العلاقات التي من شأنها أن تجعلهم ينخرطون ويشعرون بكونهم معنييّن، وإشراكهم فيما كان يقوم به الاتحاد الاشتراكي. أعتقد بأنّ المسؤولية مشتركة.
o أنتَ تتحدث عن النخبة المغربية التي تغيّرت ولم تعدْ معنية. ويشعر المرء بأن هذه النخبة تفضّل النقاش الحاد داخل الصالونات بين الدار البيضاء والرباط، جاعلة منها انشغالها المفضل تقريبا. هل تعتقد بأن نخبة هذه البلاد لاتنخرط في التغيير، أو لا تنخرط فيه إلا بنسبة ضئيلة؟
n إن المحاكمة التي تعرّضت إليها الأحزاب السياسية قد تركتْ آثارها ونُدُوبَها، وأفرزتْ ثقافة جديدة قوامها: لا يمكن الانطلاق إلاّ خارج الهياكل الحزبية. لقد تغيّر مفهوم الالتزام كثيرا، وإذا كان ثمّة تراجع ما، فهو في جزء كبير منه نتيجة لإعادة النظر من طرف النخبة في ماضيها، غير أنها، رغم ذلك، إعادة نظر تفتقر إلى اسْتشراف المستقبل.
لقد ظلت نخبتنا نخبة تنظر أكثر في المرآة العاكسة. فهل تسعى إلى أن تستمدّ منها مشروعية ما؟ أقول بالأحرى أنه ينبغي تأسيس شرعية جديدة من خلال النظر إلى المستقبل.
o لنرجعْ إلى الدعم المقدّم أو غير المقدّم إلى حكومة التناوب، التي كان يسيرها عبد الرحمان اليوسفي. ما رأيكم في الدور الذي لعبته وسائل الإعلام العمومية؟ هل صاحبت هذه الأخيرة التجربة ؟ هل ساندتها أم أعطتها الحق الذي تستحقه في الظهور؟
n بصورة غير كافية. لقد كانت وسائل الإعلام تتصرف بحسب الحاجة. وفي الحقيقة، لم تكن هناك استراتيجية سمعية بصرية حقيقية تسمح بنقل الرسالة.
o والخطأ خطأ من؟
n القطاع السمعي البصري هو القطاع الذي كان ينبغي تغييره. فهو قطاع يتزحلقُ دائما. بلْ أقول إنه الفضاء الذي يجب إعطاؤه الأوْلوية في التغيير. إنّ نجاح أية سياسة اليوم رهينة بوسائل الإعلام. ومن ثمّ، فهي واحدة من بين أهمّ الحدود التي تفسّر ما حَصَل فيما بعد.
o في نظرك، ما السبب الذي جعل عبد الرحمان اليوسفي لا يجرؤ على المساس بوسائل الإعلام العمومية. فهلْ كان يعتبر حقلَ السمعي البصري حقلا محفوظا ؟ أمْ أنه لم يرغب في الذهاب أسرع، ولا يحرج أكثر؟
n من المؤكد أنه كانت هناك تراتبية داخل رأس اليوسفي، وهي تراتبية تستند إلى البرنامج الحكومي الذي صادقَ عليه البرلمان. ويبدو لي أنّ الوزير الأوّل كان يشتغل على مستوى الامتداد الزّمني. ولمْ يخطر بباله أبدا بأنّ مهمته سوف تنتهي بنهاية ولاية واحدة، لأن التناوب هو لتحقيق الانتقال الديموقراطي. كان الأمر يتعلق بتجميع الشّروط بهدف الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الديموقراطي، هذا على أية حال هو ما كان ينبغي أن يتمّ سنة 2002.
وأعتقد جازما بأنّ 2002 كانت منعطفا داخل المنعطف. فانْطلاقا من هذا التاريخ، حَدَثَ شرْخ في مسار اليوسفي بصفته أحدَ مهندسي التناوب.
o نحن الآن في 23 يوليوز 1999، جاء خبر وفاة الحسن الثاني، أين كنتَ في هذه اللحظة بالضبط ؟ وفيما فكرتَ مباشرة فور الإعلان عن وفاة الملك؟
n كنتُ في مدينة خريبكة في إطار تطبيق برنامج محاربة الجفاف. هذه الذكرى لا تُنسى. كان يوم جمعة، وجاء عندي عامل الإقليم ليخبرني بوفاة الحسن الثاني.
o فيما فكّرْتَ في هذه اللحظة بالذات؟
n فكّرتُ في شخصيْن اثنيْن: في محمّد بن الحسن، الذي أصبح ملكا، وفي عبد الرحمان اليوسفي.
