مع التدفق الهائل لمعطيات الثورة التكنولوجية الحديثة برزت التعبئة الالكترونية، عبر وسائلها المتعددة، كمعطى جديد في تأطير الحركات الاحتجاجية المعاصرة لتحل مكان الوسائل التقليدية من منشورات وبلاغات ورقية وتجمعات في الميدان. وقد تأكد ذلك لأول مرة في الانتفاضات التي عقبت نتائج الانتخابات الاخيرة في إيران، حيث نظام التواصل مغلق، وآليات الرقابة والحجز متعددة لكن الوسائل الحديثة، بمافيها اليوتوب والتويتر والفيسبوك والرسائل والصور الهاتفية خرقت الطوق وأبلغت مضامين الانتفاض إلى العالم بأسره. مع ثورة تونس تأكد البعد التحريضي والتعبوي الذي مثله شباب الانترنيت كمعطى أساسي في الدفع بهذه الثورة إلى أعلى درجاتها. وضمن هؤلاء الشباب صار اسم المدون سليم عمامو رمزا لهذا النضال الإلكتروني مما دفع بالسلطات التونسية الى مطاردته واعتقاله، ضمن الحملة التي طالت النشطاء الآخرين: سامي بن غربية، حمدي كالوتشا، عزيز عمامي... بموازاة ذلك تمت مواصلة حجب المواقع والتضييق على المبحرين? لكن بعد سقوط بن علي سيوجد سليم عمامو، الخارج على التو من الاعتقال، ضمن تشكيلة الحكومة المؤقتة برئاسة محمد الغنوشي،و قد أنيطت به مهمة كاتب الدولة في الشباب والرياضة. في مصر يشق النضال الإلكتروني نفس المسار تقريبا، فلقد اضطلعت حركة 6 أبريل بمهمة المساهمة في الإعداد الكترونيا، لانتفاضة الشارع المصري. وقد كان و ائل غنيم أحد رموزها الذين تصدروا تظاهرات 25 يناير، وبعد هذا التاريخ بيومين اعتقل وائل من طرف أمن مباحث الدولة حيث ظل رهين المعتقل اثنى عشر يوما ليطلق سراحه يوم الاثنين الماضي وليجد نفسه، في ذات اليوم يترأس أحد تجمعات ميدان التحرير بعد أن بوأه شباب الميدان مهمة الناطق باسم هؤلاء الشباب والمفوض من لدنهم بالمشاركة في كل تفاوض ممكن مع النظام المصري. سليم عمامو ووائل غنيم سارا معا من شاشات الحاسوب الى أفق عام: رمزية حركة وجيل، مع تنويع طفيف فقد دعي الأول إلى ممارسة العمل التنفيذي، وانتدب الثاني ليكون صوت الجماعة الشابة. وهي مآلات لم تكن لتمر دون ردود فعل مختلفة. في ما يلي بروفيل للاسمين اللذين لا يقدمان نفسيهما كأبطال ثورة، ولكن فقط كمناضلي أنترنيت? سليم عمامو من الاحتجاج الى الاستوزار أصر الناشط الإلكتروني التونسي سليم عمامو، يوم تنصيب الحكومة المؤقتة برئاسة محمد الغنوشي، على أن يؤدي قسم الاستوزار بدون ربطة عنق، في سلوك مخالف للبروتوكول الرسمي، لكن أيضا في إشارة منه إلى التزامه بخط التمرد الذي بوأه منصب كاتب الدولة في الشباب والرياضة. ولذلك، ومنذ توليه هذا المنصب يحرص على التصريح بأنه سيعمل داخل الحكومة على إبلاغ صوت الشباب، وبأنه سيظل وفيا لاختياراته التي بلورها على الأنترنيت بنفس درجات الحزم والصلابة المعهودة فيه. ولد سليم الذي يعد أصغر وزير في تاريخ الحكومات التونسية بمدينة تونس في الثامن من نونبر من سنة 1977، وهو متخصص في الإعلاميات، وفي تصميم مواقع الشبكة، وهو حاصل على دبلوم تقني عال في الإعلاميات الصناعية من المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بسوسة سنة 2000. ولذلك وظف هذه الخبرة في مناهضة سياسة بنعلي، خاصة