لقد أساء كثير من الناس بمختلف مستوياتهم الفهم للأهداف التي يسعى اليها الاتحاد الاشتراكي في مشروعه النضالي . كما اساءت الحركات الاسلامية لمقاصد الشريعة كما جاءت في الكتاب والسنة والآثار فبالنسبة لهذه الحركات فشلت فشلا ذريعا بعدما فشلت في شعارها الحل هو الإسلام و خرجت من مجال الشريعة الدينية « الخطاب الدعوي» و سقطت في مجال الشرعية السياسية حيث تفتقد إلى مشروع لتدبير الشأن السياسي ولم تكن مؤهلة لممارسة السلطة السياسية وأنتجت فكرا أصوليا و إرهابيا يعمل بعيدا عن مقاصد الشريعة الحقة. أما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي فساد الانطباع لدى الكثير بأنه ملحد أو ضد الملكية وغير ذلك من الاوصاف التي تسيء إليه عن طريق الاشاعات التي يروجها خصومه في صفوف المجتمع المغربي والحال أنه المعبر الاساسي عن حقوق الشعب و معاناته و أدى مناضلوه الثمن غاليا في أهدافه و مراميه التي تضمنها المشروع المرحلي الذي جاء به البيان العام الصادر عن مؤتمره الاستثنائي سنة 1975. وهو الذي يطلق عليه استراتيجية النضال الديمقراطي ويستشف منه المرجعية الحقيقية للاتحاد وهو الميثاق الذي ناضل من اجله لتنزيله على ارض الواقع. وتضمنها ايضا التقرير المتعلق بالديمقراطية والازمة المجتمعية المقدم في المؤتمر الرابع سنة 1984. وهو مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي لم يطرأ عليه أي تعديل إلى الآن. وقد ارتأيت تناول هذه الظرفية بالذات حيث تولى رئاسة الحكومة المغربية الامين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يعتبر من الحركات الاسلامية الذي يعتمد في خطاباته المرجعية الدينية. وأما ما يلاحظ عليها أن مرجعيته هي مجموعة من الشعارات التي كانت ترفعها الحركات الاسلامية في العالم العربي الاسلامي والتي تفيد ان الدين هو الحل للازمات المتكررة للأوضاع في بلدانها وفشلت منذ عصر الانحطاط بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم. وقد تأكد بالملموس مما لا شك فيه انها لا تحمل اي برنامج او مشروع مستمد من الشريعة او الليبرالية او الاشتراكية الشيوعية . بل كان على الحزب الاسلامي الاغلبي ان يعلن صراحة انه وظف الدين في الانتخابات بعدما توغل في احشاء المجتمع بمساندة أجنحته الدعوية للوصول إلى الحكم ليس إلا. وتعلن ايضا ان الديمقراطية التي كانت تكفرها هي التي جيئت به إلى الحكم في إطار المنهجية الديمقراطية التي طالب بها الاتحاد سنة 2002. والتي أصدر في شأنها مكتبه السياسي انذاك بلاغا واضحا جاء فيه ان لا مناص للخروج عن المنهجية الديمقراطية حيث تصدر الصف الاول في الانتخابات التشريعية سنة 2002 ويرى ان مصلحة البلاد تقتضي سنها كتقليد لغاية تعديل الفصل 24 من دستور 1996 ليتمكن الاتحاد الذي ترأس حكومة انقاذ البلاد من المنزلق السياسي الذي كاد أن يؤدي به إلى ما لا تحمد عقباه ويواصل تدبير الشأن العام . و من خصال السيد بنكران اعترافه بانجازات حكومة اليوسفي، وكان يتمنى ان يشارك معه الاتحاد في حكومته لتسخين عضلاته . ومما لا جدال فيه ان الانسان هو محور حقوق الانسان. فقد جاء تكريمه من الخالق سبحانه بقوله في سورة الاسراء (( و لقد كرمنا بني ادم )) . ويتمثل هذا التكريم الالهي بصفته مخلوقا ممتازا فضله على سائر الكائنات على وجه الارض و ان جاء بالصفة الاجتماعية والجماعية ف «بني» فانه يعني الحق الطبيعي في الادمية لأن بدايتها قائمة على وجودها مع وجود الانسان وبفضل القرآن استدام الفطرة لأن الطبيعة تتغير بفعل تطور الانسان واستثماره واستقلاله في الارض والكون. وهذه المساواة الدالة مع الفارق بين الخالق والمخلوق تكريس جذري للمساواة بين الذكر والانثى .