هل دخلت بعض المهرجانات الفنية، السينمائية والموسيقية المسرحية .. الكبيرة بالمغرب مرحلة أرذل العمر؟ هل انتفى دورها الترفيهي و التنشيطي والتثقيفي.. الذي اعتمد كأساس لنشأتها، هنا وهناك، في مختلف ربوع المغرب، باعتباره سبيلا رئيسا من سبل التثقيف وترسيخ القيم الإنسانية العالية، قيم المحبة والوئام والأمل في المستقبل المبني على التسامح والاندماج.. من منطلق أنها تظاهرات تشكل نافذة مشرعة للانفتاح على مختلف الثقافات و الأجناس الفنية و الموسيقية السامية.. التي تسعى جميعها إلى التلاحم و الترابط البشري المبني على السلم والسلام..؟ هل تراجعت ساعة بعض المهرجانات الوطنية المعتبرة عن القيام بهذا المهام، وهي التي كانت واجهة مشعة لصورة المغرب في الخارج، دفعت الكثيرين من الفنانين، عربا وأجانب، يتهافتون لتسجيل حضورهم فيها، بل ودفعت العديد من السياح في السنوات الأخيرة لزيارة المغرب عبر قنواتها للتعرف على طبيعته وأناسه وعلى تراثه الفني الموسيقي الغني و المتنوع.. الشيء الذي جعل منها أحد الأبواب الأساسية للتعريف بالإمكانيات السياحية التي تتوفر عليها بلادنا وعلى مواقعها السياحية والأثرية المتواجدة بالحواضر والقرى.. مما أسهم ويسهم بشكل مباشر في الرواج الاقتصادي؟ هل افتقدت بعض المهرجانات الوطنية الكبيرة لدماء جديدة تعيد الحياة لشرايينها ولحركة التجديد و الابتكار فيها، ومن ثمة المحافظة على إرثها والافتكاك من النمطية التي حصرت نفسها فيها..؟.. هو غيض من فيض أسئلة فرض طرح نفسه في الآونة الأخيرة على الواقع المهرجاني المغربي الحالي بعدما عرفت تظاهرات فنية ضخمة تراجعات ملحوظة على مستوى المكاسب الفنية والثقافية الإعلامية والجماهيرية، وطنيا ودوليا، التي حققتها على مدى سنوات عديدة، إذ سجلت في هذا السياق مجموعة اختلالات وارتباكات أضحت ملاصقة لعمليات التنظيم ... أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على السير العادي لفعالياتها وعلى اختيارتها الفنية «غير المدروسة»، حسب الكثير من المتتبعين.. ومن ثمة على مصداقيتها وقيمتها الفنية، الأمر الذي كان له الأثر السلبي على توهجها، وعلى عملية الاستقطاب الجماهيري، بسبب ما خلفته من تذمر وإحباط ... في مقابل ذلك سجلت بعض المهرجانات و الملتقيات الفنية المتوسطة والصغيرة، التي لا تحظى بدعم مادي كبير من مؤسسات الدولة والمخصص للمهرجانات إياها، أو منعدمة الدعم، نموا متدرجا نحو تكريس مهرجانيتها الفاعلة ، بالرغم من الإمكانيات المادية الضعيفة، حيث أصبحت ظرفية تنظيمها موعدا سنويا منتظرا من قبل العديدين بالنظر لجديتها وجودة عروضها وحسن تنظيمها، تعلق الأمر هنا بالمهرجانات السينمائية أو الموسيقية أو المسرحية.. ، ويكفي أن نسوق في هذا الإطار، على سبيل الذكر لا الحصر، مهرجانات وملتقيات فنية من قبيل مهرجان وجدة للفيلم المغاربي، الذي تركت دورته الأخيرة أصداء جد إيجابية، ومثلها المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناضور، ومهرجان الحسيمة