ق عرف ميناء الجرف الأصفر العديد من السرقات ، كانت تبدو جد عادية، إلا أن السرقة الأخيرة كانت نوعية، خاصة وأن مرتكبها نفذها في مكان كان من المفروض أن يكون آمنا .حيث كشفت العملية ، وإن كانت قيمة المسروق بسيطة، عن «ثغرات» أمنية من غير المقبول أن تسجل بميناء يعتبر من بين أكبر المنشآت الاقتصادية في البلاد . الدرك الملكي بسيدي بوزيد انتقل إلى ميناء الجرف الاصفر، و تسلم الشخص الذي تسلل الى أهم منطقة صناعية حساسة بالمغرب، ليتبين أنه ضالع في اقتحام سفينة بانامية، والسرقة من داخلها. أفراد الأمن الخاص بالجرف الأصفر، الذين يؤمنون حراسة الأحزمة المزدوجة التي تنقل مواد مصنعة وكيماوية من المركب الفسفوري، إلى الميناء، ومن الميناء إلى المركب الفسفوري، هم من فطنوا إلى الشاب الدخيل، بعد أن قضى أزيد من أربع ساعات داخل الميناء وعملوا على اعتقاله لحظة محاولته النزول من على ظهر الحزام وحاول الفرار، الا أنهم شلوا حركته وسلموه الى رجال الدرك .وبتفتيشه والمحيط الذي كان فيه تم العثور على المسروق الذي لم يكن سوى كيس بلاستيكي بداخله 10 شهب اصطناعية، حيث تم تسليم المحجوز الى رجال الدرك. وكان الشاب الموقوف الذي ينحدر من تراب جماعة أولاد احسين، بنفوذ إقليمالجديدة، قد هاجر عن طريق «الحريك»، الى كل من فرنسا – إيطاليا – انكلترا. إلا أن السلطات الأوربية كانت تعيده، كل مرة، إلى موطنه الأصلي المغرب. مما يؤكد أنه على خبرة كبيرة بميناء الجرف الأصفر . وكان الشاب الدخيل الذي تسلق العديد من الجدران والأحزمة، قد سار مشيا على الأقدام إلى أن وصل إلى الرصيف رقم 3 مكرر، دون أن تصادفه أو بالأحرى دون أن يصادف في طريقه، أية دورية أمنية أو فرق الحراسة الخاصة ، أو تلتقطه عدسات الكاميرات. وعند الرصيف رقم 3 مكرر، كانت ترسو سفينة بانامية حيث ولج إليها ، دون أن يصادف مرة أخرى أية حراسة أمنية، سواء عند مدخلها، أو على متنها، ودون أن تلتقطه عدستا الكاميرتين الموجهتين صوب الباخرة الراسية. وبعد ذلك، جال على ظهر السفينة، بحثا عن مخبأ، بغاية الهجرة السرية. إلا أنه تراجع عن فكرة «الحريك» على ظهرها، لتأخرها عدة أيام بميناء الجرف الأصفر من أجل تحميل مواد كيماوية، حيث استولى على 10 شهب اصطناعية، وغادر ظهر السفينة التي قضى فوقها زهاء 4 ساعات، عبر سلمها المتحرك، دون أن يصادفه أو بالأحرى دون أن يصادف مرة أخرى أية حراسة أو دورية أمنية، راجلة كانت أو راكبة، أو تلتقطه عدسات الكاميرات. وبعد أن قطع حوالي 500 م، تم اعتقاله من طرف فرقة أمن خاص . غريب لم تلتقطه كاميرات المراقبة أن يتسلل غريب إلى ميناء الجرف الأصفر، وأن يقتحم سفينة أجنبية، تجهل حمولتها، وأن يغادر الباخرة والميناء، بعد أن اخترق بسهولة الحواجز والدوريات الأمنية، وعدسات الكاميرات، وإجراءات الحراسة والمراقبة الأمنية، التي من المفروض أن تكون مشددة في ميناء الجرف الأصفر.. فذلك جرس إنذار، بشأن الخطر الذي قد يتهدد الميناء والمنطقة الصناعية الجرف الأصفر برمتها. فإذا كان المركب الصناعي الجرف الأصفر اعتبر أكبر موقع كيميائي مندمج في العالم، فهو أيضا ذو موقع حساس، بسبب تصنيع وإنتاج مواد كيماوية في غاية الخطورة، كما أن عملية السرقة التي نفذها الشاب السالف ذكره، تجعلنا تستحضر الظروف التي وقعت فيها والمغرب يعيش ظروفا استثنائية جراء التهديدات الإرهابية التي تتربص به، على غرار العالم برمته، خاصة وأن التحقيقات أظهرت أن الإرهابيين كانوا يستهدفون مواقع سياحية واقتصادية. سرقات متكررة....