اختتمت مؤخرا فعاليات الدورة الثانية للقاء التشكيلي «سامبوزيوم» الذي نظمه «رواق 86» بمدينة بوزنيقة الساحلية بدعم من وزارة الثقافة وبمشاركة حوالي عشرين فنانا تشكيليا من المغرب وتونسولبنان وتركيا وفرنسا. وتوخّى المنظمون من وراء تنظيم هذه التظاهرة توفير إقامة فنية تتيح إمكانية الالتقاء والاحتكاك بين فنانين متنوعي التجارب والأساليب التشكيلية والتعرف أكثر على ثقافات بعضهم البعض، وإنجاز أعمال فنية في إطار ورشات طيلة مدة إقامتهم، وعرضها أمام زوار الرواق، وخلق حوار إبداعي بين التشخيصية والتجريدية. ومن جهة أخرى، وفّر «السامبيوزيوم» نوعاً من السياحة الثقافية للفنانين الأجانب بالخصوص، من خلال التعرف على بعض الأماكن الثقافية التي زاروها كمدينة وليلي التاريخية وفضاءات الأوداية ومتحف محمد السادس للفنون المعاصرة ومسجد الحسن الثاني وحي الحبوس بالدار البيضاء. واندمج المشاركون في التظاهرة في حفلة فلكلورية أبرزت جوانب من الإبداع التراثي المغربي. وأثنى الفنان التشكيلي المغربي محمد الجعماطي على نجاح الدورة الثانية من «السامبيزيوم»، قائلا إنه «تجربة فنية أنجحها القلب»، حيث أشار إلى تنظيم أوراش فردية و جماعية، تبادل فيها الفنانون المشاركون آراءهم وتجاربهم الفنية، ومن ثم كان الحضور وازنا لأسماء فنية معروفة في الحقل التشكيلي الوطني والدولي. وأوضح أن الجانب الأهم في الملتقى هو التواضع الذي يتسم به أولئك الفنانون وروح الدعابة وطيبة المعشر، مبرزا أن اللغة الوحيدة التي جمعتهم هي لغة التشكيل بكل تجلياته ومعاييره وأبعاده الرمزية، الدالة على قوة الارتباط الحسي والحركي والفكري والوجداني. ولفت الجعماطي الانتباه إلى أن حضور تونس كان مزدوجا على مستوى الجنسين الفني والإنساني ، عبر النحت والصباغة والرسم التعبيري. وحضر لبنان من خلال صباغة تكتنفها المعاناة الإنسانية، بينما كان حضور فنانين مختلفين جذريا، عبر تقنيات التقطيع والإلصاق والإعلاميات والصباغة الحركية المستوحاة من الموسيقى. وتمثل الحضور المغربي عبر فنانين مختلفين من حيث الرؤى والتجارب التشكيلية، لكنهم اجتمعوا في أسلوب الصباغة بتقنيات غنية من أكريليك والصباغة الزيتية والحفر والرسم والصباغة المائية. وأوضح الفنان الجعماطي أنه لم تطرح خلال الملتقى عناصر موضوعاتية (ثيماتية)، ولا الأيدلوجيات والخطابات الشوفينية، لم تكن هناك غير لغة الفن التشكيلي، وحدها سلطة الموقف التشكيلي والحضور الفعلي والفاعل، من أجل بلورة مشروع تجربة فنية تقودها حرقة الحب والحرية والتطلع الجاد لأفق تنمحي فيه كل تجليات الصراع والتصادم الفني والتشكيلي. ومن جهتها، وصفت الفنانة التشكيلية التونسية ألفة جمعة الدورة الثانية للسامبيوزيوم بكونه كان لقاء بين مختلف هذه الثقافات الفنية وملتقى سلام للتعبير عن الاختلافات بالألوان. واستطردت قائلة: «حان الوقت لأن تعلّق المشاعر على جدران الإقامة الفنية ببوزنيقة. كانت أولى اللوحات التي اكتسحت الفضاء هي لوحتي الفنان التركي سنان، حيث كان الكولاج لديه اختراقا للورق واستعمالا للصور اليومية المحتلة للفضاء اليومي كصرخة صامتة و نظرة شخصية لهذا الواقع. ازدانت الإقامة فيما بعد بمائيات الفنان المغربي محمد الجعماطي الذي يكتب قصائده بالماء، ويراوح في لوحاته بين الزيتي والاكريليك لكتابة شعره بالألوان، فاللوحة في تجربته مصادفة كالقصيدة تماما، حيث يكتب الفنان بيتا بريشته ويظن أنه بداية لقصيدة، ولكن مع عمله عليها تصبح البداية نهاية أو وسطا، ما من فكرة مسبقة في الفن. كان الخط العربي حاضرا وكذلك النحت مع الفنان حمادي بن نية بأعماله التي لا تدّعي النصبية ولا تسكن الساحات والشوارع، بل تعتلي منصّات الطاولات والشبابيك ومحطات القراءة. تركيبات تتجنب الصقل والتزويق والحرفة، وتؤالف مواد غير متآلفة، يوحدها منطق الإنشاء وضرورة التناسق، قانونها دادائي، صانعُ مجسمات لعبادة الجمال، أو صانع لسجن الضوء.» وتابعت الفنانة التونسية حديثها عن الأعمال المشاركة قائلة: «أنت نفسك حظُّ نفسك، هذا ما يمكن أن نكرره مرارا أمام إبداع الفنان التركي أورهانو هو يحبس نفسه أو يحررها بموسيقى صاخبة، لا أحد يدري، يعزل نفسه أو يستدعي المشاهدين. لا أحد يفقه حركاته وهو يطبع حيرتنا على اللوحة برقصة تناغم حركات الألوان. أنت نفسك حظ نفسك، نتاج نفسك... كل موجود في ذاته فذاته له، وكل موجود في آلة فذاته في غيره. وحرصت ألفة جمعة على توجيه الشكر لجميع الفنانين ماريا قرمادي، ربيعة معتوق، كنزة لحلو، عبد العزيز أوصلاح، عبد الكريم الأزهر، حكيم فراس... وبالأخص ليلى العراقي ونور الدين بومعزة لذاتية الأعمال ولاحتوائهم للفنانين الضيوف في إطار يحكمه الصداقة والإبداع.»