في حوار أجريناه مع الناقد والمفكر نجيب العوفي، شن هذا الأخير هجوما على وزارة الثقافة وقال العوفي أن وزارة الثقافة «تبدو إدارة في غياب المشروع ،وهي إدارة تهتم بشؤون الموظفين الى حد ما ، مع ما يعيشه هؤلاء من مشاكل لها مجالها في العمل النقابي ، ويبدو المثقف غريبا في هذه المؤسسة التي يكفل لها الدستور الاهتمام بالشأن الثقافي وبالمثقفين في موقعهم الإبداعي والفكري . في حوار أجريناه مع الناقد والمفكر نجيب العوفي، شن هذا الأخير هجوما على وزارة الثقافة وقال العوفي أن وزارة الثقافة «تبدو إدارة في غياب المشروع ،وهي إدارة تهتم بشؤون الموظفين الى حد ما ، مع ما يعيشه هؤلاء من مشاكل لها مجالها في العمل النقابي ، ويبدو المثقف غريبا في هذه المؤسسة التي يكفل لها الدستور الاهتمام بالشأن الثقافي وبالمثقفين في موقعهم الإبداعي والفكري . هل مجلس الثقافة اليوم ضرورة ينبغي تفعيل القوانين بشأنه ، أم أن الأمر يتعلق بمثقف انزوى ولم يعد راغبا في الاشتغال بالمشروع المجتمعي الذي ينبغي أن يكون». وأضاف العوفي في حديثه عن الوضع الثقافي المغربي أنه «عند الحديث عن شؤون وشجون الثقافة المغربية ، تلزم الإشارة إلى مسألة أو مسلّمة شبه ثابتة في مشهدنا المغربي وإلى إشعار آخر ، وهي أن السواد الأعظم من مجتمعنا لا تهمه الثقافة ولا تدخل في حسبانه ، بسبب غياب أو هشاشة التقاليد الثقافية في المجتمع، وانتشار الأمية ، وهشاشة ظروف العيش لعموم المواطنين ، وهيمنة ثقافة الكرة وثقافة الاستهلاك .. وأكل الطعام والمشي في الأسواق ..يُضاف إلى هذا ، أن الدولة المغربية ذاتها ، لا تُولي الشأن الثقافي كبير أهمية ، ولا يدخل في صلب اهتماماتها المركزية والإستراتيجية ، ومن ثمّ تضعه دائما في ذيل اهتماماتها وانشغالاتها ، وتتعامل معه كديكور مكمّل أوتحصره في ثقافة المهرجانات والتظاهرات الاستعراضية ..هذا إلى أن رجال الدولة النافذين أنفسهم لا تربطهم بالثقافة رابطة خير ..ومن ثمّ يبقى الهمّ الثقافي آخر المطاف ، متروكا للمثقفين المغاربة أنفسهم ، وعلى اختلاف أجيالهم ، بطريقة عصامية ومبادرات فردية تستحق التنويه . وهؤلاء هم الذين يتصدّرون ويؤثّثون المشهد الثقافي المغربي .. وهو مشهد لا بدّ من الإقرار بأنه يشهد دينامية وحَراكا على مستوى الإنتاج والنشر وفي مختلف الحقول الإبداعية والفكرية / شعر ، قصة ، رواية ، نقد ، فكر ..الخ . وعلى مستوى اللقاءات الثقافية أيضا ..لكن مع هذه الغزارة الإنتاجية التي نقدّرها ونثمّنمها ، أكاد أقول بلسان دِعبل الخزاعي /إني أفتح العين حين أفتحها / على كثير ، ولكن لا أرى أحدا ذلك أن قليلا من هذا الإنتاج ، يثير اهتمام القارئ ويستجيب لأفق الانتظار الثقافي والإبداعي .. وكثيرا منه يأتي في سياق التراكم فحسب.. هذا إلى أن معظم هذا الإنتاج يفتقد ويفتقر إلى الأسئلة الساخنة التي تقارب وتقرأ هذه التحوّلات والتصدّعات التاريخية الشقيّة التي تنخر الجسم العربي ، وتهدّد الأمة العربية والمصير العربي .. لقد غابت أو كادت الأسئلة الكبرى وحلّت محلها الأسئلة الصغرى»..وفيما يلي نص الحوار : p الأستاذ نجيب العوفي ،مرحبا بك في حوار لجريدة الاتحاد الاشتراكي ، نبدأه بتقييمكم للوضع الثقافي المغربي اليوم ، في ظل التحديات الكبرى التي يواجهها المحيط الإقليمي والجهوي والدولي ؟ n عند الحديث عن شؤون وشجون الثقافة المغربية ، تلزم الإشارة إلى مسألة أو مسلّمة شبه ثابتة في مشهدنا المغربي وإلى إشعار آخر ، وهي أن السواد الأعظم من مجتمعنا لا تهمه الثقافة ولا تدخل في حسبانه ، بسبب غياب أو هشاشة التقاليد الثقافية في المجتمع، وانتشار الأمية ، وهشاشة ظروف العيش لعموم المواطنين ، وهيمنة ثقافة الكرة وثقافة الاستهلاك .. وأكل الطعام والمشي في الأسواق ..يُضاف إلى هذا ، أن الدولة المغربية ذاتها ، لا تُولي الشأن الثقافي كبير أهمية ، ولا يدخل في صلب اهتماماتها المركزية والإستراتيجية ، ومن ثمّ تضعه دائما في ذيل اهتماماتها وانشغالاتها ، وتتعامل معه كديكور مكمّل أوتحصره في ثقافة المهرجانات والتظاهرات الاستعراضية ..هذا إلى أن رجال الدولة النافذين أنفسهم لا تربطهم بالثقافة رابطة خير ..ومن ثمّ يبقى الهمّ الثقافي آخر المطاف ، متروكا للمثقفين المغاربة أنفسهم ، وعلى اختلاف أجيالهم ، بطريقة عصامية ومبادرات فردية تستحق التنويه . وهؤلاء هم الذين يتصدّرون ويؤثّثون المشهد الثقافي المغربي .. وهو مشهد لا بدّ من الإقرار بأنه يشهد دينامية وحَراكا على مستوى الإنتاج والنشر وفي مختلف الحقول الإبداعية والفكرية / شعر ، قصة ، رواية ، نقد ، فكر ..الخ . وعلى مستوى اللقاءات الثقافية أيضا ..لكن مع هذه الغزارة الإنتاجية التي نقدّرها ونثمّنمها ، أكاد أقول بلسان دِعبل الخزاعي /إني أفتح العين حين أفتحها / على كثير ، ولكن لا أرى أحدا ذلك أن قليلا من هذا الإنتاج ، يثير اهتمام القارئ ويستجيب لأفق الانتظار الثقافي والإبداعي .. وكثيرا منه يأتي في سياق التراكم فحسب .. هذا إلى أن معظم هذا الإنتاج يفتقد ويفتقر إلى الأسئلة الساخنة التي تقارب وتقرأ هذه التحوّلات والتصدّعات التاريخية الشقيّة التي تنخر الجسم العربي ، وتهدّد الأمة العربية والمصير العربي .. لقد غابت أو كادت الأسئلة الكبرى وحلّت محلها الأسئلة الصغرى . p في ظل ما سمي الربيع العربي ابتداء من 2011 إلى 2016 ،يتضح للمراقبين والمتتبعين شبه غياب للمثقف في قراءة حجم التراجعات التي عرفتها بلادنا ، والذي تبدو فيه المؤسسات الثقافية المعنية ، خصوصا المدنية منها ، غير قادرة على المواجهة الثقافية في ظل الأوضاع التي تعيشها هذه المؤسسات ، أهمها غياب الدعم الكافي للقيام بدور هذه المواجهة ، في ظل دستور ينتصر للثقافة والفكر والتنوير ؟ n الربيع العربي الذي أشرت إليه ، أصبح الآن حديث خرافة .لقد تحوّل الربيع العربي إلى رُعب عربي وسراب عربي ( كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .) .. إن الواقع العربي المتردّي يصرخ في وجوهنا ، بأنه شتاء عربي طويل ، حسب العبارة المبكّرة والحادسة لعبد الله العروي .. ولعل هذا أحد الأسباب الصادمة التي أربكت حسابات المثقف وأثارتحيرته و بَلْبَاله .لقد تراجع دور المثقف الآن بالفعل ، من الصفوف الأمامية إلى الصفوف الخلفية ، ولم يعد رائدا للأهل وحاملا الراية وكاشفا للأعطاب والأدواء .. كما كان الأمر نسبيا في العقود السابقة ، وبخاصة عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات .. ذلك أن إيقاع التاريخ ذاته تحول وتبدل بين الأمس واليوم ، وتحديدا منذ انحسار المدّ الاشتراكي – الأُممي وانهيار جدار برلين الذي كان فاصلا بين مرحلتين وإيديولوجيتين ..