ينبغي التذكير بأنّ وفاة الحسن الثاني جاءتْ بعد مرور 15 شهرا على تحقيق التناوب، أي أنه بالكاد انطفأت الشمعة الأولى لهذه التجربة الجديدة.
بعد ذلك، عدتُ أدْراجي مباشرة إلى الرباط، وتوجّهت نحو مقرّ الوزارة الأولى لرؤية عبد الرحمان اليوسفي، فوجدته جدّ متأثر، صامتا ونظراته متوقّدة. كنت مقتنعا بأنه في تلك اللحظة كانَ يفكّر في الزّيارة التي كان قد قام بها إليه الحسن الثاني من قبلُ، بأحد مستشفيات الرباط، إثر إصابته بنزيف في الدماغ. ومن المرجّح أيضا أنه كان يتساءل عمّا إذا كان رحيلُ أب التناوب سيضع حدّا لحكومة التناوب.
في هذه الجمعة 23 يوليوز 1999، كانت هناك الأسئلة والاستفهامات في ذهْن الوزير الأوّل أكثر مما كانت الإجابات.
o هل كانتْ هناك حشود في الوزارة الأولى؟
n كلاّ، التقيتُ داخل مكتب اليوسفي بأحمد الحليمي وفتح لله ولعلو؛ وتوجّهنا نحو القصر الملكي من أجل تقديم التعازي إلى الملك الجديد، ومَكَثْنا هناك إلى حلول الليْل.
o وكيف عشتَ لحظة البيعة التي قُدّمَتْ إلى الملك الجديد، مع العلم أنه جرى تحديث «البيعة» لأنها أصبحت بيعة مكتوبة. كيف عشتَ كل هذا في 23 يوليوز 1999 ؟
n لقد كانتْ لحظة مَهيبة ومؤثّرة. إنّ التاريخ يقوم باختيار فاعليه، كما يختار، بين الفيْنة والأخرى، الظروف المواتية. رأيتُ اليوسفي يوقّع، بصفته الوزيرَ الأوّل، ميثاق البيعة أمام ملك شابّ، محمد السادس، هذا في الوقت الذي كان فيه أحدَ الذين رافقوا محمد الخامس، وأحدَ معارضي الحسن الثاني! كان ثمّة أمْر ما في غاية الرّمزية، أمر تنبّأ بالعهد الجديد، أيْ بنوع من الاستمرارية على أُسُس جديدة. فكما لوْ أن التناوب ساهم في جعْل انتقال الحكم سلسا داخل الانتقال الديمقراطي.
لقد كان الحسن الثاني كرجل دولة كبير، ينطوي على حسّ للتاريخ من خلال نجاحه في برْمجة التاريخ. وبقدر ما كانتْ وفاته مفاجئة وسريعة، بقدر ما كان كلّ شيء مرتّبا له لخلافته. لقد مرّ كل شيء بدون أدنى اصطدام، ولا أدنى احتكاك، بلْ بالأحرى في سياق تاريخي جديد، ومشجّع على الوحدة الوطنية وعلى الالتحام الاجتماعي. ما أريد أنْ أقوله لك هو أنّ كلّ شيء كان يحمل على الاعتقاد بأنّ الحسن الثاني قد أوْكَلَ بالمَلَكية ليس فقط إلى الوَريث الطبيعي للعرش، بل كذلك إلى القوى الوطنية الديمقراطية الأساسية.
o ربما هذا هو الميثاق الذي كان يشير إليه عبد الرحمان اليوسفي؟
n ربما، لكنْ لم يعبّر عن ذلك صراحة.
o مساء ذلك اليوم، وفوْر الإعلان عن وفاة الحسن الثاني، انتاب الكثير من المواطنين المغاربة خوف شديد، فقد أصاب المتاجر الكبرى ومحطّات البنزين الخ، هَلَعٌ كبير كما لو أنّ أمْرا ما سوف يقع. اليوم، وبعد مرور الوقت، كيف تفسرُ هذا الخوف، مع العلم فعلا أنه لمْ يقع أي شيء؟
n المغاربة ينسوْن بأنّ الملك هو إنسان قبل كلّ شيء، وإذا كان الحسن الثاني خالد على الصعيد التاريخي، فإنّ لكلّ شيء نهاية. الناس لمْ يكونوا يتوقّعون ما حصل. وقد كان الخبر قاسيا، قاسيا قساوة الفراغ الذي يمكن أنْ يخلّفه ملك كبير.