جانب التعسف الذي عرفه مجال تداول المعلومات التكنولوجية. في هذا الإطار أسس عددا من المدونات التي عززت مسالك النضال الالكتروني بتونس من خلال تعبئة المدوينن وعموم المبحرين التونسيين. ولعل أشهر هذه المدونات «الرقيب عمار 404» التي خصصها للتنديد بخطة حجب المواقع الالكترونية ومحاصرة حركة الإبحار الافتراضي. في ماي 2010 دعا سليم إلى تنظيم تظاهرة احتجاجية أمام مقر وزارة الاتصالات للمطالبة برفع الرقابة على الأنترنيت، بل الاكثر من ذلك وجه نداء بقصد تنظيم بمسيرة ضد ما سماه انذاك «الحكم البائد في تونس». وبذلك اعتبر «أول مدون» يرفع هذا الشعار بهذه الجرأة في زمن الرئيس المخلوع. وحين انفجرت احتجاجات سيدي بوزيد في يناير الماضي وظف مدوناته لتغطية هذه الاحتجاجات، وللتنديد بسياسة بنعلي مما دفع السلطات الى اعتقاله بتهمة «ممارسة القرصنة الإلكترونية ضد مواقع الحكومة التونسية»? ومن ثم ظل رهين الاعتقال، فيما كانت ساحة الاحتجاج تتأجح على صعيد التراب التونسي برمته. بموازاة ذلك ارتفعت أصوات المبحرين تطالب بإطلاق سراح سليم عمامو?? وهو ما حدث فعلا يوم 13 يناير، أي أربعة وعشرين ساعة فقط قبل هروب بنعلي. المناسبة التي وجدها سليم ملائمة لمواصلة كفاحه الإلكتروني، دون أن يعلم أحد أن الترتيبات السياسية التي عقبت هروب الرئيس ستقوده إلى الوزارة. لم يتردد سليم في الاختيار، بل رأى ذلك اعترافا بإسهامات الشباب في الثورة، واعتبر المنصب مكانا تنفيذيا لإبلاغ صوت الاحتجاج من داخل الفضاء الرسمي. في نفس يوم التعيين دعي سليم الى المشاركة في ندوة تلفزيونية نظمتها قناة «نسمة»، وفيها بدا أشهر المدونين التونسيين واثقا من خطوة، مدافعا عن التجربة السياسية الجديدة، لكن قطاعا هاما من رفاقه المبحرين كان لهم رأي آخر، اذ رأوا في قبوله المنصب نوعا من الارتداد الذي لايكف هو نفسه عن نفيه الى الآن، في انتظار أن يسمو عمل الحكومة المؤقتة الى ماكان يطمح إليه الشعب التونسي. وائل غنيم من الاعتقال... إلى ميدان التحرير يتقاطع مسار الناشط الإلكتروني المصري وائل غنيم مع مسار التونسي سليم عمامو، فهما معا من نفس الجيل، وبنفس التكوين العلمي، ويؤمنان معا بنجاعة النضال عبر الانترنيت? ولد وائل في سنة 1980، وتلقى دراسته الجامعية في مجال الإعلاميات، وهو يشغل الآن منصب مدير التسويق للشركة العالمية غوغل بمنطقة الشرق الاوسط. في 6 ابريل من سنة 2008 وظف خبرات العلمية، رفقة زملائه، في دعم الحركة الاحتجاجية لعمال مصنع غزل المحلة الكبرى التي خيضت يوم 6 ابريل من نفس السنة، ومن هنا انبثق اسم الحركة الشبابية الإلكترونية التي تبرز اليوم ضمن ميدان التحرير كأبرز صوت احتجاجي، وكسند أساسي لانتفاضة الشارع المصري. حين اندلعت مظاهرات 25 يناير، كان وائل في الشارع ضمن الصفوف الأولى للمتظاهرين، مما جعل ضباط مباحث أمن الدولة يقدمون على اختطافه ليلة الخميس ليظل محجوزا اثني عشر يوما دون أن يعلم أحد مكان الاحتجاز، في الوقت الذي كانت فيه ثورة مصر تتواصل بأشكال متعددة بحيث ارتفع سقف المطالب من مجرد التنديد بالأوضاع الاجتماعية المزردية الى إزاحة الرئيس? يقول وائل عن فترة اعتقاله ضمن حواره