اما بلاغة قوله «بني ادم «فيرفض التمييز في المركز الاجتماعي واللون والسن وليس منهما الايمان و الكفر لأن التكريم حاصل بوجود الانسان . وقد ربط الله كل حقوق الانسان بمجرد الخلق و التوحيد ولا مجال لأي احد في انتقاص هذه الحقوق التي يجب ان يتمتع بها الانسان او مصادرتها او اختزالها بأرض او شعب لأن الوحي السماوي دافع عن تحرير الانسان من الانسان وتحريره ايضا من كل عبودية مباشرة او غير مباشرة وبتحريره من نفسه سيكون عادلا وبتحريره من غيره يشعر بالمساواة. ومن الواجب ان نؤكد ان حقوق الانسان و حمايتها واجب في كل الاديان ولذلك سمى الاسلام هذا التدخل جهادا لأن الانسان المتدخل يجاهد نفسه كي لا يسيطر (( لست عليهم بمسيطر )) ولا يمس اي حقوق تحت اي مبرر بإزالة الطاغوت لا يكون بوسيلته اي القوة بل بالحق الذي يضمن باقي الحقوق. اما بالنسبة للاتحاد فإن اول هدف اتخذه شعارا هو التحرير و يعني به تحرير المواطن المغربي من العبودية ومن ضغوط الفقر و الاستغلال والقمع والاستبداد و تحرير ارضه و استكمال و حدته الترابية حيث يقيم دولة وطنية يتمتع فيها بالحقوق المنصوص عليها في الكتاب والسنة و الآثار كما جاء عن الخليفة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرار) . اما بالنسبة للهدف الثاني للاتحاد والاساسي هو الديمقراطية وجاءت في الكتاب بالشورى و ذلك بقوله تعالى (( وشاورهم في الامر. وأمرهم شورى بينهم)). وقد كان النبي (ص) يسلك اسلوب الاستشارة في جميع الامور وهو نفس الهدف المقصود بالديمقراطية بشكل واسع ويتعلق الامر بالاستشارة في تدبير الشأن العام بواسطة ممثلي الشعب منتخبين بإرادة حرة ونزيهة لا يشوبها تزوير او اي مؤثر كالمال والنفوذ والدعوة وغيرها. وتضمن مشروع الاتحاد الديمقراطية كهدف يجب تحقيقه عن طريق متابعة الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية والاقتصادية والاجتماعية وبالحضور المستمر في كل واجهات النضال . اما فيما يخص الحقوق الاجتماعية والاقتصادية واقامة العدل فقد اشار اليها كتاب لله في مواضع كثيرة منها التكافل و التضامن و اقامة العدل الذي انزل من اجله الرسل والشافي .كقوله ((.. شعوبا وقبائل لتعارفوا)) وحرم لله الظلم في ايات كثيرة وحديث قدسي معروف مفاده (اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما). اما الرسول (ص) فجاء عنه (ان المسلم لا يجب ان يظلم اخاه في العرض والمال و النفس). وخلاصة القول إن مشروع الاتحاد الذي ناضل ويناضل من اجل تحقيقه هو حرية و ديمقراطية واشتراكية، وهي من صميم الشريعة الإسلامية. وقد تم تطويرها لمسايرة تطورات العصر. وقد كرسها التقرير المتعلق بالبيان العام للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 .