غير أنّ الشعب المغربي قد برْهَنَ على نُضج كبير. ولذلك، فقد جرت عملية انتقال المُلك بطريقة في غاية السّلاسة، وهنا تكمن مرّة أخرى في الحقيقة رسالة كبيرة تذكّرنا بأننا شعب متأصّل، شعب له ذاكرة وعُمْق تاريخي.
لقد كانت مراسيم جنازة الحسن الثاني مراسيم عالمية بالنظر إلى نوْعية وتمثيلية الملوك، وقادة الدول، ورؤساء الحكومات، وطبيعة الشخصيات السياسية، وشخصيات أخرى كانت حاضرة. وحتى الشعب بدوْره اجتاح مدينة الرباط، نساء ورجالا وأطفالا جاؤوا مشْيا على الأقدام من مختلف المدن المغربية.
لقد تمّ تأمين مستقبل التناوب بواسطة ميثاق البيْعة الذي شارك فيه اليوسفي.
o في ذلك المساء، قمتَ بتقديم التّعازي إلى محمد بن الحسن، الملك الجديد. كما وقعتَ ميثاق البيعة. فمن رأيت مساء ذلك اليوم، 23 يوليوز 1999؟ هل رأيتَ الابن الحزين الذي فقد والده للتوّ ؟ أمْ الملك الجديد الذي كان يستعدّ للإمساك بمقاليد الحكم ؟ ما هي الانطباعات الأولية التي شعرتَ بها، علما بأنّ وليّ العهد، محمد السادس، ظل لمدة طويلة مبعدا عن شؤون الدولة؟
n ابنُ الأب، أيْ الإنسان قبل كلّ شيء، وبعيدا بطبيعة الحال عن مسألة خلافة الأب، فَلَبَاقَتُهُ الكبيرة لم تكنْ تحجُبُ تأثره الشديد وحزنه. ولكنه كان واعيا بالحمْل الجديد الذي أخذه فجأة على عاتقه. وقد حرص على أن يستقبل، بكلّ لطف واحترام، جميع الشخصيات التي جاءت لتقدّم تعازيها.
o خلال الساعات التي تلتْ وفاة الحسن الثاني، ألقى محمد السادس أوّل خطاب للعرش. فهلْ كان هذا الخطاب، في رأيك، إعلانا عن عهد جديد، وطريقة جديدة في التسيير؟
n بكل تأكيد. إنّ محمّدا السادس ينتمي إلى جيل جديد، والاستمرارية لا يمكنها أنْ تنجح بدون تغيير. وقد كشفتْ تجربة السنوات الموالية عن شخصيته الحقيقية: رجل حداثيّ يؤمن بمزايا وفضائل الديمقراطية. وهو الملك الأوّل للقرْن الواحد والعشرين، وهو القرن الذي يعتبر قرنَ ما بعد الحداثة بالنسبة للبلدان التي بلغتْ مستوى من النُّضج جد متقدم، وكذلك قرْن الدخول في الحداثة بالنسبة لغالبية البلدان في العالم، ومن بيْنها المغرب.
إنّ محمّدا السادس هو حامل لأَمَل جديد لمغرب جديد، من خلال رؤيته ومنهجيته وخطاباته، وكذلك من خلال مبادراته الميْدانية. لقد جدّد ثقته في حكومة التناوب، ومن ثمّ أكد إرادته في جعل بداية عهده تنخرطُ في في الانتقال الديمقراطي. ومنذ هذه اللحظة ونحن مقتنعون بأنه، في الحقيقة، مدافع عن فلسفة جديدة للحكم، ومدافع عن عن منظور جديد للسُّلطة. وقد قام بسلسلة من المبادرات- مهْما تكن النتائج التي أفضتْ إليها- وذلك من أجل ردّ الاعتبار للمؤسسات التمثيلية، وبالأخصّ اعتبار الهدف النهائي هيَ كرامة المواطن المغربي.
