يعتبر بلع أجسام أجنبية حالة شائعة ومتعددة الأسباب، عرضية كانت أو إرادية، وهو أمر يقع بتواتر عند الأطفال والأشخاص من مختلف الأعمار الذين يعرفون بالذهانيين، السجناء، والنساء المنقبات، والأشخاص الذين فقدوا أسنانهم ..كما يتعرض هؤلاء الأشخاص/الفئات لعدة أخطار عند عملية سحب الجسم الغريب أو محاولة استئصاله. ويتطلب هذا النوع من الحوادث تدخلا طبيا سريعا ومتعدد الاختصاصات . وتتميز حوادث بلع أو استنشاق أجسام أجنبية عند الأطفال بخطورتها وتهديدها للحياة وبتواترها، خاصة عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 2 و 10 سنوات. ومن بين الأجسام الأجنبية التي نصادفها في هذه الحوادث عند الأطفال هناك القطع والنقود المعدنية، الأزرار، الخواتم، الدبابيس، عظام السمك، عظام الدجاج، قطع كبيرة من الأطعمة الصلبة، إضافة إلى استنشاق البذور، وفي بعض الأحيان يتسبب في المشكل بطاريات الألعاب المختلفة وآلات التحكم في أجهزة التلفاز وغيرها ..، ذات الحجم الصغير والتي تتسم بالخطورة وتتطلب تدخلا طبيا استعجاليا. وتقدر نسبة استنشاق أجسام أجنبية ب 9 في المائة بالنسبة للحوادث المنزلية القاتلة عند الأطفال الذين يقل سنهم عن خمسة سنوات، وتتم الاستعانة في التشخيص الطبي بالأعراض السريرية التي تظهر على المريض، والمتمثلة في عسر وصعوبة البلع، آلام في البطن، السعال، ألم صدري، الصعوبة في النطق، ضيق في التنفس، اللهاث، الاختناق، نوبة ربوية، إضافة إلى استعمال تقنية الأشعة السينية بالنسبة للصدر والبطن والمنظار. ويعتمد العلاج الطبي على استئصال الجسم الغريب بالتنظير الشعبي أو التنظير المرئي أو عبر مسبار «فولي» وذلك اعتمادا وبالقياس على نوعه وحجمه، وموقعه في الجهاز الهضمي، أو الجهاز التنفسي .. ولتقريب القارئ من موضوع اليوم، فإنني أحيله على نتائج بحث استعادي أنجز في المستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش والذي امتد على مدى ثلاثة سنوات، انطلاقا من يناير 2005 وإلى غاية شهر أبريل من سنة 2008، حيث تم تسجيل 42 حالة بلع جسم غريب، وذلك بنسبة تقدر ب 7 في الألف انطلاقا من عدد المسجلين في قسم المستعجلات الجراحية ، من بينها 20 حالة في صفوف الذكور، مع معدل سني يعادل 23 سنة. و قد أسفرت نتائج هذا البحث على توضيح بعض المعطيات التي أفادت بأن بعض الأشخاص هم أكثر عرضة للإصابة بهذه الحوادث، إذ أن 42 في المائة من المرضى المسجلين في البحث هم من فئة السجناء. كما تبين أن 35.7 في المائة من المصابين فقد تعرضوا للأمر نتيجة لحادث عرضي، و23.8 في المائة من حالات الإصابة المسجلة كانت ناجمة عن بلع دبابيس لدى نساء منقبات. كما أسفرت المراقبة الطبية ل 24 حالة عن وجود 33.3 في المائة من الحالات التي تمت فيها إزالة الجسم الأجنبي من خلال عملية «الإقصاء»/التخلص الطبيعي عن طريق القنوات الطبيعية. كما اتضح أن 25 مريض لم تظهر عليهم أية أعراض سريرية، في حين أن إثنا عشر شخصا تم تسجيل ألم بطني مرفوق بألم صدري لديهم، بينما كانت حالة خمسة مرضى أكثر خطورة، إذ تميزت إصاباتهم بالتهابات الصفاق، وحالة لانغلاق الأمعاء عند شخص يتاجر في المخدرات. وقد تم تشخيص الجسم الأجنبي/الغريب عن الجسم، باستعمال تقنية الأشعة في 95.2 في المائة من الحالات، كما تم استعمال المنظار بهدف علاجي عند 12 مريضا، واتسمت 4 حالات بالنجاح. في حين أنه تم الالتجاء إلى الجراحة في 57.14 في المائة من الحالات، مع سحب الجسم الأجنبي من المعدة في 13 حالة، وفي 10 حالات من المعي اللفيفي، وحالة واحدة في السيني مع ثقب. كما أشار البحث إلى أن نسبة الثقوب الهضمية تساوي 11 في المائة خاصة بعد بلع الدبابيس، وبالإضافة إلى ذلك فقد تم العثور في السوابق المرضية لهؤلاء الأشخاص الذين طالهم البحث على خمس حالات للفصام، و18 حالة ذهان ضمنها حالة شخص سجين، تم فيها تسجيل انكسار 10 مرات. كما تم الوقوف عند حالة 10 نساء منقبات، بحيث تقوم النساء قبل تثبيت النقاب بوضع الدبوس في الفم بين الشفتين، وعند أية حركة خاطئة يتم بلع الدبوس. وفي السياق ذاته فقد أوضح البحث المشار إليه أعلاه أن الحوادث كانت عرضية في 35.7 في المائة من الحالات، وإرادية بنسبة 64.3 في المائة، وبأن الفرق الزمني المتوسط بين بلع الجسم الأجنبي والاستشارة الطبية يقدر ب 30 ساعة،أما بالنسبة لنوع هذا الجسم الأجنبي، فقد تم تسجيل 42 في المائة هي من الأجسام الصلبة، و 24 في المائة أجسام قاطعة، ووصل الحجم المتوسط للجسم الأجنبي 5 سنتمرات. ومن بين الأجسام الأجنبية المسجلة في البحث هناك 10 حالات للدبابيس، 3 حالات هي لأطقم الأسنان، 6 حالات هي لقطع نقد معدنية، 7 حالات شفرة، 2 حالات ملعقة، 2 حالات خيط حديدي، حالة واحدة لعظم، 3 حالات لمفاتيح، 3 حالات لبطاريات كهربائية، 3 حالات لمسامير، وحالة واحدة لكبسولة مخدرات. في الختام فإننا نشدد على أهمية الوقاية والإسعافات الأولية خاصة عند الأطفال، مع اللجوء إلى أقرب مستشفى لتلقي العلاج المبكر، وذلك من أجل تفادي مضاعفات بلع واستنشاق أجسام أجنبية .كما يجب القيام بعمليات/حملات للتحسيس في أوساط الفتيات والنساء المنقبات بخطورة البلع العرضي للدبابيس وتفادي وضعهن في شفاههن أثناء تثبيت النقاب، كما يجب إبعاد الأجسام الغريبة عن محيط الأطفال مع رفع الوعي والانتباه والتركيز لتخفيض نسبة هذه الحوادث الخطيرة على صحة الإنسان.