من المسؤول ؟ لم تكن عملية الاقتحام والسرقة التي استهدفت، صبيحة الثلاثاء 22 مارس 2016، ميناء الجرف الأصفر، الأولى من نوعها.. ففي ال4 فبراير 2013، اختفت كمية هائلة من مادة المونترات 33 بعد أن شحنها شاحنة في ظروف غامضة، من ميناء الجرف الأصفر، شاحنة لم تكن السلطات الأمنية والمختصة تحققت، لا عند دخولها ولا عند مغادرتها عبر بوابة الميناء، من هوية سائقها ووجهتها وترقيمها المعدني.وهي المادة التي يتطلب نقلها من مكان إلى آخر، إجراءات أمنية مشددة،ولم تعمد الشركة المستهدفة بالسرقة في الجرف الأصفر، إلى التبليغ عن النازلة، إلا بعد مرور أسبوعين. ما عقد الأبحاث والتحريات، وجعلها مستحيلة، رغم دخول الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومراقبة التراب الوطني على الخط. ميناء الجرف الأصفر يعرف «تعثرا « من الناحية الأمنية وكل طرف يحمل الآخر مسؤولية مايقع، إلا أن الواقع لايمكن حجبه بالغربال ولا بالإجابات الجاهزة، فكل طرف يتحمل جزءا من المسؤولية .مفوضية الشرطة مسؤولة عن الأمن بكافة مرافق الميناء ، فيما الدرك البحري يتحكم في الماء ، بينما الوكالة الوطنية للموانئ هي من تسهر وتنظم العمل داخل الميناء وتتوفر على ترسانة بشرية ولوجستيكية كبيرة. القبطانية... أدوار ومسؤولية يخضع الولوج إلى الميناء لعملية دقيقة تستوجب الإدلاء بجواز المرور ، سواء المسلم من طرف مصلحة الاستعلامات العامة والتقنين أو الوكالة الوطنية للموانئ، الا أنه عند حدوث أي مشكل يحمل هذا الطرف الطرف الآخر المسؤولية . فمباشرة بعد حدوث عملية التسلل الى الباخرة البانامية أكد مسؤول يعمل بميناء الجرف الأصفر، أن السرقة وقعت خارج الميناء، في منطقة تابعة للدرك الملكي، على مقربة من إدارة الوكالة الوطنية للموانئ، وأن الجهة التي باشرت البحث هي درك سيدي بوزيد، وليس المفوضية الخاصة بالجرف الأصفر في الوقت الذي لا يتحمل الدرك أية مسؤولية داخل الميناء باستثناء دركه البحري المسؤول عن ما فوق الماء .ومن جهته، نفى مسؤول لدى قبطانية الجرف الأصفر علمه بنازلة السرقة داخل ميناء الجرف الأصفر،بل أكد أن السرقة لم تقع البتة الا أن الواقع يعبر عن شيء آخر. فقبطانية الجرف الأصفر التابعة للوكالة الوطنية للموانئ هي المسؤول الأول والأخير عن أمن البواخر وحمولتها والطاقم الذي يوجد على متنها. كما أن القبطان والطاقم التابع له من رجالات الرصيف هم الذين يراقبون حمولة الباخرة عند رسوها كما يراقبون دفترها البحري ويحررون محضرا عن كل صغيرة وكبيرة تخص البواخر القادمة والمغادرة للجرف الاصفر. «إن ما يحدث بالجرف الأصفر يستدعي أكثر من لجنة تفتيش، يقول مصدر من عين المكان ، ذلك أن البواخر الراسية يخضع طاقمها أحيانا لما يشبه الابتزاز من قبل البعض، خصوصا في ما يخص مواد غذائية بعينها والسجائر الفاخرة والخمور الراقية، فيما يعمل البعض الآخر على مقايضة سلع بسلع بعيدا عن اعين الرقيب». علما بأن قبطانية الجرف الأصفر تقوم بتكليف ذات الفرق التي يوجد من بين أعضائها من لم يطالب بإجازته الادارية منذ أزيد من 10 سنوات .