خُلاصة الأمر، أقولُ بأنّ محمّدا السادس هو ملك المُوَاطَنة الجديدة. لماذا؟ الأمثلة كثيرة جدا: تأهيلُ حقوق الإنسان، إنْصافُ المرأة المغربية، إنصافُ الطفولة والمعاقين، ومصالحةُ الدولة مع المجتمع، التي هي حَدَث بارز في التاريخ السياسي لمغرب اليوم. إنه موجز تاريخي في سنوات قليلة. وأظنّ أن مفهوم المواطنة الجديدة سيترك بصمته فيما يتعلق بتحوّل أسرع لنظامنا السياسي.
o بالضبط، لقد كان هذا هو السؤال الذي كنت أودّ أنْ أطرحه عليك. أمام هذه المواطنة الجديدة، أمام هذا الملك الجديد الذي اعتمد منهجيات جديدة، ومقاربات جديدة، أليس من خيار آخر أمام الأحزاب السياسية سوى التلاؤم مع محاولة تغيير الذات؟ وما هي الأشياء التي يجب على الأحزاب تغييرها؟ وداخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ما هي الأمور التي ينبغي أن تتغير؟
n لم يعدْ دوْر الأحزاب السياسية اليوم هو ذلكَ الدور الذي كانتْ تلعبه في الماضي؟ لنأخذْ مثال الاتحاد الاشتراكي، مع ما قدمنا من مطالب، وما خُضناه من صراعات في جميع الميادين. فنحن اليومَ نجد أنفسنا، بنسبة كبيرة، حتى لا أقولَ بشكل كليّ، في الخطابات والمبادرات التي يقوم بها الملك في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والمؤسّساتية. بلْ حتى المسألة الأمازيغية اعتمدها كبُعد من أبعاد شخصيتنا.
يلزَمُ إذن أسلوب جديد، وخطاب جديد، ومقاربة جديدة لكي تتحَرّك الأحزابُ، وتلعبَ دورها كفاعلة لها مصداقية داخل المجتمع المغربي.
الملاحظ كذلك أنه في عهد محمد السادس تمّ إقرار قانون للأحزاب السياسية. هل هي طريقة تطلبُ الدولةُ، من خلالها، من الأحزاب السياسية تغيير طريقة عملها، وتحقيق الديمقراطية الداخلية، وأن تكون أجهزة حديثة؟
إنه قانون نوقش بشكل واسع، وصُودق عليه بالإجماع من طَرَف البرلمان. وهي وسيلة لتحديث جميع المؤسسات في المغرب. وأعتقد بأنّ الأحزاب، المتأخرة بطريقة اشتغالها، وتجذّرها في المجتمع، ومن خلال مشاريعها المجتمعية، مطالبةٌ بالإقدام على هذا التأهيل الذي يهمّ أيضا مسألة الشفافية.
ونحن بطبيعة الحال جزْء من هذا المشروع الذي يتطلب الكثير من الوقت. والاتحاد الاشتراكي اليوم بصدد البحْث عن وضع جديد داخل المجتمع المغربي. لقد تمّتْ تلبية مختلف مطالبنا في العديد من القطاعات. واليوم، لقد حانَ الوقت للانكباب فعليّا على جيل جديد من المطالب لكيْ يتمكن الحزب من توسيع مساحته، ومن تعبئة شرائح اجتماعية جديدة.
o هل هي طريقة للقوْل بأنّ القانون وحده ليس كافيا للمساهمة في تغيير الأحزاب السياسية وطريقة اشتغالها. وطريقة للقول بأنّ النص ليس هو الكفيل بتغيير النظام السّياسي المغربي؟
n التّغييرُ لا يُمْلى من فوْق. لذلك فمن المفْروض على التنظيمات السّياسية الحقيقيّة أنْ تتلاءم مع القاون الجديد، وبالتالي فإنّ التطبيق التدريجي لهذا القانون من شأنه أن يقود لا محالةَ إلى الوضوح، وإلى هيْكلة جديدة تجْعل الحقل السياسي ذا مصداقية.
1 أثناء فترة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، بعد نهاية الاستبداد بوفاة فرانكو سنة1975، برزت حركة ثقافية وفكرية تحررية تسمى La Movida قادها الشباب المثقف من أجل ترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية بشكل نهائي. (المترجم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.