وسيأتي بعد توضيح الاشتراكية لدى الاتحاد الذي يسعى إلى تغيير جذري وديمقراطي لكل البنيات الاقتصادية والاجتماعية اعتمادا على الارادة الشعبية المعبر عنها بكامل الحرية ونهج السبل والاساليب الديمقراطية. أما البيان المشار اليه، فقد جاء فيه ما يلي : إن التحرير الحقيقي الشامل، لا يمكن ان يتم إلا على درس الاشتراكية بالمفهوم المذكور وتستلزم ضرورة الديمقراطية الفعلية التي تمكن الجماهير من المراقبة والمساهمة في التقرير والتنفيذ. والاشتراكية الديمقراطية بهذا المعنى، لا يمكن أن تتحقق إلا اذا سارتا جنبا إلى جنب مع عملية التحرير ذاته. يتعلق الامر إذن بثلاثة اهداف متداخلة ومترابطة يتوقف كل منها على الباقي، وتشكل هدفا واحدا لا يقبل التحيز ولا أسبقية عناصرها على العناصر الأخرى. واضاف التقرير ان شعبنا هذا، الأبي الطموح، لا يمكن ان يقبل الديمقراطية اوالاشترتكية او التحرير كغايات ذاتها لا يمكن ان يناضل من أجلها ويقدم التضحيات اللازمة لإقرارها ما لم يتأكد نظريا و يتحقق عمليا و في كل لحظة و في كل مرحلة بأنها وسائل تخدم غاية اخرى لرفع قيمة الانسان المغربي ذاته وعزته وطمأنينته. وجاء في ختام التقرير (إن الديمقراطية بالنسبة للاتحاد الاشتراكي ليست وسيلة، وانما هي غاية في اطار الاختيار الاشتراكي، ومبدأ يشكل جزءا لا يتجزأ من نظرتنا إلى متطلبات بناء المجتمع الاشتراكي، انطلاقا من خصائص مجتمعنا ومن التحليل التاريخي والجدلي بطبيعته ان هذه الخصائص و معها المطالب الملموسة لجماهير شعبنا وضرورة تعبئتها في مهام التحرير والبناء . كل هذا لا يمكن ان يتم في الواقع إلا بالحوار مع الجماهير و اشراكها في تحديد الاختيارات الجوهرية لكي تقبل التضحيات التي يقتضيها البناء في المدى البعيد وتنفذ بحماس، والتي تكون لإرادتها. ولا يمكن ان تساهم الجماهير في اي حوار إلا من اجل فرض حلول حقيقية للمشاكل اليومية التي تعاني منها والتي لا يمكن ان تقارن بقضايا المجتمع الاوربي . اما بخصوص المادة الثالثة في الباب الثاني من القانون الاساسي و المتعلقة بأهداف الاتحاد، فقد نصت على ان الاتحاد الاشتراكي يستهدف العمل من أجل استكمال الوحدة الترابية و بناء الدولة الوطنية على أساس المعايير الديمقراطية وحقوق الانسان المتعارف عليها دوليا و بناء مجتمع اشتراكي تقدمي تسوده قيام العدالة الاجتماعية و المساواة بين المواطنين والتضامن في مجتمع حداثي و متطور قادر على مواجهة تحديات ورهانات العصر وتعبئة كل القدرات المالية والبشرية للاندماج العلمي والتكنولوجي في أفق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مستدامة تتمحور حول القيمة القصوى للإنسان المغربي وتراثه الحضاري المنشور بأبعاده الاسلامية والعربية والامازيغية. ويعمل على تحقيق وحدة المغرب العربي وتقوية الروابط بين الشعوب العربية الاسلامية كما يعمل على مناصرة القضايا العادلة ودعم حركات التحرر الوطني وتعزيز أواصر التضامن معها ومع قوى الاشتراكية في العالم . انطلاقا مما تضمنه التقرير الصادر عن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي، يتضح انه تناول اهم الاهداف والمقاصد التي جاءت في كتاب لله والسنة النبوية والآثار ويتعلق الامر بكرامة الانسان وحقوقه والتي تحقق آدميته و إنسانيته باعتباره مستخلفا في الارض ثم تضمن المقاصد التي جاءت بها الشريعة والرامية إلى درء المفاسد وجلب المصالح واقامة العدل ونبذ الظلم و التفرقة والاستبداد وهو المقصود بالطاغوت ومحاربة الفساد واكل اموال الشعب بالباطل، وذلك عن