مع المذيعة منى الشاذلي على قناة «الحياة» المصرية «ان ما آلمني حقا هو أن ظروف اختطافي واعتقالي لم تخضع لأية مسطرة قانونية، وآلمني أيضا أن يلحق الأذى بوالدي اللذين لم يكن يعلمان أي شيء عن مكان اختطافي، أو عن أسبابه». يقول كذلك انه لم يتعرض للتعذيب، بل تعرف على بعض الضباط الذين لهم حس المسؤولية وقد عاملوه باحترام كبير، إلا أن أسئلتهم كانت تصب أساسا في معرفة إن كان يشتغل لفائدة جهة أو أجندة ما. يضيف وائل «هذا أيضا كان مصدر ألم آخر بالنسبة إلي لأنني لم أكن أتصور أن أواجه يوما بتهمة التخوين، ثم إنني لست في حاجة إلى الاشتغال لحساب جهة ما، فأنا أقيم رفقة زوجتي بالإمارات في فيلا ميسورة، وراتبي يتصاعد مع الأيام، وبالتالي فإن ما حركني أساسا هو حب مصر»? وحين كانت حركة الاحتجاج تحتد، وحركة المبحرين تواصل إدانة الاختطاف اضطرت السلطات المصرية إلى إطلاق سراحه يوم 7 فبراير? وهو نفس اليوم الذي اعتلى فيه وائل منصة الاحتجاج بميدان التحرير مؤكدا وفاءه لشهداء 25 يناير، ولزملائه في النضال الإلكتروني الذين دعوا في صفحاتهم ومدوناتهم إلى أن يتولى هو نفسه مهمة التفاوض مع السلطات حول تدبير المرحل السياسية الحالية، وبذلك يتكرس اسمه كأبرز صوت في جماعة 6 أبريل، وفي حركة الميدان بشكل عام. لكن وكما في حالة الناشط التونسي سليم عمامو، ووجه وائل ببعض الاتهامات من طرف بعض زملائه الذين رأوا في جلوسه إلى وزير الداخلية مباشرة بعد إطلاق سراحه نوعا من السلوك غيور المحمود، والذي قد تترتب عنه تنازلات ما، مثلما رأوا في مرافقته حسام بدراوي الأمين العام الجديد للحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) بعد خروجه من مكتب وزير الداخلية نفس السلوك? لكن وائل يؤكد، في قناة «الحياة»، بأنه سعد بلقاء وزير الداخلية الذي أحس، أثناء مجالسته، بأنه يتحدث معه ندا إلى ند متفهما حركة النضال الشبابي? أما جوهر مادار في حديثه مع أمين الحزب الوطني الديمقراطي فقد كان يتلخص في مطالبة وائل بحذف «لوغو» الحزب من المشهد السياسي بتاتا، لأن هذا الحزب كان دائما، في رأيه، مصدر قلق وتعسف بالنسبة إلى الشعب المصري. في البرنامج ذاته، بكى وائل متذكرا شهداء 25 يناير، ومؤكدا «لست بطلا، الأبطال الحقيقيون هو الذين يوجدون الآن في ميدان التحرير». وكما يحرص سليم التونسي على تأكيد استقلالية قراره وعدم انتمائه إلى اية حركة سياسية، فقد حرص وائل على القول ضمن نفس البرنامج «هذا ليس وقت تصفية الحسابات أو اقتسام التورتة، وهذا ليس وقت فرض الإيديولوجيات»، مضيفا بأن لا أحد يمكنه أن يمثل ميدان التحرير سوى مناضلي هذا الميدان. هل نتصور أن مسار وائل قد يقوده إلى وزارة ما ضمن ترتيب سياسي قادم كما كان مآل سليم؟ أم أن ميدان التحرير سيصوغ اختيارته بصيغة مختلفة عن الطبعة التونسية؟ مهما تأخذه المسارات من صيغ، فالمؤكد أن سليم ووائل قد أرسيا تجربة فريدة في العمل الإلكتروني. وقد كان هدفنا من هذا البروفيل المزدوج تقديم فكرة عن اسمين من أبرز وجوه هذا العمل كما تبلور في تونس، ويتبلور اليوم في مصر على يد شباب جديد لا يخفي قرفه من «السياسة» بمرجعيات مختلفة، وبوسائل نضالية جديدة...