إن الاهتمام بتكوين الموارد البشرية في منظومة التربية و التعليم أصبح دون شك أمرا ضروريا بحيث ليس هناك إقلاع اقتصادي دون تعليم جيد و ليس هناك تعليم جيد دون وجود موارد مكلفة و مؤهلة و لعل تأهيل المدير هو حلقة أساسية في تجويد و تحسين العلاقة الأفقية بين فئات المجتمع. في العصر الحاضر أصبح المدير ليس فقط ضابطا للسلطة قاتما على شؤون المؤسسة، بل أصبحت هناك أشياء أخرى تنافسه، إذ أصبح من الضروري تكوينه ليجعل الآخر يشغل جيدا المصادر و الوسائل. العالم اليوم يتغير فما هي إذن وظائف المدير حسب هذا التغيير؟ وما هي الكفايات الضرورية للقيام بمهامه؟ المهمة أصبحت مهنة و المهنة معقدة لأنها تتداخل معها عوامل اجتماعية عديدة. وظائف المدير تتأسس على تحقيق الغايات العامة و على كيفية معالجة تدخل الزمن في تغيير معالم الغايات العامة نفسها، و هذا يخلق حالة تغيير أدواره و لعل أكثر القضايا أهمية في مجال البحث التربوي هي قضية تكوين المديرين. لقد أصبح من الضروري النظر المستمر في تكوين المديرين الأكفاء القادرين على مواكبة التغيير الحاصل في العالم اليوم و من خصوصيات هذا التكوين تحديد الأدوار و المهام المنتظرة منه حتى تكون المدخل الأساسي لخصوصيات أكثر شفافية و دقة. كما أن هذا التكوين يجب أن يخضع لمنطقين اثنين : منطق إداري نظري أكاديمي و منطق تكويني لبناء كفايات الممارسات المهنية التي تتفاعل مع تدخل الزمن. والتكوين هو عبارة عن سيرورة لتنمية قدرات الفرد حسب الحاجة زمانا و مكانا و كلما كانت هذه الحاجة متعددة و معقدة كلما كان التكوين متعددا و معقدا. إن الأمر أصبح ملحا لإعادة التصور في تحديد مفهوم التكوين عند المديرين التربويين وكذلك تحديد المبادئ العامة المؤسسة لهذا التكوين، ثم إرساء المنطلقات الأساسية لبناء أنشطة التكوين المواكبة للعصر، وما هي الشروط الضرورية الأداتية لبداية هذا التكوين. وبرجوعنا إلى التصور لتحديد مفهوم التكوين نقترح التركيز على تنمية قدرات المدير التربوي من حيث الإحساس و الفعل و التخيل و الابتكار و الفاعلية و اتخاذ القرار و الفهم، و التكوين بهذا الأساس هو سيرورة في سياق سيكوفزينومي للمدير التربوي المتكون. ومما لا يخفى على أحد أن واضعي إجراءات التكوين تعترضهم بعض الصعوبات في تحديد نوع المعارف و المهارات و المواقف الأكثر إفادة بالنسبة للمديرين، لذا يجب التركيز على الجوانب السيكولوجية و السوسيولوجية و الفزيونومية في إعداد هذه الإجراءات لأنها ستشكل فيما بعد محددات ونتائج المكونات التي يتشكل منها نشاط التكوين. فالتركيز أكثر على الاستقلالية L'autonomie يعتبر حرية نسبية تساعد المدير على استيعاب أنشطة التكوين بفعالية و يستوعب حاضره و يتلاءم مع المستقبل بمستجداته و تحدياته. ومن هذا المنطلق نركز أساسا على التكوين الذاتي، هذا المصطلح الذي يشكل مبدأ عاما لكل تكوين و الذي جاء في أدبيات بيداغوجية أنﯕلوسكسونية ( كندا – فرنسا – بلجيكا)، و مواكبة للتكوين الذاتي يجب التحسيس بأهمية التقويم الذاتي Auto-évaluation للأعمال و المشاريع و القرارت المتخذة، كما نود أن يركز التكوين على روح المبادرة L'initiative.حتى يمكن الخروج عن الأنساق المغلقة لفعل التكوين و التي تتجلى في الحصول على معطيات جاهزة يتم التأكد منها في نهاية التكوين و وضع أنساق مخالفة يمكن تسميتها بالأنساق المفتوحة Les systèmes ouverts والتي تسمح بتبادل التأثير مع المحيط الخارجي حتى تساير كل التحولات التي تطرأ على هذا المحيط و يجعل بذلك مؤسسة التكوين ومن منتوجاتها أدوات وعناصر نشيطة وفاعلة لها مكانها في هذا المحيط ( ذ لحسن مادي) و التكوين الدائم هو بديل للتكوين المقنن بزمان ومكان بحيث كان يعتبر نتيجة نهائية وأما التكوين الدائم فهو عنصر محرك للتغيير، كما أن التكوين الذاتي للمديرين التربويين يساعدهم على تنمية طاقاتهم الفكرية وإذكاء حماسهم الداخلي وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة و المستقبلية وتنمية القدرة على الإنتاج والإبداع. ولتحقيق هذه الغايات يجب التخلص من بعض المعيقات كهيمنة التقاليد والأنماط الفكرية القديمة والخوف من ثقل السلطات البيداغوجية العليا.في مواجهة الأفكار المتعارف عليها وخرقها، كما أنه يجب تعليم المديرين الجدد كيف يقاومون الذات من أجل التغيير أي رفض كل جديد أو زعزعة المعتقدات السائدة التي تشكل حاجزا بين الراهن والمسقبل. وأخيرا أود أن أشير إلى اختيارنا لهذا الموضوع ليس من قبيل الصدفة أو الترف الفكري بل هو نابع من إحساسات وتجارب معاشة أثبتت أن تأخر المدرسة المغربية راجع بالأساس إلى عدم نجاعة التكوينات وانتقاء الأطر المناسبة للقيام بالأدوار الفعلية. أستاذ باحث في علوم التربية