طريق النضال و التضحية الذي يفيد الجهاد، وكلها من الاعمال الصالحة التي جاءت في القرآن ملازمة للإيمان حيث تكررت في القرآن الكريم اثنتين وثمانين مرة بقوله تعالى في هذا الإطار ((الذين آمنوا و عملوا الصالحات )). وهي أيضا احد أركان الإيمان الثلاثة: التصديق بالجنان، أي القلب و الإقرار باللسان والعمل بالأركان او الجوارح حيث العمل والفعل الإيجابي . أما السمة التي ميز بها الله سبحانه و تعالى الأمة الإسلامية عن سائر الأمم،فهي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هو فرض عين على كل مسلم مصداقا لقوله تعالى فيسورة أل عمران (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) وقوله ايضا ((ولتكن منكم أمة تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر)). وهذا الواجب جاء فيه حديث نبوي شريف مفاده (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وجاء في حديث آخر يشير إلى ترتيب العقاب على كل من لم ينه عن المنكر و هو قادر على ذلك وبدون ان يترتب عنه ضرر جسيم و ذلك بقوله (اذا استشرى المنكر في قوم فلم يغيره احد يكاد يعمهم العقاب). أما شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه لله فقد جاء عنه (من رأى منكرا فلم يغيره فهو شريك )، كما جاء عنه قوله حول مسألة اقامة العدل ورد الظلم (ان الله يقيم او ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة و لو كانت مسلمة). واضاف الشيخ ( العدل قوام العالمين و الظلم فسادهم). أما بالنسبة للتضامن والتكافل الاجتماعي، فقد أشار إليها تقرير الاتحاد، ذلك أن وظيفة الثروة والمال يجب ان توظف في المصلحة العامة وتؤدي وظيفتها الاجتماعية . ثم انه اذا كان القرآن قد حث على حقوق المرأة فكان الاتحاد اول حركة سياسية تنادي بتكريم المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات وفق ما جاء به الدستور المغربي 2011 في الفصل 19. وكذلك فإذا كان الاسلام قد فتح باب الاجتهاد سواء تعلق الامر بالقياس او الاستصحاب و كل اشكال الاجتهاد والهادفة إلى تطوير فروع الدين لمسايرة التطور والتقدم دون المساس بما فيه حكم قرآني قطعي. كما يستخلص من التقرير الذي ينادي بإقامة مجتمع حداثي ديمقراطي ومتفتح وهو ما اشار اليه جلالة الملك في اول خطاب له بعد توليه العرش ولم يغفل الاتحاد دور العلم والتكنولوجيا وكانت للعلماء مكانة عند الله حيث اشار اليها في عدة آيات كقوله ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))، وهو ما أشار اليه الرسول (ص) في احاديث منها ( العلماء ورثة الانبياء ) وقوله (ص) (العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة ). وفي هذا الصدد، كان اول من نادى بتعليم المرأة المرحوم المهدي بن بركة.والعلم حسب الشريعة من الاصول الواجب معرفتها من قبل مسلم حيث يشير إلى معرفة الله ونبيه و دينه بالأدلة و العمل به و الدعوة اليه و الصبر على الأذى فيه. ومن ثقافة الاتحاديين الصدق في القول والاخلاص في العمل والتربية على المواطنة، وليس الخداع والنفاق وتكديس الثروة على حساب اغلبية الشعب، لا سيما بطريقة غير مشروعة . لذلك تكون مسألة عدم التوزيع العادل للثروة هي السبب الخطير في التخلف والعائق للمسلسل الديمقراطي والتنمية الاقتصادية . وفي هذا الصدد، فإن الاتحاديين المخلصين