اتسعت دائرة الساخطين على الطريقة التي يدبر بها حزب العدالة والتنمية شؤون جماعة مراكش، لتشمل مستشارين من ذات الحزب، الذين وجدوا في طريقة تسيير رئيس المجلس الجماعي وبعض رؤساء مجالس المقاطعات «البجيديين»، نزوعا نحو الاستفراد بالقرار وتلاعبا بمصالح المدينة وسكانها. ومثل تشكيل «التنسيقية العامة للمعارضة» الصيغة التنظيمية التي رتبت بها المعارضة عملها، تحولا نوعيا في مسار هذا الصراع، وذلك بانخراط مستشارين جماعيين من حزب العدالة والتنمية في التنسيقية وقيادتها، ليؤشر على تصدع داخلي و على درجة احتقان تفجرت بالمؤسسة التمثيلية من بين أتباع ذات التنظيم. «منحناهم مهلة يقول مستشار جماعي من التنسيقية العامة للمعارضة لكن تبين لنا أن العمدة ونوابه لهم نزوع للاستفراد بالقرار وعدم إيلاء الأصوات الأخرى أية أهمية، ضاربا مصلحة المدينة بعرض الحائط.. لاحظنا أن سياسة العمدة الحالي تتخبط في الكثير من الارتباك، وموسومة بفشل ذريع تعكس وضعية المدينة والضعف الذي يلمسه المواطن في معالجة مشاكلها..». ذات المستشار يؤكد أن هذا الضعف الكبير الذي يبديه عمدة مراكش في صيغة تدبيره لشؤون المدينة، يخفيه باستباق الموقف واتهام كل من يختلف معه أو يقدم انتقادات مشروعة ، بالفساد . بل إن أحد نوابه لم يتوان في سب معارضيه و شتمهم. وهي ظاهرة خطيرة، تكشف أن فكرة المعارضة ليس لها أي موقع في خريطتهم الذهنية ، أن رؤيتهم العميقة للعمل الجماعي تقوم على الاستفراد بالقرار، واستبعاد كل معارض أو مختلف ، علما بأن الذكاء السياسي يقتضي الإنصات لكل الأصوات لضمان شروط إنجاح التجربة . المعارضة التي توسعت وأضحت تضم خمسة أحزاب بعد التحاق مستشارين من العدالة والتنمية، تعيب على العمدة الحالي ونوابه، الارتجالية في التصرف في شؤون المدينة، والتعيش من مبادرات مجالس سابقة بنسبة نتائجها لحسابه . بيان سابق صادر عن التنسيقية المحلية للمعارضة، أشار إلى أحد نواب العمدة وصف ممثلي السكان بالجهل والاتجار في البناء العشوائي وصرف الميزانية في شهرين، ونعتهم بالكذب. قضية «أفيلمار» وإنهاء العمل بالصابو ، مثلت بدورها إحدى النقط الحساسة التي أفاضت الكأس في وجه العمدة الحالي لمراكش ، فطريقة اتخاذ هذا القرار ، جلبت له انتقادات متوالية من جهات متعددة ، وصفت تعامله مع هذا الملف بالانفرادي وعدم استشارة مختلف الأطرف . فإذا كان صحيحا أن الصابو كان يثير احتجاجات سكان المدينة، فينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن شركة «أفيلمار» نفسها جاءت إثر المعاناة المريرة للسكان مع التدبير العشوائي لمراكن السيارات، التي سيطر عليها البلطجية وبعض أباطرة الفساد. بعض المستشارين من حزب العدالة والتنمية المتذمرين من صيغة العمدة الحالي لمراكش، يتهمونه برغبته في إعادة البلطجية للسيطرة على مراكن السيارات بشوارع المدينة لغاية انتخابية . قضية «أفيلمار» عرفت تطورا مثيرا، بعد إقدام الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، على تقديم شكاية إلى الوكيل العام للملك باستئنافية مراكش ضد عمدة المدينة من أجل التحقيق في شأن تبديد أموال عمومية، وذلك إثر القرار الصادر عن رئيس المجلس الجماعي لمراكش والذي بموجبه توقفت شركة "أفيلمار" عن تدبير قطاع مراكن السيارات بالمدنية، قبل أن يعلن الرئيس في بلاغ رسمي عن مجانية ركن السيارات بعدد من شوارع المدينة. وحسب الشكاية فإن "شركة التجهيز و التنمية لمراكش المكلفة بتدبير قطاع السيارات بمراكش، هي شركة مساهمة يملك فيها المجلس