احتضنت مدينة فاس الأسبوع الماضي، ندوة وطنية حول موضوع «الأسرة المغربية بين التأصيل التشريعي والعمل القضائي «، ناقش خلالها مجموعة من المتدخلين إشكالية العلاقة بين الجانب الفقهي والقانوني في التعامل مع المواضيع المرتبطة بالأسر المغربية. الجلسة العلمية الاولى ترأسها الأستاذ عبد العالي بنلياس رئيس فريق البحث في الأمن الحقوقي والقضائي، وبعد الترحيب بالمشاركين و الحضور، أعطى الكلمة للأستاذة بهيجة غياتي بن زياد العضو بمركز الدراسات والأبحاث في قضايا الأسرة والمرأة بفاس، وأيضا عضو بمختبر الدراسات الفقهية والقضائية وحقوق الانسان بكلية الشريعة فاس، حيت أبرزت في مداخلتها المعنونة «آيات أحكام الأسرة ودورها المقاصدي في قانون الأسرة» ، الدور الهام للأسرة داخل المجتمع باعتبارها الخلية الأساسية داخله، كما عرفت «بآيات الأحكام الأسرية ودورها المقاصدي في قانون الأسرة»، و أكدت أن المتصدي لآيات الأحكام لابد ان يتطرق كذلك لأحكام السيرة النبوية، وقد أشارت في مداخلتها إلى أن آيات أحكام الأسرة تحدثت عنها 380 أية في القرآن الكريم، وهذه الأحكام عملية لتربى عليها الأنفس. وفي هذا الإطار تناولت الأستاذة زهور الحر رئيسة اللجنة الملكية المكلفة بإحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، في مداخلتها المعنونة: «الاجتهاد القضائي ودوره في استقرار الأسرة»حي،الدور الهام الذي يلعبه الاجتهاد القضائي في استقرار الأسرة المغربية من خلال الأحكام التي يصدرها والاجتهادات الصادرة في موضوع الأسرة، وخاصة المواضيع التي تعرف إشكالات على مستوى القانون وقد عرجت على مختلف النقط ذات الصلة بالموضوع، حيث أكدت وكما جاء في الدستور المغربي، أن الاسرة هي الخلية الأساس داخل المجتمع وهي قاعدة وقناة رئيسية لتمرير سبل الإصلاح والرقي بالمجتمع، وهي أيضا أداة لتحقيق استقرار المغرب، وهو ما يدعونا إلى الاهتمام بالأسرة باعتبارها نواة المجتمع وكذلك قناة الاصلاح وتربية الاجيال والمحافظة على الأسرة المغربية. وبعد هذه الكلمة تناول الأستاذ محمد اغزيول بصفته رئيسا لمركز الدراسات القانونية والقضائية بفاس، موضوع : «الأموال المشتركة بين الزوجين وإشكالية الإثبات» ، حيث أبرز أن إشكالية الأموال المشتركة أو المكتسبة هي جديدة على الساحة المجتمعية والحقوقية بالمغرب، كما أنها تختلف عن الدول السباقة، كما تفسر ذلك المادة 34 من مدونة الأسرة. وفي نفس السياق تطرقت الأستاذة رشيدة بن سرغين عضو طريق البحث في الأمن القضائي والحقوقي بكلية الشريعة فاس، في مداخلتها المعنونة إلى: «دور الحالة المدنية في الحفاظ على الهوية داخل الأسرة». حيث أوضحت الدور الأساسي والهام الذي يلعبه قانون الحالة المدنية في الحفاظ على الهوية داخل الأسرة المغربية، باعتبارها الخلية الأساسية داخل المجتمع. كما تطرقت كذلك للدور الذي يلعبه القانون المذكور أعلاه في الحفاظ على الهوية لكل فرد ابتداء من يوم ولادته الى حين وفاته. و تحدث الأستاذ عبد المجيد الكتاني، وهو مدير مركز دراسات الدكتوراه بكلية الشريعة فاس، من خلال كلمته المتمحورة حول «توثيق عقد الزواج بين غايات المشرع وإكراهات الواقع»، عن إشكالات تساءل فيها عن الأسباب الكامنة وراء استمرار ظاهرة عدم توثيق عقد الزواج في المغرب؟ كما تساءل عن الدور الذي تلعبه عقود الزواج في حماية الأسرة المغربية؟ وفي معرض جوابه عن هذه الإشكالات أكد أن عقود الزواج تختلف من حيث المقاربة القانونية والإسلامية، ومن أجل التعريف بمدى حماية المنظومة الاسلامية للطفل، تدخل الطالب إبراهيم الإدريسي بموضوع تناول فيه «حقوق الطفل في الشريعة الاسلامية»، حيث أكد ان الإسلام كان سباقا إلى تكريس هذه الحماية، فاهتم بالإنسان في كل مراحل حياته اهتماما بالغا، حيث أن شخصية الإنسان تتكون في السنوات الأولى من عمره و نظرا لأهمية هذه المرحلة فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالأطفال وخصتهم بحقوق وعناية خاصة. وقسم حقوق الطفل إلى حقوق معنوية وأخرى مادية تتمثل في حسن اختيار الزوج والزوجة وتحريم إسقاط الجنين وحق الطفل في الرضاعة والنفقة والحضانة والميراث والتعليم، لتختتم بذلك الجلسة العلمية الأولى. الجلسة الثانية استهلت أشغالها برئاسة الأستاذة حكيمة الحطري مديرة مختبر الدراسات الفقهية والقضائية وحقوق الإنسان بكلية الشريعة بفاس، وتناول خلالها الأستاذ عميد الكلية الدكتور حسن الزاهر، «خصوصية النظام الأسري بالمغرب»، افتتح مداخلته بإشكالية محورية متسائلا فيها، حول مدى امتلاك النظام الأسري بالمغرب لخصوصية معينة؟ مجيبا بذلك بنعم ، وبكون المغرب له من الخصوصيات ما تميزه عن باقي البلدان العالمية.وأشار العميد إلى ضرورة مراعاة هذه الخصوصية، مبينا أن هناك ثلاثة أنواع من الأسر التي تراعي التشريعات العالمية ومن أبرزها الأسرة الإسلامية بجانب الأسرة الانجلوساكسونية والجرمانية. وختم كلمته بالقول بأن الفقه الإسلامي متفوق على باقي الأسر القانونية ، حيث يضمن العدل والمساواة دون إفراط أو تفريط. الفقيه القانوني محمد الكشبور، الأستاذ بكلية الحقوق وجدة ، حملت مداخلته عنوان : «ثبوت النسب بدون زواج» ، أشار فيها إلى أن ثبوت النسب بدون زواج يحظى بحماية دولية على ضوء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية حيث التزم المغرب بتضمين هذه الأخيرة في تشريعاته. بل أكثر من ذلك سموها على القوانين والتشريعات الوطنية، و هذا ما يجعل المشرع الوطني في حذر واحتياط. وفي سياق التشريعات الدولية تدخل الأستاذ رشيد المرزكيوي الخبير في العلاقات الدولية ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بفاس، حيث تناول «الحماية الدولية للطفل على ضوء الاتفاقيات الدولية» ، موضحا أن المغرب ومن خلال مصادقته على الاتفاقيات و المواثيق الدولية، يكون قد أعطى للطفل المكانة اللائقة به وذلك بتمتيعه بكامل حقوقه، كما أقرتها الشريعة الإسلامية والتشريعات الوطنية ووفق ما تضمنته المواثيق والاتفاقيات الدولية والتي عرج عليها وعلى امتيازاتها سواء في الحرب أو السلم. وزيادة في التأصيل لحماية الأسرة المغربية، كان لزاما أن يلعب القضاء دوره في هذا الصدد، بحيث أكد الأستاذ عمرو لمزرع رئيس مركز الدراسات والأبحاث في قضايا الهجرة والتوثيق بفاس، في كلمته التي اختار لها عنوان «الاجتهاد القضائي في الكد والسعاية»، الدور المحوري الذي يلعبه الاجتهاد القضائي في تطوير المنظومة القانونية عامة والأسرية على وجه الخصوص، وقد تساءل حول:هل للزوجة حق في الأموال المكتسبة؟ لتكون إجابته من خلال القرارات والأحكام القضائية المغربية، والتي تؤكد جلها حسب المتدخل أن للزوجة حق الكد والسعاية. إذا كان الحق في النسب من الحقوق الأصيلة للأسرة، فقد جاءت مداخلة الأستاذ عدنان المتفوق القاضي بالمحكمة الابتدائية بفاس، محاولة للتأسيس لذلك والمتمحورة حول: «الحق في النسب محاولة في التأسيس والحماية»،حيث أكد على أهمية النسب من خلال التأسيس و الحماية التي أقرها المشرع في مقتضيات قانون الأسرة . كما أكد أن إشكالية ثبوت النسب لم تعد كما كانت من قبل، نظرا للتطور الحاصل في المجال التكنولوجي الطبي، حيث أكد أن الخبرة الطبية في هذا المجال تعد آلية مهمة لإثبات النسب. كما أشارت الأستاذة أمال الناجي في مداخلاتها المعنونة ب «الاجتهاد القضائي في مدونة الأسرة الثابت والمتغير»إلى مجموعة من النقاط الأساسية ، حيث حثت على ضرورة بذل كل الجهود لحماية وبناء أسرة مغربية مستقرة وآمنة . كما أبرزت في معرض حديثها عن الاجتهاد القضائي، أن النصوص ليست وحيا ، بل يجب الاجتهاد فيها وجعلها تنفتح على عصرها ، وذلك تماشيا مع فلسفة وغايات المدونة. وفي مداخلة الأستاذ أنوار الأشقم، باحث بسلك الدكتوراه بفاس وإطار بوزارة المالية والمكلف بالنزاعات القانونية والقضائية ، المتمحورة حول «الوسائل البديلة لفض المنازعات»، أبرز أن المغرب بدوره يولي اهتمامه بالطرق البديلة في فض النزاعات على غرار باقي دول العالم وأن اغلب الملفات والمنازعات المعروضة على المحاكم تطبعها النزاعات الأسرية بامتياز، وبالتالي يحتل مكانة الصدارة بخصوص النوازل المعروضة عليه. وأخذ الكلمة بعده الأستاذ سعيد موقوش، إطار بوزارة الداخلية وباحث بسلك الدكتوراه بطنجة، متحدثا في موضوع «مدى استحقاق طالبة التطليق للمتعة: دراسة شرعية قانونية مسبوكة بآخر الاجتهادات القضائية» ، تناول من خلالها مقتضيات الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة، مع سبك مداخلته التوجه القضائي الجديد ، الذي اعتمدته محكمة النقض، وسارت عليه جل محاكم المملكة، والذي اعتبره بمثابة «زلزال قضائي»، سيضر بمصالح النساء المطلقات، وكذا كبح وفرملة أهم المكتسبات الحقوقية التي جاءت بها مدونة الأسرة والتزامات المغرب الدولية في هذا الإطار. واختتمت الجلسة بمداخلة طالب باحث بسلك الدكتوراه بمختبر الدراسات الدستورية والمالية والتنموية بكلية الحقوق بفاس، حول «الحماية الدستورية للأسرة المغربية» ، حيث تطرق إلى أهمية الموضوع ومدى راهنيته و ارتباطه الوثيق بالمواطنين وبالمجتمع المغربي برمته،ومدى اهتمام الوثيقة الدستورية لسنة 2011 بالأسرة المغربية كخلية أساسية للمجتمع، وأشار المتدخل إلى المستجدات الدستورية في هذا الصدد والمرتبطة أساسا بالتكريس الدستوري لسمو الاتفاقيات الدولية وكذا التزام المغرب بضمان حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها، وخاصة الحقوق الأسرية في بعدها الكوني، بالإضافة إلى المستجدات الأخرى كإحداث آليات ومؤسسات من شأنها حماية مؤسسة الأسرة، كصندوق التكافل الاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان و الدعوة إلى إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة. وقد أشار المتدخل إلى تجليات هذه الحماية أيضا في فروع القانون الداخلي كقانون الجنسية ومدونة الأسرة والقانون الجنائي وغيرها. ولم يكتف المتدخل بالإشارة إلى تجليات الحماية الدستورية للأسرة المغربية، بل عمد أيضا إلى التنبيه إلى بعض مظاهر محدودية الحماية الدستورية ومنها على سبيل المثال عجز المنظومة الدستورية