الاوفياء للمبادئ التي أسس عليها الحزب باعتباره امتدادا لحركة التحرير الشعبية كرسوا حياتهم و استرخصوا دماءهم من اجل الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية و استكمال الوحدة الترابية واقامة العدل واستقلال القضاء وبناء الدولة الوطنية الحديثة. فلم يكن هدفهم الحصول على مواقع تجلب لهم الريع المادي والمعنوي. وللحقيقة التاريخية،أشير إلى انه لو كان هدف مؤسسي الاتحاد المصلحة الخاصة لما اختاروا التموقع في صف المعارضة ونالوا أنواع التنكيل والتعذيب والقهر من اجل مصالح الشعب والوطن. وقد عرضت لهم إغراءات مادية ومواقع إدارية و سياسية مقابل التخلي عن الاهداف النبيلة و المبادئ التي كانت بطبيعة الحال من صميم الشريعة . وكان هذا الرفض حسب الرواية السبب في اقصائهم عن تولية مركز المسؤولية وحلت محله الحرب ضدهم و صبروا لهذه المعاناة طيلة أربعين سنة إلى أن فشلت سياسة الحاكمين طيلة هذه المدة ،ولم يجد أمامه إلا الاتحاد، وحال دون السقوط في المنزلق السياسي الذي اوشكت عليه البلاد، ولبوا النداء من أجل الوطن لمعرفته بإخلاص الاتحاديين الاوفياء لوطنهم.وهنا أستحضر وصية المرحوم عبد الرحيم بوعبيد التي جاءت عنه أثناء اللقاء الاخير به قبل وفاته في اجتماع اللجنة المركزية للحزب ( إن ما أسديناه ليس هو الكمال . لكنه نابع من أعماق قلب نقي خدمة للوطن، خدمة للديمقراطية، خدمة للتاريخ). واذكر ايضا ما جاء عن الاستاذ اليوسفي في رده على معاتبته حول اتخاذه قراره الانفرادي بالمشاركة في الحكومة (إذا رفضنا المشاركة من أجل إنقاذ البلاد سيحاسبنا التاريخ، ولا يمكن لنا أن نتخلى على الوطن الذي ناضلنا من أجل تحريره). وخلاصة القول إن الاختيارات التي نهجتها الحكومات السابقة باستثناء حكومتي المرحوم عبد لله ابراهيم وحكومة اليوسفي، وما ستنهجها الحكومة المقبلة، لن تستطيع أن تتصدى اطلاقا للتحديات التي يواجهها المغرب في وحدته الترابية والازمة الاقتصادية و الاجتماعية وانتظارات الشعب المغربي خارج الاتحاد كمشروع، وستبقى البلاد سجينة اختيارات اللبيراليين والمحافظين ومن حولهم في تدبير الشأن العام للدفع بالبلاد إلى الرقي والسعادة والتأهيل في جميع المجالات. وهنا اذكر ان الحديث عن مجتمع حداثي – والأمازيغية وحقوق الإنسان. كان الاتحاد اول حركة ينادي به كما جاء في التقرير المشار اليه، و إن كل خروج عن المشروع الاتحادي، سيبقي دار لقمان على حالها . أما بخصوص المسألة الدينية، ففي الاتحاد علماء سلفيون مجددون ومتنورون أعطو الكثير لتأهيل الحقل الديني من شيخ الاسلام محمد بن العربي العلوي والساحلي والفرقاني والجابري وغيرهم، ولم يسبق لهؤلاء ان نادوا بتوظيف الدين للوصول إلى أغراض سياسية كما هو الشأن بالنسبة للقوى المحافظة التي اثيرت الفتنة والاقتتال في ظل حكمها في بعض بلداننا العربية الاسلامية . أما الذين يفتخرون بعدد الاصوات التي حصلوا عليها بالشراء والاستلاب الديني، فلم ولن يستطيعوا مواجهة التحديات المشار اليها . لم يكن لها رصيد تاريخي ونضالي آو وعاء معرفي أو برنامج يهدف إلى خدمة الوطن. فلا يتوفرون على روح و حس وطنيين، فأفسدوا الديمقراطية، وهم الذين يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، كما جاء في سورة التوبة و يعني بهم المنافقين. أما نحن في الاتحاد