"... تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية ، في إطار الديمقراطية التشاركية ، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية ، وكذا في تفعيلها وتقييمها ، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون" . هذا بعض ما جاء في الفصل الثاني عشر من دستور فاتح يوليوز 2011، بشأن مكانة "الشريك" التي أضحى "الفاعل المدني" يتبوأها في سياق إرساء أسس وقواعد جديدة " للمواطنة" القائمة على مبتغى بلوغ توازن تام بين كفتي ميزان "الحقوق والواجبات" وفق المتعارف عليه داخل "نادي" المجتمعات الديمقراطية . "مكانة " قدمت بخصوصها ، في نهاية الأسبوع الماضي، معطيات رقمية تفيد بأن عدد الجمعيات ، إلى غاية الشهور الأولى من سنة 2016 ، قارب 130 ألف aجمعية موزعة عبر مختلف مناطق البلاد، منتقلا من رقم 116 ألفا سنة 2014، في وقت كان لا يتجاوز 90 ألفا في منتهى 2012. وماليا ، أوضحت المعطيات ذاتها أن التمويل العمومي للجمعيات ناهز 165 مليون درهم عام 2015 ، كحصيلة أولية، في وقت قارب 2.2 مليار درهم عام 2014. أرقام ، من المال العام ، آخذة في التصاعد والازدياد ، لابد وأن تستوقف المنشغل ب"أحوال المجتمع "، وتدفعه إلى التساؤل ، استحضارا لحقائق الواقع، عن مدى "إيمان" بعض المنوطة بهم مهام ترجمة منطوق "القول الدستوري" على أرض الممارسة اليومية ، في هذا الإقليم أو ذاك ، هذه المدينة أو تلك البلدة ، بدور الشريك المسند ل "الفاعل الجمعوي" ، والذي دعا الخطاب الرسمي إلى جعل العلاقة معه ترتدي لبوس " التكامل" لا التنافر أو التضاد ؟ طبيعة تمثّل "الشراكة" المنادى بها دستوريا، عند عدد ممن يمسكون بزمام القرار - ليس الكل والحمد لله - في أكثر من جماعة ترابية، تتسم باعتبار "الفاعل الجمعوي"، خصما يستوجب التعامل معه التسلح بغير قليل من الشك والارتياب ، ولما لا العمل على "خلق" شتى أصناف العراقيل أمام "مشاريعه"، كوسيلة للضغط في أفق جعله يرفع راية "الولاء" ويرضى بالتحرك ضمن حدود الدائرة المرسومة ل" العمل الجمعوي" وفق مفهوم عقلية "الرايس" المجسد في مشاريع "ختان الأطفال"، و "حفلات التبوريدة " وما شابه ذلك! واقع تحبل به "شكايات" عدد من الفاعلين الذين أعيتهم الأبواب الموصدة في وجوههم، كما يحكي بعضهم من أبناء قبائل تابعة لإقليم تارودانت : " أمام تعدد النقائص التي تعاني منها دواويرنا، و التي تضاعف من معاناة الساكنة ، اتفق العديد من المنحدرين من نفس المنطقة، على تأسيس جمعية تكون بمثابة مخاطب أمام السلطات المحلية والمنتخبة، في سياق التعاون والبحث عن السبل الناجعة للتخفيف من وطأة الحاجة والعوز، التي تعيق برامج التنمية المنشودة ، لكننا لم نجد الآذان الصاغية دائما"، مضيفين " تعذر علينا حتى مجرد تحديد موعد لعرض وجهات نظرنا، أما مسألة حضور دورات المجلس الجماعي، فغالبا ما لا يعتد بها ، وإذا ما أخذ أحدنا المبادرة وقرر الاستفادة من الفرص التي تتيحها المقتضيات الدستورية الجديدة ، فقد يتم اصطناع بعض أسباب رفع أشغال الجلسة، أو تحويلها إلى سرية، تحت مبررات واهية". "أكثر من هذا، يقول أحد النشطاء الجمعويين بالدارالبيضاء، " إن تواجد منتخبين على خط التماس مع مكاتب بعض الجمعيات - علاقة قرابة مثلا - يحدث لبسا بالنسبة لجمعيات أخرى ترى أن مشاريعها ترفض دون تقديم أي تعليل موضوعي ، في وقت تعبد الطريق أمام أخرى أقل أهمية، أو لا تمثل أولوية بالنسبة للساكنة المعنية بالاستفادة منها". و" هذا الغموض تكرس بشكل جلي في ظل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي لا يتردد البعض في التشويش على غاياتها النبيلة، من خلال جعل الدعم أسلوبا لتوفير قاعدة من الناخبين في أي استحقاق مرتقب، سواء كان جماعيا أو برلمانيا" ، و" هذا الخلط ، يتابع الناشط الجمعوي ، هو الذي يفسر تراجع وتقلص "ثقافة التطوع"، التي تشكل صلب العمل الجمعوي، والتي طبعت أعمال الرواد المؤسسين بداية من عقد الستينات للقرن الماضي، وباندثارها تصبح "خدمة المصالح الخاصة" وفق أجندة "حسابات غير عمومية"، في صدارة الاهتمام، مع ما يعنيه ذلك من هدر للمال العام وإضاعة للسنوات والعقود" . إن تمظهرات "الإقصاء والتضييق"، التي كثيرا ما يشتكي منها المراهنون على أهمية الفعل الجمعوي في الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، تشكل بحق دليلا إضافيا، على أن "أم المعارك" التي ينبغي كسبها - و بدون إبطاء - هي تقريب مسافة "الفروق" الشاسعة بين ما تنص عليه الوثيقة الدستورية "من أسس الديمقراطية التشاركية"، و ما تحبل به "الممارسة الميدانية" من تجليات معاكسة التيار ، حيث ليس كافيا التوفر على قوانين "متقدمة"، إذا كانت مسؤولية "تطبيقها اليومي" مسندة لمن لا يرى في "الرأي الآخر " أو "الاقتراح المغاير" ، سوى باب تتسرب منه رياح "الإزعاج " غير المسموح بهبوبها أكثر من اللازم؟