شعبوية العدالة و التنمية لم تبتدأ مع رئاسة أمينه العام للحكومة، ولا مع مواقفه و خرجاته البئيسة إبان حركة 20 فبراير ردا على مطالبها، فما وصلاته البهلوانية التي تبكي أكثر مما تضحك إلا حلقة من حلقات نهج سياساوي مبني على الديماغوجية وعلى تأجيج عواطف الناس، بشكل يستغل الدين كمشترك أبشع استغلال، وهو نهج تتميز به كل أحزاب الاسلام السياسي، فقصور تصوراتها و عجز برامجها غالبا ما يعوضه نهجها المؤسس على التباكي و المظلومية والإستيكان إلى زاوية أحباب لله الذين يحاربون من طرف خصومه و أعدائه. ونحن في الشهور الأخيرة على نهاية ولاية هذه الحكومة التي يترأسها حزب العدالة والتنمية، نستحضر حالة الاستنفار التي قادها هذا الحزب من موقع المعارضة أنذاك، ضدا على حكومة التناوب التوافقي وخصوصا ضدا على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حالة كان عنوانها تبخيس كل منجزات حكومة السي عبد الرحمان وبكل الأساليب والآليات، وبطبيعة الحال بخطاب يجعلهم ظلال لله على هذه الأرض ويخندق وزراء الاتحاد في خندق الكفرة المارقين، ونستحضر هنا مقالا نشر في جريدة «التجديد» عدد 25-09-2002 تحت عنوان « الكبائر السبع للاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب «، ومن خلال العنوان المقصود جدا يمكن أن نستنتج الهدف من المقال، ولا أظن أنه موقف لرفض سياسات الاتحاد خلال حكومة التناوب التوافقي فقط، بقدر ما هو تحريض و تأليب ضد أعضاء الحزب قدر ما تحمله كلمة كبائر من معنى و ما يستتبع مرتكبيها من غضب لله و لعنته وما يفرض على فاعلها من حدود في الدنيا. وعلى العموم فخطابهم التحريضي هذا أصبح مألوفا عند كل المتتبعين، ولا يهمنا هنا أبدا جرد ما يمكن أن ينتج عنه من كراهية و من عنف داخل المجتمع، بل ما يهمنا هو مقارنة موقف العدالة والتنمية من مجموعة نقاط جاءت في المقال المذكور تحت مسميات الكبائر في تلك المرحلة التي كانوا فيها يشكلون معارضة لحكومة السي عبد الرحمان وكيف كان تعاطيهم معها في هذه المرحلة التي يدبرون فيها الشأن العام، وإن تجرؤوا على تقييم منجزات حكومة التناوب بذاك الشكل، ووصفوا ما يرونه أخطاء ارتكبتها بالكبائر، فنحن لن نهوي إلى هذا المستوى ولن نتجرأ على لباس ثوب لا يليق ولا يستقيم للفاعل السياسي ارتداؤه، ولسنا من متسولي دعم الجماهير بطريقة تستهين بأفكارهم ولا تخاطب فيهم غير عواطفهم، لذلك سنعوض كبائرهم « ببرادوكساتهم « من البرادوكس (تناقضاتهم). وسنبين كيف بنوا انتقاداتهم اتجاه حصيلة حكومة التناوب في تلك المرحلة، وكيف هي حصيلتهم اليوم في نفس المحاور التي انتقدوها. البرادوكس الأول : استضافة الصهاينة و التغطية على مشاريع الاختراق الصهيوني بالمغرب كان هذا عنوان فرعي في المقال المذكور، والذي يتهمون فيه الاتحاد الاشتراكي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، مرتكزين على نشاطه داخل الأممية الاشتراكية والتي تحوي في عضويتها أحزابا اشتراكية من الكيان الاسرائيلي ، اتهام يلغي كل مجهودات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخصوص دعم