احتضنت المكتبة الوطنية ، مؤخرا، ندوة حول موضوع « موقع فضاءات الطفولة والشباب في السياسات العمومية « في إطار البرنامج الوطني الثقافي لجمعية الشعلة للتربية والثقافة ، الذي أثار مجموعة من الإشكالات الثقافية والتربوية من أجل استفزاز الأسئلة والممكنات بشكل مسؤول حول القضايا التي تشكل قلقا متجددا للفاعل المدني باعتباره الوسيط بين المجتمع و مؤسسات الدولة و القادر على رصد الانعكاسات الإيجابية و السلبية للسياسات العمومية على المجتمع بمختلف فئاته من موقع القرب و الاشتغال اليومي من داخل المجتمع. تمظهرات القلق بالنسبة لسعيد العزوزي، نائب الكاتب العام لجمعية الشعلة، تكمن أهمية الموضوع في الأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات في التنشئة الاجتماعية و تأطير الطفولة والشباب، و التربية على المواطنة وحقوق الإنسان وقيم التعدد والاختلاف مع إطلاق الإمكانيات الفردية وتحفيز قدراتهم الإبداعية. وباعتبارها كذلك مؤسسات تساهم إلى جانب مختلف الهيئات الحكومية والمدنية، في بناء مغرب المستقبل و التنمية الشاملة و المشاركة في التدبير والتسيير وإرساء ثقافة الحكامة. إلا أن الواقع ، حسب المتدخل، يؤكد أننا اليوم أمام سياسات قطاعية متناقضة و متنافرة أحيانا كثيرة، مما يضفي المزيد من الضبابية حول الأفق الحالم الذي ما فتئت تبشر به الجهات الرسمية حول مستقبل الطفولة المغربية حيث تتبدى الاختلالات التي يتخبط فيها قطاع التعليم و الأسرة و الطفولة و التكوين المهني مع تراكم أفواج المعطلين و انسداد الأفق أمام فئات كانت إلى الأمس القريب في منأى عن الاحتجاج كالأطباء.هذه الصورة المقلقة، حسب العزوزي، مردها لكون الدولة اليوم عاجزة عن فهم عمق التحولات المجتمعية التي تفرض عليها مزيدا من الاهتمام بمطالب المجتمع المدني الذي ما فتئ يدق ناقوس الخطر منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ، حيث بدأت الدولة تستقيل، منذ شروعها في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، من العديد من القطاعات الاجتماعية الموكولة لها كتربية الطفولة و تكوين الشباب و بناء السياسات المندمجة الكفيلة بتأهيلهم للاندماج المجتمعي بما يتناسب و شروط التنمية الشاملة. المتدخل تساءل ختاما عن وجود خيط ناظم في السياسات العمومية الخاصة بفضاءات الطفولة و الشباب من حيت موقعها كمؤسسات تعنى بدعم مسار التنمية البشرية، وعن وضعية فضاءات الطفولة و الشباب كمؤسسات لها أدوار أساسية في التربية و التكوين و التأهيل المجتمعي لفئات الطفولة و الشباب، وعن أشكال تمثل مختلف المتدخلين لمؤسسات الطفولة و الشباب كمرافق وفضاءات عمومية على المستوى القانوني، وعن حدود مساهمة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية في دعم مؤسسات الطفولة و الشباب في إطار سياسة القرب التي تعد من أولويات الجماعات المحلية المسؤولة عن التنمية الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية . مسؤولية مشتركة نور الدين بكاج، ممثل وزارة الشباب و الرياضة، أوضح بأن وزارة الشباب و الرياضة جزء من منظومة حكومية مكونة من عدة قطاعات، و بالتالي فمسألة فضاءات الطفولة و الشباب تعد القاسم المشترك بين عدد من القطاعات يتحمل كل حسب اختصاصه جانبا من المسؤولية في تنميتها و العمل على دعمها و توظيفها بالشكل الذي ينسجم و سياستها القطاعية التي تنصهر في السياسة العامة للحكومة . كما أكد بأن وزارة الشباب و الرياضة تتوفر على استراتيجيات متعددة للاهتمام بمختلف الفضاءات التابعة لها كالمخيمات الصيفية و دور الشباب و مراكز الاستقبال و الأندية النسوية في ظل ضعف الإمكانيات المالية حيث لا تتعدى ميزانية الوزارة نسبة 0.07 % من الميزانية العامة للحكومة، الشيء الذي ينعكس على الموارد البشرية و اللوجستية، إذ لا تتوفر الوزارة إلا على أقل من 4000 موظف و موظفة موزعين عبر التراب الوطني. بكاج اعتبر المبادرات و البرامج التي تقدمها الوزارة ذات جاذبية كالعطلة للجميع و انفتاح دار الشباب على محيطها الاجتماعي و الثقافي . كما أكد على أن الجمعيات التربوية شريك أساسي للوزارة في تنفيذ السياسات العمومية داعم لمبادراتها من خلال البرامج و الأنشطة السنوية والقوة الاقتراحية. توحيد الجهود محمد النحيلي، رئيس جمعية بدائل، تساءل حول غياب النسيج الوطني للدفاع عن مؤسسات الطفولة و الشباب الذي انخرطت فيه الجمعيات فيه و كان يفترض أن يقدم تجربته و حصيلة عمله في الدفاع عن العديد من المؤسسات التي أرادت الوزارة تفويتها