السينمائي ومهرجان أفلام التحريك بمكناس ومهرجان سيدي عثمان للفيلم المغربي، ومهرجان أيت ملول السينمائي و» تاصميت» السينمائي ببني ملال ونظيره بسيدي قاسم وغيره كثير من التظاهرات الموسيقية والمسرحية التي تسعى للحفاظ على هذا المكتسب الثقافي الوطني من الأفول ولاندثار، وهي في الغالب مهرجانات تعتمد على التمويل الذاتي وعلى بعض المساعدات هنا وهناك لتفعيل أنشطتها، ومع ذلك فوائدها ومردوديتها الفنية والاجتماعية جد كبيرة وعالية في خلق حركية فنية مهمة على مستوى الجهة و المدينة، بل أحيانا على المستوى الوطني و الدولي كمهرجان السينما والذاكرة المشتركة.. في هذا السياق أكد أحمد بومعيز، كاتب فرع اتحاد كتاب المغرب بمدينة الصويرة، ل «الاتحاد الاشتراكي» أنه كمتتبع لمهرجان كناوة منذ سنة 1998 (19 دورة)، تعتبر دورة السنة (2016) فارقة للمهرجان بالمقارنة مع الدورات السابقة، إذ أن تظاهرته الأخيرة من خلال البرمجة الفنية الموسيقية أصبح المهرجان من خلالها يعيد نفسه، بالرغم من أن هيكلته الإدارية التي انفصلت عن جمعيته المؤسسة، وهي جمعية موكادور، أضحت تحت سلطة إحدى الشركات.. التي قامت بمفردها بإقامة وتدبير فعاليات الدورة الجديدة.. وبالتالي لم توقع على أية لمسة جديدة.. وينضاف إلى هذا المستجدات، يقول بومعيز، أن الحضور الجماهيري لدورة هذه السنة كان ضعيفا جدا، حيث قارب بالأرقام حوالي عشرين ألف متتبع، «الكثير منهم شباب حلوا بالمدينة، للأسف، وبدون تنقيص منهم، في غياب إمكانيات مادية.. وأضحوا، بالتالي، عبئا على المدينة، ومن ثمة يطرح السؤال هل أصبحت الصويرة تستفيد من المهرجان، أم أن هذا الأخير أضحى يشكل عبئا عليها، من منطلق أنه يستفيد من دعمها ماديا (حوالي مليون درهم)، ولوجيستيكيا..، ويضيف بومعيز، لماذا طرح السؤال، لأن المدينة كلها أضحت رهينة المهرجان، ومردوديتة غير واضحة بالمرة لهاته الحاضرة..» وأكد بومعيز أن مهرجانا كهذا نشط بقوة على مدى19 سنة، ويعد مكسبا حقيقيا للمدينة والمغرب، ينبغي له أن يترك بعضا من الأثر الإيجابي، «لكن ما تمت ملامسته يدفع إلى وقفة تقييمية من طرف المسؤولين ومن كل الفعاليات لإعادة النظر بخصوص مجموعة من الأشياء التي تلتصق به في غياب الشفافية حول مداخيله وحول ترويجه الإعلامي.. خصوصا وأن وراء تنظيمه لا تقف أية جمعية، الأمر الذي خلق بعض الحساسية لدى بعض الأطراف...». وبغض النظر عن تدوين مجموعة من الجوانب السلبية في هاته الدورة، أشار كاتب فرع اتحاد كتاب المغرب بالصويرة، فإن مميزات دورة مهرجان كناوة الأخيرة أنها سجلت عدة تكريمات في حق مجموعة من الأسماء قدمت خدمات جليلة لهذا الفن المغربي الأصيل من واجهات عديدة، من قبيل تكريم الراحلين المعلم محمود دينيا والمسرحي الطيب الصديقي .. إلا أن الملاحظ أنها كانت تكريمات على الهامش، ولم يعطلها الاعتبار اللازم.. وخلص أحمد بومعيز أن إبداء ملاحظات وانتقادات من طرف مجموعة من فعاليات مدينة الصويرة على كيفية تدبير وتسيير الدورة الجديدة، لا