القضية الفلسطينية، ولا يكفينا هنا للرد على هذا الادعاء التذكير بأن الاتحاد الاشتراكي يكفيه فخرا وفي وقت لم يكن لهذه الإطارات الإسلاموية وجود في الساحة، أن يرجع له الفضل في جعل القضية الفلسطينية قضية وطنية عند عموم المغاربة، من خلال بياناته و مواقفه، وليس من السليم أصلا جعل القضية الفلسطينية قضية للمزايدة، بل سنسائلهم عن المعنى من استضافة حزب العدالة والتنمية ل « عوفير برانشتاين « نائب رئيس الوزراء ( الإسرائيلي) السابق «إسحاق رابين» في مؤتمر الحزب الأخير، وهي سابقة خطيرة جدا في المشهد السياسي الوطني، ومعلوم بأن الثقافة التي تحكم مثل هذه الدعوات،هي أن الإطار الذي يعقد مؤتمره يقدم الدعوات لشخصيات و لإطارات سياسية صديقة ، تدعمه و تسانده. وفي محطة ثانية اتهم فيها صاحب المقال جنوح الاتحاد و الأغلبية أنذاك نحو تعزيز العلاقات التجارية بين المغرب و إسرائيل ، وواقع الحال اليوم، وبينما حزب العدالة و التنمية على رئاسة الحكومة المغربية، تقول المعطيات بتسجيل ارتفاع لافت في حجم المبادلات التجارية بين المغرب و إسرائيل خلال السنة الماضية، حيث أبانت أرقام المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء وهو هيأة حكومية تابعة لرئاسة الوزراء الإسرائيلية، أن نسبة نمو المبادلات التجارية بين البلدين قاربت 145 في المائة في الفترة الممتدة ما بين يناير ودجنبر 2015 . البرادوكس الثاني: العمل على تعميم الربا في هذه الفقرة، انتقد كاتب المقال السالف الذكر، إنشاء حكومة اليوسفي مؤسسات للقروض الصغرى كمحاولة فاشلة منها بل محرمة لمحاربة الفقر، وتأسس انتقاده فقط على مدى شرعية تعاملاتها، إذ أنها تعاملات ربوية حرام، واستحضر بأن وزراء الاتحاد الاشتراكي رفضوا تعديلا قدمه نواب العدالة والتنمية يقضي بإدراج صيغ تمويل لا ربوية، ولن نقيّم اليوم بديلهم المقترح، ولن نسائل مآلات تجارب تشابهه عرفتها دول أخرى، لكن سنسائلهم عن صنيعتهم اليوم وهم على رأس الحكومة المغربية في هذا الباب، فهذه المؤسسات لازالت أنشطتها مستمرة، وفي نفس الإطار القانوني الذي أنشئت عليه، كل ما تغير هو خطابهم، حيث تجاوزوا وصف معاملات هذه المؤسسات بالربا المحرمة وعوضوه بمصطلح الفائدة، حتى تبنيهم لسياسة تخفيض حجم القروض الممنوحة من قبل هذه المؤسسات، بهدف تقليل حجم الديون المتعثرة لفائدتها لم ينتج عنه إلا تنامي المتابعات القضائية المرتبطة بها، ليكون الضحية الأول في كل هذا هو المواطن البسيط جدا. البرادوكس الثالث: إشاعة الخمور جنح كاتب المقال في هذه النقطة إلى ربط إشاعة الخمور بسياسات حكومة التناوب التوافقي، وبطبيعة الحال إلى وزراء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث استشهد بمجموعة من التدابير التي اتخذتها حكومة التناوب في إطار إنعاش الاقتصاد الوطني و التي استفادت منها بعض شركات الصناعة الغذائية بالمغرب، ودائما لن نحاول الدفاع عن حصيلة حكومة السي عبد الرحمان، فالواقع المغربي اليوم كفيل بهذه المهمة، لكننا سنستحضر الطريقة الانتهازية التي تعاملت بها الحكومة المغربية اليوم