أما فرق الأمن الخاص التي تدخل تحت مسؤولية القبطانية بشكل خاص، فإن بعض الشركات لا تطبق معايير السلامة المتفق عليها في دفتر التحملات، حيث أفاد مصدر عليم أن العدد المصرح به، والذي تؤدي عنه الوكالة اموالا طائلة، ليس هو عدد افراد الحراسة الموجود على ارض الواقع، حيث لا يتجاوز النصف في احسن الحالات، علما بأن بعض الشركات المفروض فيها الحراسة بكلاب بوليسية لا توجد كلابها الا في الأوراق؟ جوازات مرور فارغة....؟ أكدت أطراف متعددة التقتها الاتحاد الاشتراكي، أن القبطانية المسؤولة عن منح جوازات المرور الخاص بالشركات تمنحها احيانا كثيرة فارغة وموقعة على بياض لأرباب الشركات من أجل ملئها بأسماء العمال ويتذرع بعض اصحاب الشركات بتغيير أطقمها مرات عديدة، الا أن هذه العملية تقود في احيان كثيرة الى احتفاظ «الحراكة» بجوازات المرور من اجل تسهيل عملية الولوج الى الميناء، ومن شأن سقوطها في أيد غير آمنة القيام بأعمال من شأنها المس بسلامة الميناء . القبطان الذي منحه المشرع سلطات واسعة داخل الموانئ لايتم تطبيقها بشكل سليم داخل ميناء الجرف الاصفر ، ذلك أن بعض شركات التموين هي الاخرى تقدم خدمات «غير قانونية» للبحارة الاجانب كما تعمل في مجال تبديل العملات الاجنبية وأشياء اخرى. وكالات تشغيل بالنيابة تعمل العديد من الجهات المفروض فيها تشديد المراقبة وإعمال القانون، على تسهيل مأمورية العديد من الشركات التي تعمل داخل الجرف الأصفر، وذلك بالتوسط من أجل تشغيل أفراد من عائلاتهم وأقربائهم مقابل التغاضي عن خروقات بعض الشركات ، مما قد يسهل عمليات التسلل بالنسبة الى الحراكة واللصوص في غياب كاميرات المراقبة التي مازالت معطلة منذ تركيبها، سواء المثبتة بالبوابات أو الأرصفة ، رغم أن المشروع كلف عشرات الملايين ورغم حساسية الموقع. كما ان الوكالة لم تثبت بعد أجهزة السكانر في البوابات الحساسة من أجل إخضاع الاجانب الى التفتيش الآلي .و تعمد شركات مكلفة بالنظافة والبستنة الى تشغيل اليد العاملة المصرح بها في كناش التحملات، مما يكلف تحملات مالية اضافية بالنسبة للوكالة .ذ استعجالية التدخل.. لم تعد مسألة أمن الميناء مجرد نقطة تدخل في جدول أعمال المسؤولين بالميناء، وإنما الأمر أضحى أكبر من ذلك بكثير.فبعد الوقوف على ظروف وملابسات نازلة السرقة من داخل السفينة البانامية، في ميناء الجرف الأصفر، فقد بات يتحتم - وبشكل مستعجل - على السلطات المعنية ومختلف أصحاب القرار، إعادة النظر في التدابير الأمنية المعتمدة في حراسة وتأمين الميناء والمنطقة الصناعية، التي تشكل أكبر موقع استراتيجي في المغرب.