حين أختلي إلى الكتابة، تتمنع الكلمات أحيانا كعذراء تباغتها لمسة اللقاء الأول، تفر فزعة.. أراودها عن نفسها فتأبى. ينفرط عقد الأفكار، فأقول: هل كان محقا إميل سيوران وهو يصفها ب»ما أقذرك حرفة أيتها الكتابة». أحاول أن أستميل اللغة، فأشعل موقد الذاكرة والقلب، علني أكنس كل الغبار العالق على رصيف الجبين. وفي خلوتي بالكتابة، التي لا أعرف حقا من يختلي منا بالآخر، أكتشف أني لست أنا.. مرات أصبح طفلة في الأربعين بلا ضفائر، وأحيانا أغدو امرأة بانتصارات صغيرة وهزائم كبيرة أرسم آلاف الخطط على الورق كي أتناساها. أحفر بئرا في البياض علني أرتوي فأجد جوابا لسؤال يستفزني دوما: لم أكتب؟ وما الجدوى من الكتابة في مجتمع لا يقرأ، ولمن هذا السيل الدافق من عرق الكتّاب الذي لا يبلل خبز القراء؟ تحضرني شياطين الكتابة بتمردها ووساوسها وجرأتها . أتردد كثيرا. أستعيذ بالله منها. أستسلم أخيرا لغوايتها . سأكتب عن المعنى في زمن اللامعنى أو عن اللامعنى في انتظار أن يعود المعنى سأكتب على تخوم الأسئلة الملتبسة بحثا عن الإمتاع والمؤانسة الى أن تتضح الإجابات. سأكتب عن نفسي كما لو أكتب عن الآخرين. وسأكتب عن الآخرين كي أجد نفسي. أتحسس روحي، أحملها بين كفي وأسبغها على اللغة ولو كانت مجرد أسمال، كي أبدو مثل بلور شفاف متطهرة من كل الأقنعة.. لحظة... سأتراجع. هل أستطيع العيش داخل نص بدون أقنعة؟ سأترك هذه اللعبة المفضوحة التي اسْمُها الكتابة، فمن يقبلني عارية إلا من الحقيقة؟ من يقبل امرأة بلا أساور وبلا عطر غير خُضاب الكلام، تفتعل المعارك، فتحارب طواحين العبث تقترف شرور الكتابة، غير آبهة بالهزيمة تلو الهزيمة تقايض الحب بوردة في زمن أصبح الحب يقاس بالأوقية. تأخذني حمأة الأنثى حين يستفزها رهان ما، يمد شيطاني يده، أتبعه .. ندخل غرفة انفرادية كي نمارس الخطيئة التي لا أتقن غيرها.