الاشتراكي، فمن حقنا ان نفتخر برجالاته المخلصة ومبادئه غير القابلة للمزايدة وبوطنيتهم . لذلك فيدخلون ضمن اولئك الذين نزلت فيهم الآية من سورة الاحزاب ((من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا)) وليسوا اولئك الذين يقولون ما لا يفعلون، ونالوا مقتا عند لله بقوله (( كبر مقتا عند لله ان تقولوا ما لا تفعلون)). وبخصوص مشروع الاتحاد، فإنه يهدف بالأساس لبناء الدولة و الدفاع من اجل الحق كما هو الشأن بما جاء به الإسلام. وعلى كل، فمن أخطأ في فهم الاتحاد او لم يعرف عنه شيئا، فعليه ألا ينساق وراء الاشاعة التي ينشرها أعداء الوطن والمواطنة. فلا يسعني إلا أن أرد على غيظهم للاتحاد بما جاء في سورة أل عمران ((موتوا بغيظكم، فلن تضرونا أبدا)) كما أننا مازلنا متمسكين بمبادئنا، مهما كان وضعنا، وسنصبر على المحن والابتلاء، ونتقي الله في الوطن والمواطن، كما أشار إليه الحديث النبوي مفاده (مازالت طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خدعهم إلى أن يأتي أمر لله). ومن اللافت للانتباه انه اذا كان من الواضح ان تمرات التعديلات الجارية الآن على ضوء دستور 2011 والذي جاءت مقتضياته مستمدة بشموليتها مع اضافات كانت مشروع الاتحاد إلا أن الإشكال القائم هو عجز الحكومة عن تنزيله. ويبقى رهينا بمدى الجدية و الالتزام في تطبيق بنوده. لذلك يجب التأكيد على أن الإصلاح بوجه عام لن يتحقق إلا اذا روعي فيه اصلاح الفرد نفسه باعتباره أداة الإصلاح، ومحوره في حد ذاته. وباعتبارنا أمة مسلمة، وباعتبار الإسلام من ثوابت الدستور المغربي، فإن المرجعية الأساسية لتكوين الإنسان الصالح والدستور، هي شريعة الإسلام بأحكامها وآدابها وبنصوصها وقواعدها التي تواكب التطور وتوجهه وتنفتح على النافع، وتدعو إلى الاستثمار ومحاربة الفساد بكل أنواعه، ولا يمكن استئصاله والقضاء على عناصره بمجرد تغييرات على المستوى السياسي والقانوني إلا بالقدرة على حسن تدبير الشأن العام. ويكون مبنيا على الحق والعدل و قاعدة أداء الأمانات. وهذه عناصر الإصلاح السياسي كما تضمنتها المذكرة المقدمة من طرف احزاب الكتلة للمرحوم الحسن الثاني مند سنة 1992. ومن جانب آخر فان نفس الإصلاحات قد بلورتها الشريعة الإسلامية بدورها، حيث تدعو إلى جعلها إطارا ومرجعا وليس المرجعية التي تتبناها العدالة و التنمية وروافدها من الحركات التي تشكل اجنحتها الدعوية. ونحن في الاتحاد الاشتراكي كفصيل أساسي في الكتلة أنداك. كما قدم لوحده مذكرة في الموضوع لجلالة الملك محمد السادس، وتتعلق بالإصلاحات الدستورية والسياسية المستمدة في البيان العام لمؤتمره الأخير، كما هو الشأن بالنسبة لجل مؤتمراته بدءا من المؤتمر الاستثنائي إلى المؤتمر التاسع، كما قلت، فإننا موقنون بأنها الكفيلة بالإصلاح الحقيقي للفرد والسياسة والقانون على حد سواء. وفي الحقيقة، فإن تعديل الدستور، وتوسع صلاحيات ممثلي الشعب، لن ينتج دولة الحق والعدل ما لم تأسس على ارضية صالحة تتمثل في مرجعية سليمة و سياسيين شرفاء نزهاء يعدلون فيما ولوا. أما المرجعية التي تخضع لأهواء النفوس، فكثيرا ما تكون سببا لإجهاض عملية الإصلاح وصيرورتها، مجرد مطية لأهداف إيديولوجيا أو أطماع سياسية أو ذاتية بغطاء ديني، فسيكون مآلها الفشل الذي تعرفه البلاد في الظرف الراهن و في مختلف المجالات.