أي منذ انهيار جدار أحلامنا الكبرى .هذا إلى الطفرة الثقافية – والإعلامية الهائلة التي قلبت موازين ووسائط التواصل رأسا على عقب ، وجعلت من العالم المترامي فعلا ، قرية صغيرة وبئيسة .. وأصبح النفوذ الثقافي الآن ، محصورا في هذه الشبكات العنكبوتية - الإلكترونية الماكرة ، بما جعل « المثقف « في المخيال العام ، مقولة كلاسيكية وأثرية .. أو بعبارة ألطف وأخفّ ، تراجع المثقف الكلاسيكي – العضوي ، أمام المثقف « العوْلمي « المشهدي الجديد .وفي وضعيتنا وحالنا نحن ، تراجع المثقف أمام السياسي والتقني والبيروقراطي ورجل المال والأعمال .وأصبح جزء كبير من الإنتاج التقافي دائرا في فلك الإبداع ( شعرا وقصة ورواية ومسرحا ..) ، كمجال للتنفيس والتعبير عن الذات الحائرة – الحانقة وسط المحموع .من هنا تبدو المؤسسات الثقافية المدنية في المغرب ، إذا صحّت وجازت هذه التسمية ( المؤسسات )، هشّة ورخوة ليست لها قواعد ثابتة واستراتيجية مدروسة ومتماسكة ، وليست لها الإمكانيات المادية التي تؤهّلها للفعل والتأاثير والتدبير . والعين بصيرة واليد قصيرة .أما بخصوص الدستور الجديد الذي أشرتِ إلى انه ينتصر للثقافة والفكر والتنوير ، فأنا أري بصريح العبارة ، أن آخر ما ينتصر له هذا الدستور ، هو الثقافة والفكروالتنوير ..ودعينا من الكلام المعسول فوق الورق الصقيل . والتحليل الملموس للواقع الملموس ، يقدم الدليل على ذلك .ومع ذلك ، فالثقافة تسير وتمضي لشأنها ، رغم كل المثبّطات والمُحْبطات ، وهذا في حد ذاته مقاومة ثقافية صامتة . p تبدو وزارة الثقافة إدارة في غياب المشروع ،وهي إدارة تهتم بشؤون الموظفين الى حد ما ، مع ما يعيشه هؤلاء من مشاكل لها مجالها في العمل النقابي ، ويبدو المثقف غريبا في هذه المؤسسة التي يكفل لها الدستور الاهتمام بالشأن الثقافي وبالمثقفين في موقعهم الإبداعي والفكري . هل مجلس الثقافة اليوم ضرورة ينبغي تفعيل القوانين بشأنه ، أم أن الأمر يتعلق بمثقف انزوى ولم يعد راغبا في الاشتغال بالمشروع المجتمعي الذي ينبغي أن يكون ؟ n مع كل مؤاخذاتنا وانتقاداتنا الوجيهة لوزارة الثقافة ، بصدد خدمة الشأن الثقافي ورعايته والنهوض به وتطويره ، ينبغي أن نقدّر ظروف اشتغال هذه الوزارة وحدود إمكانياتها المُتاحة ، وهامش الاستقلال والتصرف والتدبير المتروك لها أيضا ، حتى لا نجعل هذه الوزارة باستمرار ، مِشجبا نعلق عليه ، معشر المثقفين ، كل الأخطاء والنواقص والأوزار الثقافية . وكأنها تقول بلسان الأخطل الصغير / أأنا العاشق الوحيد لِتُلقى / تبعات الهوى على كتفيّ وزارة الثقافة ، كغيرها من الوزارات ، مؤسسة إدارية – بيروقراطية ، لا تخلق الثقافة ولا توجّهها وتقرّر مصيرها .. إنّما تُغازلها وتجبر خاطرها من حين لآخر ما يخلق الثقافة ويخدمها ويحمي حِماها ، هم المثقفون أنفسهم قبل غيرهم .وما حكّ جلدك مثل ظفرك .ومن ثمّ ، لا ننتظر من وزارة الثقافة حُلولا جاهزة لمشاكل الثقافة العويصة – والمُلتبسة .لا ننتظر منها عصا ثقافية سحرية . ولا حتى جزاء أو شُكورا .والأمر في نظري ، يتجاوز حدود وإمكانيات الوزارة ، إلى ما هو أعم وأهم من الوزارة .