للخواص و حرمان أبناء الشعب منها. مؤكدا على الحاجة إلى آلية لرصد الهجوم على فضاءات الطفولة و الشباب إما عن طريق التفويت أو الإهمال المؤدي لتخليها عن وظائفها من أجل استغلالها في وظائف جديدة. النحيلي أشار إلى ضرورة ملاءمة فضاءات الطفولة والشباب مع التحولات الآنية والمستقبلية التي تعرفها احتياجات واهتمامات الأطفال والشباب، داعيا القوى الوطنية الديمقراطية إلى توحيد الجهود حتى يكون لها صوت واحد خاصة أن الوزارة الوصية على القطاع لم تعرف استقرارا منذ نشأتها، فهي تارة مديرية و تارة كتابة الدولة للشباب و وزارة للشبيبة و الرياضة و وزارة للشباب و الرياضة، علما بأن كل وزير يجبّ ما قبله و يبدأ من الصفر، مما يفقد القطاع الانسجام و الاستمرارية و يبدد تراكمات الوزارة. النحيلي نبه إلى قيام الوزارة بأنشطة تدخل في صلب مهام الجمعيات و كأنها جمعية كبيرة تشرك باقي الجمعيات في برنامج معين كما هو عليه الحال مع تكوين أطر المخيمات و مهرجاني المسرح و السينما. رئيس جمعية بدائل نبه إلى عمق مشكل المخيمات التي لم تعرف تغيرا على مستوى البنيات التحتية أو فضاءات التنشيط أو الأطر المؤهلة ، متسائلا عن الوضع الاعتباري للجامعة الوطنية للتخييم التي تحولت في العمق إلى جمعية لوزارة الشباب و الرياضة ، مستغربا كيف يمكن لجمعية تأسست بقرار وزاري وفق ظهير 1958 أن تحاور الجمعيات في شأن الاستفادة من عروض الوزارة فتحولت بالتالي إلى مجرد وسيط يستهلك الجاهز من التصورات الرسمية وغير قادر على إنتاج اقتراحات أو تصورات بديلة للرقي بالقطاع و تعتمد استهلاك الجاهز من التصورات الرسمية. النحيلي دعا الدولة ختاما إلى العمل على تمكين الجمعيات من فضاءات جديدة و جيدة للاشتغال في ظروف ملائمة في أفق كسب رهان التأطير و التكوين الموجه للطفولة و الشباب . إذ من غير المعقول أن نتحدث عن فعل تطوعي في مقابل أداء الجمعيات لمقابل استغلال فضاءات عمومية مخصصة للطفولة و الشباب، رغم أن الأنشطة الثقافية التربوية التي تقدمها المنظمات بالمجان. انفتاح على المؤسسات عبد الفتاح الزين ، أستاذ جامعي ، نبه إلى أن كل قضايا الطفولة و الشباب اليوم تعتبر قضايا طفولية ! مسجلا اعتماد المغرب لسياسة استنساخ للتجارب الفرنسية كنموذج سياسة المدينة، و كل المشاريع المتعلقة بالطفولة و الشباب. وحسب الزين، فالمخيمات الصيفية التي تلعب أدوارا مهمة في تكوين شخصية الطفل و تنمية مهاراته الإدراكية و الحسية، تعرف تراجعا خطيرا إن على مستوى بنيات الاستقبال التي أصبحت تفتقر لأبسط الشروط الموضوعية للتخييم أو على مستوى الفعل التربوي، حيث تحول المخيم من فضاء للتربية و التكوين إلى فضاء للترفيه المبتذل و الاتكالية وانعدام روح الإبداع . حسب عبد الفتاح الزين، دار الشباب اليوم لم تعد تستجيب لحاجيات طفولة و شباب اليوم ، كما أن هنالك تغييبا مقصودا لمؤسستي المجتمع المدني و الجامعة بمثقفيها ، حيث أن الباحث الجامعي أو المثقف يسعيان للاشتغال على السياسات العمومية كثقافة و هو الشيء الذي لم و لن يستوعبه المسؤول السياسي الحكومي. المتدخل دعا ختاما إلى انفتاح الفاعل المدني أو مؤسسات المجتمع المدني على المؤسسات الجامعية و البحث العلمي قصد إشراكها في بناء تصورات مستقبلية لواقع الطفولة و الشباب و فضاءاتهما . تأطير الشباب ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وقف عند صعوبة التأطير النظري لحقوق الشباب على مستوى المرجعية الحقوقية في ظل افتقاد الترسانة الحقوقية الدولية لاتفاقيات خاصة بالشباب . المتدخل أثار بداية واقع الفضاء العام الذي يشكل متنفسا لعدد من الحركات الاحتجاجية التي تواجه بدورها بالقمع و التفريق بالعنف رغم أن الفضاء العام ملك لكل المغاربة للتعبير عن الفرح أو الغضب من سياسات عمومية يعتبرونها جائرة .بالنسبة للمتدخل عدد من الأحزاب السياسية تتعامل بشكل دوني مع الشباب و تنمي فيهم ثقافة الريع، متسائلا عن نسبة تأطير الشباب داخل الأحزاب السياسية و النقابية مقارنة بمنظمات المجتمع المدني رغم أن الأولى تتلقى دعما مباشرا من الدولة، في حين تفتقر الجمعيات لأبسط إمكانات التسيير الإداري. الشباب المغربي خرج في 20 فبراير كرد فعل على السياسات العمومية التي همشته و طرح أسئلته الملحة على الدولة .فهل أعدت الدولة أجوبة حقيقية أم أنها عاجزة عن ذلك ؟ يتساءل المتدخل الذي أكد بأن الشباب أبان عن تتبع جيد للسياسات العمومية ، وينتظر بالتالي أن توفر له الدولة إضافة للمطالب الاجتماعية، الفضاءات التي تستجيب لتطلعاته.