أن تقترض، معناه أنك مديون للغير، وأنك ستبقى تحت سلطته يتحكم فيك كيف يشاء! هذا الغير، قد يكون بنوكا، أو شركات، أو مؤسسات، أو أفرادا، أنت مديون لهم بأموال يلزمك ردها لهم، بطريقة أو بأخرى وإلا، فإن مصيرك سيكون إما الحجز على ما لديك من ممتلكات أو دخولك السجن، مع الأداء طبعا.. هذه الوضعية المهينة قد لاتكون حالة خاصة بالأشخاص بل وتشمل حتى الدول في علاقتها مع بعضها البعض، فتجد بلدانا من تلك المعروفة بالفقر، وقد استدانت من دول أخرى غنية - كما هو الوضع الآن - عشرات، أو مئات الملايير من الدولارات، وكلما تأخرت في التسديد، كلما ارتفعت الفوائد، الى حد يفوق المبلغ الأصلي المقترض، فتغدو تلك البلدان، هي وشعوبها، تحت رحمة الدول الكبرى وأبناكها الأخطبوطية المتحكمة في النقد والمال والاقتصاد والتجارة في جميع أنحاء المعمور. وقد مرت عدة بلدان مختلفة إبان الحقبة الاستعمارية بتجارب سيئة من هذا القبيل، فرأينا كيف كانت الدول المهيمنة تستعمل قوتها العسكرية وتحتل بعض موانئ البلدان الفقيرة، فتقوم باستخلاص الرسوم والعائدات الجمركية، بذريعة استعادتها لديونها! الآن، وفي العصر الحديث، أطبقت الكماشة على الجميع: الدولة تقترض من الخارج، والشعب يقترض من الداخل أي أننا جميعا سرنا مكبلين بالديون، أحببنا أم كرهنا، والسبب، هو اعتمادنا في كل أمورنا الحياتية على القروض: السكن، الزواج، الاثاث، التطبيب، الاصطياف «حَوْلِي عيد الكبير» إلخ، وكل هذا بسبب النمط الاستهلاكي السائد، الذي اعتدنا عليه، باسم الحضارة والتقدم! ولتقريب القراء من هذا الواقع المؤلم، نقدم فيما يلي ثلاث تجارب مريرة، ذهب ضحيتها أشخاص، أو ممتلكاتهم بسبب القروض. ميت يرهن آخر! هما صهران، أحدهما يقطن بالدارالبيضاء والآخر بأزمور، كان الأول مديونا بأموال اقترضها من أحد الأشخاص، فلجأ إلى صهره بأزمور لينقذه، فرهن دارا في ملكه توجد بعين الشق، على أساس استعادة العقار، بعد أداء الدين من قبل صهره ، لكن الموت داهم هذا الأخير، فوجد صاحب الرهن نفسه بين أمرين، إما التسديد وفك الرهينة، أو الحجز وأمام عجز الصهر الباقي على قيد الحياة، عن الأداء تم وضع اليد على عقاره، ولم تمر مدة حتى مات «بالفقسة» فائدة بثلث القرض! بعد أن وجد نفسه مثقلا بديون متفرقة تجاه عدة أشخاص، فكر في الاستعانة بمؤسسة اشتهرت بمنح قروض مقابل فائدة معينة وهكذا، ولدى استقباله من طرف أحد موظفي تلك المؤسسة اشترط عليه احضار الأوراق الخاصة بالشقة التي يسكن بها - وهي بدورها «بالكريدي» - وكتابة التزام يتعهد فيه بتسديد الدين في ظرف سنة أي أن عليه الاعتراف باستلامه للمبلغ المقترض، وقدره عشرة آلاف درهم ، بينما هو في حقيقة الأمر لم يتسلم سوى 7500 درهم. وبالطبع، فإن الشخص الراغب في الاقتراض رفض السقوط في هذا الشرك المدمر، وأنقذ نفسه وشقته من نهاية مأساوية محتملة. بين السجن والمزاد هو شخص، قرر أن يجرب حظه في مجال الاستثمار، واشترى مقهى بواسطة قرض متوسط الأمد، استمر يدفع الأقساط الشهرية لبضع سنوات، ثم حدث أن أحاطت به مقاهي أخرى، فانخفض دخله، ولم يعد قادرا على الاستمرار في المنافسة، فأدخل معه شريكا آخر، واتفقا معا على تحويل المقهى الى مطعم، وفرض عليهما هذا مصاريف إضافية، دفعت بالشريك الثاني ليدخل بدوره حلبة القروض، وأصبح الشريكان يؤدي كل منهما أقساطا شهرية لمدة طويلة، حتى وصلا الى الطريق المسدود، بعد أن فشل مشروعهما التجاري، والنتيجة أن أحدهما طبق في حقه أكراه بدني، بينما الثاني باع نصيبه في مزاد علني، حتى يؤدي ما عليه من ديون! باختصار، إن لعنة السلفات ستبقى تطاردنا إلى الأبد، ولا فكاك لنا منها، إلا بسن نظام اجتماعي - تعاضده عادل، يضمن حق الشغل والسكن والتطبيب والنقل لجميع المواطنين فهل هذا صعب التحقيق؟