المغربية مقارنة مع بعض التجارب الدستورية المقارنة، وأيضا تواضع الحماية القانونية للأسرة المغربية، وكذا ضعف الحماية القانونية للمغاربة المقيمين بالخارج، ليخلص في الأخير إلى بعض التوصيات والاقتراحات، ومنها ضرورة التنزيل الديمقراطي والتشاركي للمستجدات الدستورية المتعلقة بالأسرة المغربية مع الرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف وإلى الفقه المنفتح ، ثم تعزيز دور المجتمع المدني وضرورة مساهمة وسائل الإعلام في القيام بدورها في الحماية وتحصين الأسرة. وفي ختام الندوة تدخل مجموعة من الحاضرين بطرحهم مجموعة من الاسئلة تصب في نطاق موضوع الندوة.وبعد الإجابة عن أسئلة المتدخلين، تم إصدار توصيات بشأن موضوع الندوة. وفي الأخير تم توزيع شواهد على مختلف المشاركين والحضور . توصيات الندوة إقامة علاقات و شراكات مع المجالس العلمية و القيام من خلالها بحملات تحسيسية في مجال التوعية الأسرية. توصية بالتكوين المستمر للمعلمات والواعظات في التشريع الأسري. ضرورة العمل على تكوين خريجي كلية الشريعة وكل المعنيين بقضايا الأسرة. دعم تدريس المواد الفقهية في كليات الحقوق لإرساء ثقافة قانونية أصيلة. فتح مجال المحاماة أمام خريجي كلية الشريعة ضمانا لحقهم في ولوج المباريات. نشر ثقافة حقوق الإنسان وخاصة المرتبطة بالحقوق الأسرية الكونية. ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمستجدات الدستورية دون أي مساس بالهوية المغربية والثوابت الوطنية. إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لحماية الأسرة. إعداد وتكوين متخصصين في المساعدة الاجتماعية والدعم النفسي للآسر. قضاة النيابة العامة يغلب على تكوينهم الطابع الجنائي ولكن في مدونة الأسرة يجب أن يكون لهم تكوين شرعي ، بالإضافة إلى تكوينهم الجنائي. إعادة صياغة المادة 16 من مدونة الأسرة صياغة تجتنب عيوب صياغتها الحالية. إعادة النظر في مدونة الأسرة ، وخصوصا في بعض المواد التي طرحت مجموعة من الإشكالات على مستوى التطبيق العملي ، من قبيل الفقرة الخامسة من المادة 45 من المدونة. إعادة النظر في تنظيم التطليق للشقاق حتى لا يترك الباب مشرعا لهدم وخراب الأسر لأتفه الأسباب. تجديد القراءة في التراث الفقهي لملاءمته مع المتغيرات التي تعرفها الأسرة المغربية. ضرورة خلق تواصل والتقائية بين الجامعة والمؤسسة القضائية والمؤسسة التشريعية. تشجيع الأبحاث الجامعية الأكاديمية في قضايا الأسرة. إقرار مقاربة شمولية تهتم بالشأن القانوني والتربوي والإعلامي للتصدي للتحديات التي تواجهها الأسرة المغربية. التأكيد على ضرورة مراجعة قانون المسطرة المدنية بما ينسجم مع خصوصية قضايا الأسرة. ضرورة مواكبة الآلة التشريعية بوضع مقتضيات قانونية خاصة تنظم النسب في المجال الإخصاب الاصطناعي. ضرورة الاهتمام بأهمية وسائل وآليات حل النزاعات الأسرية في حماية الأسرة المغربية. تكريس الحماية الدستورية للأسرة على مستوى الوثيقة الدستورية. ملاءمة المواثيق الدولية مع المواثيق الوطنية المتعلقة بالأسرة. ضرورة نشر الأعمال التحضيرية لدستور 2011. الانفتاح على التشريعات المقارنة المتقدمة في قضايا الأسرة. تكوين القضاة وجميع المتدخلين بمنظومة العدالة في المجال الفقهي والمجال الحقوقي. تحديد متى تستحق المرأة حقها في الكد و السعاية. دعم وتشجيع مثل هذه الندوات.