أنشأه دستور 1992 وثبته دستور 1996 بعدما كان غرفة ملحقة بالمجلس الأعلى .إنه المجلس الدستوري الذي عمر 22 سنة أصدر فيها قرابة 100 قرار ثلاثة أرباعها يتعلق بالمنازعات الانتخابية . دستور 2011 الحالي رقى المجلس إلى محكمة وأناط بها اختصاصات جديدة . ومن المرتقب أن يعين جلالة الملك أعضاءها قريبا بعد أن صادق البرلمان على قانونها التنظيمي الذي صدر بالجريدة الرسمية في شتنبر 2014. الورقة التالية تسلط بعض الأضواء على جغرافية المجلس البشرية والإحصائية. انتظر المجلس الدستوري أن يصدر حوالي 1000 قرار كي يسدل ستاره ويترك مكانه اسما واختصاصات وقرارات للمحكمة الدستورية التي أقرها دستور 2011. وتطوى بالتالي صفحة من صفحات القضاء الدستوري ببلادنا الذي انطلق بغرفة دستورية سنة 1962 واستمر "ملحقا" بالمجلس الأعلى في ظل ثلاثة دساتير قبل أن يستقل كمجلس في دستور 1992 ويحافظ بنفس الفصول في دستور 1996 . وها هو اليوم يترقى الى مستوى محكمة أفرد لها الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة في فاتح يوليوز من سنة 2011 أفرد لها بابا وستة فصول وصادق البرلمان على قانونها التنظيمي الذي يضم ثلاثة أبواب و49 مادة ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 4 شتنبر 2014. في مثل الأسبوع الذي نودعه من سنة 1994 (21مارس) استقبل المرحوم الحسن الثاني أعضاء المجلس بعد المصادقة على الدستور في شتنبر 1992. يومها اختار له رئيسا أحد الشخصيات التي تدرجت في العمل القانوني والحكومي منذ الستينيات ويتعلق الامر بالسيد عباس القيسي خريج جامعة القرويين الذي قضى برئاسة المجلس ولاية كاملة انتهت في صيف 1999. وهي فترة شهدت حدثين مهمين في تاريخ المغرب الأول إقرار دستور جديد سنة 1996 صوتت عليه أبرز أحزاب الحركة الوطنية ومنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . والثاني تشكيل حكومة يقودها حزب ظل في المعارضة لأربعة عقود وشكل احد واجهات المعارضة الشرسة لنظام الحسن الثاني وهو حزب الاتحاد الاشتراكي. وبالرغم من أن المجلس الدستوري عمر 22 سنة إلى أن ثلاثة شخصيات تعاقبت على رئاسته هم بالإضافة الى عباس القيسي ،السادة عبد العزيز بنجلون الذي درس بفرنسا حتى حصل على الدكتوراه والتحق بالتعليم الجامعي بالرباط . ويعد الشخصية الأكثر ارتباطا بالقضاء الدستوري حيث شغل عضوية الغرفة الدستورية منذ 1970 وعضوية المجلس إلى أن تقلد رئاسته ثلاثة ولايات في ظل أربعة دساتير انتهت في يونيه 2008. والشخصية الثالثة هي محمد أشركي الذي امتهن التدريس الجامعي قبل ان تناط به عدة مهام بدواوين وزارية ومؤسسات عمومية آخرها كوكيل عام بالمجلس الأعلى للحسابات.. وفي سياق الحديث عن «الجغرافية البشرية" للمجلس نشير إلى أن عدد أعضائه بلغ منذ تنصيبه الأول ثلاثون عضوا توجد بينهم فقط امرأتان هما الأستاذة السعدية بلمير التي تدرجت في سلك القضاء لتصبح رئيسة غرفة بالمجلس الأعلى قبل أن تدخل إلى مجال القضاء الدستوري سنة 1999. والاستاذة ليلى المريني التي زاولت المحاماة وانخرطت في سلك القضاء لتتحمل مسؤولية رئاسة غرفة بالمجلس الأعلى ثم عضوية المجلس الدستوري سنة 2005. ال 1000 قرار (تدقيقا 992 إلى 30مارس حسب بوابته الالكترونية)التي أصدرها المجلس تستحق قراءات متعددة لإبراز حصيلة القضاء الدستوري بعد الغرفة وقبل المحكمة . هل أنتج رصيدا في مستوى اختصاصاته ومهامه؟ هل انسجمت قراراته بالفعل مع روح الدستور ؟ مدعما كان للمطلب الديمقراطي أم أخلفت بعض اجتهاداته الموعد مع التاريخ وساهمت في استقرار منظومة سياسية وفي صورة ملطخة لمؤسسات تمثيلية بفعل ممارسات أقر صانعوها بأدوارهم في تزوير الاستحقاقات المتعلقة بها ؟ هل زكى هذا المجلس بالفعل انتخاب أشخاص لا أحقية لهم في حمل صفة برلماني وأدان بقراراته منتخبين استحقوا نياشين النزاهة ؟؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تسعى لاستنطاق ال1000 قرار قبل أن يعود العداد إلى البداية الكمية مع المحكمة الدستورية... لنستعرض "الجغرافية الإحصائية" لقرارات المجلس منذ ذاك الذي يحمل رقم 1 الذي استصدره وزير الداخلية وقتها إدريس البصري في موضوع شغور مقعد برلماني بالجديدة بسبب وفاة الطاهر المصمودي إلى القرار الأخير المتعلق بالقانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة. شكلت القرارات المتعلقة بالمنازعات الانتخابية ثلاثة أرباع الحصيلة التي أنتجها المجلس (731 قرار) إذ شهد المجال السياسي بالمغرب منذ توديع الغرفة الدستورية رابع دستور تعرفه المملكة منذ استقلالها وأربعة استحقاقات لانتخاب مجلس النواب ناهيك عن الانتخابات الجزئية التي همت 85 دائرة تقريبا صرح فيها المجلس الدستوري بإلغاء نتائجها بعد أن وقف على ممارسات انتهكت سلامة الاقتراع طبقا لما نص عليه الباب السادس من دستوري 1992و1996 أي أنه يفصل في "صحة انتخاب أعضاء مجلس النواب ..." . أو أعلن شغور العديد من مقاعد البرلمان بسبب الوفاة أو حالات التنافي أو الاستقالة أو...الإقالة التي يحددها الدستور والقانون التنظيمي للمؤسسة التشريعية. لقد تعددت جهات الإحالة على المجلس الدستوري تطلب حكمه وفصله في قضايا عدة . وتتبوأ مِؤسسة الوزير الأول (77مرة)رئيس الحكومة(22 مرة) لائحة مصدر الإحالة(ما مجموعه 99) . وللبرلمان بمجلسيه من خلال إعمال نفس الباب المشار اليه سابقا 72 إحالة 64 منها مصدرها رئيسا مجلسي النواب والمستشارين فيما لم تتم ممارسة المقتضى المتعلق بأحقية ربع أعضاء أحد المجلسين أو هما معا سوى 8 مرات ومثلها جاءت من برلمانيين فرادى أو جماعات أو فرق...ومعلوم أن أحد فصول هذا الباب بالدستورين معا ورد فيه أن"للملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو ربع الأعضاء الذين يتألف منهم هذا المجلس أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور". رئيس المجلس الدستوري أحال بدوره على هذه المؤسسة خمس ملفات أربعة منها تتعلق بإصلاح أخطاء مادية فيما القرار الخامس يتعلق باستقالة أحد أعضائه سنة 1995 بعدما أصبح وزيرا في حكومة عبد اللطيف الفيلالي. في ظل الدستور الجديد الذي تمت المصادقة عليه في يوليوز 2011 أصدر المجلس الدستوري 185 قرار أولها حمل رقم 815 بتاريخ 14 يوليوز من نفس السنة تعلق بالإعلان عن نتائج الاستفتاء على الوثيقة الدستورية. . وضمن هذا الكم من القرارات هناك 86 قرارا تعلق بالمنازعات الانتخابية. و11 قرار تعلقت بالنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان فيما بلغت القرارات بشأن القوانين التنظيمية ومدى مطابقتها للدستور 20 قرارا. وفي ظل الدستور الجديد كذلك هناك قراران أثارا الانتباه لأنهما تناولا نفس القضية لكن من زاويتين مختلفتين وهما : القرار 943 عرف انتقادا من طرف الحقل الحقوقي والسياسي لأنه أمر