مع هذه المنتجات ومع مستهلكيها من المغاربة، حيث جنحت إلى الرفع من الضريبة عليها حتى ترتفع مداخيلها لتصبح أكثر من مليار و 120 مليون درهم سنويا، فالخمر حرام لكن مداخيله حلال بالنسبة إليهم، والمهم هو أن تجد هذه الحكومة سيولة لتدبر بها مرحلتها، وليتكلف قيادات الحزب بتبرير انتهازيتها وبنفس الخطاب المغلف بغلاف الدين، فمن له القدرة على التحريم لن يصعب عليه التحليل ، ففوق طاقتهم هم لا يلامون، ولا يكلف لله نفسا إلا وسعها، هكذا يدافع «الريسوني» عن وزراء حزبه في هذا الباب، ونحن متفقين على هذا، فقط أين كانت هذه السماحة وهذه الليونة في تعاملهم مع تدابير حكومة التناوب التوافقي و باقي الحكومات التي لم يكونوا جزء فيها. البرادوكس الرابع: إفساد المجتمع ومحاولة تمرير الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية دائما هنا سيحاول كاتب المقال، عزل الوزراء الاتحاديين عن باقي مكونات حكومة التناوب، وسيلصق بهم ما يراه خطة ممنهجة لإفساد المجتمع، هذه الخطة التي سيصفق حزبه و نوابه للعديد مما جاء فيها في إطار قبولهم لقانون الأسرة، ومعلوم الجهة التي أبدت رغبتها في إصدار قانون متقدم للأسرة بالمغرب، هذه السكيزوفرينيا في التعاطي مع الأحداث ستظهر أيضا عند مريدي حزب العدالة والتنمية عندما سيتفانون في شرعنة الحب الذي طالما رفضوه عندما سيلبس هذا الحب اللباس الوزاري اليوم. لقد كان عاديا جدا أن يناهض حزب العدالة والتنمية هذه الخطة، مادام يرى أنها تعارض مشروعه المجتمعي، ما لم يكن عاديا هو دفعه بالنقاش إلى قسم المغرب و المغاربة إلى شطرين، شطر مؤمن و مسلم يرفض هذه الخطة لأنها ضد تعاليم الإسلام و شطر سيكون بشكل مباشر ومقصود ضد الاسلام مادام يقبل بما جاء فيها. البرادوكس الخامس: قمع الحريات استمات كاتب المقال هنا في الدفاع عن حقوق الانسان، وجعل تجربة التناوب التوافقي تجربة مستبدة وديكتاتورية، وكأن حزب العدالة والتنمبة حزب مؤمن بالقيم الكونية، وكأنه من مؤسسي التجربة الليبرالية في العالم، حقوق الانسان التي ستعرف مع ترأسه للحكومة بعد انتخابات 2011 تراجعات خطيرة وعلى كل المستويات، حيث صادق البرلمان المغربي في عهد هذه الحكومة على العديد من القوانين الرجعية كمشروع قانون العدل العسكري الذي لا يزال يتضمن عقوبة الإعدام، ومشروع قانون عمال البيوت الذي يجيز تشغيل الأطفال، أمام التماطل لسنوات في إصدار عدد من مشاريع القوانين كمشروع القانون المتعلق بإحداث هيئة للمناصفة و مكافحة التمييز و مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، كما عرف المغرب في عهدها العديد من حالات الاعتقال السياسي التي فاقت 200 حالة، بالإضافة إلى متابعات العديد من الصحفيين و الفاعلين السياسيين قضائيا، ويكفي المهتم للوقوف على مدى التراجع الذي عرفه المغرب على مستوى احترام حقوق الانسان في عهد حكومة ابن كيران، أن يستحضر الطريقة المهينة التي وصلت إلى حد مشاركة أعضاء من حزب العدالة والتنمية إلى جانب قوات القمع في ضرب و ترهيب الأساتذة المتدربين و جمعيات المعطلين و أن يطالع تقارير الهيئات