الأمر يحتاج إلى استراتيجية ثقافية مدروسة ومُحكمة يتولّى شأنها حُكماء وخبراء وباحثون ، على بيّنة ومعرفة بالشأن الثقافي ، وغيرة وطنية على الشأن الثقافي ، وكفاءة عالية في تدبير الشأن الثقافي .ومهمّة في مثل هذه الأهمية والحساسية والجسامة ، تحتاج بالفعل كما أشرتِ ، إلى مجلس وطني أعلى للثقافة .. تتضافر فيه وتتآزر مختلف الفاعليات والكفاءات والمكوّنات الثقافية ، لإعادة الاعتبار للثقافة ووضع قطارها على سكّة التنمية الحضارية للأمّة .واللّافت المثير هنا ، أن جلّ الدول العربية تقريبا ، لها مجالس ثقافية عليا من هذا القبيل ، ما عدا المغرب الذي يعتمد فقط على وزارة الثقافة المقصوصة الأجنحة .. وهذا دليل على ثانوية وهامشية الثقافة في أجندة الدولة .. وتوجّس الدولة الدائم من شغب وغضب الثقافة والمثقفين . p نجيب العوفي اليوم ، وفي ظل هذه الأسئلة ، إلى أين ؟ n إلى أين ؟ هو مُرابط في موقعه الثقافي المألوف والمتواضع ، يواصل رحلته الثقافية رغم كل مشاقّ الطريق.. والثقافة بكل تأكيد شكل من اشكال المقاومة وإثبات الوجود وتحسين الوجود .نجيب العوفي ماضٍ في حال سبيله وقَدره الأدبي ، يقرأ ويكتب ويشارك في اللقاءات والندوات الأدبية ، بقدر ما يطيق ، وأحيانا فوق ما يطيق ، بحكم تقدّم العمر وأتعاب العمر .وبدون شك ، فإن الأسئلة الحارقة أضحت اليوم أشدّ حرقة وأكثر تشعّبا وتفاقما والتباسا ، بالقياس إلى أسئلة الأمس ..وأنا بالمناسبة أنتمي إلى جيل منذور للأسئلة الحارقة والأحداث الساخنة ، جيل نذرنفسه وأدبه للهموم الوطنية والقومية ، ولم يجن من معاناته سوى الحسك والشوك .. سوى قبض الريح .وكل ذلك يزيد في الإصرار والصمود ، بدل اليأس والقنوط ..فالثقافة كما اسلفت ، شكل من اشكال المقاومة ، ولا يمكنها ان تكون إلا كذلك .. وبدل ان تلعن الظلام اشعل شمعة .هذا هو قدرنا ، جيل القدر ، حسب عنوان الرواية المعروفة والقديمة للكاتب السوري مُطاع صفدي . p مشروعك الفكري والثقافي حاضر بمنطلقاته وعلاماته التي رسَخت في أذهان قرائك كما رسخت في أذهان تلامذتك وطلابك .. هل هذا المشروع استطاع ان يستكمل أهدافه ومراميه في ظل الانكسارات التي لم تُقرأ بعد ؟ n لستُ من أصحاب المشاريع الثقافية والنظريات الأدبية والنقدية ولا أدّعي ذلك ..لستُ صاحب مدرسة نقدية ، وإن كانت لي بصْمتي النقدية الخاصة وأسلوبي النقدي الخاص ، كما يرى نقّاد النقد ، بل أنا جزء من مشروع الحداثة الأدبية والحداثة النقدية في المغرب أنا ناقد أدبي منذ الزمن الاول ، أتحرّك في مجرّة النصوص الادبية والإبداعية ، قارئا ودارسا .أنطلقٌ معرفيا ، من مرجعيات نظرية ومنهجية أدبية متنوّعة ومتجدّدة ، واهتدي باستمرار ببوصلتي النظرية – والمنهجية الخاصة ، في قراءة الادب وقراءة الواقع او المتخيّل الواقعي الذي يمتح منه .جاعلا النصوص همّي الأول وشغلي الشاغل .ومشروعي لذلك ببساطة ومنذ البدء ، أن نؤسّس لنقد أدبي مغربي حديث ، يتناول بالقراءة والتحليل ، وأيضا بالتفييم والتقويم ، النتاج الأدبي المغربي الحديث ، وذلك منذ طلائع الستينيات من القرن الفارط .