بحذف بعض المقتضيات من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية التي ورد في أحد مواده ضرورة مراعاة تمثيلية النساء في كل فئة من فئات التعيين ضمن هذه المؤسسة . وينص الدستور كما هو معلوم أن الملك يعين ستة أعضاء والستة الآخرون يعينهم البرلمان ثلاثة لكل مجلس من مجلسيه. فعوض أن يعزز المجلس الدستوري السعي إلى تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء حسب منطوق الفصل ال 19 من الدستور في روحه كنسق متكامل نجده يستعين بتصدير الدستور في مبدئه " حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس"، وبالفقرة الأولى من الفصل 19 من "كون الرجل والمرأة يتمتعان، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية"، وبالتالي حسب المجلس لا يسمح للمشرع بتخصيص نسبة مضمونة مسبقا لأحد الجنسين في الوظائف العمومية؛ وتأسيسا على ما سبق وغيره من ما جاء به القرار، اعتبر المجلس الدستوري أن "إمكان تمثيلية النساء في العضوية بالمحكمة الدستورية، لا يتأتى ضمانه إلا على مستوى الاقتراح والترشيح، دون أن يفضي ذلك إلى تخصيص نسبة مسبقة لا للرجال ولا للنساء في هذه المحكمة التي يخضع اختيار أعضائها، تعيينا وانتخابا، لشروط دستورية لا يجوز الإخلال بها اعتمادا على أي معيار، بما في ذلك التمييز بين الجنسين المحظور دستوريا" أما القرار الثاني الذي يحمل رقم 984 فاتجه صوب حق تمثيلية النساء في المؤسسة التشريعية . إذ اعتبر فيه وهو ينظر في استقالة مستشارة ب أن التطبيق التلقائي لمقتضيات المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين سيترتب عنه تعطيل الأهداف التي ترمي إليها أحكام الفصلين 19 و30 من الدستور وإبطال المفعول الذي أراده المشرع من سن المادة 24 الهادفة إلى ضمان تمثيلية ملائمة للنساء داخل مجلس المستشارين؛ وإن المقاعد التي تحرز عليها النساء بمجلس المستشارين، يتعين أن تظل مكسبا للمترشحات النساء، دون جواز انتقال تلك المقاعد لاحقا – بسبب شغورها – إلى المترشحين الرجال؛ وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، أقر المجلس الدستوري بإن المقعد الذي تشغله المستشارة المعنية في مجلس المستشارين، الذي سيغدو شاغرا بحكم تقديم استقالتها منه، يتعين، إعمالا لمبادئ الدستور ومقاصده، أن يؤول إلى المترشحة الأولى الوارد اسمها في اللائحة التي ترشحت باسمها المستشارة المستقيلة. ومن ما ميز كذلك قرارات المجلس في حقبة الدستور الجديد تصريحه بإثبات تجريد ستة برلمانيين من صفتهم العضوية بالبرلمان استنادا على الفصل 61 من الدستور، الذي ورد في فقرته الأولى على أنه "يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين (النواب والمستشارين)، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها"، يضاف إلى ذلك برلمانيون تبث تورطهم في أعمال يجرمها القانون وفقدوا بالتالي مقاعدهم بالمؤسسة التشريعية . هذه ورقة على مؤسسة دستورية أغنت القضاء الدستوري ببلادنا .بشخصياتها التي تشرفت بالعضوية فيها . بأنشطتها داخل المغرب مع مجالس ومؤسسات ومنظمات وخارج المغرب في علاقاتها مع نظرائها. بإصداراتها المتعددة . بعد أيام دون شك سنودع هذا المجلس لتشرع المحكمة الدستورية باختصاصات أوسع في ضبط مضامين القوانين مع الدستور وفي البث في الدفوعات المتعلقة بعدم دستورية الترسانة القائمة وفي المنازعات الانتخابية ...