هناك الصفات التي يمنحها لك الآخرون، وهناك الصفات التي تصنعها لنفسك . لطيفة تعرف ذلك جيدا وتعرف أنها بعد عمر طويل ستموت بصفاتها لا بصفاتهم، وكذلك ستحيا .. أما أنا فأحبها لأنها صديقتي، ولأنها تكتب بصدق، لأنها متعبة ولها أكثر من لطيفة واحدة لتربيتها ورعايتها ، لأنها جميلة إلى حدّ لا يمكن أن يشوهها شيء أو أحد، مثل تلك الثمار التي تؤكل بترابها .. أحبها لأنها من أقلاء يجيدون التعامل مع المسافات لتغيير مزاج الأشياء .. بالكتابة طبعا .. بالرصانة والاشتغال، بالإنتاج المتواصل والمنتظم.. ماذا يمكن أن أقول عن الشبيهة من جيل آخر لم أقترب منه بعد كما ينبغي ؟ إنها ليست جزيرة أسرار، بل هي فقط كالحجر الخام ، كالريح مثلا ، الندى الليلي ، كالهمهمات لكن أيضا كالبزوغ الأول للفجر .. إنها صديقتي، صديقتي التي ترى العالم بعيني وقلب لطيفة و ليس فقط كما يريد العالم أن يبدو.. امرأة قادرة على جعل الناقوس يدور في رأسك بلا توقف .. تعجبني مرافعاتها لصالح الحياة، فمن لا يدفع في الحياة لا يحسن الكتابة . ولأن الحياة قليلة ، السخاء هو تفسير لطيفة الوحيد للأحداث . هناك كتّاب تحب أن تقرأ لهم في آخر الليل حين تموت الأشياء، ومن ثمة تستوي أنت ، ليكون انتباهك للنص أخرس، مثل لطيفة لبصير، القاصة الجيدة والمنتبهة إلى العالم، تعيش في اللغة والموسيقى، متيقظة بشكل مدهش حتى أنك تجزم بكونها منتبهة في النوم إلى كل ما نسيته في الصحو. واحدة من أهم الكاتبات المغربيات اللائي يمنحن إشعاعا قويا للقصة المغربية، وعيها النقدي عال جدا واهتمامها بالحياة كرافد للأدب سلوك عظيم ، تكتب مثلك (أنت المتألم في آخر الليل) عن الألم الخفي والظاهر ولوعة الهاربين من أسمائهم، وعن الضائعين في لغة لا تدل على مقاصدها، وعن الضائعين في المقاصد التي لا تستوعبها لغة .. تصير كل شخصية من شخوصها ، هي الصوت المقابل لأصوات استحالت إلى آذان لتنصت إلى نفسها.. في الليل تلبس النهار، وفي النهار تلبس الليل، هذه لطيفة، أريد أن أقول إنها بالرجل تلبس المرأة، وبالمرأة تلبس الرجل لكي لا يملّ أحد من الآخر .. مشكلة كبيرة أن تتعرف على لطيفة قبل أن تقرأ لها، و مشكلة أكبر أن تتعرف عليها بعد أن تقرأ لها أيضا .. لأن الحب يصير دائخا بين ما هو إنساني وإبداعي. صحيح أنني لا أميل للأكاديميين المحنكين وغير المحنكين وأشعر بالملل من جلساتهم، لكن لطيفة بروحها الخفيفة وذكائها المتوقد وحساسيتها العالية للجمال غيرت فكرتي كثيرا .. لطيفة لبصير متعددة ونادرة، ممتعة، نبيلة .. وتخلق حلولا ذاتية باستمرار، فالأنتيبايوتيك قد يكون متوفرا، ومتاحا حتى من غير مراجعة الطبيب. كاتبة مجيدة تدرك أن الطريقة التي يمنح بها نصّ نفسه مهمّة، وكأنّها.. كأنّها عندما تكتب قصصها تكون مثل شخص عائد من سفر طويل يحاول أن يعيد نومه إلى طبيعته، أن يعيد نفسه إلى طبيعتها .. شهادتي مجروحة فيك يا صديقتي، في مسارك ونجاحك وجديّتك واجتهادك ، شهادتي مجروحة ..لكنني أسمعك وأنت تقولين بعد أن أمضي «إحداهنّ كانت تراني جيّدا»..