يعني بالضرورة أنهم مع مطلب إلغاء المهرجان .. ولكن مع مطلب الحفاظ عليه لأنه مكسب فني ثقافي حقيقي.. يشكل إحدى الواجهات اللامعة لمدينة الصويرة على المستوى الوطني والدولي، لكنه مع ذلك يستدرك «لابد من وفقة من أجل تقييم المهرجان ووضعه على الطريق الصحيح، وإلا سنصبح أمام تظاهرات تستنزف المدينة، وبدل من أن تستفيد منه أمست رهينة له من خلال الدعم الذي يتلقاه سنويا من ميزانيتها الضعيفة المخصصة لتدبير أمور المدينة، مثلما هو حال دعم المهرجانيين الكبيرين الآخرين أندلسيات الصويرة وربيعها الموسيقى الكلاسيكي، في حين يتم إهمال وإقصاء أنشطة جمعيات أخرى من الدعم ..»، وبالتالي يرى هذا الفاعل الجمعوي- الثقافي بمدينة الصويرة لحل هذا الإشكال المستجد على مستوى تدبير التظاهرة الثقافية و الفنية.. بالمدينة أنه ينبغي إشراك الفعاليات المحلية في مثل هكذا تظاهرات، «لأن ما نتابعه حاليا أن الصويرة أصبحت كقاعة أفراح، وهذا خطير جدا، والخطر يتجلى في إهمال الطاقات المحلية، ونسوق كمثال على هذا أن المهرجان أنشأ موازاة مع فعالياته الفنية، منصة جديدة أطلق عليها «اولاد موكادور» بهدف احتضان إبداعات أبناء المدينة وتقديمها لجمهور المهرجان مع تخصيص دعم إضافي لها من قبل مجلس المدينة.. خارج الدعم المرصود للمهرجان..لكن الغريب في هذا الأمر أن برمجتها الفنية وضعت على الهامش، بمعنى لم يتم إعطاؤها الاعتبار اللازم، سواء على مستوى الفضاء جد المتواضع، الذي احتضن عروضها (باب دكالة) أو على مستوى توقيت الأمسيات (السادسة مساء)، التي كانت بمثابة عروض رفع ستار، بخلاف البرمجة الرئيسية التي كانت مدروسة و مفكر فيها بعناية سواء في منصة ساحة مولاي الحسن أو منصة الشاطئ ، وكان الولوج إلى الفضاء القريب المباشر لهما إما بمقابل (اقتناء تذكرة) بالرغم أن المهرجان هو مهرجان مدينة أو عن طريق «بادج» الذي كان الحصول عليه يعد امتيازا.. وقد خلق ذلك حساسية كبيرة حتى من قبل مسؤولي المدينة، فبالأحرى المواطن العادي.. بسبب غياب الوضوح حول عملية توزيع «بادجات» الولوج، وهذا خلق إشكالا حقيقيا للمهرجان والمهرجانيين وسكان المدينة عموما وجميع الهيئات الثقافية والجمعوية و الفنية.. التي لها وضع اعتباري يخول لها متابعة فعاليات هذا المهرجان.. واختتم الكاتب العام لاتحاد كتاب المغرب بالصويرة تدخله في هذا السياق بتكرار الإشارة إلى أن هناك اليوم مطالبة بتنظيم يوم دراسي خاص بالمهرجانات بالصويرة بما فيه مهرجان كناوة موسيقى العالم ينخرط في تفعيله جميع الشركاء باعتبارها (المهرجانات) من مكتسبات المدينة.. التي لا يمكن إغفالها أو إلغاؤها.. لكن في الآونة الأخيرة سجلت عليها تراجعات وتجاوزات وتحولات أحيانا سلبية... وفي إطار الانفتاح على الجهة المنظمة لمهرجان كناوة موسيقى العالم، كان ل «الاتحاد الاشتراكي»، لقاء مع مديرة إدارته نائلة التازي، التي أجابت عن العديد من الملاحظات التي أبداها العديد من المتتبعين حول مسارات لمهرجان دورته الأخيرة، ندرج فحواه أسفله.