وكانت الارض النقدية المغربية آنئذ ، شبه بور وخلاء ، إلا من مبادرات قليلة ورائدة يمثلها جيل الأساتذة / محمد برادة – أحمد اليابوري – محمد السرغيني – ابراهيم السولامي – حسن المنيعي – عباس الجراري – محمد الكتاني .. ورحلة الالف ميل تبدأ دائما بخطوة .وعلى مقربة من هؤلاء وفي خطوط التّماس معهم ، نجحنا إلى حدّ ، نحن جيل السبعينيات ، في تأسيس وتكريس مشروع النقد الأدبي الحديث في المغرب .وأشير في هذا الصدد بخاصة إلى جهود كل من إدريس الناقوري وعبد القادر الشاوي ومُحاورك نجيب العوفي وإبراهيم الخطيب ورشيد بنحدّو وحميد الحميداني وانور المرتجي وسعيد علوش والعياشي أبي الشتاء .. ومعذرة لجنود الخفاء ..كما أشير تذكيرا ، إلي ان أولى الكتب النقدية – المغربية الحديثة ، الصادرة في هذه المرحلة هي /- المصطلح المشترك / لإدريس الناقوري - سلطة الواقعية / لعبد القادر الشاوي - درجة الوعي في الكتابة / لنجيب العوفي .وأعتقد ان مشروع النقد الأدبي المغربي ، يشهد باستمرار تطورا كميا وكيفيا دائبا ، على يد الأجيال الجديدة .وهكذا رغم إكراهات ومشاق الطريق ، رغم كل الانكسارات والاندحارات ، رغم كل دياميس الظلام التي أرخت سُدولها على العالم العربي في الفترة الأخيرة ، فإن النشاط الادبي والنقدي ، وعلى الصعيد العربي بعامة ، ظل نجمة مضيئة وهادية في هذا الليل العربي البهيم .ظل كما لو أنه العزاء والسلوان . p ما هو جديد الأستاذ العوفي ، وماذا عن المتون الأدبية التي يقاربها ؟ n ثمّة كُتب كثيرة عندي رابضة في قاعة الانتظار تنتظر مني بعض المّراجعة لإطلاق سراحها .وقد صدر لي مؤخّرا عن شركة النشر والتوزيع المدارس ، كتاب نقدي جديد بعنوان ( كأنّ الحياة ، قصة قصيرة ) ، ويشتمل على مّقاربات للمتن القصصي المغربي بخاصة ، على امتداد عُقود من الزمان .وهو بذلك يشكّل أنطولوجيا نقدية – رصْدية للقصة المغربية ، في تحوّلاتها وتفاعلاتها الشكلية والمضمونية .والقصة القصيرة بالمناسبة ، تتبوّأ مكانة خاصة في مشروعي النقدي وأسئلتي النقدية .. ولا بدع في ذلك ، فقد بداتُ مشواري الأدبي في اواخر الستينيات من القرن الماضي ، كاتبا للقصة القصيرة ، وانتهيت قارئا وناقدا لها . واحب أن أذكر أيضا في هذا الصدد ،أن مشروعي النقدي المتواضع هو في منطلقه واستراتيجيته مشروع نصّي – تحليلي أكثر ممّاهو نظري – تنظيري ..علما بان الهاجس النظري كامن في المشروع هو مشروع « عضوي « مواكب للنصوص وملتحم بها . وأظن ان هذه هي إحدى المهام الاساسية للنقد والناقد .. خاصّة ان خريطة الإنتاج الأدبي والإبداعي في المغرب ، اتّسعت واغتنت في العقود الأخيرة وعلى أصْعدة ومستويات مختلفة ، على صعيد المبدعين والمبدعات ، وعلى صعيد الإصدارات الأدبية ،وعلى صعيد الأجناس والأنواع الأدبية ذاتها ، التي شهدت تطورا وتفاعلا وتجدّدا في الفترة الأخيرة .كل هذا يحتاج إلى الرصد والنقد ، أكثر ممّا يحتاج إلى التفكير النظري العام ، مع أهمية التفكير والتنظير بالطبع .لكن لا بد أولا من وضع الحصان أمام العربة ، بدل وضع العربة أمام الحصان .وبدون شك ، فإن هذه الخريطة الأدبية المتنامية – المترامية ، بكل فسيفسائها وتضاريسها ومنعرجاتها أيضا ، تدعو إلى التفاؤل والتقدير ، وبخاصة في ظل هذا الانحطاط العربي الذي أتى على الأخضر واليابس .إن المبدعين والأدباء والمفكرين ، هم شموع ليلنا العربي .