الحقوقية الدولية و الوطنية، حتى يقف على مستوى النفاق السياسي الذي يجيده مريدي العدالة والتنمية. البرادوكس السادس: تعميق أزمة التشغيل و البطالة والمديونية العمومية عاد الكاتب في هذه الفقرة، إلى مساءلة منجزات حكومة التناوب التوافقي على ضوء البرنامج الانتخابي الذي تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في انتخابات 1997، وقدم أرقاما في سياقات وتحاليل مغلوطة حتى يغالط الرأي العام المغربي، وحتي يوضح بأن تجربة حكومة السي عبد الرحمان كانت تجربة فاشلة في هذا الباب، وبطبيعة الحال لن نحاول الدفاع عن تجربة لا يزال المغرب ينتشي بنجاحها، ولن نساير طرحا جاحدا لا همّ له غير تعزيز موقفه ولو على حساب الوطن، ولن نقارن هزالة الحصيلة الحكومية اليوم مع ما جاء في برنامج حزب العدالة والتنمية الذي قدمه كأرضية للتعاقد مع المغاربة خلال انتخابات 2011، والذي التزم فيه برفع معدل النمو إلى 7 في المائة ( بيد أن كل المؤشرات تقول بأنه لن يتجاوز 2 في المائة على أبعد تقدير) و إلى خفض البطالة بنقطتين ، لكننا سننضم إلى قارعي أجراس الخطر، وعموم القلقين على مستقبل البلد الذي رهنته حكومة ابن كيران في يد المؤسسات المالية العالمية بسبب مديونتها التي تجاوزت 70 في المائة من الناتج الوطني الخام حيث وصلت قيمتها إلى 300 مليار و 826 مليون درهم هذه السنة، علما أن حجم المديونية الخارجية العمومية لم يكن يتجاوز 189 مليارا و108 ملايين درهم خلال 2011. وسننخرط في حملة فضح أكاذيب حكومة ابن كيران فيما يتعلق بالبطالة ومحاربة الرشوة والنمو الاقتصادي، والتي تفندها تقارير و معطيات المندوبية السامية للتخطيط، حيث جاء فيها بأن معدل البطالة عرف ارتفاعا مهولا منذ السنة الأولى من ولاية حكومة ابن كيران ليصل حجم البطالة اليوم إلى 1.169.000 شخصا على المستوى الوطني، وبأن الاقتصاد الوطني قد فقد مابن سنة 2015 و سنة 2016 ما يناهز 13000 منصب شغل . هكذا يتضح جليا بأن خطاب حزب العدالة والتنمية لم يكن إلا عبارة عن مزايدات، خصوصا و أن الحصيلة التي انتقدها سابقا لم يرقى أداؤه حتى إلى تحقيق مثلها. والخلاصة إنه الوجه الحقيقي لخطاب وممارسة حزب العدالة والتنمية، والذي لا يعدو أن يكون خطابا ذو نزعة غوغائية مبنية على الكذب و التدليس، واستغلال الدين من أجل الاستيلاء على عواطف الناس و توجيههم، وممارسة أساسها التناقض بين القول والفعل، فكل ما جاء في المقال محط النقاش هنا، والذي شكل وعودا في مضمونه، لم يتحقق مع وصول هذا الحزب إلى الحكومة، بل الأنكى من هذا، أن في عهد حكومته عرف المغرب أبشع صور للردة و للنكوص، وسيلاحظ القارئ أننا تجاوزنا الحديث عن ما سمّاه كاتب المقال محط النقاش بالكبيرة السابعة، واقتصرنا على 6 كبائر و بالتالي 6 نقط تبرز تناقض حزب العدالة و التنمية لأنه في واحدة منها عاتب كما سمّاه قرار منع بيع المصحف الكريم بالمعرض الدولي للكتاب سنة 2000، وهذا لأننا نعي جيدا أن مقدسات المغاربة أطهر من أن تحشر في زاوية ضيقة من الزوايا التي تكون واجهة للتدافع السياسي بين الفرقاء السياسين.