الجماعي لمراكش 51 بالمائة من أسهمها، مقابل 49 بالمائة لصندوق الإيداع والتدبير، ويسيرها مجلس إداري، مكون من 12 عضوا عن الطرفين، بموجب دفتر تحملات سبق وأن صادق عليه المجلس الجماعي لمراكش في إحدى دوراته السابقة، ولا يمكن تغيير أو تعديل بنوده إلا بقرار صادر عن المجلس الجماعي . وقالت الشكاية «لقد فوجئ الرأي العام بالقرار الصادر عن رئيس المجلس الجماعي القاضي بوقف العمل ب"الصابو" بتاريخ 19 فبراير 2016، على بعد أيام قليلة من انعقاد المجلس الإداري للشركة الذي كان ينتظر موافاته باقتراحات من طرف مسؤولي المجلس الجماعي بديلة عن "الصابو"، الذي سبق للقضاء الإداري أن أصدر في شأنه عددا من القرارات التي اعتبرت أن «عقل» السيارات اعتداء على حرية الأفراد، غير أن أعضاء المجلس الإداري فوجئوا برسالة صادرة عن رئيس المجلس الجماعي موجهة إلى كل من مدير الشركة ووالي جهة مراكش، وهي الرسالة التي تدعو مدير الشركة إلى وقف العمل ب"الصابو" . هذا، وقد اضطر مدير الشركة إلى تنفيذ قرار رئيس المجلس الجماعي بالرغم من عدم قانونيته وعدم مشروعيته بالنظر إلى أنه قرار انفرادي، يتسم بالشطط في استعمال السلطة، طالما أن "الصابو" منصوص عليه في دفتر التحملات باعتباره الأداة الزجرية الوحيدة التي يمكن أن تضمن الحقوق المالية للشركة، التي هي أموال عامة. كما أن السلطة الوحيدة الموكول لها إلغاء "الصابو"، هو المجلس الجماعي، قبل عرضه على المجلس الإداري للشركة . واعتبرت شكاية المنظمة الحقوقية أن إلغاء العمل ب"الصابو" جعل المرتفقين يمتنعون عن أداء واجب ركن السيارات بأهم شوارع المدينة، ما كبد الشركة خسائر مالية فادحة، جعلها تعلن عن رفع يدها وتتخلى عن تدبير القطاع، وهو الأمر الذي دفع عددا من الأشخاص إلى إجبار المواطنين على دفع واجب ركن سياراتهم بهذه الشوارع خارج القانون. ولم يجد رئيس المجلس الجماعي بدا من الإعلان في بلاغ رسمي عن مجانية ركن السيارات، إلا أن ذلك لم يمنع عددا من الأشخاص من مواصلة استخلاص واجب وقوف السيارات. وقالت شكاية المنظمة الحقوقية « إننا إذ نعتبر أن قرار رئيس المجلس الجماعي لمراكش القاضي بوقف العمل ب"الصابو" قرارا غير قانوني وغير مشروع، يتسم بالشطط في استعمال السلطة، فإننا نؤكد مرة أخرى أن مثل هذا القرار لا يمكن أن يصدر إلا عن المجلس الجماعي الموكول له تغيير أو تعديل دفتر التحملات. والعمدة إذ اتخذ هذا القرار بشكل فردي وخارج القانون، فإنه وحده يتحمل مسؤولية تداعياته، والمتمثلة أساسا في دفع الشركة إلى الإفلاس وبالتالي حرمان خزينة المجلس الجماعي لمراكش من أموال هامة تم تبديدها .كما نعتبر أن قرار رئيس المجلس الجماعي المعلن عنه في البلاغ السالف ذكره، والذي أكد من خلاله مجانية ركن السيارات بعدد من شوارع المدينة، هو قرار غير شرعي أيضا، لأنه تسبب في تبديد أموال عامة تستوجب مساءلته عنها.» هذه الاتهامات حاول المكتب المسير للمجلس الجماعي أن يدفعها، مؤكدا أن العمدة سارع إلى تنفيذ «أحكام قضائية قضت بوقف الاعتداء على الغير وكبدت المجلس الجماعي والشركة الملايين». ويبدو أن الصراع بين العمدة الحالي ومعارضيه سيدخل فصلا ساخنا في الأيام المقبلة، ولاسيما أن التنسيقية العامة للمعارضة تتوعد بخطوات تصعيدية غير مسبوقة للدفاع عن حقوق المعارضة وعن مصالح المدينة، في وقت يلوح بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية ممن انخرطوا في هذه التنسيقية، بفتح جبهة داخلية في صفوف الحزب، بفضح بعض الممارسات غير الديمقراطية لصقوره.